شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"رابطة كارهي سليم العشي"... "نبي" لبناني أثار اهتمام المصريين قبل نشأت مجد النور

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأحد 23 يناير 202211:24 ص

فى رواية "كافكا على الشاطئ" كتب الروائي الياباني هاروكي موراكامي: "إغماض العينين لن يغير في شيء... لا شيء سيختفي لمجرد أنك لا تريد أن تراه".

منذ تركتْ سلك الرهبنة وانخرطت في الدراسة المقارنة للأديان والبحث عن أصول الدين في تاريخ البشرية، أصدرت الباحثة البريطانية المختصة في علم الدين المقارن كارين أرمسترونغ العديد من الكتب عن جذور احتياج الإنسان إلى الدين، وما الذي دفع القبائل الأولى إلى البحث عن إله أو تمثلات للإله، ثم كيف تطورت تلك الأديان لتتخذ شكلاً دولتياً سياسياً، وإن بدت بداياتها غير مبشرة بتلك العالمية التي حازتها لاحقاً.

هذه العملية (نشأة الدين وتطوره) تُقرأ عادة من خلال كتب التاريخ والأدبيات المعاصرة لنشأة الأديان ونصوصها المقدسة ودراسات الأنثروبولوجيا. لكن عصرنا الحديث لا يبخل علينا بفرص مراقبة نشأة وتطور ديانات أو طوائف جديدة، تأتي غالباً من شرقنا المتمتع بقدر أكبر من الحرية: لبنان.

خلال الأسابيع الأخيرة، ظهر في لبنان "نبي" جديد اسمه نشأت مجد النور، سرعان ما بات محل سخرية رواد الشبكات الاجتماعية في مصر، حتى أنه حرم المصريين دعوته رداً على التعليقات الهازئة. وربما لو أنه أعلن دعوته في مصر لانتهى سريعاً في إحدى المصحات النفسية قبل أن يخط كتابه المقدس.

عصرنا الحديث لا يبخل علينا بفرص مراقبة نشأة وتطور ديانات أو طوائف جديدة، تأتي غالباً من شرقنا المتمتع بقدر أكبر من الحرية: لبنان

قبل عقود، أطل "نبي" آخر من لبنان، هو سليم موسى العشي، اللبناني الذي ولد في فلسطين في أسرة عراقية، والذي تسللت دعوته المسماة "الداهشية" إلى مصر وصارت حديث الصالونات والجلسات الثقافية والفنية. ورغم أن دعوته انحسرت سريعاً – على الأقل في مصر- اتخذها الروائي سامح الجباس باباً لروايته الجديدة "رابطة كارهي سليم العشي".   

أين يبدأ الخيال؟

يذكر الجباس في روايته أسماءً شهيرة من كبار مفكري وفناني وكتّاب مصر ولبنان خلال أربعينيات القرن الماضي، راسماً صورة لمصر في حقبة امتازت فيها بتلقي كل جديد، حقبة كانت القاهرة فيها ساحة لمساءلة الثوابت ونشر الأفكار مهما بدت غريبة أو مستهجنة. حقبة بات فيها المصري قادراً على نشر كتاب "لماذا أنا ملحد؟" فيرد عليه علماء دين ومفكرون من دون أن يهدر دمه أحد.

يضع الجباس في روايته خطوطاً حمراء ودوائر حول أسماء عديدة، فسليم العشي أو الدكتور داهش، المثير للجدل، قدم خوارق روحية، قيل إنها معجزات، فقد كان منوّماً مغناطيسياً، وساحراً محترفاً. قابل شخصيات كبيرة من رجال الفن والفكر والسياسة خلال وجوده في مصر. 

قبل عقود، أطل من لبنان "نبي" آخر، يدعى سليم موسى العشي، اللبناني الذي ولد في فلسطين في أسرة عراقية، وتسللت دعوته المسماة "الداهشية" إلى مصر وصارت حديث الصالونات والجلسات الثقافية والفنية ومفتاحاً لرواية جديدة 

بين التدين والحرية

تخبطت "الداهشية" كطريقة غير معروفة بين الحرية والتدين، فأهل الدين يرونها بدعة وضلالة، ودعاة الحرية والتقدميون يرونها علامة على عصر التنوير والتحرر من القيود الفكرية، والسعي بخطى واسعة نحو التفكير الفلسفي.

الدكتور داهش أو سليم العشي يؤمن بكل الأديان، الإسلام والمسيحية واليهودية. ويستشهد، وهو البروتستانتي الأصل، بأقوال محمد نبي الإسلام (ص)، ويستمد العون من الله قبل بداية جلساته، مؤكداً أن الله يعطيه الإذن ويساعده على جلب المفقودات.

يهتم سليم العشي بأصل الأديان وروحها بعيداً عن القشور والعادات والمظاهر الوثنية في العقائد، وفق أحد مريديه.

يتتبع الجباس ذلك التاريخ ويتوقف عند زيارة داهش إلى مصر لينسج منها رواية تغيب فيها الخطوط الفاصلة بين الحقيقة والخيال

ظهرت الداهشية في 23 آذار/ مارس 1942 في بيروت، ثم تسربت إلى دولٍ أخرى من خلال الرحلات التي قام بها "الدكتور داهش" حول العالم.

يتتبع الجباس ذلك التاريخ ويتوقف عند زيارة داهش إلى مصر لينسج منها رواية تغيب فيها الخطوط الفاصلة بين الحقيقة والخيال.

بين الأصل والحداثة

يعود تاريخ اليهودية والبوذية والهندوسية ثم الديانتين الأحدث عمراً: المسيحية والإسلام، إلى آلاف السنين.

لكن ثمة بدعاً ومذاهب نشأت في العصر الحديث وتحديداً في القرنين الأخيرين، على يد رجال منهم من ادَّعى النبوة مثل جوزف سميث (1805-1844) بأمريكا، مؤسس المورمونية، وتشارلز تاز راسل (1852-1916) مؤسس جماعة شهود يهوه.

في الشرق، جاء أحمد القادياني (1839-1905) من الهند، مؤسس القاديانية/ الأحمدية وقبله كان بهاء الله (1817-1892) في إيران، مؤسس البهائية.

وفي سوريا أسس سلمان المرشد (1907-1946) الطائفة المرشدية، وفي لبنان "الدكتور داهش" (1909-1984) الذي دعا إلى الطريقة أو الديانة الداهشية.

كتابة متمردة

كتب الجباس روايته بطريقة توثيقية، مازجاً السرد والتخييل بالحقائق، واستعان بإعلانات الجرائد عن جلسات داهش التي كانت تجرى في فندق غلوريا في شارع شارع عماد الدين، مرة يقولون إنه عالم روحاني، وأخرى منوم مغناطيسي، وثالثة ساحر.

يقول الجباس إنه من أجل كتابة الرواية بحث في مؤلفات العشي التي قاربت مئة وخمسين كتاباً ورسالة، منها "الرحلات الداهشية حول الكرة الأرضية".

تؤكد الداهشية أن لسليم العشي ست "سيالات" ممتدة منه، أو ست شخصيات كائنة في عوالم ودرجات روحية عليا قد تتجسد في وقت واحد أو في أوقات متزامنة لإتمام دور بارز لحمايته من الأخطار.

أشار الجباس إلى قصة نجيب محفوظ "السماء السابعة" في مجموعته القصصية "الحب فوق هضبة الهرم"، وهي تتحدث عن رحلة الروح، بعد الموت وصعودها وما الذي يحصل معها.

هل آمن صاحب نوبل بأفكار الداهشية؟

وراجع قصة "سابا رمزي" في مجموعة "المرايا" وهي مجموعة من "البورتريهات" كتبها محفوظ مستنداً في بعضها إلى شخصيات حقيقية قابلها وعاصرها، وقصة سابا رمزي دفعت الجباس للتساؤل: هل آمن صاحب نوبل بأفكار الداهشية؟

لم يقدم الروائي إجابة شافية، وإنما قدم بحثاً ميتمداً من كتابات يرجح أنه تزامن إعدادها مع فترة وجود داهش في مصر، وإلتقائه هؤلاء الأدباء والمبدعين، ويرى الراوي أن بضهم تأثر برؤى العشي ودعوته، أو أن دعوة الأخير أثارت فضولاً إبداعياً لديهم. 

ويتساءل الجباس هل أدهشت خوارق الرجل الوسط الثقافي المصري خاصة أن كثيراً من الكتّاب تحدثوا عن أن للإنسان عدة أرواح. وهو مختلف عن مبدأ التناسخ الموروث عن ديانات الشرق الأقصى.

في مسرحيته "الدنيا رواية هزلية"، أثار توفيق الحكيم الجدل حول فكرة التقمص، وتناسخ الأرواح، فهل كان هذا من أثر قراءاته في الديانات الشرقية أم لقائه بسليم العشي؟

ويتساءل الجباس كذلك عن أثر سليم العشي في الفنان نجيب الريحاني وعميد المسرح العربي يوسف وهبي، وعلاقته بالسيدة زينب عبدالمجيد والدة الضابط زكريا محي الدين أحد رجال ثورة يوليو، والممثلة والمنتجة ماري كويني.

 أثار انتباه الجباس أثناء جمع المعلومات للرواية أن من احتشدوا حول الدكتور داهش هم من صفوة المجتمع من فنانين وشعراء وكتاب وصحافيين وسياسيين، منهم الكاتب اللبناني ماجد مهدي والشاعر حليم دموس شاعر الوحدة الدينية والإنسانية، الملقب بمؤرخ الرسالة الداهشية، وماري حداد شقيقة قرينة الرئيس اللبناني بشارة الخوري، التي جمعتها صلة قريبة بالعشي ورسمت له مجموعة من البورتريهات.

يقول الجباس لرصيف22: "قرأت الأدب العربي في فترة وجود الدكتور داهش للتنقيب عن الأفكار التي يطرحها ويروج لها، فاكتشفت أموراً مثيرة في كتابات كبار الأدباء المصريين لم ينتبه أحد لها قبل أن أضمها إلى روايتي. قدمت أسئلة ومعطيات وأدلة موثقة متزامنة مع أفكار وزيارات الدكتور داهش لمصر.

حالة إنسانية غريبة

مثّل سليم العشي "حالة إنسانية غريبة وغامضة" بحسب الروائي المصري، "ما زالت تثير الخوف والجدل على الرغم من وفاته قبل 42 سنة"، ولا تزال كتاباته ممنوعة من التداول رغم كونها شعرية وأدبية تنتمي إلى أدب الرحلات.

وتعددت نشاطات داهش، من ساحر إلى مُنوّم مغناطيسي معترف به دولياً ثم شاعر، وناثر وأديب، تحول بعد ذلك إلى مؤسس عقيدة ذي خوارق ومعجزات، فآمن به البعض وحاربه كثيرون. وأثار في حياته وبعد موته الكثير من الجدل داخل المجتمع اللبناني وخارجه.

يقول الجباس في تصريح صحافي: "يكفي أنه بعد مضي 42 عاماً على وفاته في نيويورك، ولم يسمح حتى الآن بعودة جثمانه إلى لبنان. وهو ما يؤكد أن هذه الشخصية صنعت ضجيجاً واسعاً". 



رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image