شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"صُنع في مصر"... قصص نجاح رائدات أعمال بعد الأربعين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الجمعة 21 يناير 202210:00 ص

رحلة إلى مدينة غريبة ورؤية العين لحياة مختلفة، كانا مفتاحاً لإيقاظ شغف قديم أهملته هويدا طويلاً نحو هوايتها في تصميم وتنفيذ الأزياء.

انفتح قلبها عندما تلقت هويدا دعوة لحضور حفل زفاف ابنة شقيقتها، ولما كان عدد فتيات العائلة كبيراً، وأسعار فساتين السهرات باتت خارج قدرات كثير من الأسر المصرية المنتمية إلى الطبقة الوسطى، قررت هويدا أن تصمم وتنفذ فستانها، ومعه فساتين بناتها وشقيقتها (أم العروس) وشقيقات العروس.

حظت الملابس التي صممتها الخالة بإعجاب الجميع، وبدأت الأسرة بإقناعها بتحويل هوايتها التي اكتشفوها بالصدفة إلى تجار تسعدها وتشعرها بالنجاح.

كانت هويدا قد تخطت الأربعين حين سافرت لحضور الزفاف ولفتت تصميماتها أنظار الجميع، وقتها ظنّت أن حياتها قد استقرت على رعاية الزوج والأبناء، من دون أي أعمال أو هوايات جانبية، إلا أن رحلة واحدة بالإضافة لمساندة العائلة والزوج والأبناء حوّلا هويدا، من ربة منزل منطوية إلى سيدة أعمال تشهد نجاحاتها ارتفاعاً يوماً بعد الآخر. بل وباتت تشارك تلك النجاحات عن طريق التطوع لتعليم الفتيات والسيدات التطريز والتفصيل، في إحدى الجمعيات الخيرية.

شغف مبكر

تقول هويدا سليمان (46 عاماً) لرصيف22، أنها أحبت تصميم وتنفيذ الأزياء منذ كانت في الرابعة عشرة من عمرها، إذ حصلت على دورة تدريبية في تصميم الأزياء وتفصيلها في قصر الثقافة القريب (مؤسسات ثقافية تقدم خدماتها بالمجان في الأحياء والقرى على امتداد خريطة مصر).

هويدا

فيما بعد، استكملت هويدا تعلّم هوايتها عن طريق فيديوهات يوتيوب، إلى أن أنهت مرحلة التعليم المتوسط، وعملت موظفة في التنمية المحلية لتنسى هوايتها وتنشغل بالوظيفة التي تركتها لرعاية الزوج والأبناء، "لكن شغفي دفعني قبل 4 سنوات إلى تعلم تطريز العباءات وفساتين الأفراح، لتأتي مناسبة عائلية أخرجت موهبتي المدفونة وأستعين بماكينة الخياطة الخاصة بي في تصميم فساتين لي ولبناتي وزوجة شقيقي وابنته، ليفاجئ الجميع بموهبتي المدفونة، ولم أتخيل يوماً ما أن أبدأ مشروعي بعد بلوغ سن الأربعين".

هويدا سعيدة بالمساندة التي تلقتها من أبنائها الثلاثة، الذين ساعدوها في تسويق منتجاتها عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وتحلم بأن يكون لديها "أتيليه" يحمل اسمها، لكنها تعرف أن الشروط الخاصة بالقروض البنكية قد تهدد فرصها، ما دفعها للاكتفاء بالتسويق عبر السوشال ميديا إلى حين تغير الأحوال.

"تورتة" من بلد الحلويات

تُعرف محافظة دمياط في مصر بأنها "بلد الحلويات" إذ تشتهر بالمصانع المتخصصة في صناعة الحلويات الشرقية وبخاصة المصرية منها، ومع توافد السوريين على مصر، وجد كثير منهم في دمياط ساحة للفرص، مقدمين خبراتهم وحلوياتهم المميزة لتضاف إلى قوائم المدينة، التي ظلت حتى أعوام قليلة مضت؛ قلعة للصناعة في مصر.

لهذا كان اختيار ليلى محمد اختياراً صعباً ومبرّراً في الوقت عينه، عندما اختارت أن يكون مشروعها الذي تعود به إلى العمل في أربعينياتها، هو صناعة الحلويات وترويجها عبر شبكات التواصل الاجتماعي، رغم أنها تحيا في دمياط.

"تورتة" من بلد الحلويات... تتابع قصة شيف ليلى من محافظة دمياط في مصر التي تعرف بأنها "بلد الحلويات" إذ تشتهر بالمصانع المتخصصة في صناعة الحلويات الشرقية وبخاصة مع توافد السوريين على مصر

ليلى محمد أم وجدة، لم تتخط بعد الرابعة والأربعين من العمر. تزوجت في سن صغير، وقضت حياتها ربة منزل منشغلة برعاية الزوج والأبناء، إلى أن جاء عيد ميلاد حفيدها، عندما أتم سنته الأولى وهي بعد في الأربعين من عمرها، وتصدّت هي لتصميم وعمل كعكات (تورتات) متعددة للاحتفال بعيد ميلاده، ليظن كل أفراد الأسرة أن الجدة الشابة تكلفت الكثير كي تشتريها من المحال، لتفاجئهم جميعهاً أنها خبزتها وزينتها بنفسها في مطبخها الصغير.

تقول ليلى لرصيف22: "لم يسبق لي العمل. بعد عيد ميلاد حفيدي، وبتشجيع من أبنائي، بدأت مشروعي الخاص قبل 4 سنوات". ومثل هويدا؛ ظلّت مواقع السوشال ميديا منفذاً أساسياً لترويج منتجاتها، وعلى عكس المتوقع؛ لاقت كعكاتها إقبالاً ملحوظاً في بلد الحلويات.

ليلى

تعليم للعمل

يختلف مشروع نداء عن زميلاتها الأربعينيات اللائي بدأن مشروعاتهن بعد سنوات من الاكتفاء بدور ربات المنزل، فنداء تسعى لإنتاج مختلف، فهي لا تكتفي بعملها الجديد "شيف سخن"، بل قرّرت الاستفادة من دراستها المتخصصة لفنون الطهي الفندقي لتعليم السيدات غير القادرات ومساعدتهن على الترويج لمنتجاتهن، عبر صفحاتها على شبكات التواصل الاجتماعي.

تقول نداء (42 سنة) إنها تخرجت في كلية سياحة وفنادق قبل ما يزيد على 20 عاماً، وتزوّجت على الفور لتتفرغ لرعاية الزوج والأبناء. لكن حلم العمل والنجاح لم يفارقاها، إلى أن لاحظت أن نساء كثيرات بتن يدخلن سوق العمل من خلال بيع منتجاتهن المختلفة على فيسبوك. وبمساعدة ودعم من زوجها؛ أعدت نداء "معملاً"، كما تصفه، في عمارة يملكها زوجها، وبدأت فيه تعليم الفتيات القادرات فنون الطهي بمقابل، فيما تعلم السيدات غير القادرات من دون مقابل، وتساعدهن على ترويج إنتاجهن عبر السوشال ميديا.

نداء

توضح نداء: "مشروعي هو ألا أرى سيدة تحتاج مادياً، وفي الوقت ذاته تريد افتتاح مشروع من منزلها لتكون بجوار أبنائها. كما كنت أساعدهن بالظهور على شاشة التلفزيون ليعرفهم الجمهور".

بحثاً عن الإبداع

على عكسهن جميعاً، لم تكتف هالة مصطفى بدور ربة المنزل بعد تخرجها في كلية الصيدلة، إذ انتقلت للحياة والعمل في محافظة الإسكندرية. لكن مع اقترابها من سن الخمسين، بدأ الملل يتسلل إليها، فقررت أن تخرج شغفها وحلمها الذي راودها منذ سنوات طويلة إلى النور، فبدأت  مشروعها الخاص لصناعة الشموع العطرية والصابون اليدوي، جنباً إلى جنب عملها الصيدلي.

تقول هالة لرصيف22: "دخلت مجال تصميم الشموع والبخور والصابون قبل 3 سنوات، وذلك بعد ما شعرت بملل وروتين وعدم إبداع في مجال عملي كصيدلانية".

بدأت هالة في تصميم الشموع لمنزلها، وعندما وجدت أن عملها لا يمكن تفريقه عن إنتاج المحترفين؛ "دشّنتُ صفحة على الفيسبوك للترويج لمنتجاتي، كما حاولت الخروج بأفكار غير تقليدية، واستطعت تصميم شموع زينة معطرة وصابون علاجي بأشكال مختلفة".

وأرادت هالة التفرّد في مشروعها الذي بدأ قبل ثلاث سنوات، فقامت بتصنيع شموع على أشكال التماثيل الشهيرة المعروفة في الحضارة المصرية القديمة، وابتكرت في تركيبات العطور التي تضيفها لمنتجاتها.

مصنوعاتها التي اتخذت أشكالاً من الحضارة المصرية القديمة كفلت لها نجاحاً واسعاً، فبدأت طلبات الشراء ترد إليها من بعض العواصم الأوروبية. وتحلم السيدة الخمسينية بافتتاح محل وعرض أعمالها في معارض محلية ودولية، وامتلاك براند تحت اسم "صُنع في مصر". تقول: "خاصة وأننا كمصريين لدينا روح المنافسة والحماس الشديد"، كما تحلم بافتتاح مركز لتنمية هوايات الأطفال.

بدأت هالة في تصميم الشموع لمنزلها، واتخذت أشكالاً من الحضارة المصرية القديمة وحققت نجاحًا بمشروعها الفردي بتمويله المتواضع، وتحلم اليوم بامتلاك براند تحت اسم "صُنع في مصر" وتقول:"خاصة وأننا كمصريين لدينا روح المنافسة والحماس الشديد"

تأتي جهود هؤلاء السيدات بمعزل عن مشروعات الدولة لتمكين النساء عبر المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، إذ إن خوفهن من الإجراءات والقيود وارتفاع نسب الفائدة (مقارنة بإمكانياتهن) على القروض المقررة لمثل تلك المشروعات؛ تدفعهن إلى الاعتماد على مساعدات الأسرة أو الإبقاء على طموحاتهن تحت قيد الإمكانيات، في ظل العقوبات الغليظة التي تقع بمن يعجز عن سداد القروض البنكية أو قروض جهاز المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر.

ووفقا لمنتدى حلول للسياسات البديلة (مشروع بحثي في الاقتصاد الاجتماعي تابع للجامعة الأمريكية في القاهرة)، بلغ معدل البطالة في صفوف النساء غير المنخرطات في الدراسة في سن العمل (15- 29 عاماً) خلال الربع الأول لعام 2014 ضعف معدل البطالة في صفوف الشباب غير المنخرطين في الدراسة في نفس الفئة العمرية، وهي نسبة تبلغ 12.6%، ما يجعل النساء المحرومات من التعليم والعمل في تلك الفئة نحو 426 ألف شابة على المستوى الوطني .

ووفقاً للمنتدى، يشكل عبء أعمال الرعاية التي يتعين على الشابات والنساء القيام بها يومياً أحد العوامل الرئيسية التي تدفعهن إلى بدء عمل تجاري، فبحسب ما أظهرت العديد من الدراسات والاستقصاءات خلال السنوات الماضية، تقضي النساء في مصر نفس الوقت في أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر، بغض النظر عما إذا كن يعملن أو لا يعملن.

ويشكل هذا العبء المزدوج ضغطاً على العديد من النساء ويدفعهن إلى الاستقالة من وظائفهن، خصوصاً إذا كان لديهن أطفال دون سن الدراسة، أو عدم البحث عن عمل أصلاً، وبالنسبة للعديد من النساء، يعتبر اغتنام فرص العمل من المنزل البديل المناسب الذي سيمكّنهن من أداء كلا المهمتين، حيث يقمن بتأسيس أعمال تجارية، مثل إنتاج إكسسوارات نسائية أو تقديم خدمات تعديل الملابس، كما تتعرض النساء اللاتي يسعين للحصول على هذه الفرص لضغوط بسبب عدم توافر خدمات رعاية كافية ومدفوعة الأجر، ما يحدّ من قدراتهن على تسليم بعض مسؤوليات الرعاية غير مدفوعة الأجر إلى السوق، والبحث عن عمل خارج المنزل.

ووفقاً للمنتدى يتمثل العامل المهم الآخر الذي ساهم في تحول النساء إلى ريادة الأعمال؛ في ميل السوق إلى وضع المرأة في وظائف بأجور منخفضة، أو وظائف ذات فرص محدودة للتقدم، مثل العمل في مجال السكرتارية أو العمل الإداري أو العمل في إدخال البيانات أو العمل الزراعي الذي لا يحتاج إلى خبرة فنية، وهذا يثني الفتيات عن الانضمام إلى سوق العمل. وبالتالي، قد تكون أحلام امتلاك مشروع شخصي ذي عائد مالي أحلاماً مغرية، غير أن ضآلة الأرباح المكتسبة في بداية مشروع من هذا النوع قد تثني العديدات، ما سيتسبب في خيبة أمل لهن ويقلل من ثقتهن بأنفسهن.

إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image