تنطلق خلال أيام الدورة 53 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، واستباقاً لها؛ بدأ الكتاب ودور النشر في الإعلان عن إصداراتهم الجديدة؛ إذ يظل موسم معرض الكتاب هو الأهم والأكبر في حركة النشر المصرية.
وتستعد دور النشر المصرية للحدث الثقافي الأبرز منذ شهور، فيما يتنافس الكتاب على حجز فرصة النشر وصدور كتاباتهم – خاصة الأدبية منها- في هذا التوقيت، وتنشر قوائم الإصدارات الجديدة قبل أيام من انطلاق الدورة الجديدة للمعرض؛ وأتت القوائم هذا العام خالية من المفاجآت؛ إذ حوت مجدداً طائفة من الأعمال الأدبية التي تستلهم شخصيات واحداث وفترات تاريخية ولَّت، إلى جانب الكثير من الأعمال التي تنتمي إلى أدب الرعب والخوارق، فيما تندر الكتابات الأدبية التي تشتبك مع الواقع المصري المعاصر حتى تكاد تختفي. فيما توسعت دور نشر ناجحة في إعادة إصدار أعمال أدبية قديمة في طبعات جديدة؛ تشترك فيما بينها أنها لا تحمل اي ظلال من الواقع المصري الحالي.
أتت قوائم دور النشر هذا العام خالية من المفاجآت؛ إذ حوت مجدداً طائفة من الأعمال الأدبية التي تستلهم شخصيات واحداث وفترات تاريخية ولَّت، إلى جانب الكثير من الأعمال التي تنتمي إلى أدب الرعب والخوارق
جديد/ قديم
من بين الإصدارات المعلن عنها للمشاركة في الدورة الجديدة لمعرض الكتاب: رواية يوستينا للكاتب محمود خليل التي تدور أحداثها خلال فترة الفتح الإسلامي لمصر، وكذلك رواية جديدة لأشرف العشماوي تحمل عنوان "الجمعية السرية للمواطنين"، وتجري أحداثها خلال فترة حكم السادات في السبعينيات وتمتد إلى فترة حكم مبارك انتهاءً بالتسعينات من دون أن تتعرض إلى فترته الأخيرة التي شهدت مشروع التوريث ثم ثورة 25 يناير انتهاءً بالمرحلة الحالية. واللافت أن رواية العشكاوي الجديدة تأتي بعد عام واحد من روايته "صالة أورفانيللي"، التي نزع فيها أيضاً إلى التاريخ.
ومن المنتظر أن تطرح خلال المعرض أيضا رواية "حدث في الأسكندرية " للروائى محمود سالم، والتي فازت بجائزة كتارا القطرية، وتعتمد تيمة الرواية على لقاءات بين شخصيات تاريخية وميثولوجية وتبتعد تماماً عن التعرض للواقع.
تأتي تلك الإصارات الجديدة بعد أعوام حفلت بروايات وأعمال تنتمي إلى "الترند" نفسه؛ مثل رواية " رصاصة في الرأس" للكاتب إبراهيم عيسى، وهي واحدة من أبرز الروايات المبنية على وقائع تاريخية التي صدرت خلال الفترة الأخيرة؛ إذ تسلط الرواية الضوء على حادثة اغتيال الشيخ الذهبي وزير الأوقاف المصري الأسبق، التي وقعت خلال عام 1977.
وفى ثلاث روايات منفصلة تجري أحداث الثلاثية الروائية "القطائع... ثلاثية أحمد بن طولون" للروائية ريم البسيوني وترسم خلالها صورة لهيام أحمد بن طولون بمصر كما ترصد جوانب من الحياة الاجتماعية للمصريين خلال تلك الحقبة. كما يستعيد أسامة الشاذلي وقائع خروج بنى إسرائيل من مصر في روايته "أوراق شمعون المصري". وغيرها روايات كثيرة تبحث كلها في خطوط من تاريخ مصر القديم والوسيط.
تاريخ طويل
الناقد الأدبي الدكتور حسين حمودة أستاذ الأدب وعضو لجان التحكيم في العديد من الجوائز الأدبية العربية، يقول لرصيف22: "الملاحظات حول وجود عدد كبير من ‘الروايات التاريخية’ في معرض الكتاب، في دورته الجديدة وفي دوراته السابقة، بل وفي قوائم الروايات الصادرة حديثا بوجه عام، سواء في مصر أو في البلدان العربية تشير وجود ظاهرة تستحق النظر".
ويرى الدكتور حمودة أن التاريخ "يقدم للكاتب الروائي مادة غنية، وأحيانا موثقة ومدعومة بالأسانيد كما أن هذه المادة تمثل له أحيانا تحدياً يتمثل في ملء ثغراتها وفجواتها التي لم يملأها المؤرخون، من خلال عملية التخييل الروائي". ويرى أستاذ الأدب أن الروايات التي تستلهم التاريخ تشبع حاجة لدى القراء وهي الاطمئنان إلى الأحداث المكتوبة استناداً إلى ألفة القارئ مع التاريخ، ما يلقي لديه أنه "يتعامل مع وقائع مشهودة"، كما أن "النوستالجيا" والحنين إلى أزمنة ماضية؛ هي وصفة مضمونة للرواج ونجاح المبيعات.
ولا يرى حمودة في لجوء الروائيين إلى الكتابة عن وقائع وشخصيات أو فترات تاريخية سابقة هروباً من الواقع، يقول الدكتور حسين حمودة "الكاتب الذي يلجأ إلى أزمنة سابقة، إنما يبدأ من زمنه الراهن، ومن قضاياه وهمومه الحالية، ويلتمس الحصول على مرايا من الماضي ليطلّ منها على الزمن الذي يعيش فيه وينطلق منه".
توسعت دور نشر ناجحة في إعادة إصدار أعمال أدبية قديمة في طبعات جديدة؛ تشترك فيما بينها أنها لا تحمل اي ظلال من الواقع المصري الحالي
ويختم: "لا أتصور أن الرواية التاريخية ترتبط بنوع من الاستسهال، لأن كتابتها تنهض على جهد كبير في أغلب الحالات، كما أنها ليست هروباً من الحاضر، لأن الحاضر كامن في قضاياها دائماً. ولا أتصور كذلك أن صعودها يمثل موجة أو موضة عابرة؛ هي أشبه بـ: خط إنتاج متصل في تاريخ الرواية. صحيح أن هذا الخط يقوى أحياناً ويتراجع أحياناً، ولكنه لا يختفي أبداً".
ظاهرة تحتاج إلى دراسة
الروائية والكاتبة الصحافية منصورة عزالدين تقول لرصيف22: "يوجد ازدهار عالمي للرواية التاريخية حالياً، ومعها روايات الديستوبيا، كأن الروائيين يتجهون إما إلى الماضي أو إلى المستقبل مبتعدين عن الحاضر. لكن من المجازفة تحديد إن كان هذا هروباً أم سعياً إلى فهم اللحظة الحالية - عبر رؤيتها في مرآة الماضي أو المستقبل- من دون قراءة مدققة للروايات نفسها. إذ يمكن أن تكون العودة إلى الماضي هروباً بالفعل حين تعجز الأعمال الناتجة عنها عن الاشتباك مع قضايا وجودية تخص الإنسان، بغض النظر عن العصر الذي يعيش فيه. وفي أحيان أخرى تصبح الكتابة عن الماضي في صلب اللحظة الراهنة بأسئلتها وقضاياها الإشكالية. رواية الزيني بركات لجمال الغيطاني مثلاً، رغم أنها تدور في زمن قديم مغاير لزمن كتابتها، إلّا أنها أكثر تعبيراً عنه من كثير من الروايات التي تناولت الواقع بشكل مباشر".
يذكر أن منصورة عزالدين نفسها له روايات تستلهم التاريخ وأبرزها روايتها الأحدا "بساتين البصرة" التي تدور بعض أحداها في حقبة تاريخية قديمة.
تضيف عزالدين: "بشكل شخصي، أرى أن التصنيف مجحف. والروايات الجيدة يصعب حصرها في تصنيف واحد. ولا أحكم على عمل أدبي أبداً بناءً على تصنيفه أو موضوعه، إنما بناءً على أسلوبه وطريقة بنائه وتركيبه، أي بناءً على الجديد الذي يقترحة كاتبه على المستوى الفني والجمالي".
كما ترى أن "ظاهرة" تزايد الروايات التاريخية أو تلك التي تستلهم التاريخ لفهم الحاضر، تكشف الخلل الكامن في المشهد العربي الراهن، و"تحتاج بالطبع إلى دراسة وتحليل وفهم، وهذا يتطلب قراءة هذه الأعمال وتحليلها فنياً ومضمونياً، بدلاً من إطلاق أحكام عامة دون قراءة مدققة".
الدكتورة ريم بسيونى مؤلفة رواية "القطائع... ثلاثية أحمد بن طولون" تقول لرصيف22، إن سيرة أحمد ابن طولون تحتل لديها "أهمية خاصة على المستوى الشخصي"، وأنها ظلت شغوفة بسيرته ومنجزه المعماري والسياسي سنوات طويلة قبل أن تقرر الكتابة عنه وعن فترة حكمه مصر.
