فجّرت تصريحات بشأن الخمر، لفاعلين بارزين في تونس، خلال الأسابيع الأخيرة، جدلاً واسع النطاق، إذ لا يزال تحريم الإسلام له من عدمه مثار سجالات لا تكاد تنتهي حتى تطفو مجدداً فوق سطح الأحداث.
وأعاد مدرب كرة القدم الملقب بشيخ المدربين، فوزي البنزرتي، إحياء الجدل بشأن الخمر إلى الواجهة مجدداً، عندما صرح بأن القرآن لم يحرّمه، داعياً من يُخالفه الرأي في هذا الصدد إلى إبراز آية واحدة تثبت موقفه.
قبل ذلك بأيام، قالت الباحثة التونسية ألفة يوسف، في برنامج تلفزيوني، إن القرآن لم يحرّم الخمر، بل السكر، في خطوة لم تمر مرور سلام، على الرغم من أن النقاشات التي تتصدر المنابر حالياً في البلاد، تتمحور في غالبيتها حول المسار السياسي الذي تشهده البلاد.
ومنذ 14 كانون الأول/ يناير 2011، تاريخ سقوط نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، بات موضوع شرب الكحول من المواضيع الخلافية، التي تشتعل وتخبو، لتثير السجالات الإعلامية والسياسية، وذلك بسبب ما رافق هذه المرحلة من صعود للتيارات الإسلامية في البلاد وغيرها من الأسباب، على الرغم من أن القانون التونسي لا يُجرّم ذلك.
لا تحريم في القرآن؟
لا يُعدّ الجدل بشأن تحريم الإسلام للخمر من عدمه، وليد اللحظة في تونس، إذ شهدت البلاد نقاشاتٍ ساخنةً بشأنه، خاصةً بعد أحداث عرضية شهدتها على غرار اعتراض سكان مدينة الجم الساحلية على إنشاء مغازة (متجر) لبيع الخمور، على الرغم من أن صاحبها يملك ترخيصاً رسمياً من السلطات الإدارية.
لكن ما يسترعي الانتباه، هو محاولة التصدي لأي نقاش بشأن الخمر، على الرغم من هامش الحرية الذي منحته الانتفاضة التي أطاحت بنظام بن علي، في 2011، للتونسيين.
ويرى المفكر التونسي يوسف الصديق، أن "المسألة محسومة، وهناك من يلعب على وتر تأويل المعجم فحسب، لكن المسألة محسومة في القرآن الذي لا توجد فيه أي آية تُحرّم الخمر. الحرام هو السكر، وليس شرب الخمر".
وتابع الصديق في حديث إلى رصيف22، قائلاً إن "المسألة معجمية، والمعجم لا يكذب. القرآن قال لا تسكروا، ولم يقل لا تشربوا الخمر، بل على العكس في مواضع أخرى قال لك إن فيه منافع للناس، وتتخذون منه رزقا حسناً، لكن السّكر لا، وهذا واضح: لا تقربوا الصلاة وأنتم سُكارى".
مدرب كرة القدم الملقب بشيخ المدربين، فوزي البنزرتي، أعاد إحياء الجدل بشأن الخمر إلى الواجهة مجدداً، عندما صرّح بأن القرآن لم يحرّمه، داعياً من يُخالفه الرأي في هذا الصدد إلى إبراز آية واحدة تثبت موقفه
وأوضح المفكر، الذي يتعرض دوماً لمضايقات المتطرفين، بسبب مواقفه الشجاعة في إعادة قراءة التاريخ والمعتقدات الإسلامية: "إذا ذهبنا إلى المعجم، بإمكانك أن تشرب وتذهب للصلاة، ولكن في السّكر يختلف الأمر، إذ يُحرّم عليك أن تقرب الصلاة وأنت سكران".
ويعتقد الصديق، أن الحكم في الرسالة الدينية يكمن في المعجم، قائلاً: "ماذا يقصد؟ ومشكلتنا نحن هي توجيه المفهوم بحيث يصبح صاحب المذهب أقوى من النص، خاصةً في المغرب العربي الإسلامي، حيث يستشهدون بمالك في تحريمهم للخمر: أيهما أفضل مالك أم الرب؟ الرب قال لك لا تسكر، ولم يقل لا تشرب".
إلهاء للرأي العام
في مواجهة التصريحات والمواقف الجدلية التي تتضمنها البرامج التلفزيونية والإذاعية خلال التطرق إلى مواضيع مثيرة للخلافات، على غرار شرب الخمر، يُتّهم الإعلام التونسي بالسعي إلى التلاعب بالرأي العام، لا سيما وأن هناك اعتقاداً يسود بأن البلاد تجاوزت مثل هذه الخلافات، بعد أن دفعت ثمناً باهظاً خلال صراع الإسلاميين والعلمانيين، من 2011 إلى حدود 2014.
ودفع التزاحم بين هذين المعسكرين، خلال فترة حكم الترويكا، وتصدر الفصائل الإسلامية المشهد العام، على غرار السلفيين، إلى حدوث اغتيالين سياسيين للقياديين اليساريين البارزين، شكري بلعيد ومحمد البراهمي، وهجمات على اجتماعات عامة لأحزاب علمانية ونقابات وغيرها من الحوادث الأخرى.
تنتج تونس 32 مليون قنينة نبيذ سنوياً، يتم تسويق غالبيتها في السوق المحلية، خاصةً في الفنادق والمطاعم السياحية. وتأتي صناعة النبيذ في المرتبة الثالثة بعد زيت الزيتون والقمح على المستوى الزراعي
لذلك، يرى يوسف الصديق أن "الإعلام التونسي يتعمد إثارة موضوع شرب الخمر من منظور ديني، لإلهاء الرأي العام عن قضايا حقيقية تهمّه على غرار قدرة التونسيين المعيشية والسلطة وغيرهما".
وتشهد تونس مساراً سياسياً انتقالياً دشّنه الرئيس قيس سعيّد بعد إعلانه الحالة الاستثنائية، إثر تفعيله الفصل 80 من الدستور، في الـ25 من تموز/ يوليو الماضي، حين أعلن عن تجميد أعمال البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه، وإقالة الحكومة والعمل بالمراسيم، في خطوة وصفها معارضوه بأنها انقلاب، وحاولوا حشد الشارع للضغط عليه من أجل التراجع عنها.
ومع تزايد حدة الخلافات بين سعيّد وحركة النهضة الإسلامية، وإعادة هذه النقاشات حول "الحلال والحرام" إلى الواجهة، تزداد المخاوف من أن يُعمّق ذلك حالة الانقسام بين التونسيين وفق المعسكرين التقليديين (العلمانيين والإسلاميين).
قطاع واعد
على الرغم من الاعتقاد السائد لدى العديد من التونسيين، بأن النبيذ قد حرّمه القرآن والإسلام معاً، إلا أن هذا القطاع يدرّ أموالاً طائلةً على خزينة البلاد التي تعاني من أوضاع اقتصادية صعبة، وارتفاع جنوني في نسب البطالة.
وتنتج تونس 32 مليون قنينة نبيذ سنوياً، يتم تسويق غالبيتها في السوق المحلية، خاصةً في الفنادق والمطاعم السياحية.
وتأتي صناعة النبيذ في المرتبة الثالثة بعد زيت الزيتون والقمح على المستوى الزراعي.
المفكر التونسي يوسف الصديق، يرى أن الإعلام التونسي يتعمد إثارة موضوع شرب الخمر من منظور ديني، لإلهاء الرأي العام عن قضايا حقيقية تهمّه، على غرار مقدرة التونسيين المعيشية والسلطة وغيرهما
وتصل أرباح صناعة النبيذ في البلاد إلى 80 مليون يورو، ما يعادل 91 مليون دولار سنوياً، وتوفر ما يعادل 25 مليون يورو (28 مليون دولار)، من الضرائب التي تستفيد منها الدولة، لكن تبقى الصادرات متواضعةً نسبياً إذ لا تزيد عن 11 مليون دولار سنوياً، بسبب غياب سياسات التسويق في الخارج، وصغر مساحات مزارع الكروم، التي تقتصر على 15 ألف هكتار.
وتوفّر زراعة عنب النبيذ وظائف لنحو 20 ألف شخص، فيما يُشغّل قطاع صنع النبيذ ككل، 60 ألف شخص، وهي أرقام تعكس تماماً ارتفاع نسب استهلاك النبيذ في تونس.
وكشفت دراسة نُشرت في نهاية العام 2019، أعدتها شركة "ألفا كونسلتينغ"، أن "54.91 في المئة من التونسيين، يحتسون الكحول مرةً على الأقل في الشهر.
وأضافت الدراسة التي شملت عيّنة مكوّنة من 2،500 شخص على الأقل، أن "ما لا يقل عن 68.7 في المئة من الذكور، قاموا باستهلاك مشروب كحولي في سنة 2019، في مقابل 28.4 في المئة من الإناث".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...