بعد خطوة مماثلة من منظمة "هيومن رايتس ووتش"، صنّفت منظمة العفو الدولية الانتهاكات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني "جريمة فصل عنصري"، أبارتهايد، مطالبةً الأمم المتحدة ودول العالم بمساءلة إسرائيل عن جرائمها ضد الإنسانية وفرض حظر أسلحة عليها.
وكانت "هيومن رايتس" قد أعلنت في نيسان/ أبريل 2021 أن ما تنتهجه إسرائيل ضد الفلسطينيين هو جريمة الفصل العنصري.
وفي بث مباشر عبر حسابها في فيسبوك، الثلاثاء 1 شباط/ فبراير، أطلقت المنظمة الحقوقية الدولية التي تمثل 10 ملايين شخص حول العالم، تقريراً كشفت فيه عن "النطاق الفعلي لنظام الفصل العنصري في إسرائيل"، بما في ذلك عمليات الاستيلاء الهائلة على الأراضي والممتلكات الفلسطينية، وأعمال القتل غير المشروعة، والنقل القسري، والقيود الشديدة على حرية التنقل، وحرمان الفلسطينيين من حقوق المواطنة والجنسية.
وتحت عنوان: "نظام الفصل العنصري (أبارتهايد) الإسرائيلي ضد الفلسطينيين: نظامٌ قاسٍ يقوم على الهيمنة وجريمة ضد الإنسانية"، قدمت العفو الدولية "أدلة دامغة" على اضطهاد إسرائيل للفلسطينيين وانتهاكها حقوقهم "في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، فضلاً عن اللاجئين النازحين في بلدان أخرى". علماً أنها تكون في الأراضي الفلسطينية المحتلة "أكثر تكراراً وعنفاً" منها في إسرائيل.
وشددت على أن الممارسات التي وثقتها تمثل "فصلاً عنصرياً وجريمة ضد الإنسانية" على نحو يتسق مع نظام روما الأساسي والاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها (اتفاقية الفصل العنصري).
اضطهاد وتمييز عرقي و"تهويد"
وفي تقريرها الذي يرد في 31 صفحة، خَلُصت العفو الدولية إلى أن الفلسطينيين في الأراضي المحتلة وإسرائيل "يُعامَلون كجماعة عرقية دونية ويُحرمون من حقوقهم على نحو ممنهج"، مؤكدةً أن "سياسات التفرقة ونزع الملكية والإقصاء القاسية المتبعة في جميع الأراضي الخاضعة لسيطرة إسرائيل تصل بوضوح إلى حد الفصل العنصري".
وبيّنت أنها تستند في هذا الاتهام "إلى كمٍ متنامٍ من العمل الذي قامت به المنظمات غير الحكومية الفلسطينية والإسرائيلية والدولية التي طبّقت على نحو متزايد إطار الفصل العنصري على الوضع في إسرائيل و/ أو الأراضي الفلسطينية المحتلة".
ويُعرّف نظام الفصل العنصري بأنه "منظومة مُمأسسة للقمع والهيمنة تمارسها جماعة عرقية ضد أخرى". ويعدّ جريمةً ضد الإنسانية يحظرها القانون الدولي العام.
واتّهمت المنظمة تل أبيب بـ"تطبيق تدابير متعددة لحرمان الفلسطينيين عمداً من حقوقهم وحرياتهم الأساسية"، منها فرض قيود قاسية على حرية التنقل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والاستثمار الضئيل المزمن القائم على التمييز ضد الفلسطينيين داخل إسرائيل، وحرمان اللاجئين من حق العودة. علاوة على النقل القسري، والاعتقال الإداري، والتعذيب، وأعمال القتل غير المشروعة في كل من إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة.
يعتبرون "الفلسطينيين تهديداً ديموغرافياً" ويعاملونهم "كجماعة عرقية دونية"... العفو الدولية تعدّ الممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين جريمة فصل عنصري وجريمة ضد الإنسانية، وتطالب المحكمة الجنائية الدولية بمعاقبتها
وذلك كله في إطار "هجوم ممنهج وواسع النطاق موجه ضد الشعب الفلسطيني يُرتكب بنيّة إدامة نظام القمع والهيمنة" إذ "اعتبرت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة الفلسطينيين تهديداً ديموغرافياً، وفرضت تدابير للسيطرة على وجودهم ووصولهم إلى الأراضي في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة"، ومخططات "تهويد" مناطق في إسرائيل والضفة الغربية، ومن ضمنها القدس الشرقية معرضةً آلاف الفلسطينيين لخطر "النقل القسري".
وأضافت المنظمة: "منذ قيام دولة إسرائيل عام 1948، انتهجت سياسة تكوين أغلبية ديموغرافية يهودية ثم الحفاظ عليها، وتعظيم سيطرتها على الأراضي والموارد لمنفعة الإسرائيليين اليهود. وعام 1967، وسّعت هذه السياسة لتشمل الضفة الغربية وقطاع غزة. واليوم تستمر إدارة جميع الأراضي التي تخضع لسيطرة إسرائيل على نحو يفيد الإسرائيليين اليهود على حساب الفلسطينيين، فيما يستمر إقصاء اللاجئين الفلسطينيين".