الروائي والكاتب الصحافي وجدى الكومي، يجادل أن الروايات التاريخية "هي الأعمال المفضلة للأدباء في كل وقت" مذكراً ببدايات نجيب محفوظ التي كتب فيها سلسلة روايات تستلهم شخصيات من التاريخ المصري القديم ومنها رادوبيس والعائش في الحقيقة وعبث الأقدار وغيرها.
وبحسب الكومي "ليس بالضرورة أن تكون كتابة الرواية التاريخية هروباً من معالجات أكثر تماساً مع الواقع، إذ قد تعود إلى رغبة الأدباء أنفسهم في تجريب حبك قصص عن وقائع تاريخية جذابة. وعلاوة على هذا فإن أي شىء يتطلب الكثير من العمل كي نصل فيه إلى درجة كبيرة من الاتقان. وفى كل الأحوال فإننا لا يمكن أن نصف الرواية بأنها فن سهل".
وطبقا لكتاب الرواية التاريخية لجورج لوكاش "نشأت الرواية التاريخية في مطلع القرن التاسع عشر بعد انهيار البونابارتية، إذ صدرت "ويفرلي" التي يعدها مؤرخو الأدب أول رواية تاريخية" في عام 1814.
ورغم السجال الذي دار لبعض الوقت حول تعريف "الرواية التاريخية" وإن كانت هي تلك التي تستلهم وقائع أو شخوص أو فترات تاريخية، أم تتقاطع معها بشكل مباشر و"تعيد تخييلها"، أو أنها تعيد سردها من دون تدخل كبير من الخيال؛ فإن هناك اتفاقاً على وصفها بأنها: نوع من السرد الذي يستلهم وقائع تاريخية معينة حدثت بالفعل وذلك عبر بناء شخصيات متخيلة وربما يتم الجمع بين شخوص واقعيين وخياليين.
رفض المصطلح
الناقد الأدبي الدكتور رحاب الدين الهوراي يرفض في حديثه إلى رصيف22 استخدام مصطلح "الرواية التاريخية"، قائلاً "ثمة فروق واضحة بين الرواية والتاريخ. بين سرد محكي تخييلي في الرواية، وضرب من المحكيات هي إلى الحقيقة أقرب، وهو ما يسمى تأريخاً. كما أن مصطلح الرواية التاريخية يضع منتجات أدبية - دونما تقدير مستحق – في إطار التصنيف والتقسيم، وهو ما يمكن، على أساسه، الحديث عن رواية رومانسية وأخرى اجتماعية أو بوليسية، أو حتى خيالية، وكلها قد تجتمع في عمل إبداعي واحد، ربما يعتمد في سياقة على أحداث تاريخية".
ويشير إلى أن مصطلح "الرواية التاريخية"، اقترن في الأدب العربي بأسماء روائيين "وضعوا حجر الأساس لظهور ما سمي بالرواية التاريخية العربية، وأبرزهم: سليم البستاني، الروائي اللبناني الأصل، صاحب رواية زنوبيا التي نُشرت عام 1871م، ثم جاء جميل نخلة المدور، وكتب رواية تاريخية متأُثراً بسليم البستاني، وكانت بعنوان "حضارة الإسلام في دار السلام" وصدرت عام 1905، وتزامن ذلك مع ترجمة فرح أنطون للكثير من الروايات التاريخية، قبل أن يكتب روايته "أورشليم الجديدة" سنة 1904. ويعد جرجي زيدان نقطة تحول حقيقية في مسار الرواية التاريخية في الأدب العربي، فقد اعتمد منهجاً واضحاً في كل رواياته التاريخية التي بلغت اثنتين وعشرين رواية أسماها "روايات تاريخ الإسلام"، وسار على دربه كتاب كثيرون منهم علي الجارم، ومحمد فريد أبوحديد، وأحمد شوقي، ومحمد سعيد العريان، وعبدالحميد جودة السحار وغيرهم.
ويشدد الناقد الأدبي أن الكتابة الإبداعية المعتمدة على سياقات تاريخية، "ليست نوعاً من الاستسهال، أو هروباً من الواقع، فثمة بحث وجهد وقراءات كثيرة تسبق كل رواية قائمة على حدث تاريخي"، إذ أن الروايات التي تستلهم عناصر من التاريخ "تعيد بناء العالم الإنساني في ذلك التاريخ وتمنحه بعداً حكائياً يخلع الروائي من خلاله على التاريخ شيئاً من ذاتِه، مقدماً أبعاد العاطفة الغائبة في الكتابة التاريخية الأكاديمية".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ يومالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يومينوالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت