شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"نخاف أن يصلبنا المجتمع لاختلافنا"... الفنان زاهر صالح بين الدين والمثلية الجنسية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!
Read in English:

We Fear Society Will Crucify Us: Zaher Saleh Between Islam and Homosexuality

الأمر أعقد مما يتصوّر البعض. أن يُولد المرء مثلي الجنس يعني أنه غالباً ما سيمرّ في صراع. أكان مع نفسه أم عائلته أم مُجتمعه أم مُحيطه، أم معهم جميعاً. يضطر البعض عيش "كذبة" لعلّها تُنجيهم. أو لعلّها تُعيّشهم كل "يوم بيومه"، بـ"سلام". ولكن هناك من يكتشف أن لا معنى للسلام هُنا. كيف يتصرّف مع الصراع النفسي؟ وهل سهل أن يعيش المرء مزدوج الشخصية لإرضاء الغير أو حفاظاً على رُوحه فقط؟

أسئلة كثيرة ومشاعر متعددة ولّدها زاهر صالح، صانع الأفلام والمُغني الفلسطيني-الأمريكي الذي انطلق من برنامج ستار أكاديمي، في أحدث أعماله "كذبة" الذي يُكمل فيه قصة شخصية. قصة شاب مُسلم مثلي الجنس يُجاهد من أجل التوفيق بين حرياته الشخصية وحياته الجنسية والعاطفية وعائلته ومُعتقداته وإيمانه.



قبيل إطلاق "كذبة" التي تعد بمثابة جزء ثانٍ من القصة نفسها، كان قد أطلق فيلماً قصيراً بعنوان "الحرب من الداخل" (War Within). في هذا الفيلم (مدته 4:20) امتزجت آيات قرآنية بمشاهد جنسية. وفيه بكت أُم مسلمة ابنها المثلي الذي يُصلّي في محاولة "للتقرّب من ربّه". ولكن خلال صلاته، لم ينسَ ولو للحظة من هو، وما هو تكوينه، وما هي رغباته، رغم الدعاء "يا رب ساعدني، يا رب بعدني عن المعاصي، يا رب قرّبني إلك أكتر وأكتر يا رب، يا رب بعدني عن المعاصي. يا رب غيّرني".

تنتهي الأدعية ببصقة على المرآة وقرف مثلي الجنس من نفسه، فالقلب ثقيل ولكنه عاجز، ولكنّ الحُب بكل أشكاله ينتصر في النهاية. 

اعتبر زاهر أن هذا الفيلم الذي كتبه وأخرجه قبل ثلاث سنوات بمثابة تأكيد على مثليته الجنسية. واستكمالاً لهذا المشروع، أطلق يوم 26 تشرين الثاني/نوفمبر فيديو كليب "كذبة" محاوراً فيه العائلة، وموضحاً أن العيش وحيداً أفضل من عيش كذبة يُمثّل فيها دوراً ليس مُخصصاً له.

"لشو كذب على حالي وقول
كرمالن كل شي بهون
همّن على حالي، على راحة بالي، ما إبقى لحالي
ببقى لحالي أحسن ما أكذب عَ حالي

لو قالوا شو بدك قول، ما تخلي بقلبك، قول
بدي قلن إنو أنا بدي حالي كون
همن على حالي، على راحة بالي، ما إبقى لحالي
ببقى لحالي أحسن ما أكذب على حالي". 

Directed by Jude Bourdoukan. Music & Lyrics by Zaher Saleh .Composed & Mixed by Michael Banks at uefo Studios. Mastering by Heba Kadry

رصيف22 حاور زاهر صالح الذي تحدث عن مواقف شخصية ومشاعر قد تكون مرافقة لعدد من الكويريين العرب وغير العرب ممن يعيشون في مجتمعات ترفض الاختلاف. وهنا نص الحوار.

قُلت إن "كذبة" هو مشروع خاص، ولكنك من خلاله تتحدث بلسان شريحة أوسع، وهي مجتمع الميم-عين... إن أردت اختصار العمل برسالة قصيرة، فماذا تكون؟

كُنت في زيارة إلى إسطنبول حين تلقيتُ مكالمة من والدي، يُعبر لي فيها عن مدى خيبة أمله بخيارات حياتي. 'لا سيارة لي ولا منزل ولستُ متزوجاً'. وبالرغم من أن والدي هو أكثر الآباء حُباً وحساسية، فما قاله هو مؤشر لتقييم نجاحي في الحياة وفقاً "لمعايير مجتمعنا". 

في وقت لاحق من تلك الليلة، كنت مع ابنتي عمي مستمتعين بالجو الجميل على سطح الفندق الذي أقمنا فيه. عندها، بدأتا بمشاركة تجاربهما المخيبة للآمال مع التوقعات الثقافية والعائلية. في ذلك الوقت، وُلدت 'كذبة' من رحم إحباطاتي وتجاربي الشخصية، أملاً في عيش حياة خالية من أي نوع من التوقعات، وخالية من حياة ليست حياتنا.

