شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
عندما تطلب البرامج التلفزيونية الرايتنغ... ولو في الصين

عندما تطلب البرامج التلفزيونية الرايتنغ... ولو في الصين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 14 يناير 202203:58 م

"إنتي وعيتي على بيّك عم يضربك؟ كيف بتوصف عملية الاغتصاب يلي تعرضتلها؟ إنت نفسيتك هلق مدمّرة"، هذه عيّنة من الأسئلة والعبارات التي تعتبر غير مقبولة حتى في حديث الصالونات، فكيف بالحري إن كانت تطرح هذه المسائل الشائكة أمام الملايين من المشاهدين/ات، على شخص ما ذنبه الوحيد أنه قرر أن يفتح قلبه لبرنامج تلفزيوني، يعتقد أن المجتمع سينصفه من خلاله، وربما يشفي ذاته ويطهّرها من خلال البوح بما في قلبه بصدق وشفافية، ولكن في الحقيقة، يكتشف أنه ليس أمام مذيع بل "قاضي تحقيق" يريد أن يعرف لا أن يفهم، أن يفضح لا أن يعالج، أن يحقق "تريند" لا أن يتبنى قضية، وهكذا يصبح الظهور التلفزيوني تحت عنوان: "قصتك قصة وفضيحتك جرصة"؟

للأسف، أصبحت معظم البرامج التلفزيونة التي تتناول المواضيع الاجتماعية، تعتمد أسلوباً واحداً في تعاطيها مع القضايا التي تختار معالجتها: اللهث وراء "التريند" ونسب المشاهدة واقتناص الجمهور من خلال زيادة "جرعة" الجرأة وكسر التابوهات، وفق مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة".

ولكن هل تتم معالجة المواضيع الحساسة كما يجب؟ هل يحقق الضيوف أي فائدة تذكر لهم وللجمهور من ظهورهم؟ وما الاختلاف بين برنامج وآخر، إن كان الهدف الرئيسي هو الرايتنغ فحسب؟

في الحقيقة، يبدو أنه لا يوجد أي اختلاف، فكل البرامج التلفزيونية التي نشاهدها على شاشاتنا العربية "تُطبخ" تقريباً بذات المقادير.

via GIPHY

المقدار الأول: اختر موضوعاً مثيراً شائكاً

"الدين، السياسة والجنس"، هذا الهرم الثلاثي المحظور اجتماعياً والمطلوب إعلامياً يتفرع عنه الكثير من المواضيع التي تعتبر "تابوهات"، وهي المسائل الساخنة التي يرغب الجميع بالحديث عنها، حتى ولو أصبحت مستهلكة ومنها: المثلية، التحرش الجنسي والاغتصاب، التعنيف، الخيانة، الإلحاد، وغيرها.

في حديثها مع رصيف22، كشفت معدّة البرامج الاجتماعية في برنامج طوني خليفة، ريبيكا سمعان، عن كيفية اختيار مواضيع الحلقات: "في برنامجنا نبحث عن موضوع جدلي، يثير نقاط استفهام ويحقق نسبة مشاهدة عالية، ونختار المواضيع التي تمس حياة الناس، وتحديداً المواضيع الحساسة والمغايرة للرأي العام، فالمواضيع الدينية مثلاً تثير الجدل، وفي حال لم نجد مواضيع كهذه نلجأ لمواضيع مثلجة".

"إنتي وعيتي على بيّك عم يضربك؟ كيف بتوصف عملية الاغتصاب يلي تعرضتلها؟ إنت نفسيتك هلق مدمّرة"، هذه عيّنة من الأسئلة والعبارات التي تعتبر غير مقبولة حتى في حديث الصالونات، فكيف بالحري إن كانت تطرح هذه المسائل الشائكة أمام الملايين من المشاهدين/ات؟

وقصدت سمعان بالمواضيع المثلجة تلك التي تمس حياة الناس ومشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية، لا سيّما في دول العالم الثالث، كالفقر والعوز والبطالة والمواصلات والسفر وتأمين احتياجات الأطفال غيرها، علماً أنها مواضيع يحتاجها بشدة المشاهد اليوم للمعالجة وتشكل هواجسه، ومع ذلك فإن مثل هذه المواضيع لا تثير الجدل أو الخلاف الذي تتعمّد معظم البرامج إثارته.

تعليقاً على هذه النقطة، قال الصحافي ومعّد البرامج الاجتماعية، علاء سلوم، لرصيف22: "الهدف الرئيسي اليوم من البرامج هو نسب المشاهدة، المواضيع المفيدة نسبة مشاهدتها قليل، فالجمهور العربي واللبناني بات يرفض تلقي المعلومات المفيدة أو مشاركته في إيجاد الحلول، والمنافسة اليوم بين البرامج الاجتماعية، وخاصةً التي يتزامن عرضها، يكون على تحقيق الرايتنغ، من ضيوفه أقوى؟ من يثير جدلاً أو إشكالاً بين الضيوف؟

هذا واعتبر سلوم أن الإعلاميين الذين يهتمون بالمضمون ومعالجة المشكلة باتوا يشكلون نسبة ضئيلة.

المقدار الثاني: عالج الموضوع بشكل شخصي وجدلي

بعد اختيار الموضوع المثير الشائك، تأتي مرحلة اختيار الضيوف المناسبين، إمّا للحديث عن قصتهم الشخصية، أو استضافة أخصائيين/ات أو أطباء أو رجال دين وغيرهم، وفي الغالب يتم اختيار ضيوف يتعارضون في الرأي، الأمر الذي يولد شجاراً حادّاً قد يؤدي في نهاية المطاف إلى مغادرة أحدهم الاستديو، وما "يزيد الطين بلّة" هو الإعلامي الذي تقتصر مهمته على "صبّ الزيت على النار" حتى "يفرقع" التريند.

عن الطريقة التي تتبعها بعض البرامج لاختيار الضيوف، قال علاء سلوم: "اختيار الضيف مشكلة كبيرة، وقد يلجأ البعض لأساليب ملتوية من الكذب والخداع، فإدارة البرنامج أو الإعلامي لا يعنيه الطريقة المستخدمة لجلب الضيوف، ولا يخلو الأمر من إعطائهم مبلغاً مادياً، قد يكون تحت إطار تكلفة الإقامة أو المواصلات، وهذا ما يؤدي أحياناً لظهور بعض الضيوف الذين يُتفق معهم على وسيلة إعلامية منافسة بسبب بعض الإغراءات".

وأضاف علاء: "أخلاقيات معظم البرامج الاجتماعية باتت متدنية، كما أن حماية الضيوف في الغالب غير ممكنة من الفريق، وحتى أحياناً من قوى الأمن الداخلي"، مشيراً إلى أن البعض منهم قد تعرّض للأذى الجسدي أو النفسي بعد الحلقة، أو التشهير بسمعتهم، مع العلم بأن مسؤولية حماية الضيف ودعمه تقع على عاتق المعدّ، وفق تأكيده.

وبدورها، قالت يارا عبدو، معدّة البرامج الاجتماعية في برنامج "أحمر بالخط العريض" لرصيف22: "المهمة الرئيسية بالنسبة لنا هي اختيار المواضيع المثيرة والضيوف المناسبين وتصوير التقارير معهم، ويُطلب منّا دوماً إيجاد الحالات الأكثر تأثيراً بالناس والتي من الممكن أن تثير الشفقة والتعاطف، ولكن المشكلة تكمن في إقناع الضيوف لأنهم لا يتلقون مبالغ مادية، فمثلاً في الحلقة التي كان الضيف فيها يتحدث عن تعنيفه لزوجته، تم إقناعه أنه بذلك يعيد العزّ للرجال ويؤكد على أهمية الفكر الشرقي وكيفية الحفاظ على العائلة وضبطها".

واللافت أنه في العديد من البرامج التلفزيونية، تكاد تكون الاستفادة المحققة من الحديث مع الضيوف معدومة، بحيث يتم التعامل مع الضيف في معظم الأحيان وكأنه متهم: يُطلب منه الإجابة على جميع الأسئلة، حتى ولو كانت خاصة وترتبط بخصوصية أشخاص آخرين، كما قد يدفعه المقدم إلى الكشف عن تفاصيل غير مهمة ولكن تعتبر جذابة، وأحياناً تكون طريقة طرح الأسئلة وخاصةً مع بعض الفئات الهشة أو الأطفال كارثية، وبالنسبة إلى الجمهور، فلا يستفيد من التجربة ولا حتى يحصل على عبرة أو رسالة، بل يبدو الأمر وكأنه يشاهد فيلماً سينمائياً يعتمد على قصة واقعية مثيرة، الهدف منها هو التسلية لا أكثر.

المقدار الثالث: روّج عبر عناوين جذابة

كما أشرنا في السابق، تهتم معظم البرامج الاجتماعية بتحقيق نسب مشاهدة عالية وتفاعل من جمهور مواقع التواصل الذي في الغالب لا يتفاعل مع المحتوى بشكل جاد، بل تكون معظم التعليقات إمّا ساخرة أو تهكمية، أو تشتم الضيف والقناة والإعلامي ومن لفّ لفّهم، أو تهدف لجذب بقية المعلقين.

وعن هذه النقطة، قالت د. نضال أيوب، المحاضرة في كليات الإعلام، لرصيف22: "من الطبيعي أن تطرح هذه البرامج مواضيع شائكة، ولكن يجب أن يكون الطرح علمياً وليس شخصياً وفضائحياً، علماً أن معظم هذه المواضيع باتت مستهلكة ولم تعد تحدث سرّاً، فالعلاقات قبل الزواج مثلاً كانت تابو في الستينيات ولكن اليوم لا، بل يتم الاعتماد على تضخيم الموضوع لزيادة الأرقام، وحتى الضيوف من المفترض أن يكونوا حالات أو نموذج من مجموعة نماذج، والهدف هو عرض الوقائع لا الهجوم ولا المسايرة".

واعتبرت أيوب أن البرامج الاجتماعية اللبنانية أو العربية التي تتناول القضايا بطريقة إيجابية وعلمية هي نادرة، والسؤال هنا، في حال كان هدف القنوات الحصول على مشاهدات لكسب الأموال منها، لماذا تشتكي على الدوام من ندرة الأموال؟

الكارثة لا تقتصر على البرامج فحسب بل على طريقة التسويق والعناوين المستخدمة، مثل: رابعة الزيات تطلق تصريحات خطيرة عن العادة السرية، أو أنت ابن حرام... في أم بتتخلى عن ابنها؟ أو المرأة يجب أن تخضع وترضخ لزوجها، كلها عناوين يبرر البعض أنها تساؤلات أو عبارات وردت على لسان الضيوف، ولكنها في الواقع أصبحت جملةً بحثية قد تزرع فكرة في ذهن المتلقي، والهدف منها هو إثارة فضول المشاهد ليدخل ويشاهد الحلقة ويكتب تعليقاً لا يهم محتواه، ولكن الهدف أن يتجاوز المقطع نسبة مشاهدة معيّنة لا أكثر.

 يتم اختيار ضيوف يتعارضون في الرأي، الأمر الذي يولد شجاراً حادّاً قد يؤدي في نهاية المطاف إلى مغادرة أحدهم الاستديو، وما "يزيد الطين بلّة" هو الإعلامي الذي تقتصر مهمته على "صبّ الزيت على النار" حتى "يفرقع" التريند

قد يبرر البعض أن ما تقدمه هذه البرامج يساعدها على تحقيق الانتشار، ولكن في الواقع أي وسيلة إعلامية تعمل بهذا الأسلوب سوف تصل لنفس النتيجة، ليس بجهدها الشخصي بل لأنها تلعب على فضول الناس ورغباتهم وغرائزهم وأوجاعهم ومصائبهم والكبت المزمن في المجتمع، علماً أنه في المقلب الآخر تختار بعض البرامج مواضيع مهمة تلامس أوجاع الناس، كاللاجئين في أوروبا، دور النساء في الثورات، التيارات المتطرفة، وغيرها من المواضيع التي تحقق نسب مشاهدة عالية ولكن بجهد وبحث وفائدة.

أما المذيع/ة الذي يريد أن يأخذ الطريق القصيرة، عليه أن يتبع المقادير السابقة، ومبارك عليه الرايتنغ على حساب الأخلاقيات الإعلامية. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image