كشف التحقيق الجديد الذي قامت به منظمة فرونت لاين ديفندرز عن تعرّض اثنتين من المدافعات عن حقوق الإنسان من البحرين والأردن لاختراق أجهزتهن باستخدام برنامج التجسس "بيغاسوس"، وهو برنامج تابع لمجموعة "إن أس أو". ويأتي هذا على أعقاب ما كشف عنه مشروع بيغاسوس من استخدام الحكومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وغيرها لبرنامج التجسس "بيغاسوس" لانتهاك حقوق الإنسان وقمع النشطاء والصحفيين.
للمراقبة تأثير مروّع ومؤلم على النساء بشكل خاص نظراّ إلى إقدام الحكومات في المنطقة على استغلال المعلومات الشخصية كسلاح عن طريق برامج التجسّس بهدف التهديد والمضايقة وتشويه صورة وسمعة المستهدفات. وكنتيجة لذلك، تعيش النساء المستهدفات بالمراقبة في حالة من الخوف والقلق ممّا يؤدّي إلى انعزالهُن عن المجتمع، وهذا ما يفرض قيوداَ على حياتهن الاجتماعية ووظائفِهن ونشاطِهن. وكما عبرّت ابتسام الصّايغ عن حالتها، وهي إحدى ضحايا الاختراق: "الحريات الشخصية انتهت بالنسبة لي ولم يعد لها وجود، لست آمنة في المنزل أو في الشارع أو في أي مكان".
التحقيق: من تعرّضن للاختراق وكيف؟
عملت فرونت لاين ديفندرز بين شهري نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول 2021 مع المدافعات عن حقوق الإنسان في البحرين والأردن عبر برنامج الأمن الرقمي، وهو برنامج يُقدّم الدعم العملي المباشر لفائدة المدافعين عن حقوق الإنسان حول العالم. وقد قامت فرونت لاين ديفندرز بتحليل أجهزة المدافعات بمساعدة من منظمتي سيتيزن لاب ومختبر الأمن التابع لمنظمة العفو الدولية من أجل التأكد من استعمال بيغاسوس للاختراق.
البحرين
عندما قام الباحثون في فرونت لاين ديفندرز بفحص الهاتف الجوال للمدافعة البحرينية عن حقوق الإنسان ابتسام الصّايغ أثناء تقديم المساعدة التقنية، وجدوا أن هاتفها من نوع "آي فون" قد تعرّض للاختراق ما لا يقل عن ثماني مرات بين أغسطس/آب ونوفمبر/تشرين الثاني 2019 وأن عمليات الاختراق تمّت بواسطة برنامج التجسس "بيغاسوس" التابع لمجموعة "إن أس أو".
ابتسام الصّايغ هي مدافعة عن حقوق الإنسان تحظى باحترام كبير على الساحة الدولية وتعمل في منظمة سلام للديمقراطية وحقوق الإنسان، وهي منظمة غير حكومية تُكافح من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين.
وقد قامت السلطات البحرينية سابقاً بمضايقة ابتسام، حيث تم احتجازها يوم 20 مارس/آذار لمدّة سبع ساعات في مطار البحرين الدولي إثر عودتها من مشاركتها في الدورة الرابعة والثلاثين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. وقامت السلطات بتفتيشها بدقّة واستجوابها لمدةّ خمس ساعات، كما تمت مصادرة جواز سفرها وهاتفها الجوال. وقد اتّهمها المستجوب بأنها قدّمت تصريحات خاطئة في جنيف حول انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين.
وفي يوم 26 مايو/أيار، قام جهاز المخابرات الوطني البحريني باستدعائها إلى مركز شرطة المحرق حيث حيث قام المحقّقون هناك بالاعتداء عليها جنسيا، كما تعرضت أيضا للإساءة اللفظية والضرب، ثم هَدَّدَها المحققون باغتصابها إذا لم تتوقف عن أنشطتها في مجال حقوق الإنسان. وعند حوالي الساعة الحادية عشر ليلاّ، تم إطلاق سراحها ونقلها إلى المستشفى على الفور.
