شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
عندما تأخذ برامج إعلامية دور الشرطي الذكوري والمتنمر… برنامج

عندما تأخذ برامج إعلامية دور الشرطي الذكوري والمتنمر… برنامج "أنا هيك" نموذجاً

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 18 نوفمبر 201904:16 م

عندما بدأت بمتابعة برنامج "أنا هيك" شعرت بنفحة من التفاؤل لوجود برنامج بدا لي من عنوانه أنه يقدم صورة جديدة للتعريف عن ذواتنا لم نعهدها في الإعلام العربي.

يحاور برنامج "أنا هيك" أفراداً تعتبر هويتهم إشكالية في العالم العربي، هذه الهوية هي المحور البحثي للبرنامج. بدأت صدمتي تتبدى عندما استمعت لمقدم البرنامج، نيشان، يخاطب المشاركين بأسلوب تعنيفي كشرطي أو كقاض في المحكمة أمامه متهمين لا يملكون قدرة الدفاع عن أنفسهم. وعلى عكس ما توقعت لم يكن وجود هؤلاء المشاركين يهدف إلى خلق منصة تسمح لهم بالتعبير عن ذاتهم، بل كان البرنامج عبارة عن ساحة محكمة تعلن حكم الإعدام المجتمعي دون تردد على المشاركين.

في حواره مع أنجي خوري، وهي فنانة استعراضية حصلت على شهرتها عبر نشر صورها على الإنستغرام، تعرضت أنجي لكثير من الانتقادات والمضايقات بسبب ظهورها المتصف بالجرأة.

في هذا اللقاء، نرى نيشان يوجه أسئلته لها بطريقة انتقادية مليئة باللوم والتأنيب. أثناء متابعتي للحلقة، بدأت أشعر بالضغط وعدم الارتياح لمجرد متابعة أسلوب المقدم، فما بالك بالمشتركة التي أخذت بالبكاء تحت ضغط المقابلة.

لست هنا بصدد تأكيد مصداقية بكاء أنجي أو عدمه، إنما هي محاولة لقراءة عنف الإعلام التقليدي ضد المرأة وطريقة الإساءة لها. تمثّل أنجي عينة من النساء اللاتي يطمحن للنجاح في زمن السوشيال الميديا، وتأتي من خلفية اجتماعية عنيفة، نجد فيها الأب المتحرّش يعتدي على ابنته، بينما الوالدة منشغلة بمحاولة النجاة من خلال الزواج والنأي عن عنف الأب.

ضمن هذه الفوضى تحاول الفتاة الشابة، غير المتعلمة، تحقيق حلمها بالشهرة في المجال الاستعراضي عبر وسائل التواصل الاجتماعي. هذه الوسائل، وعلى عكس الإعلام التقليدي الذي يمثله برنامج مثل "أنا هيك"، تسمح للشباب بالتعبير عن ذواتهم بحرية.

تعِد وسائل التواصل الاجتماعي الشباب بحلم الظهور وتحقيق الذات، فهي تتصف بكونها منصات حرة يمكن للإنسان فيها أن يعبّر عن ذاته كما يرغب.

فنرى أنجي تعبر عن جنسانيتها وتتحدى الفضاء الاجتماعي المغلق، في فيديو عبر الإنستغرام، تظهر فيه مع إحدى صديقاتها العابرات جنسياً. يقوم الفيديو على حوار مباشر بين إنجي وبين متابعيها على الفيديو الذي تقوم ببثه بشكل مباشر، ورغم بساطتها، تستطيع الفتاة التعبير عن مركبات هويّتها  عبر الفيديو، فهي ليست فقط من حلب وإنما كردية أيضاً.

لماذا هذا الإصرار على عدم رؤية ديناميكية السوشيال ميديا التي باتت تسمح لهويات جديدة بالتعبير عن ذاتها؟ 

نراها في الفيديو تدافع عن هوية صديقتها الجنسانية ضد التعليقات المتنمرة. هذه الفتاة التي تعيش في بلد عبرت أكثر من مرة عن عدم ثقتها بقدرته على حمايتها لكونها سورية، وبالتالي تمثل أقلية يحاربها خطاب الكراهية الموجه عبر الإعلام، وبالمقابل تأتي التعليقات ضمن الفيديو عنيفة، ذكورية، مليئة بالشهوة والكره، لها ولصديقتها العابرة جنسياً، وتتراوح بين السعار والجنون.

لا أجد فرقاً كبيراً بين خطاب نيشان الإعلامي مع أنجي وبين خطاب بعض المهتاجين المختبئين خلف الحسابات الافتراضية معها، فنيشان يتابع اللقاء من خلال محاسبة أنجي على تصرفاتها والتحقيق معها وتقريعها على قرارتها.

لقد أصبت بالذهول من قدرة هذا الإعلامي على تبني حوار مجتمع ذكوري عنيف ضد المرأة وضد العابرين جنسياً. تظهر أنجي ضمن اللقاء عاجزة وضعيفة وتستمر بمحاولة الدفاع عن حقها بالشهرة والعمل كفنانة استعراضية.

ومرة أخرى ورغم بساطة قدرتها على التعبير، تبين الفنانة أنها فيما بعد وعندما ستستطيع النجاح وتحقيق ذاتها ستصبح قادرة على محو الماضي والمضي في حياتها. يهزأ نيشان من هذه الفكرة دون أن يدرك مدى عمقها. فذات الإعلامي الذي يجلس باستعلاء أمام أنجي نراه في مقابلة مع هيفاء وهبي يحاورها بتقدير واحترام، ويتعاطف مع حزنها في لحظاتها العاطفية.

أدركت أنجي المعادلة التي تستطيع الشهرة والسطوة تحقيقها، ألا وهي فرض الذات، فإذا لم تستطع هيفاء تغيير النظرة التقليدية المسيئة للنساء العاملات في المجال الاستعراضي، فإنها استطاعت أن تكم الأفواه عنها بفضل سطوتها. هذه الرغبة بالنجاح والثروة هي طريقة أنجي لمواجهة مجتمع ذكوري عنيف، عرفت منه إساءة الأب وقسوة المجتمع الذي لا يتوانى عن وصم النساء لمحاولتهن تغيير واقعهن القاتم.

في حوار نيشان مع إنجي خوري، يوجه أسئلته لها بطريقة انتقادية مليئة باللوم والتأنيب. أثناء متابعتي للحلقة، بدأت أشعر بالضغط وعدم الارتياح لمجرد متابعة أسلوب المقدم، فما بالك بالمشتركة التي أخذت بالبكاء تحت ضغط المقابلة

في لقاء مع نيكولاس شلهوب، وهو مطرب أعلن مثليته وزواجه من شريكه، يستمر نيشان بتمثل خطاب الأكثرية الكاره للمثلية، فنراه يحاور ضيفه مستشهداً بالأديان والأعراف وغيرها من السلطات الاجتماعية التي تحرم ما يمثله نيكولاس

في لقاء مع نيكولاس شلهوب، وهو مطرب أعلن مثليته وزواجه من شريكه، يستمر نيشان بتمثل خطاب الأكثرية الكاره للمثلية، فنراه يحاور ضيفه مستشهداً بالأديان والأعراف وغيرها من السلطات الاجتماعية التي تحرم ما يمثله نيكولاس. وبرغم استمرار نيشان بالحديث مع الضيف الشاب بطريقة سلبية، نرى نيكولاس يتحدى الصور النمطية بإظهار فكر متنور ومشاعر جياشة تحرك القلوب الكارهة.

نيكولاس يمثل صوت الفئة التي تواجه خطاب ذكوري عنيف يعمل على إقصائهم ووصمهم وطمس هويتهم. كما كان التعرض لحملة معادية مسيئة نصيب مشروع ليلى من قبل، يقف نيكولاس أمام هذه العدوانية بأغنيته "عم أشبه حالي" ليدرك ربما استحالة هذه الرغبة ضمن خطاب الكراهية.

عبر الصفحات نقرأ مقالات تعلن رفضها لاستضافة شخصيات مثل أنجي ونيكولاس، وتصفهم بالسفه والانحطاط، هذا الخطاب يصرّ على تهميش الفئات المستضعفة وحجبها من الفضاء الإعلامي التقليدي الموجّه.

كان البرنامج عبارة عن ساحة محكمة تعلن حكم الإعدام المجتمعي دون تردد على المشاركين.

ففي مقال نشرته وسيلة إعلام، استشهد المقال بإحدى التغريدات التي تستنكر هبوط مستوى الشاشة وسماحها لنجوم السوشيال ميديا ذوي المستوى الرخيص بالظهور عبرها! أتساءل عن سبب هذا الاستعلاء؟ فمن الذي يقرر إمكانية التمثيل أو عدمه في الإعلام؟ وما هو المحتوى الذي يسمح بالتعاطي فيه ضمن البرامج؟ لماذا هذا الإصرار على عدم رؤية ديناميكية السوشيال ميديا التي باتت تسمح لهويات جديدة بالتعبير عن ذاتها؟ ولماذا هذا الرفض للخطاب الذي يُظهر تنوع الشارع العربي وغناه؟

وبذلك يستمر الإعلام بالتعامي عن فهم معنى ظاهرة نجوم الإنستغرام التي تشكّل ظاهرة حيوية ضمن دراسات الميديا الحديثة. ومرة أخرى يأخذ الإعلام دور الشرطي الذي لا يتهاون بالتنكيل بمن يشكل ضعفهم وليمة له.

من خلال برنامج "أنا هيك" ندرك أن محاولة أن نكون "هيك" هي محاولة انتحارية في ظل إعلام ذكوري متنمر، فما هو مستقبل الفئات المستضعفة كما والهويات الجندرية غير النمطية ضمن خطاب الكراهية وسياسات وسائل إعلام معادية لهم؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image