شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
MAIN_Morocco-bank-loans

"أقترض لأستفيد من التخفيضات"... الاستهلاك يستعبد المغاربة

MAIN_Morocco-bank-loans

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 19 يناير 202204:15 م

وجدت سلمى نفسها مُعجبةً بقِطع ملابس مُتعددة ثمنها منخفض، على تطبيقٍ للتسوق الإلكتروني من خلال هاتفها، شدّها إلى "الشوبينغ" (التبضّع)، ساعاتٍ طِوالاً من قلب منزلها، فملأت السلة، وبضغطة زر دفعت الثمن، وأخدت تنتظر أياماً وصول منتجاتها إلى باب المنزل؛ وهي عملية تتكرر معها مع بداية كل شهر، في موسم التخفيضات، وخارجه.

تقول سلمى التي تعمل في مركزٍ للاتصالات في مدينة الدار البيضاء (26 سنةً)، لرصيف22: "أنا فتاة أحب التنويع في ملابسي ومنتجاتي التي أستخدمها بشكل يومي. لا أحب كثرة التكرار، فهذا أمر يُشعرني بالملل، لهذا سُرعان ما أنجرُّ خلفَ عروض التخفيضات، والإنتاجات الجديدة التي تلائم ذوقي، ولو كلّفني الأمر أن أكمل مصاريف بقية أيام الشهر، من خلال اللجوء إلى الاقتراض من معارفي، لكن الأمر مُمتع، إنه على الأقل أفضل من العيش برتابة".

على الرغم من أن مُعدّل الفقر في المغرب قد تضاعف سبع مرات خلال فترة الحجر الصحي، حسب تقرير رسمي للمندوبية السامية للتخطيط والبنك الدولي، إذ انتقل من 17.1 في المئة سنة 2019، إلى 19.87 في المئة سنة 2020، بسبب ما خلّفته جائحة كورونا من فقدان أسر عديدة مصادر دخلها الأساسي، إلا أن نسب الاستهلاك لا زالت تُسجّل ارتفاعاً، ولا زالت إعلانات التخفيضات تُتداول في الرسائل الخاصة بين الأصدقاء، وعلى المجموعات المُغلقة في فيسبوك، لحث الأفراد على اغتنام الفرص، وجعلهم يتسوقون.

عادات استهلاكية خارج القُدرة

على غرار سلمى، مغاربة كُثر، مسّت عاداتهم الشرائية طقوس جديدة، أبرزها الاندفاع خلف عُروض التخفيضات، التي ملأت إعلاناتها لافتات الشوارع العامة، وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي، منذ حلول موسم التخفيضات في ما يُسمى بـ"الجمعة السوداء" (Black Friday)، أو نهاية السنة وبدايتها، فبات الفرد يجد نفسه مُنجرًّا خلفها، ومُطيعاً لرغباته الجارفة، ولو كلفه الأمر الاعتماد في تلبية ما يشاء على طلب قرض من معارفه، أو من المؤسسات البنكية.

"أنا فتاة أحب التنويع في ملابسي. لا أحب كثرة التكرار،  لهذا أنجرُّ خلفَ عروض التخفيضات ولو كلّفني الأمر  الاقتراض من معارفي". الاستهلاك يستعبد المغاربة 

وفي هذا الصدد، يقول موظف في مصرف، فضّل عدم الكشف عن هويته، لرصيف22، إن هناك ارتفاعاً في الطلب على الديون الاستهلاكية في السنوات القليلة الماضية، وازداد الطلب مع تفشي فيروس كورونا، وذلك لضمان اجتياز فترة الأزمة المالية من دون أي حرج اجتماعي، على الرغم من نسب الفائدة المرتفعة لهذه الديون، مشيراً إلى أن العديد من الأسر المغربية تتضرَّر من الاقتراض، الذي يظلّ حلاً "اعتباطياً"، غير ناجع، والمسؤول الأول عنه هم الأشخاص الراغبون في السّلفات (القروض)، وليس المؤسسات البنكية، كما أن الإشكال يتمثل في أن جُل الأفراد يدخلون في دوامة من الديون الإضافية من أجل سداد الدين الرئيس، ليظلوا في الغالب يحومون حول دائرة مُفرغة.

وترى الباحثة في العلوم السياسية، أسماء مهديوي، أن "البُعد الغالب على إنسان هذا العصر، هو البعد الاستهلاكي، إلا أن الأمر أصبح يتجاوز مفهوم الحاجة أو الغريزة إلى بُعد الإكراه، فأصبح المجتمع بأكمله مُكرَهاً على تتبع نمط معيشي معيّن، أساسه الشره في الاستهلاك".

وأضافت الباحثة أننا "لم نعد نستهلك لنعيش، بل أصبحنا نعيش لنستهلك، ضمن دوائر مُفرغة وثيقة الصلة بما نتلقاه من الثقافة المادية الحداثية، التي فرضت نفسها على مجتمعاتنا بخصوصياتها المعيشية، وهذه المهمّة التي اختصت بها الدعاية والموضة. واليوم، دخل مصطلح "البوز" Buzz، خاصةً مع تحول شبكات التواصل الاجتماعي إلى آلية من آليات ممارسة العنف الاجتماعي، عبر مخاطبة مناطق الإثارة التي لا تسمَحُ للمستهلِك بمساءلة عقله حول ما يحتاجه لأجل أن يعيش".

وفي شأن زيادة القوّة الشرائية (الطلب على السلع)، كان بنك المغرب، قد أوضح في مذكرته حول المؤشرات الرئيسية للإحصاءات النقدية لشهر تشرين الأول/ أكتوبر 2021، أن وتيرة نمو القروض البنكية الموجهة للقطاع غير المالي، شهدت ارتفاعاً بـ 4.1 في المئة سنوياً، الشيء الذي يعكس ارتفاع القروض المقدمة للأسر 5 في المئة.

"أشتري وفق حاجتي"

"شخصياً، أرى أن كل شخص مُنتجٍ، لا بد أن يمر بمرحلة الاستهلاك، لكن شرط أن يكون واعياً لها. أنا مثلاً أستفيد من عروض التخفيضات، لكن وفقاً لحاجتي ولقدرتي المالية، ففي آخر السنة، قُمت بالتسجيل في العديد من البرامج التي أعمل يها، وكان ثمن الاستضافة لعام واحد، هو ثمن أربع سنوات، فكان عرضاً مغرياً، لذلك لم أتردد في الاستفادة منه"؛ هكذا انطلقت زهرة أمزيل، صانعة محتوى، مهتمة بمجال التدريب الذاتي وتطوير المهارات الشخصية، في وصف مقدار استهلاكها في موسم العروض التي توصف بـ"المغرية".

"التكنولوجيات الحديثة، خاصةً مواقع التواصل الاجتماعي، وكذا التغييرات التي مسّت صِناعة الإشهار، أصبحت أقوى من قدرة الإنسان على مقاومتها، لأنها باتت أكثر إغراءً". مغاربة ينجرون نحو الاستهلاك بشكل "مرضي"

وتسترسل زهرة، في حديثها إلى رصيف22، قائلةً إنها وجدت عرضاً خاصاً بالكتب، من خلال شراء عشرة كتب مقابل عشرة كتب مجانية، فكان "تخفيضاً رائعاً" يستحق الاستفادة منه، وفق تعبيرها؛ وبشأن أكثر الأشياء التي تدخلها في دوامة الاستهلاك، تضيف المتحدثة أن الأمر يتمثل في "شراء الكثير من الكتب وبرامج العمل، غير أنني لا أقرأ كل هذه الكتب، الشيء الذي يجعلني أشعر بأني أبذّر أموالي، لهذا بدأت أشتري الكتاب الذي أحتاج إلى قراءته فحسب، أما بالنسبة إلى الملابس والأشياء الأخرى، فأشتري وفق حاجتي".

وفي السياق نفسه، يوضح صلاح الدين البدوي، وهو مستشار في مجال المقاولة، أن "تركيبة المجتمع المغربي طالتها مجموعة تغيّرات، مع ظهور التكنولوجيات الحديثة، خاصةً مواقع التواصل الاجتماعي، وكذا التغييرات التي مسّت صِناعة الإشهار، إذ أصبحت أقوى من قدرة الإنسان على مقاومتها، لأنها باتت أكثر إغراءً، تُتّبع فيها مجموعة من الأمور، انطلاقاً من سيكولوجية المُستهلك، وهو العلم الذي بات يُدرس، لكي يلاحق حاجيات وميول كل شخص، ليُقدّم له خدماتٍ أو منتوجاتٍ يبحث عنها، عبر تخصيص إعلانات شخصية، بناءً على البصمة الرقمية".

"لم يعد الإنسان مجبراً على التحرك من مكانه للبحث عمّا يُريده، فقط من خلال الهاتف، يصله ما يطمح إليه، أو ما يغريه، الشيء الذي ساهم أكثر في أن يُصبح المجتمع المغربي مُستهلكاً، عكس ما كان في السنوات التي مضت، إذ كان المغربي مُستثمراً، وأبسط مثال على ذلك، أن النساء كنّ يشترين الذهب على سبيل الادّخار، أو الاستثمار في العقار والفلاحة، وذلك لأن الإنسان كان يعتمد على الخصاص من أجل الشراء، عكس ما يروج الآن"، يضيف البدوي. هكذا تحوّل الادّخار للمستقبل، إلى تبذير في الوقت الحاضر، لإشباع رغبة الاستهلاك، التي تستعبد كل المجتمعات الاستهلاكية، والتي أصبح المغرب واحداً منها. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard