مرتدياً زيّاً عسكرياً مموّهاً، وملتفحاً كوفيةً، جلس صلاح بادي، أبرز قادة الميليشيات المسلّحة الليبية، ليطلب ببساطةٍ، من رؤساء جماعات وميليشيات مسلّحة التقاهم مساء الأربعاء، في مسقط رأسه في مدينة مصراتة، في غرب البلاد، أن يقولوا خلفه أنّ: "ستيفاني كلبة".
وردد بعض قادة الميليشيات في هذا الاجتماع، التعبير نفسه، وسط الضحكات المرتفعة، وصيحات الاستحسان، وبرّر بادي، قائد ما يعرف باسم ميليشيات الصمود، ذلك بأن "ستيفاني الكلبة، كما قال مرّات عدة، لم تجرّب (المشير خليفة) حفتر (المرشّح للانتخابات الرئاسية، بعد تخلّيه مؤقّتاً عن منصبه كقائدٍ عام لقوات الجيش الوطني المتمركزة في شرق البلاد).
اجتماع مصراتة
ستيفاني المعنية هنا، هي الدبلوماسية الأمريكية، ستيفاني وليامز، التي عادت قبل يومين فقط إلى المشهد الليبي، بعد تعيينها مستشارةً خاصّةً للأمين العام للأمم المتحدة في الملف الليبي، وعقدت 13 اجتماعاً، في أقلّ من 48 ساعةً، وفقاً لإحصائية قدّمتها وسائل إعلامٍ محلية.
كان بادي يتحدّث عقب ساعاتٍ فقط من قيام وليامز بعقد سلسلة اجتماعات في مصراتة، ضمّت من قياداتٍ عسكرية، وأمراء الكتائب المسلّحة، وممثلين عن المجتمع المدني، والمكوّنات النسائية.
وشنّ بادي بدوره، هجوماً عنيفاً على ستيفاني، واتّهمها بلعب ما وصفه بدورٍ إجرامي في نيسان/ أبريل عام 2019، في إشارةٍ إلى الهجوم الذى شنّته قوات الجيش الوطني بقيادة حفتر (آنذاك)، في محاولةٍ لتحرير العاصمة طرابلس، من قبضة الميليشيات المسلّحة.
أطلّ بادي هذه المرة من عباءة المعسكر الرافض للانتخابات، ليفرض هيمنته في ساعاتٍ على العاصمة طرابلس، مردّداً كلماتٍ تعكس كونه الدولة، والدولة أنا، على غرار صيحات الممثل المصري أحمد السقا، في أحد أفلامه السينمائية
المشهد الدراماتيكي الذي يكشف عمق الأزمة الليبية، بعد عقدٍ كاملٍ من الإطاحة بنظام العقيد الراحل معمّر القذافي، تم بعد محاصرة ميليشيات مسلّحة، لمقرّات المجلس الرئاسي برئاسة محمد المنفى، وحكومة الوحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، في العاصمة طرابلس، في مشهدٍ يعيد إلى الأذهان سلسلة الجرائم التي ارتكبتها هذه الميليشيات، على مدى السنوات العشر الماضية.
هذا المشهد جرى بعدما باشر العميد عبد القادر منصور، المقرّب من عملية بركان الغضب، التي تشنّها القوات الموالية للحكومة، عمله بعد ترقيته استثنائياً إلى رتبة لواء، قائداً لمنطقة طرابلس العسكرية، استناداً إلى قرارٍ رسميٍّ أصدره المجلس الرئاسي، بصفته القائد الأعلى للجيش.
منصور حثّ عناصر "اللّواء 444 قِتال"، على مواصلة العمل، وبذل المزيد من الجهود، من أجل فرض الأمن، والقضاء على التهريب وأوكار الجريمة، بالتزامن مع انتقاد عملية بركان الغضب في بيانٍ مقتضبٍ لها، عدم خروج أيّ مسؤولٍ ليبيٍّ لديه الشجاعة، ليقول إن الطريق مسدود أمام إجراء الانتخابات، بسبب ما وصفته بالقوانين الانتخابية المتضاربة والمعيبة.
وتحدّثت مصادر أمنية وعسكرية إلى رصيف22، عن نقل المنفى والدبيبة إلى أماكن آمنة، وإخلاء مقرّات حكومية، تحسّباً لتعرضهم لهجوم، بينما لم يصدر عن الطرفين أيّ تعليق رسميّ.
الهجوم الأحدث الذي شنّته ميلشيات مسلحة على مقارّ السلطة الانتقالية التي تولّت مقاليد الأمور، في شهر آذار/ مارس الماضي، يأتي رفضاً للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقرر إجراؤها، على الرغم من المخاطر التي تحفّ بها.
مجدداً، يطلّ بادي هذه المرة من عباءة المعسكر الرافض للانتخابات، ليفرض هيمنته في ساعاتٍ على العاصمة طرابلس، مردّداً كلماتٍ تعكس كونه الدولة، والدولة أنا، على غرار صيحات الممثل المصري أحمد السقا، في أحد أفلامه السينمائية.
بادي، الذى يعرفه الليبيون أيضاً باسم نيرون، كونه من حرق مطارهم الدولي قبل سنوات، يكرّس عملياً سيطرة الميليشيات المسلّحة على الكلمة الفصل، في دولةٍ يغيب عنها جيشها الوطني الموحّد، وأجهزتها الأمنية القادرة على فرض النفوذ، وفرض السيطرة.
من هو بادي
لم يتردد بادي لحظةً في أن يقدّم نفسه إلى صحافيين أجانب، على أنه شخصية وطنية تدافع عن مصالح ليبيا، وأنه سيكون في تاريخها مثل جورج واشنطن، الذى قال إنه كان قائد ميليشيات، لكنه جعل الولايات المتحدة بعد الحرب الأهلية، دولةً قويةً تقود العالم الحرّ، وأضاف: "سأكون مثله".
تقول السيرة الذاتية للعضو السابق في المؤتمر الوطني العام (البرلمان)، عن دائرة مصراتة، إن اسمه بالكامل هو صلاح الدين عمر بشير بادي ، المعروف بصلاح بادي.
وُلد في شهر أيار/ مايو عام 1957، وحصل على بكالوريوس علوم جويّة عسكرية عام 1980، وتخصص كطيّارٍ مقاتلٍ، قبل أن يعمل مدرّساً في أكاديمية الدراسات الجويّة، وضابط عمليات في السلّاح الجوّي، قبل أن يقدّم استقالته عام 1992.
بادي، الذى يعرفه الليبيون أيضاً باسم نيرون، كونه من حرق مطارهم الدولي قبل سنوات، يكرّس عملياً سيطرة الميليشيات المسلّحة على الكلمة الفصل، في دولةٍ يغيب عنها جيشها الوطني الموحّد، وأجهزتها الأمنية القادرة على فرض النفوذ، وفرض السيطرة
ويدّعي أنه معارض سابق للنظام، تم وضع اسمه على لائحة الممنوعين من السفر، وتمت محاكمته عام 2007، بتهمة التحريض والانقلاب على النظام.
وفي أعقاب الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بنظام العقيد القذافي، عام 2011، ودعمها حلف شمال الأطلسي (الناتو)، تم تكليفه بقيادة العمليات العسكرية للدفاع عن مصراتة، كما كان عضواً في مجلس مصراتة العسكري، وتم تكليفه بإمرة المحور الجنوبي فيها.
عقوبات أممية وأمريكية
في عام 2018، أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ووزارة الخزانة الأمريكية، قراراتٍ لتجميد أرصدة، وحظر سفرٍ، استهدفت بادي، بالإضافة إلى ستةٍ يعملون في تهريب المهاجرين.
آنذاك، قال بادي الخاضع لعقوباتٍ من الولايات المتحدة والأمم المتحدة، بسبب هجمات شنّها لواء الصمود التابع له على طرابلس، إن المجتمع الدولي ساعد في إيجاد الفصائل التي مزجت بين "طغيان" عهد القذافي، والفكر السلفي الوافد من السعودية.
وبادي الذي يصف نفسه بالمدافع عن الثورة من أصحاب الفكر الإسلامي الأصولي، يُعدّ من وجهة نظر البعض مجرّد شخصية سيئة السمعة، بسبب مشاركته في شنّ هجمات في السابق على العاصمة طرابلس، وحرق مطارها الدولي، وإخراجه عن العمل.
وفى شهر تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2018، أدرجت لجنة في مجلس الأمن الدولي، صلاح بادي، على قائمة عقوباته التي تشمل منع السفر، وتجميد الأرصدة المالية.
وفقاً لتقرير المجلس، فقد حاول بادي، أحد كبار قادة لواء الصمود المسلّح، تقويض عملية التوصّل إلى حلٍّ سياسيٍّ في ليبيا، من خلال دعمه للمقاومة المسلّحة.
واضطلع بادي، حسب التقرير نفسه، بدورٍ رائدٍ في القتال الذي نشب في طرابلس، في 27 آب/ أغسطس 2018، وقُتل فيه ما لا يقلّ عن 115 شخصاً، معظمهم من المدنيين، وأشارت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا إلى القوات الخاضعة لقيادته تحديداً، عندما دعت جميع الأطراف المشاركة في القتال إلى وقف أعمال العنف، مذكّرةً إياهم بأن القانون الإنساني الدولي يحظر استهداف المدنيين، والمنشآت المدنية.
لم يتردد بادي لحظةً في أن يقدّم نفسه إلى صحافيين أجانب، على أنه شخصية وطنية تدافع عن مصالح ليبيا، وأنه سيكون في تاريخها مثل جورج واشنطن، الذى قال إنه كان قائد ميليشيات، لكنه جعل الولايات المتحدة بعد الحرب الأهلية، دولةً قويةً تقود العالم الحرّ، وأضاف: "سأكون مثله"
وفي نهاية عام 2016، قاد بادي هجوم الميليشيات المناهضة لحكومة الوفاق السابقة، برئاسة فائز السراج، على طرابلس، إذ ظهر في شريط فيديو نُشر على موقع يوتيوب، بجوار دباباتٍ خارج فندق ريكسوس في طرابلس، وتوعّد بالتصدّي لهذه الحكومة.
وفي شهر أيار/ مايو عام 2017، شنّت قوات بادي هجماتٍ على مواقع في طرابلس، باستخدام الدبابات والمدفعية الثقيلة.
وفرضت وزارة الخزانة الأمريكية، عقوباتٍ على بادي، وقالت إن إدراجه على قائمة العقوبات يتطلّب أن تفرض جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، تجميد أصوله، وحظر سفرٍ عليه.
وفقاً لبيان الوزارة، آنذاك، فإن قوات بادي، دمّرت باستخدام صواريخ غراد، مناطق سكنية في العاصمة طرابلس، مشيرةً إلى أنه لعب ما وصفته بدورٍ حاسمٍ في المعارك العنيفة التي اندلعت عام 2014، ودمّرت المطار الدولي الرئيسي في طرابلس، وأجبرت الكثير من السكّان على الفرار من منازلهم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ يومحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 4 أيامtester.whitebeard@gmail.com