"خايف أحكي
رح قلن
بدي منن،
يحبوني
يتقبلوني
بس خايف ينسوني
وابقى لحالي".
بعد نحو عام من كشفه مثليّته الجنسية في أغنيته "كذبة"، أصدر زاهر صالح، صانع الأفلام والمُغني الفلسطيني-الأمريكي الذي انطلق من برنامج "ستار أكاديمي" (2008)، أغنية عنوانها "لحالي"، يروي فيها تجربة جمعته بشريكه وعلاقته المتوترة إلى حد ما بأهله وخوفه من وحدته. وهي باللغتين العربية والإنجليزية سعياً للوصول إلى شرائح مختلفة من المستمعين.
يوضح زاهر أن هذه الأغنية انطلقت من تجربة عاشها مع شريك سابق كان آنذاك في "مرحلة حياتية مختلفة". الشريك لم يكن جاهزاً للبوح لوالديه بهويته الجنسية، بعكس زاهر، الذي يعتقد الآن أنه "في بعض الأحيان، قد نتحرك بوتيرة مختلفة، ما يجلب الكثير من الخوف وعدم اليقين".
"لحالي" هي ثالث أعمال زاهر المتمحورة حول كسر التابوهات. في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، أطلق أغنية "كذبة"، محورها قصة شاب مسلم مثلي الجنس يحاول التوفيق بين حرّياته الشخصية وعائلته ومُعتقداته وإيمانه. وقبلها أطلق فيلماً قصيراً عنوانه "الحرب من الداخل" (War Within)، امتزجت فيه آيات قرآنية بمشاهد جنسية، وفيه بكت أمّ ابنها المثليّ الذي يُصلّي "للتقرّب من ربّه".
في حوار مع رصيف22 قال زاهر، رداً على ما إذا كان يحاول أن يكون الشخصية القدوة التي تمنى وجودها في مرحلة عمرية سابقة، إن هناك الكثير مما لم يفهمه في مراهقته، وساهم في ذلك أيضاً عدم وجود شخصية تمثله عبر المنصات الإعلامية المختلفة ولكن "المسألة في غاية التعقيد"، بحسب وصفه.
وتابع: "سأخاف كثيراً إذا رأيت القرارات التي اتخذها حالياً. كنت مختلفاً. وما يصلح الآن، لم يكن يصلح سابقاً. والشيء ذاته ينطبق على مقارنة تجاربنا بتجارب الآخرين. ما يصلح للبعض لا يصلح للجميع، وهو ما علينا احترامه. 'كل الطرق تؤدي إلى روما' مثلما يقال، ولكن بعض الطرق أكثر تحدياً من غيرها. إن التزمنا فكرة أن ننمو أو نزدهر، فسيصل كل منا إلى وجهته، وبالسرعة والوقت اللذين يناسبانه".
وأشار إلى أن التأثير الذي يرجو التماسه لدى متابعي أعماله هو "خلق مشاعر الفضول والتعاطف"، موضحاً أن الفضول يدفعنا إلى اكتشاف ما هو مختلف، بينما يدفعنا التعاطف إلى التعرّف، بوعي، على الآخر، بغض النظر عن هويته الاجتماعية أو الشخصية. ويرى أن للفنون قدرة على إبراز مثل هذه المشاعر، وأنه سيكون ممتنّاً إذا كانت أعماله ضمن هذه الفنون.
"الوحدة مرفوضة اجتماعياً"
وتحدث زاهر عن وحدته وكيف يحاول التقليل من حدّتها. قال إنه يحاول زيارة والديه في ولاية أوهايو الأمريكية كلما استطاع، علماً أنه يقيم في نيويورك. وبالرغم من تعبيرهما الدائم عن مدى حبهما واحترامهما له، يقول إنه يعلم أنهما لا يزالان يعانيان لتقبّل هويته الجنسية، وهذا ما يُشعره بصراع نفسي.
وأضاف: "أشعر بفخرٍ تجاه ما أفعله، وتجاه التيمات التي أناقشها في فنّي، ولكن لا يمكنني مشاركتهما بالكثير من أعمالي. لديّ هذه المعضلة المستمرة والمتمثلة في التخبط بين رغبتي بالمشاركة وضرورة حفظ الأسرار، وهذا ما يجعلني أشعر بالوحدة غالباً. لا أريد أن أتبنى عقلية الضحية، وأدعها تحدد علاقتي بوالديّ لأن علاقتي بهما أبعد من ذلك بكثير. البوح بهويتي الجنسية لم يكن سهلاً عليهما، ولكنهما لم يسمحا للأمر أن يؤثر على حبهما لي، وهذه خطوة أولى جميلة. كلنا ضحية أنظمة اجتماعية فُرضت علينا. ربما تكون العلاقات أسهل وأسلم إذا فهم كلّ منا أن لدى كل شخص جانباً من الرواية".
ولفت آسفاً إلى أن هناك تابو يتمحور حول "الوحدة"، أي أن الوحدة مرفوضة اجتماعياً، لأننا كبرنا على ضرورة تجنب المشاعر "غير المحببة"، ولكنه يؤكد أنه "ليس خائفاً من إبراز مشاعر الوحدة، وانتهاز الفرصة من أجل التأمل والنمو".
"لا أريد أن أتبنى عقلية الضحية، وأدعها تحدد علاقتي بوالديّ لأن علاقتي بهما أبعد من ذلك بكثير. البوح بهويتي الجنسية لم يكن سهلاً عليهما، ولكنهما لم يسمحا للأمر أن يؤثر على حبهما لي، وهذه خطوة أولى جميلة. كلنا ضحية أنظمة اجتماعية فُرضت علينا"
الحب والإشارات الحمراء (Red Flags)
رأى زاهر أن وجود القيم المشتركة بين الشريكين، بغض النظر عن مدى "جذب الأضداد"، يُحدث كل الفرق. فهو ما يُشعل الحميمية والشغف وما يأخذ العلاقة إلى مرحلة مختلفة تماماً، بحسب قوله.
وأوضح: "عشت علاقة سابقة كان النمو الذاتي محورها، ولكن لم تكن لدى أي منا توقعات بمدى انعكاس ذلك على الآخر. حرصنا على التواصل والدعم، ومع الوقت رأينا الأشياء بشكل مختلف، وهذا ما أحدث شرخاً في العلاقة. انفصلنا في نهاية المطاف. هذا القرار كان أحد أكثر القرارات تحدياً وذعراً".
"تلفتني بالطبع فكرة السلام النفسي، ولكنني لا أحب رؤيتها وجهة نهائية، لأننا في الواقع، مهما فعلنا من أجل أنفسنا، فقد تصعب الأمور أحياناً، وتطفو المشاعر غير المريحة إلى السطح. وهذا تحديداً ما أحاول التصالح معه: حقيقة أن أياماً ستكون جيدة، وأياماً أخرى سيئة"
وتابع: "الحب في منتهى التعقيد، وفي بعض الأوقات يتسبب في صدمات سابقة اخترنا أن ندفعها إلى أعماق لا وعينا. ولكن هناك جمالاً يكمن هنا أيضاً. فنحن نختبر طيفاً من المشاعر، الجيدة والسيئة، والتي بدورها قد تغيّر حياتنا نحو الأفضل. الانفصال لا يعني كره الشريك السابق. وإن كان الطرفان واعيين، قد يؤدي الانفصال إلى إدراك جميل وتواصل أعمق قد يستمر مدى الحياة".
وعنده أن قبول من نحب بشكل تام قد يكون مستحيلاً لأننا كائنات معقدة. "مثلما قلت، فإن كلينا حاول في تجربتي السابقة أن يبذل جهداً لقبول اختلاف الآخر. حاولنا التنازل عن بعض الآراء والاحتياجات لنصل إلى نقطة مشتركة، علماً أنني سأشعر دوماً بحب واحترام تجاه شريكي السابق نتيجة ما فعله رغم الاختلافات التي أبعدت أحدنا عن الآخر، ولكن هناك العديد ممن يخلطون بين التنازلات الصحية وغير الصحية. فعلى سبيل المثال، إنها إشارة حمراء (Red flag) أن يحمل أحد الشريكين التبعات وحده في العلاقة، أو أن يتنازل عن مبادئه باستمرار لإرضاء الشريك. العلاقة المبنية على تضحيات من طرف واحد لا تطول، وتؤدي إلى مضاعفات مهولة".
"لا أحب رؤية السلام النفسي وجهة نهائية"
هل وصل زاهر للسلام الذي يتطلع إليه؟ جوابه: "أن يكون المرء لطيفاً مع نفسه ضروري، ولكنه ليس أسهل ما يمكن فعله. نعيش للأسف في عالم تنتفع فيه شركات عدّة وتحقق أرباحها حين نقارن أنفسنا بالآخرين، معتقدين بأن حياتهم أكثر سعادةً. أفكر هكذا في لا وعيي أحياناً. تلفتني بالطبع فكرة السلام النفسي، ولكنني لا أحب رؤيتها وجهة نهائية، لأننا في الواقع، مهما فعلنا من أجل أنفسنا، فقد تصعب الأمور أحياناً، وتطفو المشاعر غير المريحة إلى السطح. وهذا تحديداً ما أحاول التصالح معه: حقيقة أن أياماً ستكون جيدة، وأياماً أخرى سيئة".
"أن يكون المرء لطيفاً مع نفسه ضروري، ولكنه ليس أسهل ما يمكن فعله. نعيش للأسف في عالم تنتفع فيه شركات عدّة وتحقق أرباحها حين نقارن أنفسنا بالآخرين، معتقدين بأن حياتهم أكثر سعادةً"
تطرّق زاهر أيضاً إلى فخ قد يقع فيه العديد من الناس. فبالعودة إلى التعاطف، قال إننا نعيش مشاعر لا توصف حينما نسعد أحداً. ولكننا قد ننسى أنفسنا في بعض الأحيان، وإنه يحاول الانتباه إلى عدم نسيان سعادته بإعطائها للآخر، لأن الأمر ليس مرهقاً فقط، وإنما يقود في نهاية المطاف إلى العديد من المشاكل، بحسب اعتقاده، مضيفاً: "لا يمكن فعل شيء حينما يكون الشخص في المقابل غير مستعد ولا ينوي تحمّل المسؤولية. يوّلد ما قلته شعوراً بالذنب أحياناً، لأنني أتحدث عن أكثر من نحبهم ولا نريد بالطبع أن نراهم يعانون. ولكنني أذكّر نفسي بشكل مستمر أن كل ما يمكنني فعله هو أن أكون أفضل ما يمكن أن أكونه لنفسي، على أمل أن يلهم هذا الآخرين حتى يصبحوا مسؤولين تجاه أنفسهم. أذكّر نفسي بضرورة أن أكون ملتزماً بنموّي الشخصي، على رجاء أن يؤثر هذا على نمو كلّ من حولي".
وذكر أن هناك شيئاً واحداً يحدث بمعزل عن إرادته هو خسارة الأشخاص الذين يحبهم، وهنا يكمن خوفه. قال: "أمزح في بعض الأحيان وأقول إنه لا بد من وجود طرق للتصالح مع الموت، ولكنني أفشل دائماً. قد لا يتصالح الجميع مع الموت، ربما علينا الاستسلام".
وختم زاهر بأنه يعمل بحبّ شديد ويشعر برضا حقيقي تجاه ما يفعله اليوم، مع اعتقاده بأنه عمل بشكل عشوائي في السابق، كاشفاً أن فيلمه القصير "الحرب من الداخل" (War Within) أوقعه غي حب صناعة الأفلام. ولهذا، يعمل منذ أربع سنوات على أول فيلم روائي طويل من كتابته، وموضوعه نفسي (Psychological thriller)، ينتقد فيه هياكل السلطة التقليدية بتيمات تحاكي مستقبل الأقليات الاجتماعية في العالم العربي، ويدعو في النهاية إلى حب الذات.
في حوار سابق لزاهر مع رصيف22، قال إنه عاش خلف الأبواب المغلقة ليقمع حقيقته عمّن يحب خشية الرفض فقط. ولكنه اتخذ قراراً قضى بالنظر أخيراً إلى داخله لمواجهة وتقبّل نفسه. وشرح: "لم يكن الأمر سهلاً ولكنه كان الطريقة الوحيدة لحياة كاملة وذات معنى. كشفت الأمر لأقاربي أولاً ثم لإخوتي، ودعمهم كان يثلج الصدر. بعد علاقتي الأولى، شعرت بالحاجة إلى مواجهة مخاوفي مواجهة صارمة، لذلك قررت أن أتحدث مع والديّ. كان ذلك اليوم محطِماً للأعصاب ودرامياً للغاية... يُحبانني ويدعمانني ولكن لا يمكنهما فهم ميولي الجنسية وما تمثله". وأكّد: "إنكار حقيقة المرء قد يبدو سهلاً ومريحاً على المدى القصير، ولكن أثره يكسر القلب ويُحطم الإنسان على المدى الطويل. نحن نتعلم الخداع والاختباء والانخراط في عادات غير صحية لملء فراغ ما فحسب. فراغ لن يلتئم أبداً حتى ننظر إلى ما في داخلنا ونحبه ونتقبله".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...