شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
كان الأجدر بأحمد بدير أن يحترم الشعب التونسي بكل فئاته

كان الأجدر بأحمد بدير أن يحترم الشعب التونسي بكل فئاته

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأحد 19 ديسمبر 202110:00 ص

بين المثقف والسلطة حكاية طويلة، جانبها المشرق ذلك الشموخ الذي وقف به الروائي صنع الله ابراهيم رافضاً جائزة الدولة، كما وقف خوان غويتسيلو رافضاً جائزة القذافي العالمية، وموقف جان بول سارتر وهو يرفض جائزة نوبل للآداب.

مواقف أعادت لوجه المبدع كل دمائه التي غادرته بسبب ما يرتكبه "أدباء الكدية" والمنبطحين على موائد الحكام، والتي حولتهم من مبدعين إلى وشاة ومخبرين، يشيرون بالبنان إلى أصحابهم، ثم تحولوا إلى رؤساء حملات انتخابية لأسيادهم من الساسة، ثم إلى مشروعين لقتل واعتقال معارضي أسيادهم. بمسح بسيط لأخبار الممثل المصري أحمد بدير، ومشاهدة بعض المقتطفات المنشورة على يوتيوب أو فيسبوك لن تحتار أين ستضعه بين هذين التيارين.

فقد اختار أن يكون "عب عال" في الواقع كما كان في مسرحية "ريا وسكينة"، أداة للاغتيال الفعلي والرمزي، فتراه يشتم في المعارضين من الإعلاميين والفنانين، ويعتبر أن أسوأ ما في عبد الفتاح السيسي هو طيبته، لأنه لم يضرب بيد من حديد على أيدي معارضيه من الإعلاميين، ولم يدخر حتى دموعه ليذرفها من أجل الدعاية للسيسي، وعمل على تجميع أصوات الفنانين عبر "الهرسلة" ليصوتوا له.

كل هذا الموقف كان يمكن أن يعتبر شأناً داخلياً مصرياً موكولاً للمشهد الثقافي المصري، لولا تدخله السافر في أيام قرطاج المسرحية في الشأن التونسي.

الفضيحة  

وضع أحمد بدير مقدم برنامج في إذاعة تونسية خاصة (موزاييك أف أم) في مأزق عندما اقتحم الاستوديو دون دعوة، متكئاً على نجوميته كفنان كوميدي، وطيبة التونسيين، ليمرر رسالة سياسية قبيحة.

تقبل المذيع بو بكر بن عكاشة دخوله المفاجئ للاستوديو بشيء من الاستغراب، ولكنه رحب به في تحية أومأ له أنها قصيرة وعرضية، غير أن الممثل انطلق من تلقاء نفسه في مدح الرئيس قيس سعيد، ووصفه بالمنقذ وشبّهه بالسيسي الذي أنقذ مصر، حسب رأيه.

/

هنا يجب أن نحلل الواقعة في إطارها. كان المذيع في حرج لأنه مذيع مازال يعيش حرية التعبير والحالة الديمقراطية في تونس ولو في وضعها المحتضر، والصحافة التونسية الإذاعية والخاصة على الأقل تحاول أن تقف محايدة تجاه المستجدات السياسية والمرحلة الاستثنائية التي تعيشها تونس منذ 25 تموز/ يوليو 2021، وتنادي بحرية الإعلام وعدم توريطه في التطبيل لأي جهة.

غير أن أحمد  بدير الذي لم يعش الحالة الديمقراطية، والذي كبعض الفنانين يعتبر أن الثورة المصرية كانت وبالاً على الفن ومداخيل الفنانين، لم يشعر بفداحة ما ارتكبه، وخرج من الاستوديو بعد تهريجه أمام دهشة المذيع.

لم ينتبه أحمد بدير إلى أن تونس مازالت لا ترفع صور الرئيس في المكاتب والإدارات، ولم ينتبه أن خلاف التونسيين مع حركة النهضة لا يعني أنهم يطلبون عودة النظام البوليسي أو الولاء للحاكم المستبد، وأن الحلم بديمقراطية فعلية مازال قائماً.