توصّل التحقيق التقنيّ الذي قامت به فرونت لاين ديفندرز إلى أن هاتف ابتسام الصّايغ قد تعرّض لاختراقات متعدّدة في شهر أغسطس/آب 2019 (الموافق 8 و9 و12 و18 و28 و31) وفي يوم 19 سبتمبر/أيلول 2019 وفي يوم 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2019. حيث تم التعرّف على آثار عمليات مرتبطة ببيغاسوس على هاتفها، بما في ذلك "roleaccountd" و"stagingd" و"xpccfd" و"launchafd" و"logseld" و"eventstorpd" و"libtouchregd" و"frtipd" و"corecomnetd" و"bh" و"boardframed". وينسب كل من مختبر الأمن التابع لمنظمة العفو الدولية وسيتيزن لاب هذه المعالجات إلى برنامج التجسس "بيغاسوس" التابع لمجموعة "إن أس أو".
الأردن
كما قامت فرونت لاين ديفندرز أيضا بفحص هاتف هالة عاهد ذيب، وهي محامية أردنية ومدافعة عن حقوق الإنسان. حيث اكتشفت المنظّمة أن جهازها قد تعرّض كذلك للاختراق بواسطة برنامج بيغاسوس منذ شهر مارس/آذار 2021.
عملت هالة عاهد ذيب مع عدد من المنظمات الحقوقية والنسوية للدفاع عن حقوق المرأة وحقوق العمّال وحرية الرأي وحرية التعبير وحرية التجمّع السلمي في الأردن. كما تدافع عن سجناء الرأي في الأردن، إضافة إلى كونها عضوا في فريق قانوني يُدافع عن نقابة المعلّمين الأردنيين، إحدى أكبر النقابات العمّالية في الأردن، والتي قامت الحكومة الأردنية بحلّها في شهر ديسمبر/كانون الأول 2020 ردًّا على احتجاجات المعلّمين. كما ترأّست هالة اللجنة القانونية لاتحاد المرأة الأردنية وتواصل الدفاع على النساء الضحايا.
وقد تعرّض هاتف هالة ذيب للاختراق بواسطة بيغاسوس يوم 16 مارس/آذار 2021، حيث تم التعرّف على آثار عمليات مرتبطة ببيغاسوس على هاتفها، بما في ذلك "bluetoothfs" و"JarvisPluginMgr" و"launchafd". وينسب كل من مختبر الأمن التابع لمنظمة العفو الدولية وسيتيزن لاب هذه المعالجات إلى برنامج التجسس "بيغاسوس" التابع لمجموعة "إن أس أو".
وقد تعرّضت الكثير من المدافعات والصحفيات الأخريات مؤخّرا، في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وخارجها، إلى الاستهداف من طرف برنامج التجسس "بيغاسوس"، ومن بينهنّ على سبيل المثال الناشطة الإماراتية آلاء الصدّيق والصحفية في قناة العربي رانيا دريدي والصحفية الإذاعية في قناة الجزيرة غادة عويس.
عندما تعمل الحكومات على مراقبة النساء، فإن مبتغاها هو تدميرهن - قالت مروة فطافطة من منظمة أكساس ناو، المراقبة هي نوع من العنف هدفه ممارسة السلطة على كافة جوانب حياة النساء. تتحمل "إن أس أو" وعملائها المسؤولية عن هذه الانتهاكات المشينة وعلينا كشفهم وفضحهم
كيفية عمل هجمات بيغاسوس
تم تطوير برنامج التجسّس "بيغاسوس" من طرف مجموعة "إن أس أو" وهي شركة إسرائيلية تتخصّص في مجال المراقبة. ويستغلّ بيغاسوس نقاط الضعف التقنية الموجودة على جهاز الضحية للدخول دون إنذار ثم يقوم باستخراج البيانات، حيث يصل البرنامج إلى أجزاء مختلفة من الجهاز، بما في ذلك الرسائل النصية والرسائل الإلكترونية والصور والفيديوهات و الميكرفون والكاميرا وكلمات السر والمكالمات الصوتية على تطبيقات التواصل وبيانات الموقع وسجل المكالمات وأرقام الهاتف. ومن المُحتمل أن يسمح البرنامج للمعتدي بأن يُفعّل الكاميرا والميكروفون على الهاتف للتجسّس على المكالمات والأنشطة التي تقوم بها الضحية. وبالتالي، فإن بيغاسوس لا يُمكّن من مراقبة الشخص المستهدف فحسب، بل يُمكّن أيضا من مراقبة اتّصالاته/ها وتفاعلاته/ها مع الآخرين.
المراقبة كشكل من أشكال العنف ضد المرأة: المستهدفات يرفعن أصواتهن
يُمثّل استخدام أدوات المراقبة الرقمية المستهدفة مثل برنامج التجسس "بيغاسوس" التابع لمجموعة "إن أس أو" انتهاكا للحق في الخصوصية والحق في حرية التعبير والحق في تكوين الجمعيات والتجمع السلمي. وقد تجلّت مثل هذه الانتهاكات بشكل واضح عقب مشروع بيغاسوس، وهو مشروع عمل على توثيق الأضرار البالغة التي تُلحقها المراقبة بالمدافعين/ات عن حقوق الإنسان والصحفيين/ات والناشطين/ات.
عادة ما تُستخدم تكنولوجيات المراقبة لاستهداف المدافعين/ات عن حقوق الإنسان لثنيهم/ن عن الاستمرار في عملهم/ن الحقوقي ولاختراق شبكاتهم وجمع المعلومات بهدف استعمالها ضد مستهدفين آخرين على سبيل المثال. ويُساهم استخدام تكنولوجيات المراقبة ضد المدافعين/ات عن حقوق الإنسان والصحفيين/ات في تثبيط عزائمهم/ن حيث أنهم يُدركون احتمالية استهدافهم/ن من خلال هذه التقنيات وبالتالي قد يُصيبهم/ن الخوف من مواصلة عملهم/ن في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان. وأصبحت الفضاءات الإلكترونية بيئة مُعادية بشكل متزايد بالنسبة إلى المدافعات عن حقوق الإنسان، وفي بعض الأحيان فقد أدّت بعض الهجمات الإلكترونية إلى انتهاكات خطيرة.
و للمراقبة على المرأة تأثير جسيم نظراَ لعدم تكافؤ القوة سياسياً واجتماعياً وجندرياً الذي غالبا ما يُفسح المجال أمام السلطات لاستغلال المعلومات التي تستخرجها كسلاح من خلال التشهير والابتزاز ونشر المعلومات الحسّاسة للنساء، حيث يتضمّن ذلك أيضا نشر الصور والمحادثات الخصوصية والحميمية على الإنترنت.
وتُعرّف الأمم المتحدة العنف ضد المرأة على أنه "أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عليه، أو يُرجّح أن يترتب عليه، أذى أو معاناة للمرأة، سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة." بما في ذلك " العنف البدني والجنسي والنفسي الذي ترتكبه الدولة أو تتغاضى عنه، أينما وقع".
ولقد كان لهجمات التجسس على ابتسام الصّايغ وهالة ذيب وقعًا مدمّرا، حيث أنّهما تعيشان في حالة من القلق والخوف بصفة يومية منذ اكتشافهما لتعرّض هواتفهما للاختراق. وما يُثير خوفهما أكثر من كل شيء هو إمكانية فضح الناشطات الأخريات والضحايا اللاتي تعملان معهن، إضافة إلى إبدائهما لمخاوف تتعلّق بتعرّض عائلاتهما وأصدقائهما إلى الخطر.
وقد أدت هذه المراقبة إلى العزلة الاجتماعية للمستهدفات حيث أن القدرات الخبيثة التي يتمتّع بها برنامج بيغاسوس لا تُمكّن المعتدين من تجريد النساء من خصوصياتهن فقط، بل تعمل هذه المراقبة أيضا على تدمير حرمتهن في منازلهن وفي بيئتهن المُحيطة. كما يعمد الأصدقاء والأقارب إلى الابتعاد خوفا من تعرّضهم هم الآخرون إلى الأذى أو المراقبة.
وفضلا عن كل هذا، فقد قيّدت المراقبة حرية التنقّل الخاصة بالمستهدفات نظرا إلى خوفهن من التعرّض إلى المضايقات الجسديّة والتهديدات، وكما قالت في السابق المحامية الهندية والمدافعة عن الحقوق الرقمية فريندا بهانداري: "لا تعيش المرأة تجربة تعرّض هاتفها للاختراق كانتهاك لخصوصيتها فحسب، بل أيضا كانتهاك لسلامتها الجسدية – أي أن ذلك يُماثل العنف الجسدي". وعلى سبيل المثال، وقبل فاجعة وفاة آلاء الصدّيق بشكل مأساوي، أدلت إحدى صديقاتها بشهادة مفادها أن آلاء قد غيّرت عاداتها خوفا من المراقبة، بما في ذلك "تغيير مسار تنقّلها عبر مترو الأنفاق ومحاولتها عدم الوقوف على قرب كبير من الحافة عند استعمالها للقطار خوفا من أن يدفعها أحدهم خارج القطار وتسقط على السكة الحديدية".
أما بالنسبة إلى ابتسام الصّايغ، فقد حَرمتها عملية اختراق هاتفها من التمتّع بكامل حريتها في منزلها ووجدت نفسها مجبرة على لبس الحجاب حتى عندما تكون في البيت بمفردها لخوفها أن هنالك من يُراقبها.
إن المراقبة الرقمية هي بمثابة قنبلة موقوتة للمستهدفات، حيث أنّهن يعشن في خوف دائم من إمكانية استغلال معلوماتهن الشخصية، بما في ذلك الصور وأشرطة الفيديو والمحادثات الخاصة ضدّهن في أي لحظة، مما يُفسح المجال للمضايقات والاعتداءات. ويدعو هذا الأمر للقلق خاصة في منطقة تقوم فيها الحكومات على نحو روتيني بنشر المعلومات الحساسة للنساء ونشطاء مجتمع الميم-عين بهدف تشويه السمعة والتخويف لإسكات أصواتهم/ن.
لقد كان تأثير هذه الهجمات على ابتسام الصايغ و هالة عاهد ذيب مدمّرا، حيث تعيشان في حالة خوف من إمكانية استخدام معلوماتهما الشخصية، مثل الصور والفيديوهات والمحادثات الخاصة، لمضايقتهما والاعتداء عليهما
التوصيات
التوصيات الموّجهة إلى السلطات الأردنية والبحرينية:
إجراء تحقيقات مستقلّة وشفافة في خصوص المراقبة المستهدفة للمدافعات عن حقوق الإنسان هالة عاهد ذيب وابتسام الصّايغ.
التوصيات الموجّهة إلى جميع الدول:
- تطبيق الحظر الفوري على بيع ونقل واستخدام تكنولوجيات المراقبة التي تُطوّرها الشركات الخاصة إلى حين توفير ضمانات ولوائح كافية لحقوق الإنسان،
- تحميل شركات المراقبة مسؤولية تأثيرها على حقوق الإنسان من خلال وضع إطار قانوني يُلزم شركات المراقبة بتوخّي العناية الواجبة في مراعاة حقوق الإنسان من أجل التعرّف على تأثير منتجاتها وخدماتها على حقوق الإنسان والوقاية منه وتخفيف وطأته ومعالجته. ويجب القيام بهذه الخطوة قبل بيع أو نقل تكنولوجيات المراقبة ومن خلال الشراكات مع الشركات و/أو الحكومات الأخرى مع تضمين بند لتحمّل مسؤولية أي أضرار لم يتم الوقاية منها على النحو المناسب،
- إحداث آلية مستقلّة تُشرف على الشركات التي تبيع برامج التجسس بهدف رصد استخداماتها والتحرّي عنها وضمان اتّساق استخدامها مع حقوق الإنسان.
- اعتماد تشريع يقضي بشفافية بيع واستخدام تكنولوجيات المراقبة، بما في ذلك عمليات العناية الواجبة في مراعاة حقوق الإنسان ونتائجها،
- ضمان التشاور مع المدافعين عن حقوق الإنسان الذين تأثّروا بسوء استخدام تكنولوجيات المراقبة فيما يتعلّق بالتشريعات المعتمدة لتنظيم الشركات التي تُنتج هذه التكنولوجيات.
التوصيات الموجّهة إلى الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه:
- التحرّك لاتّخاذ تدابير جدّية وفعّالة فيما يخص مزوّدي تكنولوجيات المراقبة مثل مجموعة "إن أس أو"، بما في ذلك إدراج مثل هذه الكيانات في نظام عقوبات حقوق الإنسان العالمي الخاص بالاتحاد الأوروبي،
- الإعراب عن القلق، علنا وبشكل خاص، إزاء السلطات الأردنية والبحرينية جرّاء المراقبة المستهدفة لهالة عاهد ذيب و ابتسام الصّايغ مع مضاعفة الدعم المقدّم للمدافعات عن حقوق الإنسان في المنطقة.
- تنبيه المجتمعات المحلية والمنظمات والأفراد المُعرّضين إلى خطر تكنولوجيات المراقبة الخاصة مع توفير التمويلات اللازمة والدعم التقني للفاعلين في المجتمع المدني والصحفيين والأخصائيين في التكنولوجيا للتعرّف على المخاطر المرتبطة ببرامج التجسّس والتخفيف من وطأتها علاوة على إصدار الإرشادات اللازمة لفائدة أي شخص يتوجّه إلى أو يعيش في بلدان ثبت فيها استخدام برامج التجسّس لاستهداف المجتمع المدني.
ما يمكنكم فعله
بادرت هاتان المدافعتان عن حقوق الإنسان بمشاركة قصّتيهما والأضرار التي لحقتهما جرّاء اختراقهن بواسطة برنامج بيغاسوس بما مسّ حياتيهما ووظيفتيهما وعلاقاتهما الاجتماعية، وقد أقدمتا على هذا التصريح علمًا بأن خروجهما إلى العلن قد يُعرّضهما إلى مخاطر إضافية، بيد أن توعية الآخرين تحتلّ مكانة أهمّ بكثير من ذلك.
يجب محاسبة الشركات مثل مجموعة "إن أس أو" والتي تجني الأرباح من وراء مثل هذه الاعتداءات على حقوق الإنسان. يُمكنكم قراءة الشهادة الشخصية الكاملة للمدافعتين أسفله ومشاركتها مع الآخرين لضمان وصول صوتيهما على أوسع نطاق.
يجب على السلطات في الأردن والبحرين وشتى أنحاء العالم فتح تحقيقات في هذه المراقبة المستهدفة وتطبيق حظر فوري على استخدام وبيع ونقل تكنولوجيات المراقبة وفرض عقوبات على مزوّدي تكنولوجيات المراقبة مثل مجموعة "إن أس أو” الإسرائيلية
الشهادات الكاملة:
شهادة ابتسام الصّايغ
أنا أشعر بحالة من الخوف والرعب اليومي بعد إبلاغي بأنه تم التجسس علي من قبل فرونت لاين ديفندرز. هذا الرعب متصل بأن هؤلاء الأشخاص الذين يقومون بالتجسس علي لا يملكون أي أخلاقيات و يستطيعون أن يحصلوا على معلوماتي الشخصية و يستغلونها بطريقة سيئة.
بدأت أخاف من وجود الهاتف بجانبي و خصوصا عندما أكون في غرفة النوم أو حتى في المنزل بين أهلي و ابنائي و زوجي، لأني أصبحت أعرف بأن هذا الهاتف يتجسس عليّ و قد يكون هناك من يحاول معرفة ما يدور الآن.
أنا أعمل في مجال حقوق الإنسان، و لكن ما ذنب عائلتي أن يتم التجسس عليهم من خلال هاتفي و تُنتَهك خصوصيتهم، و خصوصا أن نحن في بيئة اجتماعية محافظة ومجتمعات لا ترحم، و ظهور صور شخصية قد يؤدي إلى تشويه صورتي التي قُمت ببنائها كل هذه السنوات أثناء عملي في المجتمع و أيضا في مجال عملي في حقوق الإنسان .
هذا الخوف أدى الى تقييد عملي قليلا، و أصبحت أعاني دائما من القلق ومن إحساس بأني وضعت الآخرين في خطر بسبب تواصلهم معي و كذلك وضعت أسرتي في موقف سيئ.
أصبحت حتى أخاف من الخروج من المنزل أو التواجد في الأماكن العامة لان اصبح هناك مجهول بعد أن تم التجسس علي و الدخول الى بيتي وأسرتي عبر هذا الهاتف.
خلال سنوات عملي وبسبب خطورة العمل، خسرت العديد من الأشخاص الذين كانوا قريبين مني و كانوا جزءاً من مُحيطي ومن ضمنهم أصدقاء كنت على علاقة بهم لسنوات طويلة. وكذلك إبتعد العديد من الأهل عني بسبب خوفهم حتى من زيارتي أو لقائي.
بعد معرفتي بقضية التجسس و إبلاغهم بهذا، زاد خوفهم مني وتأكد لهم نظرية أن هناك من يراقبني، فقد أتسبب في انتقال الضرر مني لهم.
عائلتي الصغيرة تدعمني دائما، و لكن لم يتخيّلوا في يوم من الأيام بأنهم لن يكونوا في أمان حتى أثناء جلوسهم في المنزل الذي يُعتبر المكان الآمن لأي شخص و لأي عائلة في العالم.
كل شخص اليوم لديه أسرار عائلية، و بسبب جائحة الكورونا، يتم مناقشة قضايا عائلية حساسة عبر الاتصالات في الانترنت، حيث يتم استخدام الهاتف بشكل كبير في التواصل العائلي و الجميع يملك مجموعات عائلية في تطبيقات التواصل.
لا أستطيع أن أتخيل بأن يكون كل هذا مكشوف، أن تتحوّل صورنا الشخصية التي نلتقطها لنا نحن من أجل نتذكر أوقات سعيدة من حياتنا إلى وباء ضدنا و إلى مصيبة.
هذا التجسس سيخسرني المزيد من الأصدقاء والأهل، وسوف يساهم في ابتعاد عدد أكبر منهم. لا أستطيع أن ألوم أي شخص لأنه لم يكن هناك ما يثير الخوف أثناء تواجدنا في المنزل سابقاّ.
الضحايا الذين أعمل معهم سوف يخافون أيضا من التواصل معي، خصوصاً بسبب طبيعة التواصل الرقمي خلال الجائحة كما أشرت سابقا، وهذا سوف يؤثر على عملي كمدافعة عن حقوق الإنسان و أيضاّ على العديد من الأشخاص الذي أحاول أن أساعدهم، و خصوصا النساء.
أنا مؤمنة بأن للعمل الحقوقي ضريبة يجب أن أدفع ثمنها، و لكن لم أكن أرغب بأن أُوجّه طاقتي وجهدي إلى محاربة التجسس ومعالجة المشاكل التقنية التي أواجهها خصوصا بأن فرونت لاين ديفندرز ساعدوني كثيراً و أصبحت على اطمئنان بأن معلوماتي قد تكون أكثر أمانا الآن.
كنت أشعر بأن البيت هو المكان الوحيد الآمن، و أيضا مكان الحرية الشخصية لي، حيث من حقي أن أخلع الحجاب و أمارس حريتي الدينية والاجتماعية دون حدود. ولكن الآن أصبحت أرتدي الحجاب حتى بعض الأحيان داخل المنزل ولا أستطيع أن أمارس حياتي كما كنت سابقا حيث لا أعتبر المنزل آمن .
لا أستبعد أن يتم استغلال هذه المعلومات مستقبلا. في حالات سابقة، تم مصادرة مجموعة من الصور الشخصية لأشخاص تم إلتقاطها في حفلات الزواج و تم نشر بعض هذه الصور على الانترنت وأدى هذا إلى هدم العلاقات الاجتماعية، وخصوصاً عندما نتكلم عن مجتمع محافظ يرى المرأة بشكل مختلف.
أشعر بالخوف و القلق أيضا من إمكانية الوصول إلى معلوماتي المالية الخاصة، والتي قد يتم استغلالها من قبل أشخاص من أجل تشويه سمعتي وتوجيه اتهامات باطلة.
تغيرت حياتي تماما بعد أن تم إبلاغي بأن هاتفي تم اختراقه، و بدأت أشعر بالخوف و القلق اليومي و خصوصا بأني أستخدم الهاتف بشكل يومي من أجل إرسال المعلومات واستقبالها. هذا الخوف يتعلق بأن من تجسس علي قد يحاول استغلال هذه المعلومات ضدي، وخصوصا أني أتواصل، بعض الأحيان، مع الضحايا لتثقيفهم حول حقوق الإنسان .
الخوف اليوم هو من المجهول، خصوصا عندما تعرف بأن بعض الأشخاص ماتوا بسبب التجسس أو بعد أن تم التجسس عليهم.
يجب أن تحاسب هذه الشركات التي ساهمت في معاناتنا و خصوصا نحن النساء. و يجب أن يتم تقديم الدعم النفسي و المعنوي إلى المتضررين.
الحريات الشخصية انتهت بالنسبة لي ولم يعد لها وجود، لست آمنة في المنزل أو في الشارع أو في أي مكان.
شهادة هالة عاهد ذيب
كمدافعة عن حقوق الإنسان، كنت مؤمنة أن الحقوق متكاملة ومترابطة ولا يمكن تجزئتها، وحتى حين كنت أُدرّب على قضية خاصة بحقوق الإنسان، كنت دائما استهل التدريب بسؤال: ما هو أهم حق من حقوق الإنسان؟ لنخلص مع المتدربين لنتيجة أن لا حق أهم من الآخر وأن كل الحقوق ضرورية، ولا يمكن التمتع بأحدها دون الآخر. ولكن فجأة وحين علمت أن هاتفي مخترق، انتبهت للحق بالخصوصية لا بكونه مجرد حق نُعددّه مع الحقوق الأخرى وندافع عن حق الآخرين بخصوصيتهم، وإنما هو حق بانتهاكه، تشعر انك مستباح ،عار، وبلا كرامة، نعم هذا ما أشعر به الآن.
كثيرا ما كنت أردد أن لا لشيء لدي لأخفيه، ولكني اكتشفت أن الخصوصية بحد ذاتها هي حقي في أن أقرر ما هي المعلومات التي أريد مشاركتها مع الآخرين ومع من؟ ما الصورة التي أرسمها عن نفسي وعلي أنا أن أحدد ملامحها وحدودها؟ كامرأة تصبح مساحات ما يمكن اعتباره خصوصية أكبر، و كامرأة في مجتمع محافظ تصبح أكبر وأكبر.
أشعر اليوم أنني في عزلة. لا أتواصل مع صديقاتي وأتجنب قدر الإمكان الحديث عبر الهاتف. أمارس نوع من الرقابة الذاتية (أحيانا) حين أتساءل ما التصرف الذي إن قمت به سيستفز الجهة التي اخترقت الهاتف وسيستخدم الاختراق ضدي عندها؟ كيف سيكون هذا الاستخدام؟ أعتذر عن لقاءات واجتماعات وأحيانا محادثات تجنبا لتوريط الناس في الحديث بحرية حيث قد يتم الوصول إليهم من خلال اختراق هاتفي، خاصة مع النساء اللواتي أتولّى قضايا لهن أو مع مدافعين آخرين ونشطاء.
لأول مرة، إن مشيت بالشارع أشعر بالخوف إن اقترب احد مني أو صادف أنه يسير حيث أذهب، بت أقل تواصلا مع الناس وأقل حركة، وأتساءل هل هناك رقابة في منزلي، في مكتبي، في سيارتي، في الهاتف الجديد؟ باختراق الهاتف، أشعر أن لا مساحة خاصة بي لأعبر عن رأيي وأستمر في الدفاع عن القضايا التي أتولاّها وأعرف أنها ربما سبب الإستهداف، أعرف أن هذا ثمن لها وأني كان لابد أن أتوقعه وأنه لن يردعني عن مواصلة عملي، نعم ولكن لا أنكر أنه ثمن باهظ!
قلقي اليوم هو من كيفية استخدام هذا الاختراق. هل سيكون وسيلة لتهديد آخرين من خلال ما تم تحصيله من هاتفي؟ هل سيمارس الابتزاز ضدي أو مشاركة معلوماتي مع جهات أخرى؟ هل سيتم تلفيق قضايا قانونية ضدي أو تسريب معلوماتي وصوري منه؟
كامرأة، كثيرا ما تغدو مساحتنا بالتحرك، بالرغم من كوننا مدافعات عن حقوق الإنسان، محدودة. اختراق كهذا يجعلها أكثر محدودية ويُصادر الفضاء الذي نحاول منه توسيع مساحاتنا، ويساهم في جعل حتى الدائرة القريبة من أهل وأصدقاء تساهم في ردعك وثنيك عما تقوم به، لأنهم من جهة يخافون عليك، ومن جهة أخرى، هم متضررين من هكذا اختراق.
المزعج نفسيا وعصبيا في موضوع الاختراق أنه لا يمُسّك وحدك، بل يمس آخرين، منهم من تقضي حياتك تدافع عنهم وتحميهم، وتتساءل كيف سيؤثر هذا عليهم، إما بنشر ما يخصهم، أو بالقلق والخوف الذي سيسبب لهم لمجرد أنهم عائلتك أو أصدقائك.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 19 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 5 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين