"أشعر أنني حساسة جداً لهذا العالم"، هذا ما قالته لينا التي كشفت أنها لا تستطيع التعامل مع الحشود أو الأضواء الساطعة، في حين إن ميليسا تطلب دائماً من زوجها أن يشاهد الأفلام قبلها ليرى ما إذا كانت ستتمكن من التعامل مع مشاهد العنف والدماء، وحين يأتي أولادها بصحة الأحفاد لزيارتها، تنسحب إلى غرفة أخرى لأنها ببساطة لا تتحمل سماع ضحكاتهم العالية وأصواتهم الصاخبة وحتى رائحتهم، أما لوسيا فتكشف أنها تشعر بـ"كل خيط من خيوط ملابسها" وبالدغدغة وعدم الراحة في بعض الأحيان، كما وأنها قد تتوقف في بعض المرات عن ممارسة الجنس مع شريكها لكونها تصبح "حساسة للغاية".
هؤلاء السيدات يعانين من ظاهرة تُعرف بـ"الحساسية المفرطة"، وهي مسألة يمكن أن يختبرها 20% من الناس، وفق ما كشفت إيلين أرون، التي أصدرت في العام 1996 كتاباً بعنوان "The Highly Sensitive Person" للتحدث أكثر عن هذه الظاهرة.
كم نحن بحاجة إلى أمثال هؤلاء الأشخاص في عالمنا الصاخب، وهل التمتع بالعاطفة المفرطة هو مفتاح السعادة؟
حجب النفس عن العالم الخارجي
عندما طلبت صحيفة الغارديان من القرّاء مشاركة تجاربهم مع الحساسية المفرطة، كتب العديد من الأفراد عن شعورهم بالإرهاق بسبب الآخرين، أو من العمل في مكاتب مفتوحة أو لمجرد الذهاب إلى السوبرماركت.
وكان من الشائع الإبلاغ عن البكاء على الإعلانات العاطفية، بالإضافة إلى الشعور بالفزع والتأثر بالأحداث السياسية.
تشعر بـ"كل خيط من خيوط ملابسها" وبالدغدغة وعدم الراحة في بعض الأحيان، كما وأنها قد تتوقف في بعض المرات عن ممارسة الجنس مع شريكها لكونها تصبح "حساسة للغاية"
فقد كتب أحدهم: "لقد وجدت التقشف أمراً مرعباً"، وأضاف: "أعمل في مدرسة تأثرت بشكل مباشر بالتخفيضات. أقوم بتدريس الأطفال الذين يعانون من آثار الخدمات العامة المهملة والآباء الذين يعانون من عدم الاستقرار المالي". هذا وختم بالقول: "إذا استمر معدل الفقر في الارتفاع في هذا البلد، فأنا أعلم أنني سأقضي الكثير من الوقت في البكاء في الصف".
في السياق نفسه، كشف العديد من الأشخاص أنهم ارتدوا سماعات رأس ليحجبوا أنفسهم عن العالم من حولهم، وتجنبوا وسائل التواصل الاجتماعي خشية أن تفسد أي كلمة عابرة يومهم أو أسبوعهم، في حين ينظر البعض إلى العطر الذي يضعه الآخر وكأنه اعتداء عليهم.
ما السبب الكامن وراء الحساسية المفرطة؟
عندما تصل المعلومات إلى الأشخاص الذين يعانون من الحساسية المفرطة، فإنهم يعالجونها بشكل أكثر عمقاً وتفصيلاً من غيرهم، ونظراً لقدرتهم على استيعاب الكثير من الأمور في وقت واحد، يمكنهم الشعور بالإرهاق أكثر من غيرهم.
نتيجة لذلك، فإن الكثير من أصحاب العاطفة المفرطة يعانون من تدني احترام الذات، كما توضح جينيفيف فون لوب، أخصائية نفسية تعمل مع العديد من ذوي الحساسية العالية، وخاصة الأطفال: "في الكثير من الأحيان، يتعرض هؤلاء للتنمّر في المدرسة. يميل المجتمع إلى اعتبار الحساسية المفرطة نقطة ضعف، ويمكن إطلاق عليها بعض التسميات مثل (الهشاشة)".
وتابعت بالقول: "أعتقد أن الأشخاص الذين لديهم حساسية عالية يمكن أن يشعروا غالباً بالوحدة وسوء الفهم. ليس من المستغرب أنهم يكافحون لقبول أنفسهم".
بصيص أمل
في حين أن عالمنا الصاخب يمكن أن يظلم الأشخاص الذين لديهم عاطفة مفرطة، إلا أن هناك بعض الأمل، لا سيما وأنه يتزايد الفهم لما يعنيه أن يكون المرء شديد الحساسية وكيفية التعامل مع الآثار الجانبية غير السارة لهذه الظاهرة، مع العلم بأن هناك العديد من الميزات لدى هؤلاء الأفراد، وأهمها ملاحظة الأشياء من حولهم، والتي قد لا يتمكن الشخص الآخر من ملاحظتها أو ببساطة قد يمر عليها مرور الكرام.
قبول الذات هو المفتاح، بخاصة وأن الحساسية العالية هي فطرية. على الرغم من أنه يمكن للناس تعلم آليات التأقلم عندما تصبح الحياة مرهقة بالنسبة إليهم، كما وأن الأشخاص الحساسين للغاية يستوعبون الكثير ولديهم مشاعر أكثر حدّة، وبالتالي فإنهم يحتاجون إلى بعض الوقت لمعالجة المشاعر في أجسادهم، لذلك يمكن أن يكون النشاط البدني مفيداً حقاً، كممارسة الملاكمة أو الرقص أو اليوغا.
وفي السياق نفسه، اعتبرت جينيفيف فون لوب أن الوقت الذي يقضيه هؤلاء الأفراد في الطبيعة يمكن أن يكون مفيداً لهم، بالإضافة إلى ضرورة "تبسيط الحياة"، على حدّ قولها: "بحيث يكون لديهم قدر أقل من الفوضى، ويكون جدول أعمالهم أقل ازدحاماً. هذا هو السبب في أنهم يعملون بشكل جيّد مع العمل الحر أو لديهم القدرة على تنظيم يوم عملهم الخاص".
كما أشرنا في السابق، من المهم التشديد على أن الحساسية العالية ليست نقطة ضعف، بل قد تكون بالضبط ما نحتاجه في ظل عالمنا الصاخب، وفق جينيفيف: "تتمثل بعض نقاط القوة في أن هؤلاء الأفراد مدركون تماماً لذواتهم، ولديهم القدرة الكبيرة على التعاطف"، مشيرة إلى أن هذه الميزة جيدة تحديداً في الأدوار القيادية: "لديهم إحساس قوي جداً بالعدالة والإنصاف. إنهم مستمعون جيدون للغاية، ويشككون في القواعد التي لا معنى لها. يتّسمون بضمير حيّ، لأنهم ينظرون إلى التفاصيل. نحن بحاجة إلى هذا النوع من المهارات والوعي في العالم في الوقت الحالي".
بدورها، أشارت المعالجة النفسية والمساعدة الاجتماعية، غنوة يونس، إلى أن الأشخاص الذين لديهم حساسية مفرطة يتميزون بدرجة عالية من الإحساس بالآخر والشعور بالتعاطف تجاه الآخرين وتجاه أنفسهم، موضحة أن هؤلاء الأفراد يميلون في الكثير من الأحيان إلى العزلة والانطواء على أنفسهم بغية التفكير العميق قبل اتخاذ أي موقف أو قرار: "يركز الشخص الحساس على أفكاره الذاتية ويحاول أن يفهم مشاعره، فيجلس مع نفسه لفترات بهدف ترتيب أفكاره، مع العلم بأن هذا لا يعني بأن الأشخاص الذين لديهم حساسية مفرطة هم بالمجمل أفراد غير اجتماعيين، بل على العكس، قد تكون لديهم مشاريع حياتية وعلاقات اجتماعية كثيرة".
"لديهم إحساس قوي جداً بالعدالة والإنصاف. إنهم مستمعون جيدون للغاية، ويشككون في القواعد التي لا معنى لها. يتّسمون بضمير حيّ، لأنهم ينظرون إلى التفاصيل. نحن بحاجة إلى هذا النوع من المهارات والوعي في العالم في الوقت الحالي"
وفي حديثها لرصيف22، اعتبرت يونس أن العالم اليوم بحاجة لوجود أشخاص يتمتعون بحساسية مفرطة، لكونه لديهم تعاطف كبير ويجيدون الاستماع والإصغاء أكثر من غيرهم: "نلاحظ أنه لديهم فن الاستماع والقدرة على التواصل اللفظي والتركيز على لغة الجسد، بحيث يساعدون الآخرين من خلال الاستماع إليهم وإلى همومهم بشكل جيّد، ويتعاملون مع مشاعر الآخر بطريقة مرنة".
وكشفت غنوة أن التعامل في العمل مع أشخاص لديهم حساسية مفرطة يترتب عنه فوائد إيجابية: "الشخص الحساس يشعر بالآخر ولا يلقي المهام على غيره، بل يتمتع بحس المشاركة ويجيد التعاون بشكل جيد مع فريق العمل كله،"، مشيرة إلى أن هؤلاء الأفراد يتمتعون بأخلاقيات عالية وبضمير حيّ، ما يحول دون جرح الآخر وتخطي الحدود بينهم وبين الآخرين.
في النهاية، كونك شخصاً شديد الحساسية يعني أنه من المرجح أن تشعر بالأشياء بعمق، في حين أن بعض المواقف يمكن أن تكون سعيدة، إلا أن هناك بعض الأمور التي يمكن أن تمثل تحديات تؤثر على مستويات التوتر لديك، وعلى العلاقات، والقدرة على التأقلم. من هنا أهمية وضع خطة لكيفية إدارة مشاعرك في المواقف الصعبة لضمان عدم الوقوع في فخ الإرهاق.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع