شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
متى ينتفض الليبيون لاستعادة قرارهم؟

متى ينتفض الليبيون لاستعادة قرارهم؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 21 يناير 202205:02 م

مع إحياء الجدل في شأن الاستفتاء على الدستور، تكون ليبيا قد ابتعدت أكثر عن طريق الحل، وهي خطوة تبدو الأطراف الفاعلة داخلياً وكأنها تبحث عنها، مثلها مثل القوى الخارجية التي تدعمها.

قبل أيام، كان الشارع الليبي ينتظر بفارغ الصبر موعد الرابع والعشرين من كانون الأول/ ديسمبر الماصي، للذهاب إلى صناديق الاقتراع للمرة الأولى، لاختيار رئيس يحكم البلاد، غير أن الخلافات وتشابك المصالح أفضيا إلى انهيار العملية الانتخابية.

أدى هذا الانهيار، بما يحمله من خيبة أمل للشارع تجلت بوضوح في احتجاجات متفرقة في بعض المدن، على غرار بنغازي (شرق ليبيا)، إلى فتح نقاشات ساخنة حول مصير الحكومة المؤقتة الحالية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والانتخابات الرئاسية، فاقترحت المفوضية العليا للانتخابات التي سُلط عليها ضغط عالٍ، موعد 24 كانون الثاني/ يناير الجاري لذلك.

لكن التوافق الداخلي لا يزال غائباً حول موعد جديد للاستحقاقين، سواء الرئاسي أو النيابي، ويبدو أنه حتى التوافق الذي تبلور قليلاً حول الاستفتاء على الدستور، هش، فمطالبة رئيس البرلمان عقيلة صالح، بتشكيل لجنة جديدة لصياغة دستور توافقي، جوبهت برفض أطراف عدة في مقدمتها الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور.

بعد 11 عاماً من الأزمة الليبية، يبدو واضحاً أن المشكلة في الطبقة السياسية الداخلية أولاً، وقبل كل شيء.

بعد 11 عاماً من الأزمة الليبية، يبدو واضحاً أن المشكلة في الطبقة السياسية الداخلية أولاً، وقبل كل شيء.

قبل أيام، جمعتني محادثة مع نائب في البرلمان، وعندما سألته عن الحل القادر على كسر حالة الجمود الراهنة، كانت إجابته واضحةً: اندثار مكونات المشهد الحالي، مستبعداً أي توافق بينها، بسبب ارتهانها للخارج على غرار تركيا وروسيا والمحاور العربية أولاً، إذ من الواضح أن بيان العلا الصادر في أعقاب القمة الخليجية العام الماضي، والذي جسّد المصالحة داخل البيت الخليجي، لم تهبّ رياحه على ليبيا، وثانياً لعدم قدرتها على التنازل عن نفوذها الذي تحاول الحفاظ عليه بأي طريقة، سواء من خلال الاستقواء بالأجنبي، أو بالقبيلة، أو غيرها.

لكن الحل يمر أيضاً بمعطيات أخرى، فالأزمة الليبية ليست حالةً محليةً فحسب، بسبب التدخلات الأجنبية، فلا يمكن مثلاً حلحلتها من دون إجلاء دولتين، روسيا وتركيا، قواتهما ومرتزقتهما من الأرض الليبية، وهذا يبدو هدفاً صعب المنال في ظل الرفض التام الذي تبديه أنقرة لهذه الخطوة، وحالة الإنكار التي تعيشها روسيا لأي دور لها في ليبيا، على الرغم من التقارير الدولية التي تتحدث عن مئات المرتزقة التابعين لها الذين يدعمون قوات خليفة حفتر.

على الرغم من خريطة الطريق التي أفرزها ملتقى الحوار السياسي الذي انعقد في جنيف السويسرية، ومؤتمرات باريس وبرلين، وما رافقها من مطالبات بسحب هؤلاء المرتزقة، لا تبدو أنقرة وموسكو اللتان تتنافسان في أكثر من منطقة في العالم، على استعداد للمضي نحو هذه الخطوة. فما الحل؟ هل يمكن القبول باستمرار وجود غير شرعي لقوات أجنبية على الأرض الليبية؟

بالإضافة إلى روسيا وتركيا، تجد الولايات المتحدة الأمريكية أبرز المعنيين بالملف الليبي، إذ باتت تتحرك لمنع وصول أحد المقربين من موسكو، على غرار سيف الإسلام القذافي، أو خليفة حفتر، إلى السلطة، وهو ما جعلها في البداية تتوعد معرقلي الانتخابات بالعقوبات. لكن في النهاية تخلت عن تلك العقوبات، وحماستها للاستحقاق أصلاً، على الرغم من مشاهد مداهمة بعض فروع المفوضية العليا للانتخابات، بتحريض واضح من وجوه إخوانية، على غرار رئيس مجلس الدولة الاستشاري خالد المشري.

يُقدّم المشري نفسه على أنه أحد أنصار الديمقراطية، الداعين لبناء دولة مدنية، غير أنه لم يتردد عن التهديد بالسلاح في مواجهة فرضية صعود خصومه إلى الحكم، على غرار حفتر، إذ قال في الخامس من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، في تصريحات تلفزيونية، إن "حفتر لن يكون رئيساً لليبيا، ولو على جثث الليبيين. وإذا حدث وأصبح رئيساً، فإن أبناء ليبيا في مدن المنطقة الغربية، ومحافظاتها، سيقاومون بالسلاح، مما سيدخل البلاد في حرب أهلية".

سيقول البعض إن ليبيا لم تكن مهيأةً للانتخابات، فلا قوانين هذه الاستحقاقات جرى التوافق عليها، ولا جهود توحيد الجيش وتفكيك الميليشيات استُكملت، لكن الأمر أبعد من ذلك، فالفاعلون الداخليون متمسكون بمناصبهم، سواء في المجلس الأعلى للدولة، أو في البرلمان، والأطراف الدولية لا يهمها سوى التنافس المحموم على ثروات ليبيا النفطية.

إذا كان الغرب جاداً في دعم العملية الانتخابية، وصعود سلطة جديدة، كان بإمكانه دعم المجتمع المدني الذي لطالما ندد بعمليات عرقلة واضحة للاستحقاق الرئاسي. فحراك 24 كانون الأول/ ديسمبر، يشكّل حالةً جديرةً بالاهتمام، إذ يجمع العشرات من الشبان الليبيين الذين لا يطالبون سوى بحقهم في اختيار ممثليهم، من دون أن يكونوا رهائن أجندة داخلية أو خارجية.

سيقول البعض إن ليبيا لم تكن مهيأةً للانتخابات... لكن الأمر أبعد من ذلك، فالفاعلون الداخليون متمسكون بمناصبهم، سواء في المجلس الأعلى للدولة، أو في البرلمان، والأطراف الدولية لا يهمها سوى التنافس المحموم على ثروات ليبيا النفطية

لكن الغرب الذي لطالما روّج لأنه يسعى إلى إنجاز الانتخابات برفقة الأمم المتحدة، عجز عن تقديم دعم ملموس للعملية، أو بالأحرى خذل الليبيين، واليوم عادت ستيفاني ويليامز، الدبلوماسية الأمريكية كممثلة شخصية للأمين العام للأمم المتحدة، لكنها تبدو ممثلةً للإدارة الأمريكية أكثر من صفتها الرسمية، خاصةً في ظل عجز السفير والممثل الخاص لواشنطن، ريتشارد نورلاند، عن دفع الروس على مغادرة ليبيا. فنورلاند لم يركّز منذ توليه المهمة سوى على هذه النقطة، متغاضياً عن القوات التركية، لكنه لم يحقق أي اختراق يُذكر.

عادت ويليامز لتروّج لإمكانية إجراء الانتخابات في سياق خريطة الطريق المنبثقة عن ملتقى الحوار السياسي، والتي تنتهي مدتها في حزيران/ يونيو المقبل، لكنها تدرك أن ذلك أشبه بالمستحيل، ليبقى الغموض يكتنف مستقبل العملية السياسية في البلاد، مع استمرار وجود المرتزقة من كلي الجانبين. 

لا أعتقد أن هذا الوضع يُرضي أي ليبي وطني كان في العام 2011، يرنو إلى التخلص من ديكتاتورية معمر القذافي، لبناء دولة ديمقراطية، تتوفر فيها مؤسسات قوية.

لا أعتقد أن هذا الوضع يُرضي أي ليبي وطني كان في العام 2011، يرنو إلى التخلص من ديكتاتورية معمر القذافي، لبناء دولة ديمقراطية، تتوفر فيها مؤسسات قوية. لذلك يبدو الحل الوحيد في تحرك الليبيين أنفسهم لاستعادة قرارهم السيادي بالضغط على الأجسام الموجودة حالياً، سواء مجلس النواب أو مجلس الدولة الاستشاري أو غيرهما، ولإنهاء المرحلة الانتقالية التي طال أمدها، ما جعل الأمل في حدوث التغيير يتلاشى يوماً بعد يوم.

يتمثل الحل الأمثل في انتفاضة الليبيين ضد الطبقة السياسية الحالية التي أثبتت أنها ليست أهلاً للحكم، فالحكم ليس غايةً في حد ذاته، بل وسيلة لإدارة الدولة، غير أنه في الحالة الليبية بات هدفاً للحفاظ على النفوذ والمصالح الضيقة، ما يُفقدها أي مشروعية للبقاء.

وهذه الانتفاضة، التي تبدو صعبة المنال في ظل الوضع الراهن الذي تطغى عليه الحسابات السياسوية، يجب أن تهدف أولاً وقبل كل شيء إلى رحيل مكونات المشهد الحالي، وتشكيل لجان على غرار تلك التي مثّلت الليبيين في ملتقى الحوار السياسي في جنيف، وتقوم بتحديد موعد للانتخابات العامة، لكن الشارع لا يجب أن تتوقف أهدافه هنا، وعليه مواصلة الضغط، على الرغم من أن الفرقاء قد يوجّهون أفواه بنادق الميليشيات صوب الليبيين، وقد يتم اللجوء إلى أساليب للتنكيل بهم، على غرار ما حدث للعراقيين في انتفاضة تشرين الأول/ أكتوبر 2019، إلا أن الضغط يجب أن يستمر للفت أنظار العالم، حتى يقوم بدوره بالضغط على أبرز فاعلَين على الأرض الليبية، وهما: تركيا المدعومة في تدخلها في الغرب الليبي، أمريكياً وروسياً.

إن بوادر الانتفاضة موجودة في الواقع، إذ شهدت البلاد مؤخراً، شرقاً وغرباً، وهذا المطلوب، احتجاجاتٍ تنادي بإجراء الانتخابات، لكن سرعان ما تراجع المحتجون، ولعلّ هذا التراجع يكون تكتيكياً في محاولةٍ لإعطاء فرصة للأجسام الموجودة حالياً

لقد أظهرت فرنسا مثلاً، تحمساً لإخراج المرتزقة، وهذا نابع أساساً من رغبة باريس في استعادة نفوذها، لكن الضغط الشعبي قد يعطي رسالةً إلى المجتمع الدولي برمّته، مفادها أن الليبيين يريدون التخلص من الوضع الراهن الذي تتوه فيه البلاد.

وبوادر الانتفاضة موجودة في الواقع، إذ شهدت البلاد مؤخراً، شرقاً وغرباً، وهذا المطلوب، احتجاجاتٍ تنادي بإجراء الانتخابات، لكن سرعان ما تراجع المحتجون، ولعلّ هذا التراجع يكون تكتيكياً في محاولةٍ لإعطاء فرصة للأجسام الموجودة حالياً.

لكن غياب الرغبة لدى هذه الأجسام، يُحتّم مواجهتها لأنها ستنسف أي مسار سياسي في سبيل الحفاظ على المناصب والنفوذ، وهو ما يجعل الشارع الليبي اليوم أمام تحدي توحيد صفوفه، لاستعادة قراره الوطني والسيادي، لتنظيم انتخابات بالتوازي مع إجراءات أخرى على المستويين الأمني والعسكري، يتم الضغط من أجل القيام بها، مثل توحيد الجيش وتفكيك الميليشيات وإجلاء المرتزقة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image