ولفت التقرير إلى دور حربي عامي 1947 و 1949 وعام 1967، والحكم العسكري الإسرائيلي، والأنظمة القانونية والإدارية المنفصلة في "عزل المجتمعات الفلسطينية المحلية وفصلها عن الإسرائيليين اليهود"، ما أدى إلى "تشرذم الفلسطينيين جغرافياً وسياسياً، وتعرضهم لمستويات مختلفة من التمييز تبعاً لوضعهم والمكان الذي يعيشون فيه".
ورأت المنظمة في إقصاء إسرائيل للاجئين الفلسطينيين انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي لأنه يترك الملايين معلّقين في حالة تهجير قسري دائمة.
وأشارت إلى تمييز إسرائيل ضد مواطنيها العرب. على سبيل المثال، يُمنع العرب الفلسطينيون في إسرائيل من الاستئجار في 80% من الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل نتيجةً عمليات الاستيلاء العنصرية عليها، ووجود شبكة من القوانين التمييزية المجحفة بشأن توزيع الأراضي وتخطيطها وترسيمها.
واعتبرت العفو الدولية ما يحدث في النقب مثالاً رئيسياً على كيفية إقصاء سياسات التخطيط والبناء الإسرائيلية للفلسطينيين عمداً، وعلى مخططات "التهويد" الممنهجة منذ عام 1948. وقالت إن "عقوداً من المعاملة غير المتساوية والمتعمدة بحقّ الفلسطينيين من حملة الجنسية الإسرائيلية جعلتهم معرضين للحرمان الاقتصادي، مقارنةً بالإسرائيليين اليهود".
وفي نفي صريح لأسطورة بيع الفلسطينيين أراضيهم، ذكر التقرير الحقوقي: "منذ قيام دولة إسرائيل، فرضت عمليات استيلاء جماعية وقاسية على الأراضي ضد الفلسطينيين، وتواصل تطبيق عشرات القوانين والسياسات لإرغام الفلسطينيين على العيش في معازل صغيرة. ومنذ عام 1948، تهدم إسرائيل مئات الآلاف من منازل الفلسطينيين وغيرها من الممتلكات في المناطق الخاضعة لولايتها القضائية وسيطرتها الفعلية".
مناشدة المجتمع الدولي
وفي ختام تقريرها، اقترحت المنظمة "توصيات محددة عديدة لكيفية تفكيك السلطات الإسرائيلية نظام الفصل العنصري وأركان التمييز والشرذمة والقمع التي تديمه" من خلال وضع حد للممارسة الوحشية المتمثلة بهدم المنازل وعمليات الإخلاء القسري كخطوة أولى.
ومن ثمّ منح إسرائيل جميع الفلسطينيين المقيمين فيها وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة حقوقاً متساوية تتماشى مع مبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي. والاعتراف بحق اللاجئين الفلسطينيين والمنحدرين عنهم بالعودة إلى ديارهم، إرث أجدادهم. وتعوض ضحايا الانتهاكات والممارسات الإسرائيلية القمعية.
الأمينة العامة للعفو الدولية: "الدول التي تقرر أن تقبل تجاوزات إسرائيل ستجد نفسها في الجانب الخطأ من التاريخ. والحكومات التي تواصل تزويد إسرائيل بالأسلحة وتحميها من المساءلة في الأمم المتحدة تساند نظام فصل عنصري، وتقوّض النظام القانوني الدولي، وتفاقم معاناة الشعب الفلسطيني"
ووجدت العفو الدولية أن ما خلص إليه تقريرها يستدعي "تغييراً هائلاً في مقاربة المجتمع الدولي لأزمة حقوق الإنسان في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة" إذ حثت جميع الدول على ممارسة الولاية القضائية الشاملة وتقديم مرتكبي جرائم الفصل العنصري إلى العدالة. وناشدت المحكمة الجنائية الدولية النظر في جريمة الفصل العنصري في سياق تحقيقاتها الحالية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وطالبت أيضاً مجلس الأمن الدولي بفرض حظر شامل على توريد السلاح إلى إسرائيل على نحو يشمل جميع أنواع الأسلحة والذخائر، علاوة على معدات إنفاذ القانون، نظراً لقتل السلطات الإسرائيلية آلاف المدنيين الفلسطينيين بطريقة غير شرعية.
ونبّهت المنظمة: "لا يجوز بعد الآن أن يقتصر الردّ الدولي على الفصل العنصري على ‘الإدانات العقيمة والمراوغة‘. فإذا لم نعالج الأسباب الجذرية، فسيظل الفلسطينيون والإسرائيليون أسرى دوامة العنف التي دمرت حياة عدد كبير جداً من الناس".
بدورها، قالت أنييس كالامار، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية: "ما من مبرر ممكن لنظام بُني على القمع العنصري المُمَأسس والمطوّل لملايين الناس. ولا مكان للفصل العنصري في عالمنا، والدول التي تقرر أن تقبل تجاوزات إسرائيل ستجد نفسها في الجانب الخطأ من التاريخ. والحكومات التي تواصل تزويد إسرائيل الأسلحة وحمايتها من المساءلة في الأمم المتحدة تساند نظام فصل عنصري، وتقوّض النظام القانوني الدولي، وتفاقم معاناة الشعب الفلسطيني".
وتابعت: "على المجتمع الدولي أن يواجه واقع الفصل العنصري في إسرائيل، وأن يتبع السبل المؤدية إلى العدالة، والتي من المعيب أنها لم تُستكشف بعد".
"ينبغي لإسرائيل تفكيك نظام الفصل العنصري والبدء بمعاملة الفلسطينيين كبشر متساوين في الحقوق والكرامة. وإلى أن تفعل ذلك، سيظل السلام والأمن احتمالَيْن بعيدَيْ المنال للإسرائيليين والفلسطينيين على السواء"، ختمت.
حركة المقاطعة ترحّب
تعقيباً على بيان العفو الدولية، قالت حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) إنها "ترحب بالتقرير الهام والدقيق الذي أصدرته منظمة العفو الدولية والذي يؤكد على حقيقة يعيشها الفلسطينيون منذ عقود، وخلاصتها أن النظام الإسرائيلي الكاره للشعب الفلسطينيّ هو نظام أبارتهايد (فصل عنصري)".
وأشادت الحركة بتبني العفو الدولية الدعوة إلى "فرض الحظر العسكري" على إسرائيل، ومطالبتها الأمم المتحدة بالتحقيق في جريمة الأبارتهايد باعتبارها جريمة ضد الإنسانية، وحثها الدول والمؤسسات على قطع تعاملها مع المستعمرات الإسرائيلية غير الشرعية.
وختمت بأن "ما نشهده اليوم من تطهير عرقي بحق أهلنا في النقب والقدس والخليل والأغوار وجميع أنحاء فلسطين التاريخية هو أكبر تأكيد على هذا التقرير الذي يوثق الجرائم الإسرائيلية المتمثلة في التهجير القسري والفصل والاضطهاد".
طالبت مجلس الأمن بفرض حظر شامل لبيع الأسلحة إليها والمحكمة الجنائية الدولية بمعاقبتها… العفو الدولية تتهم إسرائيل بـ"تطبيق تدابير متعددة لحرمان الفلسطينيين عمداً من حقوقهم وحرياتهم الأساسية". BDS ترحب وإسرائيل تتهمها بـ"معاداة السامية"
إسرائيل تردّ بالتهمة المعتادة
الرد الإسرائيلي الرسمي على التقرير الحقوقي كان فورياً بل استباقياً منذ الإعلان عن المؤتمر الصحافي لإطلاق التقرير، إذ قال وزير الخارجية الإسرائيلي إن التقرير "يُنكر تماماً على إسرائيل حقها في الوجود"، مضيفاً "العفو الدولية كانت منظمة نحترمها ذات يوم. اليوم، الأمر عكس ذلك"، واصفاً ما يرد في التقرير بأنه "مزاعم كاذبة".
وبينما حث المنظمة على سحب تقريرها، اتهمها بـ"الاستشهاد بأكاذيب تنشرها المنظمات الإرهابية"، مردداً أن "إسرائيل لا تدعي الكمال، لكنها دولة ديمقراطية وتلتزم القانون الدولي ومنفتحة على التدقيق". وكالمعتاد، اتهم الوزير الإسرائيلي المنظمة بأنها "معاداة للسامية".
لكن كالامار ردت على هذه الادعاءات بأن "نقد الانتهاكات الإسرائيلية ليس معاداة للسامية في أي حال"، متابعةً: "منظمة العفو الدولية تقف بقوة ضد معاداة السامية، وضد أي شكل من أشكال العنصرية، وقد استنكرنا مراراً الحوادث والأعمال المعادية للسامية في جميع أنحاء العالم".
ولفتت إلى أن فريقها تواصل مع الخارجية الإسرائيلية في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي لكنها رفضت التجاوب معه، معربةً عن رفضها الدعوات الإسرائيلية إلى سحب التقرير أو عدم نشره.
وتجدر الإشارة إلى أن العفو الدولية في تقريرها أقرت بأن "اليهود – شأنهم شأن الفلسطينيين – يطالبون بحق تقرير المصير"، وأنها "لا تطعن في رغبة إسرائيل في أن تكون وطناً لليهود" بل "لا ترى أن تسمية إسرائيل نفسها ‘دولة يهودية‘ تشير بذاتها إلى نية بالقمع والهيمنة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmed -
منذ 5 ساعاتسلام
رزان عبدالله -
منذ 15 ساعةمبدع
أحمد لمحضر -
منذ يومينلم يخرج المقال عن سرديات الفقه الموروث رغم أنه يناقش قاعدة تمييزية عنصرية ظالمة هي من صلب و جوهر...
نُور السيبانِيّ -
منذ 4 أيامالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ 5 أياموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامرائع