"نذكٰر المسافرين الكرام بعدم تناول الطعام أو شرب المياه علناً عند الخروج من المطار". حالما سمعت هذه العبارة تذكّرت أنه للمرة الأولى منذ انتقالي إلى دبي قبل ثلاث سنوات، لا أستقل الطائرة بعيداً عن لهيب الصيف في الإمارات، بل العكس، أعود مجدداً لمواصلة حياتي وعملي كالمعتاد، ولكن مع فرق بسيط، شهر رمضان قد بدأ.
إلا أنّ الحياة لها طعم مختلف في الإمارات ودبي تحديداً خلال هذا الشهر، ولو أنّ في الواقع، يتغير القليل خلافاً لما هي العادة في الدول الخليجية المجاورة.
فحتى لو كانت غالبية المطاعم والمقاهي مغلقة طوال النهار، فما زال بإمكاننا، نحن غير الصائمين، ايجاد فسحة لذلك. فبعض المطاعم تقدم خدمة التوصيل المنزلي في حين تقرّر أخرى، ولو أن عددها قليل، أن تستقبل الزبائن خلف ستائر سوداء، بعيداً عن العيون. كما أنك تستطيع اختيار ردهة المطاعم في المولات المفتوحة لغير المسلمين. فتجد نفسك جالساً ساعات طويلة لتناول الغداء واحتساء القهوة مع صديق في ردهة المطاعم؛ أمر ما كنت لتفكّر القيام به في الأيام "العادية".
أما حياة الليل، فلا تختلف تماماً. متى يسمع مدفع رمضان، يتهافت الصائمون إلى موائد الإفطار، في حين أن المطاعم والحانات والمقاهي، تبدأ بتقديم المشروبات الروحية، وتضع الموسيقى. وحدها النوادي الليلية تقفل أبوابها طوال الشهر.
لكن القوانين المتعلقة باحتساء الخمر أصبحت أكثر مرونة هذا العام في دبي. إذ ذكرت وكالة "أسوشيتد برس" أن المذكرة التي أصدرتها دائرة دبي للتسويق السياحي والتجاري، أبلغت الفنادق أنه خلال شهر رمضان، تخضع مبيعات الكحول للقواعد الطبيعية، لا الحد من ساعات تقديمها.
"لم يكن في العمل مكان مخصص لغير المسلمين، فمتى شعرنا بعطش أو جوع، نتوجه إلى الحمام للشرب والأكل لئلا يرانا أحد"
رمضان شهر تتغير فيه الحياة في دبي، ولو أن الإمارة تعمد إلى تقليص القيود لتلبية حاجات ملايين الوافدين المقيمين فيهاولكن على أرض الواقع، لا يبدو أن كل الفنادق والمطاعم التي تقدم المشروبات الروحية، تلقت هذه المذكرة، والقانون ينص على أن تقديم الكحول يجب أن يكون في المطاعم التابعة للفنادق. ففي حين وافق أحد هذه المطاعم على تقديم البيرة عند الرابعة بعد الظهر، رفض مطعم آخر، قبل أيام، تقديم كأس من النبيذ عند الظهر. حياة شبه طبيعية خلافاً لسلطنة عمان مثلاً، حيث تتوقف حتى خدمة توصيل المأكولات إلى المنزل طوال النهار، وتقفل الحانات والنوادي الليلية أبوابها، ولا تقدم الفنادق الكحول طوال الشهر. بالفعل شبه طبيعي، فمتى تختار أن تحارب لهيب الصيف وتخرج للتمشية أو إلى المول، تفاجأ أنه في وضح النهار كل شيء مقفل وحركة الناس خفيفة. فقبل أيام، عندما أردت التقاط بعض الصور بالقرب من مركز "ذا بيتش" The beach الذي عادة يعج بالناس لأنه يجمع بين البحر والمطاعم والنشاطات الترفيهية، شعرت كأنني في مدينة أشباح. كل شيء مغلق، لا أحد سوى رجال الأمن. وحدها زينة العيد تذكرك أن المدينة حيّة لكنها ترتاح قبل الإفطار. ولا تستطيع إلا أن تلاحظ أن العديد من المطاعم أو المتاجر في مختلف أنحاء المدينة مغلق، ووضعت لافتة "مغلق بسبب التجديد". فبعض أصحابها لا يجدون فتح أبوابهم لبضعة ساعات يومياً مربح مادياً، بل يكبّدهم الكثير من الخسائر. لذا يختارون إغلاقها وتجديدها، ويطلبون من موظفيهم أخذ عطلهم السنوية خلال هذه الفترة. كما أن الفرق قد يكون أيضاً أنك تولي انتباهاً أكبر لملابسك، فأتجنب مثلاً الخروج والسير على الطريق، أو في المولات، مرتدية السراويل أو التنانير القصيرة، وأستبدلها بملابس أكثر احتشاماً، احتراماً للآخرين. لكن التغيير الأكبر في حياة الجميع، هو الامتناع عن شرب المياه (الأصعب في الصيف) والأكل علناً، ليس فقط على الطرقات أو في سيارتك، أو في المراكز التجارية، بل أيضاً في أماكن العمل. في مراكز العمل، أكنت صائماً أم لا، فإن الأكل والشرب ممنوعان. وتستحدث معظم الشركات أماكن بعيداً عن الأنظار لهذه الأغراض، حتى لو كان كل الموظفين غير صائمين. يقول سامر: "خلال النهار، نجتمع في المطبخ للأكل وشرب المياه". علماً أن الشركات إذا لم تستحدث هذه الأماكن الخاصة، وهو أمر نادر، تضطر إلى الذهاب إلى الحمام. أكان في دبي أو الدوحة، كما تقول ناتالي: "لم يكن في العمل أي مكان مخصص لغير المسلمين، فمتى شعرنا بالعطش أو الجوع، نتوجه إلى الحمام للشرب والأكل لئلا يرانا أحد". أمرُ لم أختبره أنا التي أعمل من منزلي، فلا أشعر بوقع شهر رمضان، لا سيما أنه في منزلك تستطيع القيام بما يحلو لك في أي وقت من النهار. لكن الأكل أو الشرب علناً قد يُسبب لك المتاعب، وهذا كاد يحدث لريان الذي يذكر: "توقفت عند محطة بنزين. وبينما أنتظر، دخلت إلى المتجر واشتريت مشروب طاقة وسجائر، وخرجت أشرب وأدخن سيجارتي مستمتعاً من دون الانتباه إلى أننا في رمضان، إلى أن اقترب مني أحدهم مسرعاً ومصدوماً، ونبهّني أن الأمر ممنوع وأنني قد أدخل السجن". تحتاج إلى بعض الوقت كي تعتاد أنه متى شعرت بالعطش أو الجوع، لا بد من الابتعاد عن الأنظار. عاداتك اليومية تختلف أيضاً لا سيما أن دوام العمل يصبح أقل طولاً (ساعة أو ساعتين أقل)، بحسب الشركات. فيعمد كثيرون من الذين سألناهم ونعرفهم إلى ممارسة الرياضة بشكل أكبر، أو دعوة الأصدقاء لقضاء وقت ممتع في المنزل، أو أخذ قيلولة طويلة بعد الظهر. والأهم بالنسبة لكثيرين، مشاهدة المسلسلات التي فاتتهم، فلديهم الكثير من وقت الفراغ. في حين أن الكثير من محبي كرة القدم يجدون أن دوام العمل القصير وغير المبكر، يتيح لهم الاستمتاع بمشاهدة مباريات بطولة أمم أوروبا لكرة القدم، التي تنظّم هذا العام، من دون تفويت أي مباراة! رمضان شهر تتغير فيه الحياة في دبي ولو بعض الشيء، لا سيما في السنوات الأخيرة. فيصادف أيضاً مع درجات الحرارة المرتفعة جداً. ومع أن دبي تعمد إلى تقليص القيود الخاصة برمضان لتلبية حاجات ملايين الوافدين المقيمين في دبي وغير الصائمين، ومواصلة جذب آلاف السياح، فإنك تشعر بجو من التغيير، وبحيرة حول ما تفعل. ربما لأن الجميع يعدّ الأيام قبل العيد والعطلة!
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع