"كنت أقود السيارة إلى الجامعة مع زجاجة مياه باردة بين ساقيّ"، هذا ما كتبته إحدى النساء في مجموعة على فيسبوك تهدف إلى دعم آلام الفرج vulvodynia التي قد تصيب بعض السيدات في مرحلة ما من مراحل حياتهنّ، وفي السياق نفسه، كتبت امرأة أخرى: "بالنسبة للنساء اللواتي لا يستطعن ارتداء الملابس الداخلية أو السدادات القطنية، ماذا يفعلن خلال فترات الدورة الشهرية؟".
في الواقع، إن الفولفودينيا هي عبارة عن آلام مزمنة تصيب الجزء الخارجي من المهبل، وقد تصل إلى داخل المهبل، من دون وجود سبب واضح لذلك، باستثناء بعض الدراسات التي تعتبر أن الملابس الداخلية وبعض مستحضرات التنظيف هي التي تسبب الفطريات وتؤدي إلى تهيّج الجلد.
نظرة عن الحالة الطبية
في فيلم Sex & The City الشهير، كشفت شارلوت لصديقاتها انها تشعر بأن مهبلها "مكتئب".
للوهلة الأولى قد يظن البعض أن "اكتئاب المهبل أو الفرج" ليست سوى دعابة، لكنها في الواقع حالة طبية شائعة بين النساء، ومن المهم فهم مدى أهمية عدم الاستخفاف بها وبأوجاع النساء بشكل عام.
بخلاف بعض الأمراض النسائية الأخرى، فإن الفولفودينيا قد تستمر لعدة أشهر على الأقل، وتصيب ما بين 4 إلى 16% من النساء اللواتي تتراوح أعمارهنّ بين 18 و25 عاماً، "مع العلم بأن هذه الحالة الطبية قد تصيب النساء في جميع الأعمار"، وفق ما أكدت القابلة القانونية فرح كنج لرصيف22.
للوهلة الأولى قد يظن البعض أن "اكتئاب المهبل أو الفرج" ليست سوى دعابة، لكنها في الواقع حالة طبية شائعة بين النساء، ومن المهم فهم مدى أهمية عدم الاستخفاف بها وبأوجاع النساء بشكل عام
على الرغم من أن هذا المرض يتجلّى في المقام الأول على شكل آلام عصبية، إلا أنه من المرجّح أن تعاني السيدات أيضاً من مشاكل طبية أخرى، بما في ذلك متلازمة القولون العصبي، وآلام المثانة، والصداع والصداع النصفي، واختلال الغدة الدرقية، والألم العضلي الليفي، واضطرابات النوم، والتعب المزمن، والحساسية المتعددة.
هذا ويتسبب مرض الفولفودينيا أيضاً في توتر قاع الحوض كردّ فعل للألم المزمن، ما يؤدي بدوره إلى تفاقم الشعور بالانزعاج.
وبحسب الكلية الأميركية لطب النساء والتوليد، فقد وصفت النساء ألم الفرج بأنه عبارة عن حريق، تهيجّ وخشونة في الأعضاء التناسلية الخارجية، بحيث تكون الأعراض، سواء كانت محصورة فقط بالفرج أو تطال المنطقة الحميمية كلها، مستمرة من دون انقطاع أو تختفي فجأة لتعاود الظهور من جديد.
وقد وصفت العديد من النساء المصابات بالفولفودينيا الألم بأنه أشبه "بصبّ acid (حمض) على البشرة"، أو أوجاع مستمرة تشبه "الضرب بالسكين".
واللافت أنه بالنسبة لبعض السيدات، يكون الألم مستمراً ويؤثر على كل جانب من جوانب حياتهنّ، بينما تعاني أخريات من الألم فقط أثناء الجماع أو عند الجلوس لفترات طويلة.
سوء التشخيص
"بالرغم من ارتفاع نسبة الإناث المصابات بالفولفودينيا، إلا أنه غالباً ما تواجه النساء المعنيات سوء التشخيص لحالتهنّ الطبية"، بحسب ما أكدت فرح كنج، مشيرة إلى أن "الكثير من السيدات مظلومات بهذا الخصوص ومحرومات من الحصول على علاج مناسب بسبب سوء التشخيص".
في العام 2013، وجدت دراسة أجريت على النساء اللواتي عانين من أعراض آلام الفرج في مرحلة ما من حياتهنّ، أن 48% منهنّ طلبن العلاج، ولكن تم تشخيص 1.4% فقط بشكل رسمي.
واللافت أن 16.9% فقط من السيدات تخلصن من الألم، وقد استغرقت عملية الشفاء حوالي 12 عاماً ونصف في المتوسط.
وصفت العديد من النساء المصابات بالفولفودينيا الألم بأنه أشبه "بصبّ حمض على البشرة"، أو أوجاع مستمرة تشبه "الضرب بالسكين"
وبالمثل، كشفت دراسة أجريت في جامعة هارفرد، أن 60% من الإناث اللواتي يعانين من آلام الفرج استشرن ثلاثة أطباء أو أكثر قبل التوصل إلى التشخيص الصحيح، ما يفاقم معاناة المرأة ويحرمها من الوصول للعلاج بعد سنوات من الآلام والأوجاع التي لا تحتمل.
في حديثه مع موقع فايس، قال الدكتور وينستون دي ميلو، استشاري في طب الألم في جامعة مانشستر: "الفولفودينيا هو تشخيص يتم التوصل إليه بعد استبعاد كل شيء".
وأوضح وينستون أن هذا المرض النسائي يستغرق بعض الوقت حتى يتم تشخيصه، لأن الأطباء غالباً ما يركزون أكثر على استبعاد الأمراض التي يمكن علاجها، مثل الالتهابات أو الأمراض الجلدية أو حتى السرطان.
وبحسب ما أوضح دي ميلو، فإنه من الصعب تحديد أسباب المرض: "إنه تفاعل معقد بين الجهاز العصبي والنظام الهرموني والجهاز البولي التناسلي".
وتابع بالقول: "ما نقوم به في عيادتنا هو أن نأخذ لوحاً أبيض ونشرح قصة المريضة، ونبيّن الروابط بين الأعضاء المختلفة".
ومن ثم يقوم الأطباء بتطوير برنامج علاج متعدد التخصصات، مع مراعاة احتياجات المرضى وما قد يؤدي إلى تفاقم المخاوف الصحية المرتبطة: "لا يوجد علاج لكن هناك فرصة جيدة للحصول على نوعية حياة أفضل".
بعد أن عالج مرضى التهاب الفرج لأكثر من 30 عاماً، يسعى دي ميلو الآن للحصول على دبلوم في الطب النفسي الجنسي، ومساعدة المرضى الذين يعانون من مشاكل نفسية وجنسية، كالاكتئاب والقلق والألم أثناء ممارسة الجنس والتشنج المهبلي- وهو انقباض لا إرادي للمهبل أثناء الجماع- الذي يعتبر شائعاً جداً أيضاً لدى الأشخاص المصابين بألم الفرج، بحسب تأكيده: "علينا أن نقلل من مستوى التوتر، لأن ذلك ينتج الأدرينالين والكورتيزول، وهذا يزيد من الألم".
من الأسباب الرئيسية للشعور بالانزعاج والضغط النفسي هو أنه في الغالب لا يتم تصديق النساء، بالأخص من قبل الأطباء الذين لم يسمعوا أبداً عن هذه الحالة.
وعن هذه النقطة، كشف دي ميلو، الذي تلقى تدريبه العلمي في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، أنه لم يكن هناك أي نقاش حول ألم الفرج في المناهج الدراسية، مشيراً إلى أن الأمور لم تتحسن كثيراً منذ ذلك الحين: "عندما كنت أمارس عملي كطبيب مبتدئ، أخبرني طبيب التوليد وأمراض النساء أن هؤلاء النساء لديهنّ مشكلة جنسية، وأنهنّ بحاجة إلى شرب كأس من النبيذ والمضي قدماً".
لسوء الحظ، غالباً ما تتعرف النساء المصابات بالتهاب الفرج على الحالة بأنفسهنّ، ويتعيّن عليهنّ تحمل تكلفة الاستشارات الخاصة والعلاجات التي تكون باهظة الثمن، ناهيك عن الضغوطات النفسية التي ترهق كاهلهنّ.
في الحقيقة، تشعر العديد من النساء المصابات بالفولفودينيا بالخجل والذنب، ما يؤدي بدوره إلى الشعور بالقلق وتدني احترام الذات، هذا بالإضافة إلى التكتم عن حالتهنّ، الأمر الذي يؤثر على علاقاتهنّ الجنسية، بالأخص وأنه في الكثير من الأحيان تكون هناك استحالة من ممارسة العلاقات الجنسية، خصوصاً لناحية الإدخال.
كيف يتم علاج ألم الفرج؟
كما أشرنا في السابق، فإن تشخيص الفولفودينيا هي عملية معقدة قد تستغرق وقتاً طويلاً، غير أن هناك بعض العلاجات التي يمكن اللجوء اليها لتخفيف آلام الفرج لدى النساء وتحسين نوعية الحياة:
الأدوية الموضعية: الكريمات والمراهم التي تحتوي على مواد مخدرة أو أدوية مثبتة للأعصاب، ويتم وضعها على منطقة الفرج. في بعض الأحيان يتم استخدامها قبل الجماع.
الأدوية عن طريق الفم: يمكن أن تشمل هذه الأدوية مضادات الاكتئاب ومضادات الاختلاج لمعالجة آلام الأعصاب.
حقن إعاقة العصب: هذه الحقن تعيق الإشارات التي ترسل الألم من الأعصاب إلى الدماغ.
تشعر العديد من النساء المصابات بالفولفودينيا بالخجل والذنب، ما يؤدي بدوره إلى الشعور بالقلق وتدني احترام الذات، هذا بالإضافة إلى التكتم عن حالتهنّ، الأمر الذي يؤثر على علاقاتهنّ الجنسية، بالأخص وأنه في الكثير من الأحيان تكون هناك استحالة من ممارسة العلاقات الجنسية، خصوصاً لناحية الإدخال
العلاج الطبيعي: يستخدم العلاج الطبيعي لعلاج ألم الفرج، ولكن ليس لتقوية العضلات.
غالباً ما تكون عضلات قاع الحوض في حالة تشنج عند النساء المصابات بألم الفرج، وبالتالي يمكن أن يساعد العمل مع معالج/ة على إرخاء هذه العضلات.
الجراحة: إجراء جراحي لإزالة الأنسجة في المنطقة التي تشعر فيها المريضة بالألم. يمكن أن يكون هذا مفيداً للنساء المصابات بآلام الفرج الموضعية، ولم تساعدهنّ العلاجات الأخرى بشكل كبير.
الاستشارة النفسية: قد يوصى باللجوء إلى معالج/ة نفسي/ة، لأن التهاب الفرج يمكن أن يؤثر على العلاقات الجنسية واحترام الذات ونوعية الحياة بشكل عام.
يجب على النساء المصابات بالفولفودينيا التركيز على اتباع نظام غذائي صحي، تجنب ارتداء الملابس الضيّقة وارتداء ملابس داخلية قطنية، استخدام الكمادات الباردة لتخفيف الألم، تجنب بعض التمارين التي تضغط على الفرج، مثل ركوب الدراجة أو ركوب الخيل، بالإضافة إلى تنظيف الأعضاء التناسلية بواسطة الماء من دون استخدام الصابون ومستحضرات التنظيف التي تحتوي على عطور.
هذا ويمكن للمرأة المعنية ان تمارس العملية الجنسية في حال شعرت بالراحة في ذلك، مع ضرورة الابتعاد عن المزلقات التي تأتي بنكهات متعددة، أو تلك المصممة لخلق أحساس بالبرودة أو الدفء.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...