فخور بكوني عضواً في مجتمع الكويريين، لكنني أتمنى أن تصل هذه الأغنية إلى أكبر عدد ممكن من الأشخاص لإلهامهم لعيش حقيقتهم بغض النظر عن جنسهم أو توجههم الجنسي.

هل تحكي لنا تجربتك ولو باختصار؟ ما "الحرب" التي كانت "بالداخل"؟ ماذا يشعر من يضطر إلى إخفاء ميوله ويظهر بشخصية مزيفة؟

كنت في الحادية عشرة من عمري حين شعرت أني مختلف. في البداية، لم يكن الأمر سهلاً. حاربت بكل ما أستطيع. شعرت بالقذارة والنجاسة لأني أفكر في مثل هذه الميول. أتذكر بكائي في الليل طالباً المغفرة من الله. ولكني في بعض الأوقات كنت مستاءً منه لخلقي بالطريقة التي خلقني فيها...



عشتُ خلف الأبواب المغلقة لأقمع حقيقتي عمّن أحب خشية الرفض فقط! ولكن منذ فترة قريبة، اتخذت قراراً بالنظر أخيراً إلى داخلي لأواجه وأقبل نفسي. لم يكن الأمر سهلاً ولكنه كان الطريقة الوحيدة لحياة كاملة وذات معنى. كشفت الأمر لأقاربي أولاً ثم إخوتي، ودعمهم كان يثلج الصدر. بعد علاقتي الأولى، شعرت بالحاجة إلى مواجهة مخاوفي مواجهة صارمة، لذلك قررت أن أتحدث مع والديّ. كان ذلك اليوم محطِماً للأعصاب ودرامياً للغاية... يُحبانني ويدعمانني ولكن لا يمكنهما فهم ميولي الجنسية وما تمثله.

إنكار حقيقة المرء قد يبدو سهلاً ومريحاً على المدى القصير، ولكن أثره يُكسر القلب ويُحطم الإنسان على المدى الطويل. نحن نتعلم الخداع والاختباء وحتى الانخراط في عادات غير صحية لملء فراغ ما فحسب. فراغ لن يلتئم أبداً حتى ننظر إلى ما بداخلنا ونحبه ونتقبله.

"شعرت بالقذارة والنجاسة لأني أفكر في مثل هذه الميول. أتذكر بكائي في الليل طالباً المغفرة من الله. ولكني في بعض الأوقات كنت مستاءً منه لخلقي بالطريقة التي خلقني فيها"... زاهر صالح الذي انطلق من "ستار أكاديمي" بين المثلية الجنسية والدين

برأيك متى ستتحرر العقول؟ متى يتقبل بعضنا اختلافات بعض؟

نميل إلى التركيز كثيراً على الرغبة في رؤية التغيير الأكبر في العالم أو في مجتمعاتنا بينما نفتقد عاملاً رئيسياً، وهذه هي المسؤولية التي نتحملها. كثيراً ما نُطلق الأحكام بعضنا على بعض. نحكم على الآخرين كآلية للبقاء. نحكم على ما يبدو جيداً وربما هو سيئ، وإذا صادفنا "السيئ" أو "المختلف"، نصبح حينئذ أشراراً. نغدو قساة لنحمي غرورنا. نريد الدفاع عن الأفكار والمعتقدات التي أسسنا عليها وجودنا كله، وإلا فسنُحاسب! الضعف هذا مخيف. الطريقة الوحيدة لمحاربة عدم التسامح هي الحب، وحب الذات في المقام الأول. إذا تعلمنا أن نحب ونقبل ما نحن عليه، نكون قادرين على المسامحة وعلى احترام التنوع في كل جانب من جوانب الحياة.

من هي الفئات التي تُخيفك؟ أو ممَّ تخاف؟ وهل إقامتك في نيويورك سببها ميولك الجنسية؟

أخاف الناس غير المستعدين للتشكيك في ظروفهم الثقافية والدينية.

أشعر بأني محظوظ لأني مقيم في الولايات المتحدة لأسباب عدة، أكثرها وضوحاً هو القدرة على التعبير عن هويتي الجنسية من دون قلق بشأن أي تبعات. ومع ذلك، فأنا قريب جداً من والديّ، وبغض النظر عن المكان الذي أعيش فيه، سأشعر دائماً بالمسؤولية تجاه رد فعلهما إذا شاهدا عملي. بصراحة، ليس من السهل موازنة ذلك. أشعر بالقلق بشأن مشاعرهما. أحاول أن أكون محترماً ومحباً لخياراتهما أثناء خوض هذا المسار الصعب. 

في الوقت نفسه، أنا ملتزم عدم التراجع عن القرارات والفرص التي من المحتمل أن تفيد هدفي الأسمى في الحياة وهو إلهام غيري بالتغيير الإيجابي.

"إنكار حقيقة المرء قد يبدو سهلا ومريحاً على المدى القصير، ولكن أثره يُكسر القلب ويُحطم الإنسان على المدى الطويل. نتعلم الخداع والاختباء لملء فراغ ما. فراغ لن يلتئم أبداً حتى ننظر إلى ما بداخلنا"... زاهر صالح الذي انطلق من "ستار أكاديمي" بين المثلية الجنسية والدين

ما "ضريبة" أن يكشف المثلي عن ميوله الجنسية وسط مجتمعاتنا؟

بالنسبة لجميع الأقليات، أكثر ما يقلقنا هو رفضنا ونبذنا. للأسف، في بعض الدول يتحوّل هذا القلق إلى مسألة حياة أو موت. ولهذا علينا نشر التوعية، والقيام بواجبنا بقبول الغير، ونكون أقل حكماً بعضنا على بعض. هذا سيشكل نظرة المجتمع إلى الكويريين. كنت في غاية السعادة حينما كشف الممثل المصري هشام سليم عن عبور ابنه الجنسي. شعرت بأن كلّما سمعنا مثل هذه القصص، أصبحنا أشخاصاً أكثر تقبلاً للغير. 



هل يمكن أن تتحدث قليلاً عن عمل "الحرب من الداخل"؟ ما الذي دفعك لمزج آيات قرآنية بمشاهد جنسية؟

يتمحور الفيلم حول شاب مسلم مثلي الجنس يتوه في أفكاره خلال الصلاة. نشاهده وهو يتنقل بين عواصف من المشاعر. من متعة فائقة إلى الإحساس بالعار والذنب. وخلال عرض هذه المشاهد، نبدأ في التساؤل هل ما يجري حقيقة أم خيال يدور في رأس بطل العمل. 

من المهم جداً مناقشة كيف يؤثر علينا الدين، وخاصةً في مراحل تطورنا المبكرة. في مرحلة البلوغ، يبدأ بعض الأشخاص المثليين في عيش حياة متضاربة بين دينهم وهويتهم الجنسية. في فيلم "الحرب من الداخل"، كانت الشخصية الرئيسية تحاول التوفيق بين الإيمان والحياة الجنسية، والبحث عن حقيقته وسط مشاعر العار والكراهية والذنب.



نحن بحاجة إلى أن نناقش هذا. إذا واجه الأطفال صعوبة في تطوير علاقة صحية مع هويتهم الجنسية، فإن كرههم الذاتي الناشئ عن نظام القيم الثقافية والدينية قد يجلب لهم مستقبلاً مليئاً برهاب المثلية الداخلية، مثل الزواج بشريك من الجنس الآخر ليشعروا بتحسن أو لإرضاء الآخرين. وما ينتج عن هذا قد يؤدي إلى اكتئاب شديد، من الممكن أن يصل إلى الانتحار. 

قلت إنك لم تكن تُظهر شخصيك الحقيقية في ستار أكاديمي، ممَّ خفت؟ ومتى شعرت أنك تحتاج إلى إظهار الحقيقة؟

كنت في الـ19 من عمري، واعتقدت أن الكشف عن ميولي الجنسية أمر يجب أن لا أفكر فيه أبداً. لم أرغب في تخييب أمل عائلتي ومجتمعي وجمهوري. ولكنني لم أكن أعلم أنني لست الوحيد هنا الذي أخاف من هذه اللعنة. نخاف من أن يصلبنا المجتمع لاختلافنا. ولكن فكرة أن أعيش في كذبة طوال حياتي لم ترِقْني. لا منطق في إخفاء جزء كبير من حقيقتي على من أحب. وشيئاً فشيئاً بدأت أنظر إلى داخلي حتى شعرت بحاجة إلى قول الحقيقة وتحرير نفسي من كل العار والذنب اللذين رافقاني معظم حياتي. 

ما الرسالة التي توجهها لكل من يخفي هويته الجنسية، خوفاً من دين، أو عائلة أو مجتمع أو غيره، وكذلك لكل متعصّب يُبرر العنف بحقّ أفراد مجتمع الميم-عين؟

أتفهم أن المواقف قد تختلف، وأن بعض الناس قد لا يتمتعون بامتياز التحدث أو الدفاع عن أنفسهم. لكن أقل ما يمكنك فعله هو أن تكون متصالحاً ومحباً لنفسك. أنت مهم لأنك مخلوق جميل وتستحق حياة محترمة وكريمة.

وبالنسبة للرسالة الثانية، فهي كالأولى.

كُن محباً لنفسك وتصالح معها. الأهم هو ألا تدع الخوف مما هو مختلف أن يعميك عن رؤية حقيقة أننا جميعاً بشر، مع عيوب واختلافات ومزايا. لقد أتينا جميعاً من المكان نفسه وسننتهي جميعاً في المكان نفسه. حرر نفسك من الكراهية والأحكام. عش ودع غيرك يعيش.



إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

المجاهرة العنيدة بأفكارنا

ظننا يوماً أنّ تشبثنا بآرائنا في وجه كلّ من ينبذنا، هو الطريق الأقوم لطرد شبح الخوف من الاختلاف.

لكن سرعان ما اتّضح لنا أنّ الصراخ بأعلى صوتٍ قد يبني حواجز بيننا وبين الآخرين، وبتنا نعي أنّ الظفر بالنجاح في أيّ نقاشٍ والسموّ في الحوار، لا يتحقّقان إلا بفهمٍ عميق للناس الذين ينفرون منّا، وملاقاتهم حيث هم الآن.

Website by WhiteBeard