شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"الجوع كافر"... لماذا لا نشبه أنفسنا عندما نشعر بالجوع؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 8 يونيو 202104:53 م

"أنت مش أنت وقت تكون جوعان"، هذه العبارة المترسخة في أذهاننا أطلقتها شركة مارس لصناعة الشوكولا منذ سنوات، للترويج لمنتجها "سنيكرز"، انطلاقاً من الفكرة القائلة بأن الجوع يمكن أن يغيّر مزاج المرء ويقلبه رأساً على عقب، وقد يحوّله لشخص "عصبي" وغريب الأطوار.

لسنوات طويلة، كان علماء النفس يعتقدون أن الجوع منفصل تماماً عن العواطف، على اعتبار أن الجوع والحالات الجسدية الأخرى هي محركات أساسية ذات أسس فيزيولوجية وعصبية مختلفة عن المشاعر، لكن الأدلة العلمية المتزايدة تشير إلى أن الحالة الجسدية يمكن أن تشكل العواطف بطرق مدهشة.

جوع الغضب

قد يحدث لنا أن نشعر بصداع شديد في الرأس، ونجد أنفسنا عاجزين عن التفكير أو التركيز في أي شيء، كما نسمع أمعاءنا تهدر بصوت عال، ونشعر برغبة عارمة في "تفجير" بركان الغضب الذي يعصر قلبنا، وكل ذلك بسبب الشعور بالجوع، من هنا تم إدراج مصطلح hangry، في قاموس أكسفورد الإنجليزي، الذي يعني "جوع الغضب".

وفي حين أن الأطفال هم الفئة الديموغرافية التي غالباً ما ترتبط بظاهرة "الأمعاء الخاوية"، إلا أن هذا الشعور قد يطال الأشخاص من جميع الأعمار، فالجوع يمكن أن يؤثر في أحيان كثيرة على مشاعرنا وسلوكياتنا، وحتى على تصوراتنا للعالم من حولنا.

فقد أظهرت الدراسات السابقة أن الجوع نفسه يمكن أن يؤثر على الحالة المزاجية، لكونه ينشّط العديد من الأجهزة في الجسم، مثل الجهاز العصبي اللاإرادي والهرمونات، بما في ذلك الكورتيزول والأدرينالين، وهي هرمونات غالباً ما يتم ربطها بالتوتر والعصبية.

"أنت مش أنت وقت تكون جوعان"، هذه العبارة المترسخة في أذهاننا أطلقتها شركة مارس لصناعة الشوكولا منذ سنوات، للترويج لمنتجها "سنيكرز"، انطلاقاً من الفكرة القائلة بأن الجوع يمكن أن يغيّر مزاج المرء ويقلبه رأساً على عقب، وقد يحوّله لشخص "عصبي" وغريب الأطوار.

وعليه، فإن الجوع يمكن أن يجعلنا نشعر بمزيد من التوتر والانفعال دون مبرر.

ولكن ما هي الأسباب الفيزيولوجية التي تؤدي إلى نوبات الغضب هذه؟

يهضم الجسم الكربوهيدرات والبروتينات والدهون التي نتناولها ويحوّلها إلى سكريات بسيطة، مثل الغلوكوز والأحماض الأمينية، التي تنتقل بدورها إلى مجرى الدم وتغذي الأعضاء.

ولكن مع مرور الوقت بعد الوجبة الأخيرة، تبدأ مستويات هذه العناصر الغذائية بالانخفاض، الأمر الذي قد ينظر إليه العقل على أنه "حالة مهددة للحياة".

وبالتالي عندما نكون جائعين، يصبح من الصعب القيام حتى بالأشياء البسيطة، كما نجد صعوبة في التركيز أو قد نرتكب أخطاء سخيفة، وربما تصبح كلماتنا مشوشة، بالإضافة إلى صعوبة السيطرة على الغضب والتصرف بلباقة أمام الآخرين.

في حديثها مع موقع رصيف22، أوضحت الأخصائية في علم التغذية، سالي الزين، أن "جوع الغضب هو مفهوم علمي يشير إلى العصبية والغضب والانزعاج وغيرها من المشاعر التي تصاحب الشخص عندما يشعر بالجوع الشديد، أو عندما يتم حرمان الجسم من الطعام لفترة طويلة".

وشرحت الزين أن الغلوكوز يشكّل المصدر الرئيسي للطاقة، وبالتالي، فإن الجسم بحاجة لهذا النوع من السكر بهدف أن يبقى على قيد الحياة، ويتمكن من تأدية وظائفه بشكل سليم، وهو أمر ينسحب أيضاً على العقل، بحسب ما أكدت سالي: "بالرغم من أنه يشكل 2% فقط من وزن الجسم، غير أن الدماغ هو عضو متطلب للغاية، بحيث إنه يستخدم 20% إلى 30% من الطاقة، ويعتمد بشكل حاسم على الغلوكوز للقيام بوظائفه".

وأضافت سالي أن انخفاض مستويات الغلوكوز يجعل الجسم يفرز هرمونات التوتر، ما يجعل المرء يشعر بالغضب الشديد: "الغضب من أكثر المشاعر التي يصعب على العقل التحكم والسيطرة عليها".

من هنا، شددت سالي الزين على إمكانية تدريب العقل البشري على كيفية السيطرة على المشاعر وعلى نوبات الجوع والغضب، من خلال عدة طرق، من بينها: التأمل والأكل اليقظMindful Eating .

مدى تأثير الجوع على المشاعر

كشفت الأبحاث التي أُجريت مؤخراً أن الغضب المرتبط بالجوع يمكن ان يكون أكثر تعقيداً من مجرد مسألة انخفاض في نسبة السكر في الدم، إذ إنه وبحسب الباحثين، فقد يكون عبارة عن استجابة عاطفية معقدة تنطوي على تفاعلات بيولوجية وسمات شخصية ومؤثرات بيئية.

بهدف فهم الآليات النفسية للحالات العاطفية التي يسببها الجوع بشكل أفضل، أجرت الباحثة الرئيسية وطالبة الدكتوراة في قسم علم النفس والأعصاب في جامعة نورث كارولينا، جينيفير ماك كورماك، عدة تجارب عبر الإنترنت لتحديد مدى تأثير الجوع على مشاعر الأفراد.

فبحسب الدراسة التي نُشرت في مجلة Emotion، قام فريق البحث برصد المؤثرات الخارجية والوعي الذاتي للشخص الجائع تجاه مواقف الحياة، وتأثير ذلك على المحيطين به، وقد تبيّن أن الأفراد الذين يشعرون بالجوع لديهم نظرة سلبية مقارنة بأولئك الذين يشعرون بالشبع.

via GIPHY

بعد تحديد مدى جوع المشتركين/ات من خلال استطلاعات رأي ذاتية، عُرضت عليهم/نّ صور مصممة لإحداث شعور إيجابي أو سلبي أو محايد، ثم طُلب منهم/ن تصنيف صورة غامضة لرسم صيني على مقياس من واحد إلى سبع نقاط، للتعبير عن الشعور بالمتعة وصولاً إلى الانزعاج.

وجد فريق البحث أن المشتركين/ات الجياع كانوا أكثر عرضة لتصنيف الرسم الصيني الغامض على أنه مزعج.

وتعليقاً على هذه النقطة، قالت ماك كورماك: "الفكرة هنا هي أن الصور السلبية قدمت سياقاً للناس لتفسير مشاعرهم عن الجوع على أنها تعني أن الرسومات كانت غير سارة"، وأضافت بالقول: "لذلك يبدو أن هناك شيئاً مميزاً بشأن المواقف غير السارة التي تجعل الناس يعتمدون على مشاعر الجوع أكثر من المواقف الممتعة أو المحايدة".

وفي تجربة ثالثة، طُلب من بعض المشتركين أن يصوموا لمدة 5 ساعات، في حين طُلب من المشتركين الآخرين أن يتناولوا الطعام قبل التجربة، ومن ثم كتابة مقال يركز على مشاعر المجموعتين.

هذا وقد تم إخضاع المشتركين جميعاً لتمرين شاق على الكمبيوتر، يرتكز على ألوان ساطعة يصعب النظر إليها بسهولة، بالإضافة لتجارب أخرى تؤدي في نهاية المطاف إلى تحطيم جهاز الكمبيوتر قبل انتهاء الاختبار.

عندما نكون جائعين، يصبح من الصعب القيام حتى بالأشياء البسيطة، كما نجد صعوبة في التركيز أو قد نرتكب أخطاء سخيفة، وربما تصبح كلماتنا مشوشة، بالإضافة إلى صعوبة السيطرة على الغضب والتصرف بلباقة أمام الآخرين

أظهرت النتائج أن المشتركين الذين كانوا جائعين شعروا بمشاعر مزعجة أكبر، مثل التوتر والكراهية تجاه الاختبار.

وعن هذه النتائج، قالت ماك كورماك: "تلعب أجسامنا دوراً قوياً في تشكيل تجاربنا وتصوراتنا وسلوكياتنا اللحظية، سواء كنّا جائعين مقابل ممتلئين، أو متعبين مقابل مرتاحين، أو مرضى مقابل أصحّاء".

بمعنى آخر، عندما نكون جائعين، تصبح رؤية الأشياء من منظور سلبي أكثر مما لو كنا شبعى.

خطوات بسيطة

كما أشرنا في السابق، فإن الجوع يمكنه فعلاً أن يغير من سلوك الشخص، كما أن ضبط النفس يتطلب الطاقة، والتي يتم توفير جزء منها عن طريق الغلوكوز في الغذاء الذي نتناوله، ولكن ما هي الخطوات التي يمكن اتباعها بهدف تفادي الشعور بالغضب الناجم عن الجوع؟

-تناول عدة وجبات صغيرة على مدار اليوم أو التأكد من أن وجبات الإفطار والغداء والعشاء مشبعة ومغذية.

-تجنّب الوجبات السريعة التي يمكن أن تؤثر على مستويات السكر في الجسم، واستبدالها بالأطعمة الغنية بالألياف التي تجعل المرء يشعر بالشبع لفترة أطول.

-الاحتفاظ بوجبات صحية خفيفة في السيارة أو في المحفظة.

-ممارسة الرياضة بانتظام.

-الحصول على قسط كاف من النوم.

-ترطيب الجسم عبر شرب كمية كبيرة من المياه في اليوم.

صحيح أن الخطوات المذكورة أعلاه بسيطة ومن السهل التقيّد بها، غير أنها قادرة على السيطرة على نوبات الجنون والعصبية غير المبررة بسبب الجوع.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image