شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
MAIN_Football

هل تؤثر "معركة" رئيس الاتحاد ووزير الرياضة على المنتخب التونسي في كأس إفريقيا؟

MAIN_Football

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الجمعة 7 يناير 202202:20 م

يُخيّم الترقب على مشاركة المنتخب التونسي في نهائيات كأس أمم إفريقيا التي تنطلق السبت 8 كانون الثاني/ يناير في كاميرون، وسط تصاعد للسجالات بشأن "المعركة" التي نشبت بين وزير الشباب والرياضة كمال دقيش، ورئيس اتحاد كرة القدم وديع الجريء، وتداعياتها المحتملة على المشاركة المذكورة.

تراشق بالتّهم

لم تخلُ هذه المعركة، التي خرجت إلى العلن في آذار/ مارس الماضي، عندما كسر دقيش صمته عقب إقالته من الحكومة السابقة برئاسة هشام المشيشي، قائلاً إن الجريء يحظى بنفوذ سياسي واسع أزاحه عن منصبه.

عاد دقيش إلى الوزارة، في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، في الحكومة الجديدة برئاسة نجلاء بودن، وهي حكومة الرئيس قيس سعيّد، لتعود مجدداً إلى الواجهة نُذر أزمة حادة بينه وبين الجريء، حتى أن بعض متابعي الشأن الرياضي في تونس، لم يُفاجؤوا من احتدام المواجهة مجدّداً، لكن ذلك لا يمنعهم من التنبيه من تداعيات ذلك على المنتخب وحظوظه في المسابقة القارّية، وأيضاً في تصفيات كأس العالم، إذ ينتظر الفريق الوطني التعرف على منافسه في مباراة الحسم.

لم يكن ينقص تونس التي تشهد أزمةً اقتصاديةً حادّةً ترافقها أخرى سياسية، سوى تفجّر الوضع على المستوى الرياضي. وشكّل تاريخ السادس عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، لحظةً حاسمةً في العلاقة بين رئيس اتحاد كرة القدم، وديع الجريء، ووزير الشباب والرياضة كمال دقيش، إذ تبادل الطرفان الاتهامات علناً من خلال بيانات متوازية بشأن المتسبّب في حرمان الجمهور من حضور مباراة المنتخب الختامية ضد زامبيا، التي أهّلته إلى الدور الحاسم من تصفيات كأس العالم التي تُقام في قطر نهاية العام الحالي.

وقال دقيش عقب المباراة، التي انتهت بفوز لتضمن تأهلها إلى المباراة الفاصلة، إن "الجريء لعب ضد تونس، وضد شعبها، ولذا إنني أقول إن الفسحة انتهت لمن يتطاول على الدولة التونسية، والهياكل الحكومية. كلامي واضح"، من دون أي تفسير.

ورد الجريء في رسالة إلى الرئيس سعيّد في اليوم التالي، قائلاً فيها: "أحمّل وزير الرياضة مسؤولية أي ضرر مادي أو بدني أتعرض إليه".

حملت الأيام الماضية تطوراتٍ لافتةً في توقيتها، تُبرز أن الأزمة مرشحة للتّفاقم، إذ اتّهم اتحاد الكرة الوزارة "برفض تمكينه من الحصول على الإعفاء الجبائي بعنوان هبة أزياء رياضية"، ما أخّر دخول بدلة المنتخب الخاصة بـ"كان" (كأس أمم إفريقيا) إلى البلاد، وذلك قبل أقل من ثلاثة أيام من انطلاق المسابقة.

"الصراع بين وزير الرياضة، كمال دقيش، ورئيس جامعة كرة القدم، وديع الجريء، تجاوز حدود الحرب الباردة، وأصبح خلافاً معلناً، ولا حواجز أو ضوابط أخلاقية فيه." فهل يؤثر على مشاركة المنتخب التونسي في "كان"؟

في الواقع، كان واضحاً أن الأزمة ستحتدّ بين الطرفين، فكلاهما يحظى بدعم من أطراف قوية؛ الجريء من الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، الذي يوفر له ما يشبه الحصانة، فضلاً عن شبكة علاقات قوية مع إعلاميين بارزين في تونس، وأيضاً أطراف سياسية يبدو أن نفوذها تراجع قليلاً، ودقيش من الرئيس سعيّد الذي يقول إنه يقود حملة مكافحة الفساد في البلاد، ويهيمن على كل الصلاحيات منذ الخامس والعشرين من تموز/ يوليو الماضي.

