في الأيام الأخيرة، وعشية الذكرى الثانية لإسقاط طائرة الركاب الأوكرانية بصواريخ الحرس الثوري الإيراني صباح 8 كانون الثاني/يناير 2020، أطلقت أسَر ضحايا الحادث، حملة "سأضيء شمعة أيضاً" (#من_هم_شمعی_روشن_خواهم_کرد) على مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك للمطالبة بتحقيق دولي حول الحادث، ومحاسبة المسؤولين.
وانضم إلى هذه الحملة عدد كبير من الإيرانيين حيث نشروا صوراً من الضحايا وفيديوهات تتعلق بالحادث، ورسوماً، عبروا من خلالها عن تضامنهم مع أسر الضحايا، وعن حزنهم الكبير تجاه الحادث الذي تفاجئوا به قبل عامين، والذي لا يصدقون وقوعه.
وفي هذه الحملة، التي بدأت في الأول من كانون الثاني/يناير الحالي، نشر العديد من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع صوراً لضحايا أحداث مختلفة منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران (عام 1979) حتى اليوم، وأعربوا عن تعازيهم لعائلات ضحايا حادث الطائرة الاوكرانية، إلى جانب تضامنهم مع عائلات ضحايا احتجاجات تشرين الثاني/نوفمبر 2019 في إيران واحتجاجات عام 2009.
وبدأت هذه الحملة بدعوة من حامد إسماعيليون، المتحدث باسم جمعية أهالي ضحايا حادث الطائرة الأوكرانية، والذي فقد زوجته وابنته في الحادث، وقد نشر دعوته على مواقع التواصل الاجتماعي وأشار فيها إلى ضحايا الاحتجاجات المدنية والعمالية في إيران خلال السنوات الأخيرة، وضحايا التعذيب والسجن والإعدامات، والأقليات الدينية لا سيما البهائيين، وقال: "تخليداً لذكرى كل من أصيب من قبل أكثر الناس شراً على وجه الأرض... سأضيء شمعة أيضاً".
ماذا حدث قبل عامين؟
في صباح يوم 8 كانون الثاني/يناير 2020، وبعد ساعات من هجمات صاروخية إيرانية على قواعد أميركية في العراق، رداً على اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، في ضربة جوية أميركية قرب مطار بغداد، أسقطت قوات الدفاع الجوي التابعة للحرس الثوري الإيراني، الطائرة المدنية الأوكرانية من طراز "بوينغ 737"، بعد دقائق من إقلاعها من مطار الإمام الخميني الدولي جنوب طهران، ما أدى إلى مقتل جميع ركابها الـ176، من جنسيات إيرانية وأوكرانية وكندية وأفغانية وسويدية وبريطانية.
وكان 164 من ركاب الطائرة إيرانيين، أغلبهم طلاب شباب كانوا عائدين من زيارة عائلاتهم في إيران إلى كندا حيث يقيمون.
وبعد أيام من السرية والتصريحات المتناقضة بشأن هذا الحادث المأساوي والحزن الشديد لدى الشارع الإيراني، وتحت الضغوط المحلية والدولية، اعترفت إيران بأن الدفاعات الجوية للحرس الثوري التي كانت على أهبة الاستعداد عقب مقتل قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري بضربةٍ لطائرة أمريكية مُسيّرة قرب مطار بغداد في 3 كانون الثاني/ يناير 2020، استهدفت طائرة الركاب الأوكرانية، لكنها أعلنت أن سبب الاستهداف كان "خطأ بشرياً" من جانب مشغّل الصواريخ.
وبدأت هذه الحملة بدعوة من حامد إسماعيليون، المتحدث باسم جمعية أهالي ضحايا حادث الطائرة الأوكرانية، والذي فقد زوجته وابنته في الحادث، وقد نشر دعوته على مواقع التواصل الاجتماعي، قائلاً: "تخليداً لذكرى كل من أصيب من قبل أكثر الناس شراً على وجه الأرض... سأضيء شمعة أيضاً"
لكن أوكرانيا وكندا وبعض المراقبين لا يقبلون الادعاء ويقولون إن السلطات الإيرانية تتستر على الأسباب الجذرية للحادث. وتقول جمعية أهالي الضحايا إنه حسب الأدلة المتوفرة فإن إسقاط الطائرة كان متعمداً، وتم بهدف خلق درع بشري لمنع هجوم أمريكي، عن طريق تعمد عدم إغلاق المجال الجوي أمام الرحلات المدنية.
مصير القضية، والموقف الإيراني
بعد فترة من وقوع الحادث، بدأت أوكرانيا نيابة عن الدول الأخرى، مفاوضات مع إيران بشان الحادث. وعقدت الجولة الثالة من المفاوضات في حزيران/يونيو 2021. وبعد الجولة الثالثة، عرضت إيران دفع تعويضات بمبلغ 150 ألف دولار مقابل كل ضحية، لكن معظم العائلات رفضت قبول التعويضات، قائلة إن أولويتها الرئيسية هي تحديد ومعاقبة المسؤولين عن إسقاط الطائرة. كما أعلنت أوكرانيا رفضها العرضَ الإيراني، وقالت إنه يتعين على إيران توضيح ملابسات حادث تحطم الطائرة ومحاكمة المرتكبين، ثم دفع تعويضات.
وفي نيسان/إبريل 2021، أعلن المدعي العسكري في طهران، عن توجيه لائحة اتهام ضد 10 "مسؤولين متورطين في قضية تحطم الطائرة الأوكرانية". وتم إبلاغ أسر الضحايا بقرار بمنع الملاحقة بالنسبة لحكومة إيران، ومجلس الأمن القومي، والحرس الثوري، وشبكة الدفاع المتكاملة، ونظام الدفاع المدني، والقوات الجوية للحرس الثوري، ومنظمة الطيران المدني، وحسين سلامي (القائد العام للحرس الثوري الإيراني)، وأمير علي حاجي زاده (قائد الدفاع الجوي)، وعلي عابد زاده (رئيس هيئة الطيران)". واُعتبر هذا الإبلاغ العديد من العسكريين، بما في ذلك قائد نظام صواريخ "تور، إم، وان" بالإضافة إلى اثنين من المشغلين في الدفاع الجوي، "يستحقون العقوبة على المشاركة في القتل غير المتعمد والإهمال وعدم التقيد بأنظمة الخدمة".
لكن جمعیة أسر ضحايا الطائرة الأوكرانية شددت على أن "الجناة والمسببين الرئيسيين" في حادث تحطم الطائرة هم: مجلس الأمن القومي الإيراني "لتركه الأجواء مفتوحة واستخدام الأبرياء كدروع بشرية"، والحرس الثوري الإيراني وكبار مسؤوليه "لإطلاق ما لا يقل عن صاروخين على طائرة ركاب،" والمسؤولون الحكوميون الإيرانيون "لتواطؤهم في إخفاء الجريمة"، وعلي خامنئي، المرشد الأعلى باعتباره القائد العام للقوات المسلحة".
وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2021، عقدت جلستين لمحكمة قضية الطائرة الأوكرانية في المحكمة العسكرية في طهران بشكل غير علني ودون حضور وسائل الإعلام، والتي شهدت تجمعات احتجاجية لعائلات الضحايا التي اعتبرت المحاكمات بأنها "تمثيلية".
وفي كانون الثاني/يناير الحالي، أوعز الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، الى وزارتي الطرق والدفاع، وايضاً مؤسسة الشهيد، بتشكيل فريق عمل يقوم بحل مشاكل أسَر ضحايا الطائرة الأوكرانية والتسريع في وتيرة الإجراءات المتعلقة بتسديد مبلغ التعويضات لهم.
منذ وقوع الحادث، بدأت عائلات الضحايا وبقيادة حامد إسماعيليون، حملة ضد إيران ومسؤولين إيرانيين حمّلوهم المسؤولية عن الواقعة، كما أنهم يتعابعون ملفاً قضائياً بهذا الشأن، ويطالبون بأن تحيل الحكومة الكندية القضية إلى محكمة العدل الدولية
ومنذ وقوع الحادث، بدأت عائلات الضحايا وبقيادة حامد إسماعيليون، حملة ضد إيران ومسؤولين إيرانيين حمّلوهم المسؤولية عن الواقعة، كما أنهم يتعابعون ملفاً قضائياً بهذا الشأن، ويطالبون بأن تحيل الحكومة الكندية القضية إلى محكمة العدل الدولية.
وتعمل الحكومة الفيدرالية الكندية مع 3 دول أخرى (اوكرانيا والسويد وبريطانيا)، لطلب تعويضات من إيران. وقد تم تسليم إشعار المطالبة بالتعويضات في حزيران/يونيو 2021. لكن إيران أعلنت في تشرين الثاني/نوفمبر 2021، أنها لا تعترف بهذه المجموعة، ولن تلتقي بممثلي هذه الدول. ومنحت الدول إيران مهلة حتى 5 كانون الثاني/يناير الحالي، لتعلن ما إذا كانت مستعدة للدخول في مفاوضات. وأصدرت الدول بياناً بعد انتهاء المهلة، وأعلنت بأنها "ستفترض أن المحاولات الإضافية للتفاوض بشأن التعويضات مع إيران غير مجدية، وستنظر بجدية في اتخاذ إجراءات أخرى لحل المسألة بموجب القانون الدولي".
وحكم القاضي في محكمة العدل العليا بمدينة أونتاريو الكندية في أيار/مايو 2021، بأن تدمير الطائرة الأوكرانية في طهران كان "عملاً إرهابياً متعمّداً".
وبناءً على هذا الحكم، قضت محكمة في مدينة أونتاريو في 3 كانون الثاني/يناير الحالي، بمنح تعويضات مالية تُقدر بـ107 ملايين دولار كندي، بالإضافة إلى الفوائد، لأُسر 6 أشخاص لقوا حتفهم في تحطُّم الطائرة الأوكرانية.
وبشأن كيفية الحصول على تعويضات من إيران، أعلن مارك أرنولد، محامي أسر الضحايا، أن فريقه سينظر في مسألة مصادرة الأصول الإيرانية في كندا وخارجها، مشيراً إلى أن إيران لديها ناقلات نفط في دول أخرى، وسيتطلع فريقه لمصادرة كل ما في وسعه لدفع ما تدين به إيران للعائلات.
وفي المقابل، نددت إيران بالحكم الصادر وأكدت رفضها للدعاوي القضائية الكندية، وقالت يجب أن تتم جميع الإجراءات القضائية المتعلقة بالقضية داخل إيران، حيث أن الحادث وقع على الأراضي الإيرانية. ووصف المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، الحكم بأنه "عديم الأساس ولا يستند الى أي وثائق وأدلة عينية" وأكد ان "الجميع يعلم بأن المحكمة الكندية غير مؤهلة أساساً للنظر في هذا الحادث الجوي أو الإهمال المحتمل في أي حادث وقع خارج الأراضي الكندية وخارج نطاق ولايتها القضائية".
ولا زالت إيران متهمة بالمماطلة وبعدم التعاون في القضية، خاصة في ما يتعلق بكشف أسماء المسؤولين عن الحادثة. كما أنها متهمة بمضايقة عائلات الضحايا، والضغط عليهم للتعاون معها، وتُطالَب بالإفراج عن الأشخاص الذين شاركوا في الاحتجاجات التي اندلعت بعد اعتراف السلطات الإيرانية بإسقاط الطائرة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...