جمعت أنيسة الحلو بين الفن والطبخ، وظهر إلمامها في هذين المجالين في إبداعها في تقديم الطعام وترتيب المائدة. في هذا الحوار، سوف تعرّفنا على آداب وفن تقديم الطعام في الشرق الأوسط.
كيف يقدم اللبنانيون والسوريون طعامهم؟
الفرق الرئيسي بين الطريقة اللبنانية السورية والغربية في تقديم الطعام هو أننا نضع كل شيء على الطاولة. يوجد أولاً ما يسمونه زينة الطاولة، وهي الأشياء الصغيرة، مثل الزيتون والخيار والمخللات والخبز، والحمّص في بعض الأحيان يمكن أن يدخل إليها، لأنها من أساسيات مائدة بعض العائلات. هناك أنواع صغيرة من الأطباق التي تصنع الأساسيات الضرورية للوجبات العربية.
على سبيل المثال، إذا ذهبت إلى أختي، ستجد دائماً جزراً بعصير الليمون والزيتون، وأحياناً المكسرات والخبز ونوع من المغمّسات والمخللات، وهذا هو أول ما يُطرح على المائدة. ثم لدينا المقبلات الصغيرة، والتي تقدم في المطاعم أكثر من المنازل العادية، كالفتوش، السلطة العادية والبابا غنّوج أو المتبّل.
جمعت "أنيسة الحلو" بين الفن والطبخ، وظهر إلمامها بهذين المجالين في إبداعها في تقديم الطعام وترتيب المائدة، وهي ترى أنّه "من المهم جداً أن يكون لديك حس جمالي عندما تقدّم الطعام وحتى عندما تتناوله"
ثم لديك طبق رئيسي واحد على الأقل، وربما اثنين أو أكثر في المنازل السخية، حيث يكون للأم أو الجدة وقت للطهي، كاليخنة مع بعض الأرز، كبة بالصينية، كبة سماقية أو الشاكرية. ثم يتم وضع كل شيء على الطاولة في نفس الوقت. أنت تجلس وتتحدث وتأكل، وعادة ما يأكل الناس بأيديهم باستخدام الخبز. بعد انتهائهم من وجبتهم يأكلون الفواكه في كثير من الأحيان، أو أي نوع من الحلويات والتي تقدم خصيصاً في المناسبات الخاصة.
هل يتغير تقديم الطعام مع الوقت؟
لا أعتقد أنه يتغير. يقدّر الناس في لبنان وسوريا طعامهم كثيراً. الطعام التقليدي لم يتغير بشكل كبير، ولكن في دمشق مثلاً، يمكن للناس الذهاب إلى سوق التنابل لشراء خضروات المحشي محفورة، أو بقدونس التبولة مقطع وجاهز. لكن عادة ما يعدون كل شيء بأنفسهم ويحضرونه بالطريقة التي يتم تقديمها به دائماً.
في بعض الأحيان يميل الناس إلى الطعام الغربي البسيط، كالسباغيتي في الفرن أو البطاطا المقلية مع نوع من اللحوم المطهية، خاصة أن أنواع الطعام اللبنانية السورية التقليدية تستغرق وقتاً في التحضير. لا أرى فرقاً كبيراً في تحول طريقة تقديم الطعام أو حتى استهلاكه. هناك دائماً أفراد العائلة والأصدقاء حول الطاولة، وهناك حصص إضافية في حال وجود ضيف مفاجئ للمنزل، ولا يضيع الطعام أبداً لأن الناس لا يؤمنون بإهدار الطعام. لذلك لا أعتقد أن التقاليد قد تغيرت كثيراً.
مع مرور الوقت، كيف تعتقدين أن العائلات قد غيرت آداب تقديم الطعام في سوريا ولبنان؟
أعتقد أن الشيء الرئيسي الذي ربما يكون قد تغير هو الوقت الأساسي لتحضير الطعام. في الأيام القديمة، اعتادت العائلات المتصلة على العيش معاً. فمثلاً في مشتى الحلو في سوريا، هناك دار فيها لكل فرد من أفراد الأسرة غرفة أو غرفتين، جميعهم يعيشون في نفس المكان. كانوا جميعاً يتناولون الوجبة معاً ويساهمون في إعداد الوجبة، وبدلاً من الطهي بالغاز، كانوا يشعلون النار بالمنقل لشوي الكبة على سبيل المثال. كانوا يستخدمون كل الأشياء المزروعة في أراضيهم.