وقال الصحافي والناقد الرياضي، طارق العصادي، إن "الصراع بين وزير شؤون الشباب والرياضة، كمال دقيش، ورئيس جامعة كرة القدم، وديع الجريء، تجاوز حدود الحرب الباردة، وأصبح خلافاً معلناً، ولا حواجز أو ضوابط أخلاقية فيه. الرجلان يعتمدان كل الأساليب القانونية والاتصالية والشعبوية، لكسب نقاط في النزال القوي بينهما".

لكن محمود البارودي، وهو ناشط سياسي تونسي، ورئيس جمعية كرة قدم سابقاً، يرى أن "الخلاف لا يمكن أن ينحسر بين الجريء ودقيش، لأن الوزارة ترفض منح كل الهياكل امتيازاتٍ، لكن اتحاد كرة القدم يريد التمتع بامتيازات".

رائحة السياسة

منذ الرابع عشر من كانون الثاني/ يناير 2011، تاريخ رحيل الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، جرت مياه كثيرة في مصب الأحداث التي عرفتها تونس، حتى أن الحديث عن تداخل السياسي بالرياضي لم يعد من المحرّمات.

ولطالما واجه الجريء اتهاماتٍ بشأن التقارب مع أطراف سياسية بارزة، خاصةً حركة النهضة الإسلامية التي قادت جلّ الحكومات منذ 2011، ما دفع البعض للقول إن رئيس اتحاد كرة القدم أطاح بوزراء عدة قبل دقيش، على غرار الوزير المحسوب على النهضة، والذي يمكث في قطر، ويعمل حالياً محللاً في قنوات "بين سبورت"، طارق ذياب، والوزيرة مجدولين الشارني، وغيرهما.

يقول العصادي في حديث إلى رصيف22، إن "الخلاف بين الجريء ودقيش سياسي أيضاً. هناك حرب تموقع، فالجريء كان يمتلك منذ صعوده في آذار/ مارس 2012، حاضنةً سياسيةً قويةً، فهو سريع التوثب وإعادة التمركز لدى القوى البارزة سياسياً، ولم يتأثر في السابق بالتغييرات الحاصلة تباعاً في خريطة المشهد، ولون الحاكم سياسياً، غير أن رياح الخامس والعشرين من تموز/ يوليو لم تهبّ لصالح شراعه ومركبه، فتم عزل الوزيرة الداعمة له سياسياً وإعلامياً، وهي سهام العيادي، ليحل مكانها دقيش الذي صرّح سابقاً بعظمة لسانه، بأن الجريء هو من عزله بتأثيره في دوائر المشيشي".

الخلاف بين وزير الرياضة التونسي ورئيس اتحاد كرة القدم سياسي، ويبدو أن حدته سترتفع في المقبل من الأيام. فهل يؤثر على أداء المنتخب الوطني لكرة القدم، الذي تحول إلى "ضحية" لمعركة الطرفين؟

ويُساير البارودي رأي العصادي، ويقول في تصريح لرصيف22: "بالطبع لا يمكن نفي الطابع السياسي للخلاف بين الجريء ودقيش، فالجريء كان سبباً في تنحية دقيش من الوزارة في حكومة المشيشي، ومع ذلك يجب إبعاد الجانب الرياضي".

لم تكتفِ الأطراف الفاعلة في المشهد التونسي، باتهام الجريء بالتقرّب من السياسيين، وهي اتهامات نفاها في وقتٍ سابق، بل تعدّت ذلك إلى حد القول بأنه بات يتمتع بحصانة عن أي تتبع كان، على الرغم من الشبهات التي تحوم حوله، وفق هؤلاء.

قالت منظمة "أنا يقظ" غير الحكومية، في تقرير نشرته في تشرين الأول/ أكتوبر من العام 2020، إن "الجريء تمكّن منذ توليه رئاسة الجامعة التونسية لكرة القدم سنة 2012، من تكوين شبكة علاقات مهمة سمحت له بالتحلّي بنوع من الحصانة، مما حال بينه وبين كل تتبع أو اتهام، على الرغم من تعدد الشبهات حوله".

وعددت المنظمة تلك العلاقات التي تراوحت بين النقابات التي تمثل رقماً صعباً في تونس، مثل اتحاد الشغل، والمركزية النقابية، والأطراف السياسية، مثل حركة النهضة الإسلامية برئاسة راشد الغنوشي، وحركة "تحيا تونس"، بقيادة رئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد، وغيرهما.

مع ذلك، يرفض اتحاد الكرة التعليق على هذه الاتهامات، إذ قال أمين موقو، عضو الاتحاد، في تصريح لرصيف22: "لن نرد على أي اتهامات في الظرف الراهن، ولن نعلّق على الأزمة لحساسية التوقيت، وتركيزنا منصبّ حالياً على مشاركة المنتخب في كأس الأمم الإفريقية، ثم لكل حادث حديث".

ومن جهته، يبدو أن الوزير قد حصل على ضمانات كافية من الرئيس سعيّد، لتعقّب أي مسؤول في المجال الرياضي، إلى درجة أنه لم يتوانَ عن تجميد نشاط رئيس اتحاد كرة الطائرة، فراس الفالح، بسبب شبهات فساد تُلاحقه، في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.

وفي وقت سابق، نفى دقيش تبعيَّته لسعيّد، قائلاً في تصريحات لإذاعة محلية: "قيس سعيّد عرفته كمدرّس في كلية العلوم القانونية، وأحترمه كثيراً لأنه لم يحِد عن مبادئه، وهو ليس فاسداً، وأنا أيضاً لم أحِد عن مبادئي، واتّهامي بأنني موالٍ لسعيّد، هي محاولة لتسهيل إبعادي من الوزارة فحسب".

لكن العصادي يقول إن "الوزير دقيش حاملٌ للواء مشروع قيس سعيّد سياسياً، وضمن دعم السلطة بشكل غير مألوف سابقاً، في مجال الرياضة، لذلك نحن مقبلون على حرب تكسير عظام".

عواقب وخيمة

في ظل الأزمة الراهنة التي سلّطت الضوء بشكلٍ غير مسبوق على أمراض كرة القدم التونسية، تتعالى الأصوات المنادية بالتهدئة، والنأي بالمنتخب والأندية عن هذه التجاذبات، خاصةً في ظل عدم استبعاد فرضية إقدام دقيش على حل مكتب اتحاد الكرة.

وتُعدّ المخاوف مشروعةً نوعاً ما، فالجماهير التونسية التي لم تدّخر أيّ جهد في تقديم عروض مميزة، سواء في كأس أمم أفريقيا 2019، التي أقيمت في مصر، أو في كأس العرب مؤخراً، التي استضافتها قطر، وتنتظر عودة الفريق لحصد الألقاب، خاصةً أنه يُقدّم مردوداً متميزاً مؤخراً جعله يصل إلى نهائي كأس العرب، ونصف نهائي الكان في 2019.

وتوقع العصادي أن يكون المنتخب التونسي لكرة القدم ضحية معركة ليّ الذراع الحالية، بين الجريء ودقيش، موضحاً أنه "يمكن الجزم بأن كرة القدم التونسية هي الخاسر الأوحد، وإن كانت فرضية العقوبة الدوليّة مستبعدةً، إذ تشير آخر التسريبات إلى وجود دفع لإجبار الجريء على الاستقالة، مثل سيناريو رئيس جامعة كرة اليد، مراد المستيري، وهو ما يرفضه الجريء حالياً، ولكن الوزير يَعِد ويتوعّد بمحاسبة قضائية، ويبدو أن تهديداته نابعة من وثوقه بضماناتٍ من رئيس الجمهورية. إن نبرة خطابه واثقة".

يمكن الجزم بأن كرة القدم التونسية هي الخاسر الأوحد، وإن كانت فرضية العقوبة الدوليّة مستبعدةً

وتابع بنبرة فيها الكثير من الحسرة: "الرياضة التونسية عموماً، باتت فاقدةً لشخصية كاريزماتية توحّد الصفوف، وتتخطى مثل هذه الخلافات، كما أنها باتت أداةً ليّنةً طوّعها الساسة باختلاف أيديولجياتهم وأطيافهم، لتحقيق نقاط انتخابية لا غير".

لكن البارودي يعتقد أن المنتخب لن يتأثر بمثل هذه الخلافات، مشيراً إلى أن "حقيقة الميدان تبقى شأناً آخر. مثلاً، لو فزنا في المباراة الافتتاحية ضد مالي، ماذا سنقول؟ وإذا انهزمنا ماذا سنقول؟ لا أظن أن عناصر المنتخب سيتأثرون كثيراً بما يحدث".

ودعا إلى حوار وطني في المجال الرياضي لتجاوز هذه الصراعات التي يُعدّ الرابح فيها خاسراً، وفق قوله. 


إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard