يضيق مركز كفر ناصح الطبي، بالمرضى من مختلف الفئات العمرية، لكنه مهدد بالإقفال مع قرابة 20 مركزاً طبياً، ومشفى، بسبب توقف الجهة المانحة عن تمويلهم. ويخدم المركز الواقع غرب مدينة حلب في شمال غرب سوريا، قرابة 35 ألف نسمة، وسط مناشدات لتأمين تمويل جديد لإنقاذ القطاع الطبي من الانهيار.
يقول الطبيب لؤي حمروش، لرصيف22: "وصل القطاع الطبي في شمال غرب سوريا إلى أسوأ حالاته منذ عشر سنوات، نتيجة تقلص التمويل الدولي، وبسبب ازدحام المشافي والمراكز الصحية، الذي ترافق مع موجات كورونا المتكررة، ونزلات الإنفلونزا الموسمية، والتهاب القصبات الشعيري، وذوات الرئة، نتيجة الظروف الجوية الصعبة، والتدفئة غير الصحية، الأمر الذي له نتائج كارثية على المجتمع المحلي".
وتبلغ كلفة المعاينة في المشافي، خمسة دولارات أمريكية، ومعظم السوريين حالياً تحت خط الفقر، إذ يعتمد 95 في المئة منهم، في الشمال، على المشافي العامة المجانية، المدعومة من قبل المنظمات.
يوضح الدكتور مأمون سيد عيسى، وهو مدير المكتب الطبي في منظمة عطاء العاملة في الشمال السوري، أن "التوجه العام للمانحين هو الانسحاب من الملف السوري الذي -حسب قولهم- أصبح مرهقاً ومستداماً، ولم يعد بحاجة إلى تمويل النشاطات الإسعافية التي عُدّت المشافي من ضمنها، ونخشى أن يؤدي نقص التمويل إلى خسارة المزيد من الكوادر، خاصةً الأطباء، وفقدان بعض الاختصاصات بشكل كامل".
تبلغ كلفة المعاينة في المشافي، خمسة دولارات أمريكية، ومعظم السوريين حالياً تحت خط الفقر، إذ يعتمد 95 في المئة منهم، في الشمال، على المشافي العامة
وأطلقت مديرية صحة إدلب، وناشطون، مطلع العام الحالي، حملةً إعلاميةً لإعادة دعم القطاع الصحي، الذي يهدّد حياة مليون ونصف مليون سوري، وينذر بكارثة صحية. وجاءت الحملة تحت عنوان "ادعموا مشافي الشمال".
يقول عيسى، إن "انعدام الدعم سيؤدي إلى ازدياد عدد الوفيات والمخاطر الصحية الوبائية، وزيادة أمراض سوء التغذية، وإهمال برامج اللقاح، بالإضافة إلى تحميل عبء كبير للنازحين والمقيمين، بالعلاج المأجور، ما يعني استهلاك المدّخرات للعلاج بدل التغذية والتدفئة".
وعود هزيلة
يُفصّل الدكتور سالم عبدان، مدير الصحة في إدلب، لرصيف 22، الواقع الصحي في الشمال، ويلفت إلى أنه "لا يوجد دعم مستدام للقطاع الصحي في شمال غرب سوريا حالياً، بسبب الحرب، وعدم وجود جهة رسمية معترف بها دولياً، وهو يعتمد على الدعم المقدم من قبل المانحين الدوليين عن طريق المنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة، ويكون على شكل مشروع بفترة محددة بستة أشهر أو سنة أو سنتين، وهو دعم إنقاذ حياة، وغير دائم".
ويعاني السوريون في مخيمات اللجوء، من سوء الحال، ومن نقص حاد في التغذية والتدفئة، خاصةً في أيام الشتاء، وشهدت هذه المخيمات في الأسابيع الماضية عواصف وصقيعاً أثّرا على اللاجئين فيها، الذين عانوا من البرد من دون وجود سبل للتدفئة أو للعلاج، وقد أطلق كُثر حملات تبرع كانت أبرزها حملة فريق ملهم التطوعي "حتى آخر خيمة"، التي نُقلت من خلالها مئات العائلات إلى بيوت تقيها من العواصف والمرض.
بات القطاع الطبي في الشمال السوري مهدداً بالانهيار، بعد أن تعرض لهجمات ممنهجة من قبل النظام وروسيا، وجاء إيقاف الدعم ليكمل ما يسعى إليه الطرفان، فيما الوعود تحصر عودة الدعم بمشافٍ محددة
يرى عبدان، أن "القطاع الطبي بات مهدداً بالانهيار، بعد أن تعرض لهجمات ممنهجة لتدميره من قبل النظام وروسيا، وجاء إيقاف الدعم ليكمل ما يسعى إليه الطرفان، وقد وصلتنا وعود بدعم عدد من مشافي إدلب مع بداية الشهر الثاني، من قبل مكتب تنسيق المساعدات الإنسانية في الأمم المتحدة (Ocha)، وسيبقى عدد آخر من دون دعم، ونحن نبحث له عن مانحين بالتنسيق مع كلاستر الصحة، ومنظمة الصحة العالمية، إذ وصل عدد المرضى في المنشآت التي توقف عنها الدعم، إلى أكثر من 60 ألف شهرياً".
وتوقف الدعم عن كل من "مشفى الرحمة في دركوش، وهو من أكبر المشافي في محافظة إدلب وأهمها، ومشفى السلام للنسائية والأطفال في حارم، ومشفى كفرتخاريم للنسائية والأطفال، ومشفى المدينة للنسائية والأطفال في كللي، ومشفى الإخاء للنسائية والأطفال في أطمة، ومشفى الداخلية في إدلب، ومشفى القنية في الجسر، ومشفى إنقاذ روح في سلقين، ومشفى حريتان دير حسان، والوحدة الجراحية، ومشفى النسائية في أريحا، بالإضافة إلى عدد من مراكز الرعاية الأولية وعدد من المشافي في شمال حلب".
الالتفاف على قيصر
يقول الناشط السياسي عبد الكريم العمر، لرصيف22: "هناك محاولات روسية حديثة من أجل إيجاد ثغرات ضمن قانون قيصر من أجل عودة الدعم إلى مناطق النظام، في ما يخص الجانب الإنساني، وربما هذا ما حدث بالاتفاق الأخير بين الرئيس الأمريكي جو بايدن، والروسي فلاديمير بوتين في العام الماضي، بالتزامن مع اجتماع مجلس الأمن بخصوص التمديد لمعبر باب الهوى، لإدخال المساعدات الإنسانية، إذ تم الاتفاق على تخفيف العقوبات عن النظام بإدخال المساعدات الإنسانية إلى مناطقه، وما يحصل اليوم مع ما يسمى خط الغاز العربي القادم إلى لبنان ومروره بمناطق النظام، الذي سيدر عليه أرباحاً هائلة، إذ وافقت أمريكا عليه رغم مساعي المنظمات السورية الموجودة في الولايات المتحدة لمنع تشغيل هذا الخط الذي يسهم بإعادة تأهيل هذا النظام".
تقوم روسيا بمحاولات متكررة من أجل إيجاد ثغرات ضمن قانون قيصر من أجل عودة الدعم إلى مناطق النظام، وهذا ما بدأ يحصل من خلال وقف الدعم وبدء حصره بالنظام
بالنسبة له، فإن "إيقاف الدعم عن المشافي في شمال غرب سوريا، يأتي في إطار محاولة الضغط على السكان كما حال القصف الروسي المتكرر، من أجل تحصيل مكاسب سياسية تريدها موسكو أو المجتمع الدولي من المعارضة السورية".
يعتبر رائد الصالح مدير منظمة الدفاع المدني "الخوذ البيضاء"، أن وقف النظام وروسيا إدخال المساعدات عبر الحدود لصالح إدخالها عبر خطوط النزاع "سيكون أثره كبير ومباشر على الواقع الطبي ورأينا ما حصل في شمال شرق سوريا، فمجرد إخضاع ملف المساعدات الإنسانية وعلى رأسها الطبية المنقذة للحياة للمساومة، والتي هي حق للمدنيين، سيكون له عواقب مستقبلية كارثية، وتحويل لملف المساعدات الإنسانية إلى سلاح بيد نظام الأسد وحليفه الروسي ليس بجديد فهم الذين استخدموا الحصار والتجويع كأحد أساليب الحرب على السوريين".
غياب الرؤية
يقول الدكتور أسامة أبو العز، وهو مدير قطري في الجمعية الطبية السورية الأمريكية العاملة في شمال غرب سوريا، إن "القطاع الطبي يحتاج إلى التنظيم، وليس فقط إلى زيادة الدعم، فهناك عشوائية في انتشار المشافي والمراكز الصحية، وهي ردة فعل نتيجة حملات التهجير المستمرة والتغيير الديمغرافي بفعل قوات النظام وحلفائه، فقد توزع المهجرون بطريقة عشوائية، وتم افتتاح مشافٍ ومراكز لخدمتهم، ولكن اليوم تشهد المنطقة نوعاً من الاستقرار السياسي والأمني، الأمر الذي يوجب إعادة هيكلة القطاع الصحي، والبدء بتجهيز مشافي مركزية متكاملة، من خلال إعادة هيكلة خريطة الخدمات في المنطقة".
يأتي وقف الدعم الطبي بالتوازي مع قرار مجلس الأمن بخصوص التمديد لمعبر باب الهوى، لإدخال المساعدات الإنسانية، إذ تم الاتفاق على تخفيف العقوبات عن النظام بإدخال المساعدات الإنسانية إلى مناطقه
ويوصي بضرورة توحيد إدارة المنظومات الإسعافية، والاتصال، وطريقة العمل، وتنظيم إدارة الموارد البشرية، وفتح فرص جديدة لمن تخرّج مؤخراً من جامعات الشمال، بحيث يتم إغناء سوق العمل في القطاع الصحي، وضرورة توفير خدمات جديدة متل العلاج الشعاعي لمرضى السرطان، والمعالجة الكيمياوية لمرضى الأورام، وزيادة إمكانات هذه المراكز، وغيرها من أمور نحن بحاجة إليها كي نستمر".
ويبلغ عدد السوريين القاطنين في مخيمات الشمال السوري، مليون و512 ألف شخص، بينهم 233 ألف شخص يقطنون في مخيمات عشوائية، وفق "منسقو استجابة سوريا"، ويعيش 90 في المئة من السوريين في "فقر"، و60 في المئة منهم يعانون من "انعدام الأمن الغذائي"، فيما "7.78 مليوناً لم يكن لديهم عدد أطباء كافٍ، أو مرافقة طبية مستوفية للمعايير الدنيا المقبولة عالمياً"، حسب تقرير قدّمه مؤخراً الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى مجلس الأمن الدولي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 11 ساعةرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.