أعلن الرئيس التونسي، قيس سعيّد، في خطابٍ مساء الإثنين 13 كانون الأول/ ديسمبر، عن مواصلة تجميد عمل مجلس النواب التونسي إلى تاريخ تنظيم انتخاباتٍ جديدة، مع تنظيم استشارةٍ شعبيةٍ إلكترونية، بدءاً من شهر كانون الثاني/ يناير المقبل، وقال إن هذه المرحلة "تمكّن الشعب من التعبير عن إرادته، بعيداً عن التعقيدات الفنية، إلى جانب تنظيم استشاراتٍ مباشرةٍ في كل معتمديّة، على أن تنتهي الاستشارات في الداخل والخارج يوم 20 آذار/ مارس، كما تتولى لجنة سيتم تحديد أعضائها، وتنظيم اختصاصاتها، التأليف بين مختلف المقترحات والإجابات، على أن تنهي أعمالها قبل شهر حزيران/ يونيو القادم".
"رئيس الجمهورية عمّق الأزمة بخطابه الأخير، وعمل على ازدراء الجميع على قدم المساواة، وصوّب سهامه نحو طرفٍ سياسيٍّ وحيد"
كما أعلن رئيس الجمهورية عن "عرض مشاريع الإصلاحات الدستورية، وغيرها، على الاستفتاء يوم 25 تموز/ يوليو المقبل، وعن تنظيم انتخاباتٍ تشريعية وفق القانون الانتخابي الجديد، يوم 17 كانون الأول/ ديسمبر 2022، إلى جانب وضع مرسومٍ خاصّ يتعلق بالصلح الجزائي، ومحاكمة كلّ الذين أجرموا في حق تونس، وشعبها".
ومنذ إعلان رئيس الجمهورية قيس سعيّد، عن الإجراءات الاستثنائية يوم 25 تموز/ يوليو 2021، التي جمّد بموجبها عمل البرلمان، وأُقيل رئيس الحكومة هشام المشيشي، يطالب السياسيون والحقوقيون والمجتمع المدني في تونس، بتحديد سقفٍ زمنيٍّ لهذه الإجراءات، لإنهاء حالة تجميع السلطات في يد جهةٍ واحدة. وتفاعلاً مع هذه المطالب، أعلن قيس سعيّد عن تنظيم استفتاءٍ شعبيٍّ، إلى جانب تنظيم انتخابات تشريعية، نهاية العام المقبل.
قرارات لم تحلّ الأزمة
إن كان وضع سقفٍ زمنيٍّ للتدابير الاستثنائية يساهم في إزاحة الضبابية التي كانت مخيّمةً على المشهد السياسي، في الفترة القادمة، وطمأنة بعض الجهات السياسية، فإن البعض الآخر رافض لمبدأ الإجراءات الاستثنائية من أساسه، ومتشبّث بكونها "انقلاباً على الدستور".
وقد عدّ الاتحاد الشعبي الجمهوري، قيس سعيّد، "مغتصباً للسلطة، وفاقداً للشرعية وجب عزله، وتقديمه للمحاكمة، بعنوان الانقلاب على الدستور، والخيانة العظمى. واعتبار منصب رئاسة الجمهورية شاغراً".
كما دعا في بيانٍ له، إلى "تشكيل حكومة إنقاذٍ وطنيٍّ عادّاً أن حكومة سعيّد الحالية، غير شرعية، لكونها مخالفةً للدستور، وأن الفصل 80 يقتضي بصريح نصّه وجود حكومةٍ وبرلمان".
وقال القيادي في حركة النهضة، سامي الطريقي، أن المطالبة بوضع سقفٍ زمنيٍّ للإجراءات الاستثنائية تعني التسريع في إنهائها، وليس وضع مزيدٍ من الإجراءات المحصّنة من كل طعنٍ، من أيّ جهةٍ قضائيةٍ، بمقتضى المرسوم عدد 117، لكن وفق الطريقي، فإن "الغريب في الأمر، هو أن رئيس الجمهورية يطالب القضاء بالاضطلاع بمهامه، في حين أنه يحصّن نفسه من السلطة القضائية".
ورأى الطريقي في حديثه إلى رصيف22، أن رئيس الجمهورية عمّق الأزمة بخطابه الأخير، وعمل على ازدراء الجميع على قدم المساواة، وصوّب سهامه نحو طرفٍ سياسيٍّ وحيد، مشيراً إلى أن العنوان الذي يستقيم مع خطابه، هو "سنة بيضاء في ظلّ أزمة اقتصادية".
كما نوّه بغياب رؤيةٍ وتصورات للمالية العمومية، وللوضع الاقتصادي بصفةٍ عامة، مرجّحاً أن المجلس الوزاري الأخير الذي عقده، ليس له علم بالإجراءات التي اتّخذها، قائلاً: "لا نعلم كيف تُدار الدولة، وكان الله في عون التونسيين".
"أسقط الإعلان السقف فوق رؤوس جميع من طالبوا الرئيس سعيّد، بسقفٍ يستر موقفهم. ها هم في العراء تماماً، أمّا نحن فلنا شرف النضال لإسقاط الانقلاب وسنواصل". إعلانات قيس سعيد
بدوره، أكّد الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي، غازي الشواشي، خلال ندوةٍ وطنيةٍ للأحزاب الاجتماعية الديمقراطية، "الحزب الجمهوري، والتيار الديمقراطي، وحزب التكتّل"، أن "الحكم الفردي لا يمكن أن يعالج الفساد، بل على العكس، هو بوّابة للفساد، وهو مدخل لانتشار الفساد، وكل التجارب المقارنة تثبت ذلك". كما أعلن عن رفض أحزاب التنسيقية لقرارات سعيّد، معلناً خروجها إلى الشارع في 17 كانون الأول/ ديسمبر الحالي، "احتفالاً بذكرى انطلاق الثورة، ودفاعاً عن الديمقراطية المهدّدة في تونس، ورفضاً لكل حكمٍ فرديٍّ، أو انفرادي بالسلطة، كما يقوم بذلك سعيّد".
"الإجراءات التي أعلنها رئيس الجمهورية، خطوة أخرى متقدّمة في مسار 25 تموز/ يوليو، لتحقيق أهدافه، وتفكيك منظومة الفساد والإرهاب، وفتح المجال أمام الشعب لإعادة بناء وطنه"
من جهته، رأى الأمين العام للحزب الجمهوري، عصام الشابي، أن رئيس الجمهورية ماضٍ في نهج تقسيم التونسيين، والانقلاب على الديمقراطية، داعياً إلى التصدّي "لانحرافات سعيّد التي تنسف مقوّمات الدولة الديمقراطية".
وكتب أستاذ القانون الدستوري وعضو حركة "مواطنون ضد الانقلاب"، جوهر بن مبارك، تدوينةً على صفحته الرسمية، قائلاً: "أسقط السقف فوق رؤوس جميع من طالبوه، بسقفٍ يستر موقفهم. ها هم في العراء تماماً، أما من لم يتردّدوا، ولم يرتبكوا، فلنا شرف النضال لإسقاط الانقلاب، وسنواصل".
"تثمين للإجراءات الجديدة"
في ضفّة أنصار الرئيس، حظيت الإعلانات الجديدة بتأييد بعض الأحزاب السياسية، على غرار حزب "التحالف من أجل الجمهورية"، الذي ثمّن في بيانٍ ما جاء في خطاب الرئيس، ورأى أنه يعبّر عن تطلّعات الشعب لتحرير البلاد من "الفاسدين والعملاء".
وعدّ الحزب أن الإجراءات المعلَن عنها، "توضّح معالم الطريق لسنةٍ قادمةٍ تتوَّج بانتخاباتٍ ديمقراطيةٍ تعيد المؤسسة التشريعية إلى دورها في دعم أسس الدولة، وسيادة قرارها، وفق ما سيفرزه الاستفتاء الشعبي من تعديلاتٍ على الدستور، وعلى النظام الانتخابي". كما رأى أن "خطاب الرئيس، هو إعلان نهاية منظومةٍ فاشلة، وتهيئة أرضيةٍ قانونيةٍ وأخلاقيةٍ لجيلٍ سياسيٍّ جديد".
كما أعربت "حركة البعث"، عن ارتياحها للتسقيف الزمني المعلن، ومراحله، عادّةً أنه "معقول"، كما أبدت مباركتها "لجملة الإجراءات هذه، بما احتوته من تسقيفٍ زمنيٍّ، وما عبّرت عنه من إرادةٍ واضحةٍ وصلبةٍ للإصلاح".
وأيّدت الحركة في بيانٍ لها، قرار الرئيس بإجراء استشارةٍ شعبيةٍ واسعةٍ، عبر المنصّات الإلكترونية، مؤكدةً أن عليها "احترام المكتسبات المنجَزة خلال عقودٍ من النضال الشعبي، من حرياتٍ ومؤسساتٍ اجتماعيةٍ ومناخٍ ديموقراطي".
بين مؤيّدٍ ومعارضٍ، أعلن الرئيس التونسي قيس سعيّد عن موعد تنظيم الانتخابات التشريعية في 17 كانون الأول/ ديسمبر 2022
بدوره، أكّد التيار الشعبي أن "الإجراءات التي أعلنها رئيس الجمهورية، خطوة أخرى متقدّمة في مسار 25 تموز/ يوليو، لتحقيق أهدافه، وتفكيك منظومة الفساد والإرهاب، وفتح المجال أمام الشعب لإعادة بناء وطنه على أسسٍ سياسيةٍ سليمة".
كما لفت الحزب في بيانٍ له، إلى "ضرورة توسيع دائرة الحوار والتشاور مركزياً وجهويّاً ومحليّاً، مع كل الفعاليات السياسية والمدنية، وعموم فئات الشعب التونسي، من عمّالٍ، وفلاحين، وأصحاب مؤسّسات، وطلبة، وعاطلين عن العمل، من خلال حوارٍ مفتوحٍ تشارك فيه كل الفئات الشعبية والفعاليات السياسية والمدنية".
ويرى الباحث في القانون الدستوري، رابح الخرايفي، أن ما تضمّنه خطاب الرئيس، ليس قراراتٍ جديدةً، بقدر ما هو توضيح لإجراءات 25 تموز/ يوليو، وأن المهم هو تحديد مدة انتهاء العمل بالإجراءات الاستثنائية "يوم 17 كانون الأول/ ديسمبر"، وتنظيم انتخاباتٍ تشريعية.
وأشار الخرايفي، في حديثٍ إلى رصيف22، إلى استمرارية العمل بالتدابير الاستثنائية التي نصّ عليها الدستور التونسي في الفصل 80، الأمر الذي عدّه دليلاً على مواصلة رئيس الدولة العمل بمقتضيات الدستور، مضيفاً: "لقد تم تحديد جدولٍ زمنيٍّ مترابط الحلقات في ما يتعلق بتواريخ الاستفتاء، والانتخابات، وفلسفة الاستفتاء كصلاحية موكولة إلى رئيس الدولة طبقاً للفصل الثالث من الدستور الذي ينصّ على أنّ "الشعب هو صاحب السيادة، ومصدر السلطات، يمارسها بواسطة ممثليه المنتخَبين، أو عبر الاستفتاء"، والفصل 50 الذي ينصّ على أن "يمارس الشعب السلطة التشريعية عبر ممثليه في مجلس نواب الشعب، أو عن طريق الاستفتاء، "وبما أن البرلمان مجمَّد، فالحالة الوحيدة المتبقية هي الرجوع إلى الشعب، وأرى أن الإجراء دستوري، والأسس دستورية".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نايف السيف الصقيل -
منذ 5 ساعاتلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ 4 أيامتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه
بلال -
منذ 5 أيامحلو
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 5 أيامالمؤرخ والكاتب يوڤال هراري يجيب عن نفس السؤال في خاتمة مقالك ويحذر من الذكاء الاصطناعي بوصفه الها...
HA NA -
منذ أسبوعمع الأسف