أنيسة الحلو: "هناك دائماً أفراد عائلة وأصدقاء حول موائدنا، وهناك حصص إضافية في حال قدوم ضيوف مفاجئين"
في الوقت الحاضر، أصبح تحضير الطعام أكثر راحة وسرعة، وربما أقل وفرة، فهناك طعام أكثر ملاءمة للأطفال، وأطعمة تتواجد في محلات متخصصة ليست بالضرورة وجبات سريعة، فقد يشترون فتة من الشخص المجاور، فول أو حمص. يساعد الرجال النساء في إعداد الوجبات. وهناك أسر تقدمت وأصبحت أكثر غربية وتقدّم الطعام الغربي في كثير من الأحيان، ولكن على العموم لا يزال الناس يأكلون بشكل تقليدي للغاية.
ما هي نصيحتك بتقديم الطعام بشكل فني وجميل؟ وهل الجماليات تؤثر على تجربة تناول الطعام؟ إذا كان الأمر كذلك، فكيف؟
أعتقد أنه من المهم جداً تقديم الطعام بشكل جميل ووضع طاولة جميلة. لكن بالنسبة لي، من المهم جداً أن يكون لديك حس جمالي عندما تقدم الطعام وحتى عندما تتناوله. غالباً ما أتجادل مع أخي ولا أسمح له بلمس طبقي، لأنه يفسد كل شيء. وأنا أنيقة جداً حول كيفية تناول اللقمة ولا أفسد طبقي، وهو عشوائي قليلاً حيث يضع شوكته في منتصف الطبق. لذلك من المهم جداً بالنسبة لي الحفاظ على حسّ الجمال، لأن الطعام جميل، وطعامنا في لبنان وسوريا جميل بشكل خاص.
يمكنك تقديمه بطريقة غير جذابة للغاية. علماً أن هناك أطباقاً ليست جميلة بشكل خاص. إذ أخذنا طبق البرغل بطحينة، فلن يكون طبقاً جميلاً بشكل خاص للنظر إليه، كل شيء بني والقوام ليس بهذا القدر. ولكن إذا وضعته في طبق جميل، فإنه يصبح أفضل على الفور، وإذا وضعته في طبق مزخرف، ملون أو أبيض، فسيكون لديك شعور مختلف على الطاولة. لذلك، بالنسبة لي من المهم جداً الانتباه إلى الجماليات، سواء كانت وجبة يومية أو وجبة خاصة، يجب أن تبدو دائماً أنيقة ولطيفة جداً.
لمدة 20 عاماً، لقد عملت في عالم الفن كأول مهنة لك. كيف أثرت هذه التجربة على طبخك؟ كيف تعتقدين أن الطبخ يمكن أن يكون فناً؟
لديك أنواع مختلفة من الطهاة، وأنا أتحدث هنا عن طهاة المنزل وليس الطهاة المحترفين. هنالك الطباخ العادي والطباخ السيئ، الطباخ الماهر والطباخ الاستثنائي. فالاستثنائي هو الشخص الذي يولي مزيداً من الاهتمام لكل شيء: للمكونات والتحضير، ولديه إحساس بالنقاء والتوازن وذوق دقيق للغاية. بالنسبة لي، جعلتني تجربتي في الفن أكثر وعياً بجماليات المطبخ والطعام وكل ماله علاقة بذلك. لذا فإن مطبخي عمليّ للغاية، ولكنه في نفس الوقت جميل جداً، وأنا أسعى لجعله يبدو أكثر من مجرد مطبخ عمليّ.
عندما أطبخ، أنا مرتبة جداً. فمثلاً لوح التقطيع الخاص بي يبقى نظيفاً، ولا أترك أي نوع من الفوضى وأتخلص على الفور من الأوساخ. لذلك عندما أصنع التبولة على سبيل المثال، أتخلص فوراً من قص السيقان. إن هذا لا يعني أنني طباخة استثنائية؛ يمكنني أن أكون مرتبة جداً، ويمكنني الحصول على مكان مثالي، ويمكن أيضاً أن يكون لدي ذوق متوسط للغاية، لكن إذا جمعت كل شيء مثل الإحساس بالجمال والصقل والموهبة، فستحصل على أطباق رائعة بلمستك الخاصة. وبهذا تنتقل من مقدّم طعام متوسط إلى جيد جداً إلى رائع.
يوجد درجات مختلفة من الجودة في الطعام، في طريقة تحضيره وفي طريقة تقديمه. لذلك ما أفعله هو الجمع بين إحساسي الجمالي القوي جداً، بسبب خلفيتي الفنية، مع الاهتمام أيضاً بالجودة والنكهة، ولقد حصلت على هذا الجانب الجمالي من والدتي وجدتي، حيث كانتا طباختين استثنائيتين ورائعتين للغاية، جدتي حتى أكثر من والدتي.
ماذا تنصحين الناس ليكونوا طباخين جماليين؟ هل يجب أن يستكشف الإنسان الفنون بشكل عام ثم البدء في تعلم ذلك في الطبخ؟
أعتقد أن تصبح طباخاً فنياً أو استثنائياً، فأنت بحاجة إلى معرفة الكثير عن الطعام، وبالأخص معرفة الكثير عن طعام الطهاة المحترفين الجيدين جداً. لذا أقترح أن يذهب الشخص إلى مطاعم جيدة، ليست بالضرورة باهظة الثمن أو مصنّفة بنجوم، ولكن تناول الطعام المُعَدّ من قبل طهاة استثنائيين أو طهاة فنيين محترفين. وهناك القليل من الطهاة المبدعين جداً الذين يقدمون طعاماً شرق أوسطياً، لبنانياً أو سورياً، بطريقة إبداعية.
أنيسة الحلو: "هناك أنواع مختلفة من الطهاة، وأنا أتحدث هنا عن طهاة المنزل وليس الطهاة المحترفين. هنالك الطبّاخ العادي والطبّاخ السيئ، والطبّاخ الماهر والطبّاخ الاستثنائيّ. الطبّاخ الاستثنائيّ هو الشخص الذي يولي اهتمامًا لأدقّ تفاصيل طبقه"
لذلك كنت سأدرس طعام الموهوبين الآخرين. وبمجرد أن تمتلك منظوراً أوسع حول الطعام الفني أو الطعام الاستثنائي والمبدع، إن صحّ التعبير، فتستطيع تطبيق ذلك في تقديمك للطعام وفي مائدتك. وأيضاً بالطبع، سوف أنظر إلى الفن. وهذا يفتح الآفاق ويمنح الإلهام للشخص ليقدم الطعام بطريقة فنية جميلة.
لقد قلت "جرّبْ طعام طهاة محترفين"، ما هي المنصة التي تستخدمينها لمعرفة تلك المواقع والمعلومات الخاصة للطباخين المهمين؟
شخصياً لا أعتمد على هذه المنصات والمواقع أو أي من نقّاد الطعام، مع أنني أعرف بعضهم. أعتمد على توصيات الأصدقاء، وخاصة الذين يعرفون عن الطعام، أو زملائي الطهاة، أو أشخاص أحب طعامهم وأثق في حكمهم. أعتقد أن الأمر يعتمد على ذوقك. وكما نقول: "الناس الذين لديهم نَفَس عالأكل".
وإذا كان لديك ذوق جيد، يمكنك الحكم على الفرق بين الطعام الجيد، الطعام الاستثنائي، الطعام المتوسط والطعام السيء. عندما يسألني الناس عن نوع الطعام الذي تفضلينه أو نوع الطعام الذي لا تأكلينه أو هل لديك قيود على نوعية طعام معينة؟ أقول: نعم، لدي قيود على الطعام السيئ، لا آكل الطعام إذا كان سيئاً، ولكن بخلاف ذلك، آكل كل شيء.
لذلك هذا الحكم يعتمد على ذوقك. إذا كان لديك ذوق جيد، فأنت قادر على الحكم ومعرفة الأطعمة الجيدة أيضاً. برأيي أن المشكلة مع معظم الطهاة في لبنان وسوريا هي أنهم طهاة عاملون، فهم لا يعتبرون طهاة مبدعين بل يعتبرون طباخين. وبالتالي، لا يتم إرسالهم إلى بلدان أخرى أو إلى مطاعم أخرى لمعرفة كيف يقدم الآخرون الطعام. وهذا الشي حسن ولا بأس به، فبعض الأطعمة المقدمة في منطقتنا جيدة جداً والبعض الآخر متوسطة. لكنّ الأمر مشابه لما هو في جميع العلوم والمعارف، فكلما زادت المعرفة لديك، زاد التقدير والإلهام الذي تحصل عليه.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...