الجوع لا يفرق بين الأديان.
وهو ما يؤمن به القيمون على ما يسمى في مصر بموائد الرحمن: موائد طعام مجانية ومفتوحة تقدم وجبة إفطار للمسلمين الصائمين الذين لا يمكنهم توفير طعام لهم ولعائلاتهم.
اعتاد المجتمع المصري مثل هذه الموائد التي يعدها المسلمون المقتدرون مادياً، للمسلمين الصائمين الأقل دخلاً. إلا أن إعدادها ليس حكراً على دين معين، فقد شهدت بعض الأحياء المصرية موائد مقدمة من مسيحيين وأقباط.
يعتبر البعض هذه الموائد المقدمة من أبناء الدين المختلف أمراً عادياً، وامتداداً لكل مظاهر التعايش الطبيعية بين الطوائف في مصر، فيما يحمّلها البعض رسائل قومية عن "الوحدة الوطنية"، في الوقت الذي تشهد فيه مصر تصاعداً في أعمال العنف الموجهة ضد المسيحيين، لا سيما الأقباط منهم، آخرها حادثة إطلاق النار على باص يقل عدداً من الأقباط في اليوم الذي سبق بدء شهر رمضان.
وقد شكك بعض شيوخ المذاهب السلفية المتشددة الذين نشطوا بعد ثورة يناير 2011، في شرعية تناول الإفطار عند المسيحيين، مطلقين أحكاماً أثارت حفيظة عدد كبير من الصريين. وتراجعت حينها بعض الكنائس عن مد هذه السفر واتجهوا إلى نشاطات أخرى كتوزيع شباب بعض الكنائس لشنط رمضان التي التي تحوى مؤن غذائية. لكنهم عادوا إليها بعدما تغير الحكم في مصر.
"المعلم حليم ميخائيل يهنئ المصريين بحلول رمضان"
يتربع المعلم حليم ميخائيل تاجر الحبوب في منطقة شبين القناطر، التابعة لمحافظة القليوبية بمصر، على رأس مائدة إفطار أعدها للصائمين وسط الأراضي الزراعية. طاولات ممتدة تزينها أقمشة عليها صور الكعبة وعلى أطرافها كراسٍ متراصة بنظام شديد. تعلو المائدة يافطة بيضاء مكتوب عليها "المعلم حليم ميخائيل يهنئ المصريين بحلول شهر رمضان الكريم وكل عام وأنتم بخير". "طول عمرنا نعيش في محبة مع المسلمين فهم إخواتي وأصدقائي وجيراني وشركائي في العمل"، يقول ميخائيل لرصيف22. برأيه، إن عمل الخير عابر للأديان، وهو يرى المسلمين والأقباط جزءاً من نسيج واحد في المجتمع. تنظيم موائد الرحمن ليس عملاً جديداً عليه، فقد حرص على إعداد هذه المائدة في رمضان لثلاث سنوات متتالية. "لكنني كنت أساهم منذ 18 عاماً في إقامة موائد في مناطق أخرى في القاهرة كمنطقة المرج"، يقول لرصيف22. "أنا لست وحدي، فمعي مجموعة من الأقباط يقدمون الطعام للمسلمين وقت الإفطار، وأنا في رمضان وخلال عملي أكون شبه صائم وأتناول الإفطار مع المسلمين في المائدة"، يضيف. ينظم محمد فتحي (27 عاماً) مائدة المعلم ميخائيل بنشاط. يعمل يومياً على تأمين متطلبات الطباخ بحسب قائمة الطعام التي يعدها. ثم يعمل على إيقاف عربات النقل الثقيل لكي ينضم سائقوها للمائدة ثم يكملون رحلتهم لمسافات طويلة. يقول لرصيف22: "أجمل فرحة ساعة الفطار لما بحس إني ساعدت فى راحة وسعادة إنسان حتى لو بشيء بسيط قوى وهو تقديم وجبة فطار".يعتبر البعض موائد الأقباط للافطار امتداداً لكل مظاهر التعايش الطبيعي، فيما يحمّلها البعض رسائل عن الوحدة الوطنية
كل عام
يقول هاني جرجس (60 عاماً) الذي يمتلك مطبعة في منطقة الزيتون بالقاهرة: "تعودت أن أستعين بطباخ ليقوم بتجهيز الإفطار للعاملين في مطبعتي من الصائمين ، لكن هذا العام فكرت في التوسع وإقامة المائدة لأي صائم بالمنطقة أو عابر سبيل". يعتبر جرجس المائدة رسالة محبة لمن يشاركونه في عمله ولجيرانه. "يكفي أن من حمى مطبعتي وقت الثورة من محاولات السرقة كانوا أبنائي المسلمين الذين يعملون معي".مائدة الوحدة الوطنية
يقول الأب رفيق جريش، راعي الكنيسة الكاثولكية لرصيف22: "هذا العام سنقيم مائدة للفقراء والبسطاء والمرضى في حديقة الكنيسة". يأتي للمائدة أقباط أيضاً، وأشخاص تجلبهم الجمعيات الخيرية. وقد دشن البابا شنودة الثالث تقليداً في رمضان، يعتبره البعض سياسياً أكثر منه اجتماعياً، وقد لقبت موائده بموائد الوحدة الوطنية. وكانت أول مائدة "وحدة وطنية" عام 1985، عقب قرار الرئيس الراحل أنور السادات بعزل البابا شنودة في دير وداي النطرون، وتشكيل لجنة خماسية من الأساقفة لتدير شؤون الكنيسة. كان في اللجنة الأنبا أثناسيوس، مطران بنى سويف، الذي دعا كبار رجال الدولة من السياسيين ورجال الإعلام والأعمال والقيادات المسيحية والإسلامية لإفطار سماه مائدة الوحدة الوطنية، وانتشر وقتذاك أن الهدف منه هو تحسين العلاقة بين الدولة والشعب. وحين عاد البابا شنودة الثالث من منفاه في الدير، استمر ذلك الإفطار في الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، وطور البابا شنودة فكرة الموائد ودعا للتوسع في إقامتها ، لتمتد إلى كل أبرشيات الجمهورية. وكتب البابا في جريدة الأهرام عن أول مأدبة إفطار وطنية من هذا النوع، إذ امتلأت القاعة في المقر البابوي بـ150 ضيفاً مسلماً. وقد رصدت دراسة صادرة عن مركز الأقصر للدراسات والحوار والتنمية أعدتها الباحثة نيرمين عازر، عادات وتقاليد الأقباط المصري خلال رمضان. وبيّنت الدراسة أن هناك تشاركاً في المهمات والأنشطة بين أبناء الطائفتين خلال المناسبات الدينية.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...