شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
مُفترق أغاني اللغة العربيّة مع

مُفترق أغاني اللغة العربيّة مع "السح الدح إمبو" لعدوية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الثلاثاء 18 ديسمبر 201802:48 م

في الوقت اللي جزء كبير من الناس بيحتفلوا باليوم العالمي للغة العربية، مقدرش أنسى الجملة العربية الرهيبة اللي عملت في دماغي خرم (حفرة)، اتكتب عليه سؤال بعلامة استفهام وتعجب: "هي دي لغتنا؟!". الحقيقة أن اليوم ده مكنش في درس النحو والبلاغة على الرغم اني بقابل جُمل كتير مستحيل أفهمها إلا بالمعجم لحد النهاردة من الشعر العربي أو من كتابات عباس العقاد مثلًا، لكن الجملة اللي أقصدها كان مصدرها مُغني مش شاعر ومفيش أي معجم يقدر ينقذني علشان أفسر هو كان عايز يقول إيه؟ القصة باختصار إن مصر في السبعينات صحيت على صوت بيقول "السح ادح امبو أدي الواد لأبو"، في أغنية لمحمد عدوية كتب كلماتها الريس بيرة، اللي هو المؤلف والملحن المصري خليل محمد خليل. المنتج عاطف منتصر، كان حكى قصة الأغنية في برنامج "صاحبة السعادة" لإسعاد يونس ودور الصدفة فيها، ورُب صدفة خير من ألف (كلام)، لأن الاتفاق الأصلي كان حسب ما قال عاطف عن إنتاج ألبوم مواويل لعدوية، لكن القدر كان له دور تاني لما عاطف منتصر سمع عدوية بيدندن في طُرقة المكتب قبل ما يقابله: "صعبان علي الواد.. شيلو الواد من الأرض، الواد عطشان اذقوه.. السح ادح امبو"، فقرر تكون هي دي القطعة الفنية الي يصرف عليها بدل المواويل، وكلفته 40 جنيه، 15 لعدوية وزيهم للشيخ طه المُلحن والريس بيره 10 جنيه، وإذ بالبلد كلها بتغني في البيوت السح الدح إمبو.

المُشكلة مش النجاح الكبير اللي حققته الأغنية لكن رد فعل الشارع هو اللي كان غريب، لأن من المرات القليلة جدًا اللي يتقبل فيها الناس إهانة اللغة العربية من وجهة نظرهم- في الأغاني بالشكل السريع ده، يعني بعد ما كان الغناء الشعبي له حدود ماتتعداش على اللغة كتبها وحافظ عليها محمد رشدي محمد عبد المطلب، بمنتهى البساطة جه عدوية ولغى كل الحدود ودندنته غلبت كل مُطربين جيله وقتها، لدرجة أنه كمل في النوع ده فقال بعدها "كركشنجي دبح كبشه" في وصف عملية دبح لخروف بائس، واللي كلماتها كلها شبه بعض لدرجة ممكن في عصر المهرجانات حاليًا تزعج نقابة الموسيقيين، ممكن تقرأ الكلمات اللي كتبها الشاعر العظيم مأمون الشناوي، وتتخيل أنه بعد ما كتب أنساك لأم كلثوم: "وأنت وعزولي وزماني" و"كل ده كان ليه" لمحمد عبد الوهاب و"جميل جمال" لفريد الأطرش و"أنا لك على طول" و"خايف مرة أحب" للعندليب، قرر يتنازل لرغبة الجماهير ويكتب كركشنجي لعدوية فقال: كركشنجى دبح كبشه يا محلى مرقه لحم كبشه عكشو فركش نكشو طنش قلشو آقلش سبع سلاطين استسلطناهم من عند المستسلطانين تقدر يا مسلطن يا مستسلطن تستسلطنلنا سبع سلاطين زى ما استسلطناهم من عند المستسلطانيين سبع دبابيس استدبسناهم من عند المستدبسين تقدر يا مدبس يا مستدبس تستدبسلنا سبع دبابيس زى ما استدبسناهم من عند المستدبسين سبع لحاليح استلحلحناهم من عند المستلحلحين تقدر يا ملحلح يا مستلحلح تستلحلحلنا سبع لحاليح زى ما استلحلحناهم من عند المستلحلحين سبع طقاطيق استطقناهم من عند المستطقطقين تقدر يا مطقطق يامستقطق استطقلنا سبع طقايق زى ما استطقناهم عند المستطقطقين سبع فراريح استفرحناهم من عند المستفرحين تقدر يا مفرح يا مستفرح تستفرحلنا سبع فراريح زى ما استفرحناهم من عند المستفرحين الأغنية دي كمان اتشهرت لدرجة أن طلاب من أمريكا قرروا يغنوها بدون سبب.


بكدة نقدر نقول أن "السح الدح إمبو" كانت نقلة حقيقية في ميزان اللغة العربية في كلمات الأغاني، ومش هبالغ لو قلت أن تاريخ الأغنية المصرية ممكن يتقسم لمرحلتين قبل السح الدح امبو وبعدها، يعني ممكن نعتبرها ثورة الكلمات العامية على حدود مفردات اللغة العربية، وطبعًا ناس كتير حاولت تفسر الـ 3 كلمات دول وأدق وصف تقريبًا كان: السح يعني الحاجة اللي بتسيح زي ما أقول الثلج ساح، والدح في اللهجة المصرية هو رد الفعل للسعة النار وبنقولها للأطفال على أساس نخوفهم من اللعب بالكبريت مثلًا وأحيانًا بتكون اليح بدل الدح، وفي تفسير جديد للكلمة وهو المذاكرة بقوة والتزام وبيتقال على الشخص أنه "دحيح"، وامبو دي إشارة للمياه، لكن حتى مع الوصف ده مش هنقدر نكمل جملة مفيدة من السح الدح امبو للأسف، وأقصى حاجة نقدر نعملها أننا نكتفي بإكمال نصيحة عدوية وندي الواد مياه علشان "عطشان اذقوه".

في الوقت اللي جزء كبير من الناس بيحتفلوا باليوم العالمي للغة العربية، مقدرش أنسى الجملة العربية الرهيبة اللي عملت في دماغي خرم (حفرة)، اتكتب عليه سؤال بعملامة استفهام وتعجب: "هي دي لغتنا؟!"
المُشكلة مش النجاح الكبير اللي حققته الأغنية لكن رد فعل الشارع هو اللي كان غريب، لأن من المرات القليلة جدًا اللي يتقبل فيها الناس إهانة اللغة العربية من وجهة نظرهم- في الأغاني بالشكل السريع ده، يعني بعد ما كان الغناء الشعبي له حدود ماتتعداش على اللغة.
بكدة نقدر نقول أن "السح الدح إمبو" كانت نقلة حقيقية في ميزان اللغة العربية في كلمات الأغاني، ومش هبالغ لو قلت أن تاريخ الأغنية المصرية ممكن يتقسم لمرحلتين قبل السح الدح امبو وبعدها، يعني ممكن نعتبرها ثورة الكلمات العامية على حدود مفردات اللغة العربية.
طبعًا مش بهاجم أبدًا الأغاني دي بالعكس أنا ومعظم اللي سمعوها ممكن نقوم نرقص على نغماتها لكن بستغرب نجاحها في وقت كان الجمهور بيقيم الأغنية بكلماتها العميقة وبالشوكة والسكينة، واللغة العربية اللي بتحتفل بيومها المميز النهاردة ماوقفتش هنا واندهشت لأ، النوعية دي من الكلمات فتحت الباب للي بعد عدوية أنهم يغنوا أي حاجة طالما تنفع مع اللحن، وطالما الناس مبسوطة، بداية من حكيم وشعبان عبد الرحيم ولحد ما توصل لأوكا وأورتيجا والمدفعجية مع التحية للغة العربية. وأخيرًا، أظن إن معظم اللي هيقرأ المقال ويتوه في المفردات الغريبة دي كلها، هيخرج بنفس سؤالي اللي سألته أول مرة سمعت أغنية السح الدح أمبو: هي دي لغتنا؟!  


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image