لقد تصرف أحمد بدير كما يتصرّف في مصر، وكما تصرف بعض نجوم الدراما والسينما في بعض الدول العربية، الذين يهللون بسبب ودون سبب للرئيس، حتى أنهم تنكروا وخانوا زملاءهم ممن كان لهم موقف من عملية إجهاض الثورة المصرية أو السورية.

وضع أحمد بدير مقدم برنامج في إذاعة تونسية خاصة (موزاييك أف أم) في مأزق عندما اقتحم الاستوديو دون دعوة، متكئاً على نجوميته كفنان كوميدي،  ليمرر رسالة سياسية قبيحة

وبقطع النظر عن موقفنا مما حدث في مصر، فإنه كان الأجدر بأحمد بدير أن يحترم نفسه ويحترم الشعب التونسي بكل فئاته، وألا يورّط نفسه في موقف سخيف يبدو فيه يستجدي الأوسمة والتكريمات في أيام قرطاج السينمائية، وربما كان يحلم  بوسام رئاسي على غرار زميله عادل إمام الذي جيء به من مصر ليسلمه الباجي قايد السبسي وساماً.

لم يكن هذا  المشهد القصير إلا مثالاً لسقوط الفنان وعدم وعيه بالمكان الذي يتحرك فيه، لأنه كان يمكن أن تنقلب تلك الاستضافة الخاطئة إلى فضيحة في المباشر لو رد عليه المذيع بطريقة أعنف، أو كان هناك مذيع أكثر هجومية وتعصباً لفكرة الديمقراطية.  اكتفى بو بكر بن عكاشة بالإشارة إليه "ام ام... لا نريد الدخول في السياسة".

مع أن برنامجه طبعاً سياسي، لكن الممثل لم يعط موقفاً سياسياً لمثقف ليناقشه، بل تقيأ مديحاً مذلاً، أو ما يعرف في تونس بـ"الطحين" المجاني. كان يمكن أن يقبل موقفه لو سُئل عنه ودعمه بآراء فكرية، لكن أن يسحل نفسه دون مبرر، فيذكّرنا بفنانين فقدوا بعد الثورة، وحتى من تورط في عهد الرئيس الأسبق بن علي بمثل هذه التصريحات لم يعد يجرؤ على فعلها مهما تغير الحكّام.

مديح عبير موسي

ورّط أحمد بدير  نفسه مرة أخرى في مدح عبير موسي دون أي موجب، في استضافة في التلفزيون الرسمي التونسي، وعوض أن يوجّه تحية لإدارة المهرجان التي دعته وكرمته، توجه بالتحية إلى سياسية هي عبير موسي، التي تعتبر أن السيسي قدوة لها، وقام مشروعها السياسي برمته على إسقاط حركة النهضة عبر نشاطها الغريب والكوميدي والتهريجي في البرلمان. وبغض النظر عن مواقف التونسيين منها، ما الداعي للزج بها في مواقف فنان سُئل عن جديده الفني؟

لقد تصرف أحمد بدير في تونس كما يتصرّف في مصر، وكما تصرف بعض نجوم الدراما والسينما في بعض الدول العربية، الذين يهللون بسبب ودون سبب للرئيس، حتى أنهم تنكروا وخانوا زملاءهم ممن كان لهم موقف من عملية إجهاض الثورة المصرية أو السورية

لماذا فعل ذلك أحمد بدير؟

التدقيق في تحركات أحمد بدير في تونس يكشف أنه لم يكن عفوياً، ففي كل تصريحاته هناك إشارة للسيسي ونظامه، وهناك تمجيد للنظام وللانقلاب في تونس وأذرعه.

وكشفت الفيديوهات المنشورة أنه ينوي تقديم أعمال في تونس وحفلات وكانت وسيلته التمسح بأحد منظمي حفلات المطاعم، رياض بودينار،  حيث ظهر يمدح فيه ويبشر بمسرح وحفلات قادمة، ويعتبر حزب عبير موسي الحزب القوي الآن بعد سقوط النهضة، والذي يمكن أن يستثمر في علاقات معه، خاصة أنه حزب قريب من قلب السيسي .

تورط المشهد  الثقافي التونسي

أطلق قيس سعيد ما سمي السنة المصرية التونسية والتعاون الثقافي، وبدأت المؤسسات الحكومية والمتعاونة معها في تنفيذ التعليمات، ويبدو لنا أن هيئة مهرجان المسرح بتونس كانت سباقة بدعوة الرجل المناسب، الذي سيشعر السيسي وسعيد بارتياح لتكريمه، وهو أحمد بدير، القائد الأعلى للطحين المصري اليوم. 

وتقبل أحمد بدير الدعوة للتكريم بشيء من الثقة باعتبارها مكسباً "سيسوياً"، نسبة الى السيسي، وليس تكريماً تونسياً، لذلك جاء مبشراً بالدين الجديد "دين السيسي"، ففي ذهنه، كما في أذهان الكثيرين وفي ذلك شيء من الحقيقة، أن 25 تموز/ يوليو صناعة سيساوية، دبر لها في القاهرة عند زيارة قيس سعيد لمصر، وهي من السفرات النادرة التي قام بها قيس سعيد منذ توليه السلطة.

وهكذا كان أحمد بدير ينفذ مهمة قذرة، تتمثل في الإجهاز على الفكرة الديمقراطية في الوسط الثقافي التونسي، وتقديم مثال على نموذج الفنان الجديد، ذلك التابع للسلطة، الخادم المطيع، المستعد لبيع نفسه حتى يرضيها، أوليس أحمد بدير الذي قال: "لو قال لي السيسي دا مش أبوك حصدقه"؟

التدقيق في تحركات أحمد بدير في تونس يكشف أنه لم يكن عفوياً، ففي كل تصريحاته هناك إشارة للسيسي ونظامه، وهناك تمجيد للنظام وللانقلاب في تونس وأذرعه

الإعلام التونسي وفضيحة أحمد بدير

تحولت تدخلات  أحمد بدير في تونس  إلى موضوع تفكه في الإذاعات التونسية،  كموزاييك التي لم يستطع أن ينطق اسمها صحيحاً وهو يقتحم دون دعوة أحد برامجها، وردد مرات "مزازيكا" واذاعة إف أم.

يبقى السؤال الفني الآن: هل يستحق أحمد بدير أن يكرم في أيام قرطاج المسرحية اليوم؟ وهل المسرح المصري اليوم يمثله أحمد بدير ليكون الشخصية التي تكرم في تونس سنة 2021؟

هل يقبل  المسرح التونسي الطليعي أن يكرم  ذلك المسرح الذي قدمه أحمد بدير؟ ماذا قدم أحمد بدير لفن المسرح ليكرم عليه؟ ما هي الرسائل التي قدمها مسرحه؟ ما هي الثورة الفنية التي حققها مسرحه؟ ريا وسكينة، جوز ولوز، عسل وسكر، الصعايدة وصلوا؟

هل يستحق أحمد بدير أن يكرم في أيام قرطاج المسرحية اليوم؟ وهل المسرح المصري اليوم يمثله أحمد بدير ليكون الشخصية التي تكرم في تونس سنة 2021؟

لا نجد ، في النهاية ، ما نرد به على أحمد بدير وانبطاحيته الغريبة في سنه المتقدم إلا قول إدوارد سعيد: "وأنا لا أرى ما هو أجدر بالاستهجان مما يكتسبه المثقف من عادات فكرية، تنزع به نحو ما يُسمّى التفادي أي النكوص أو التخلّي (الذي يمارسه الكثيرون) عن الثبات في موقفه القائم على المبادئ، على صعوبة ذلك، وهو يعلم علم اليقين أنه الموقف الصائب، ولكنّه يختار ألا يلتزم به.

فهو يريد أن يظهر في صورة من اكتسى لوناً سياسياً أكثر مما ينبغي له. وهو يحاول ألا يظهر في صورة من يختلف الناس عليه، وهو يحتاج إلى إرضاء من يُمثّل السلطة، ويريد الحفاظ على سمعته باعتباره متوازناً، موضوعياً، معتدلاً، وهو يأمل أن يُطْلَب من جديد لإسداء المشورة، أو للاشتراك في عضوية مجلس أو لجنة ذائعة الصيت، وأن يظل من ثم في التيار الرئيسي للقادرين على تحمّل المسؤولية، ويأمل أن يحصل يوماً على شهادة فخرية، أو جائزة كبرى، وربما منصب سفير في دولة أجنبية".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard