"أنا بقولها على الهواء كدا، لا يمكن هدِّي بطاقة تموين تاني لحد بيتجوز، لأنك لو بتتجوز ومستني الدولة تديك بطاقة تموين فإنت مش قادر تتجوز، مش قادر تصرف يعني، ده كلام مش مظبوط، ودي ثقافة اتشكلت في وجدان الناس مش موجودة غير في بلدنا إحنا بس، إني اشتري الحاجة بأقل من تمنها، وأخذ الخدمة بأقل من تمنها، وكمان لما أخلف حد يأكلي عيالي... ده هنا بس في البلد دي. وعلشان كدا ما قدرتش تقوم خلال السنين اللي فاتت، واحنا مسؤولين أمام الله إننا نحط الإجراءات والقواعد اللي تمكن البلد دي إنها تقوم، وبالتالي أنا بقول الكلام دا للناس علشان أوفر على الدكتور مصطفى "رئيس الوزراء"، والدكتور علي "وزير التموين"، مش هنحط بطاقة تموين تاني لأكتر من فردين في اللي فات، وفي الجديد لأ مفيش".
جاء ذلك في نص المداخلة التي أدلى بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أثناء افتتاحه عدداً من المشروعات التنموية في الصعيد، أمس الأربعاء، 22 كانون الأول/ ديسمبر، معلناً بدء فصل جديد في سلسلة تقليص الدعم الغذائي التي بدأت قبل سنوات.
وتستفيد شريحة كبيرة من المصريين من نظام الدعم الغذائي أو "بطاقات التموين" المطبق في مصر، إذ يفيد منها نحو 69 مليون نسمة، بينما يستفيد قرابة 79 مليوناً من منظومة دعم رغيف الخبز المرتبطة حصراً بالبطاقة التموينية. ويبلغ الإنفاق على برنامج الدعم الموجه إلى الأفراد نحو 6% من إنفاق الموازنة العامة للدولة، بحسب تقرير التنمية البشرية في 2021.
حالياً تُستخدم "بطاقة التموين" لصرف سلع غذائية للمواطنين شهرياً، ويحصل كل مواطن مقيد بالبطاقة على 50 جنيهاً حتى أربعة أفراد و25 جنيهاً للفرد الخامس، وتصرف كل بطاقة تموينية ما يلي: كيلوغرام أرز، كيلوغرامان سكر لكل فرد، أربع زجاجات زيت حداً أقصى للبطاقة، ولاستكمال قيمة الدعم المادي، يُمنح المواطن حرية الاختيار بين أكثر من 20 سلعة أخرى متاحة في المنافذ.
تستفيد شريحة كبيرة من المصريين من نظام الدعم الغذائي أو "بطاقات التموين" المطبق في مصر، ويبلغ الإنفاق على برنامج الدعم الموجه إلى الأفراد نحو 6% من الموازنة العامة، بحسب تقرير التنمية البشرية 2021
وبدأ نظام دعم المواد الغذائية منذ أمد بعيد يعود إلى زمن الحرب العالمية الثانية، حين وزعت الدولة البطاقات التموينية على المواطنين لحمايتهم من ارتفاع الأسعار وجشع التجار إبان الحرب، وفي العام 2005 تم ضم وزارة التموين إلى وزارة التضامن الاجتماعي من أجل مراعاة محدودي الدخل والذين بلا دخل، ورفع مستوى معيشتهم وتحسين مستوى الخدمات المقدمة لهم، وإعادة هيكلة الدعم لضمان وصوله إلى مستحقيه وربطه بمؤشرات التنمية البشرية.
ومنذ عام 2014، اتخذت الحكومة عدداً من الإجراءات التي تستهدف بها الإحلال التدريجي للدعم النقدي محل الدعم العيني الذي كان متبعاً قبل ذلك، مع استبعاد جزء من المستفيدين من النظام القديم وضم الفئات الأكثر فقراً، بحسب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية.
وأجرى موقع مدى مصر اتصالات بأربعة مصادر في وزارة التضامن الاجتماعي مختصين ببرنامج الدعم الغذائي، منهم المسؤول عن منظومة البطاقات الذكية، واكدوا جميعهم أنهم فوجئوا بتصريحات الرئيس، وأنه لا يوجد قرار ورد إلى الوزارة حتى الآن بوقف إصدار بطاقات جديدة أو تقليص عدد المستفيدين الحاليين، مشيرين إلى أن الحال سيبقى على ما هو عليه إلى حين ورود قرار رسمي.
مستشار وزير التموين: للدولة إعادة توجيه الدعم إلى بنود أخرى، وأتوقع أن نرى انعكاساً إيجابياً على الصحة والتعليم وأشكال أخرى من الخدمات التي يحتاجها المواطنون
تقليص الدعم إجراء متوقع
يقول الباحث والمحلل السياسي والاقتصادي، إلهامي الميرغني، إن تصريحات الرئيس المصري بشأن تقليص الدعم الغذائي متوقعة منذ أن وقعت مصر اتفاقية قرض صندوق النقد الدولي في 2016 –قرض التسهيل الائتماني الممتد بقيمة 12 مليار دولار على مدار ثلاث سنوات تزامناً مع برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي شرعت في تنفيذه- وقدمت خطاب نوايا للصندوق وقع عليه وزير المالية ومحافظ البنك المركزي، تعهدت فيه تقليص الدعم وتحويله من دعم عيني إلى دعم نقدي.
وقال لرصيف22: "منذ ذلك الحين تتخذ الحكومة قرارات في اتجاه تنفيذ إملاءات الدائنين ولا يمكنها فعل غير ذلك".
وفي إجابة عن سؤال حول التحول من الدعم العيني إلى الدعم النقدي المشروط، في أحد اللقاءات التلفزيونية، قال وزير التموين والتجارة الداخلية، الدكتور علي المصيلحي، إن الهدف من ذلك هو زيادة كفاءة الدعم وليس التخلص منه.
سبع سنوات من "تنقيح" الدعم
على مدار السنوات الـسبع الماضية، مرت بطاقة التموين بالعديد من المحطات، بدأت عام 2014 بتحويل الدعم العيني إلى دعم نقدي، ففي الفترة السابقة لهذا العام، كان بإمكان المستفيدين الحصول على حصة محددة مكونة من ثلاث سلع أساسية هي: الأرز والسكر وزيت الطعام، بأسعار مخفضة للغاية تصل إلى نحو 10 جينهات مقابل 5.5 كيلوغرام من الغذاء للفرد.
أما بعد عام 2014 فأصبح بحوزة المواطن بطاقة ذكية برصيد شهري وصل في عام 2017 إلى 50 جنيهاً للفرد الواحد من أجل شراء السلع من محالّ التموين بأسعار محررة، وأضيف للسلع الأساسية أكثر من 20 سلعة مثل: اللحوم، والأجبان والمنظفات. ووفقاً لموقع حلول للسياسات البديلة، ينطوي هذا التصميم في جوهره على التقليص التدريجي لحصة الدعم الغذائي من نفقات الدولة.
وعام 2016 بدأت وزارة التموين تنقية البطاقات التموينية من "غير المستحقين"، وجرت التنقية على أربع مراحل بدأت بالمتوفين والمسافرين، ثم انتقلت للفئات التي حددتها الدولة بأنها غير مستحقة، مثل: أصحاب الشركات التي يبلغ رأس مالها 10 ملايين فأكثر، امتلاك سيارة موديل 2014 فأعلى، امتلاك أكثر من سيارة موديل 2011، امتلاك حيازات زراعية تصل إلى 10 أفدنة، أصحاب الوظائف الإدارية العليا، استهلاك فاتورة محمول تزيد عن 800 جنيه شهرياً، استهلاك 650 كيلووات من الكهرباء فأعلى شهرياً، وغير ذلك، ونتج عن هذا حذف ملايين المواطنين من منظومة الدعم.
برنامج خفض الدعم المقدم للمواطنين بشكل تدريجي، بدأ منذ سبع سنوات، وخبراء اقتصاديون يتوقعون إلغاءه نهائياً في وقت قريب، حسب التكلفة السياسية والأمنية لهذا القرار
وعام 2017، صدر القرار الرقم 78 بشأن تنظيم قواعد استخراج البطاقات التموينية للفئات الأولى بالرعاية، وكان قد عُدّل بالقرار الرقم 62 لسنة 2021، وحدد الفئات المستحقة للدعم، مثل أصحاب الأمراض المزمنة، أصحاب المعاشات حداً أقصى 1500 جنيه، العاملون في الحكومة براتب يصل إلى 2400 جنيه، العمالة الموسمية، ذوي الاحتياجات الخاصة، والعاطلين عن العمل، واقتصر عدد الأفراد المسموح بقيدهم في البطاقة التموينية على أربعة أفراد في الحد أقصى.
الميرغني: "الدولة لا ترى الفقراء، لا ترى سوى سكان الكومباوندات، أما الفقراء لو ماتوا الدولة هترتاح وتنام كويس وتبقى سعيدة"
وبدءاً من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، رفعت وزارة التموين سعر لتر زيت الطعام على البطاقات التموينية من 21 جنيهاً إلى 25، بسبب ارتفاع الأسعار العالمية، أي أن الـ50 جنيهاً المخصصة للفرد شهرياً باتت تكفي لشراء زجاجتي زيت فقط.
وأمس الأربعاء، قال الرئيس السيسي إنه تقرر عدم منح بطاقة تموينية للمتزوجين حديثاً، مع تقليص عدد المستفيدين من بطاقات التموين القديمة إلى فردين فقط، ما يعني إخراج الملايين من المنظومة لتخفيض فاتورة دعم الغذاء إلى النصف.
الفقراء في زيادة والخطوة المقبلة إلغاء التموين
وقال إلهامي الميرغني: "وفقاً لبحث الدخل والإنفاق والاستهلاك للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن الدعم الموجه للمواطنين يُخفض معدلات الفقر بنسبة 10%، وبالتالي فإن تقليص هذا الدعم يعني رفع معدلات الفقر من 30% " بحسب تقديرات الحكومة" إلى 40%.
وانتقد الميرغني سياسة الدولة تجاه الفقراء قائلاً: "الدولة لا ترى الفقراء، لا ترى سوى سكان الكومباوندات، أما الفقراء لو ماتوا الدولة هترتاح وتنام كويس وتبقى سعيدة".
وعن عدم إصدار بطاقات تموين للمتزوجين، قال: "الفقراء مايتجوزوش. هم شايفين إن لو خلصنا نص (نصف) السكان فالنص الثاني هيعيش كويس، والنظرية دي لجنة السياسات في الحزب الوطني قديماً كانت بتروج ليها، وحالياً عادوا للحديث عنها".
ويتوقع الميرغني أن تتضمن الخطوة المقبلة إلغاء الدعم التمويني، وتحويله إلى دعم نقدي يحصل عليه الفقراء وفق معايير محددة، كما هو متبع في برنامج "تكافل وكرامة"، لكنه لم يحدد متى نصل إلى هذه الخطوة: "مفيش خطة زمنية هنوصل لده حسب تقديراتهم للوضع يتحمل قرار زي ده إمتى".
كيف تفكر الدولة؟
يقول الخبير الاقتصادي الدكتور مدحت نافع، مستشار وزير التموين، لرصيف22، إن أي دولة يحق لها أن تضع ضوابط الدعم المقدم للمواطنين، وإن هذه الضوابط "تضيق وتتسع وفقاً لأكثر من عامل، منها قدرة الدولة على توفير فوائض لهذا الدعم، ونسق الأولويات الذي تتخذه الدولة في مرحلة معينة من التنمية والبناء وأيضاً تأكدها من وصول الدعم المقدم لمستحقيه دون التلاعب به".
ويضيف: "ليس من الضروري أن يتخذ الدعم شكلاً واحدا". ويتابع: "لو احنا شايفين إن الدعم التمويني هو الصورة الوحيدة للدعم، فدي صورة قاصرة لإن الإنسان بيحتاج أمور كثيرة في هرم أولوياته مثل التعليم والصحة والغذاء وخلافه، إذا استطاعت الدولة توفيرها حتى ولو بغير الطريقة التقليدية في صورة نقاط تموينية فلا بأس".
وعن استخدام الدعم كأداة، يقول نافع إن الصين في فترة من الفترات استخدمت الدعم كأداة للتحفيز السلبي للحد من الإنجاب.
ويتابع: "ما أسهل أن تقول الدولة الميزانية كلها ستوجه للغلابة، ده شيء هيدغدغ المشاعر لكن في النهاية الدولة هتكون قاصرة عن الاستمرار، لكن تحديد الأولويات أمر يجب دراسته بشكل جيد، طبعاً مش كل الناس بتطلع عليه لإن دي مسألة سياسات تحكمها استراتيجية عامة، أتمنى يكون عندنا وزارة اقتصاد تحدد الأولويات بشكل أكثر دقة".
وأكد مستشار وزير التموين أنه لا يمكن لأي دولة أن تتخلى عن واجبها الاجتماعي، لأن الدعم لا يمثل مسألة اقتصادية فحسب بل له أبعاد اجتماعية تترتب عليها تداعيات أمنية وسياسية ترتبط بالاستقرار السياسي، حتى أكثر الدول الرأسمالية توحشاً لديها التزامات اجتماعية تجاه التعليم والصحة وخلافه، والمسألة تكمن في طريقة التوزيع واختيار الأدوات.
وماذا عن الموازنة؟
وأظهرت قراءة لموازنة العام المالي 2021/ 2022، أجرتها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أن الزيادات المضافة للعديد من بنود الإنفاق العام لا تلائم التحديات التي فرضها وباء فيروس كورونا على الاقتصاد والخدمات الأساسية، كما أن جانباً كبيراً منها يوجه إلى سداد الديون وفوائدها على نحو يحرم المواطنين من الاستفادة بالأموال وتحسين أحوالهم خلال الأزمة.
وأوضحت المبادرة أن الإنفاق على قطاع الحماية الاجتماعية انخفض هذا العام مقارنة بالعام المالي السابق 2020/ 2021، رغم تزايد الحاجة إلى تلك الحماية في ظل الظروف الاقتصادية التي فرضها وباء كورونا.
في ما يتعلق بالدعم التمويني، فقد ارتفع بشكل طفيف في العام الجاري وبلغ 87.2 مليار جنيه مقابل 84 ملياراً في العام الماضي بزيادة 3.2 مليار جنيه فقط، في الوقت الذي تسجل فيه أسعار السلع عالمياً ارتفاعاً كبيراً، ويحذر عدد كبير من الخبراء من موجة تضخم كبيرة خلال العام المالي 2021/ 2022.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 12 ساعةالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت