"وضعونا في زنازين صغيرة بفتحات تهوية لا تتخطى 20×20 سم مكتظة بالمحتجزين. كنا نحصل على وجبة طعام كل 20 ساعة، تتكون من رغيف خبز صغير مع قطعة جبن صغيرة وكمية قليلة من المياه المالحة. بعد عدة أيام، زارنا أشخاص عرضوا علينا الإفراج مقابل مبالغ مالية…".
هذا ما رواه الشاب السوري "م. م." للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، ومقره جنيف، عن تعامل السلطات الليبية معه إثر محاولته الهجرة غير النظامية عبر ليبيا. أكد الشاب السوري أن المبالغ التي جرت المساومة عليها تراوحت بين 800 و2,500 دولار أمريكي، مبرزاً أن عائلته تفاوضت مع أحد السماسرة، وجرى الاتفاق على مبلغ مالي للإفراج عنه "بشرط عدم محاولة الهجرة بعد ذلك".
وأضاف: "(لدى المهرب) كنا نتلقى وجبة واحدة يومياً لا تكفي لسد الجوع، وتعرضنا للضرب بالعصي والخراطيم البلاستيكية. حاولنا أكثر من مرة الخروج من المكان والتنازل عن المبلغ الذي دفعناه ولكنه كان يرفض حتى مناقشة الموضوع".
هذه الشهادة، ومثلها الكثير، تُدين السلطات في ليبيا بانتهاك حقوق المهاجرين وطالبي اللجوء على نطاق واسع داخل السجون ومراكز الاحتجاز، بما يشمل الاحتجاز التعسفي، والمعاملة غير الإنسانية، وعمليات الابتزاز المالي.
في بعض الأحيان، تسببت الممارسات غير القانونية للسلطات الليبية في المساس بحياة اللاجئين وطالبي اللجوء وبسلامتهم البدنية والنفسية وفق تقرير المرصد الحقوقي الذي يستند إلى "أشهر من التوثيق الميداني" بما في ذلك مقابلات مع عدد من المهاجرين وطالبي اللجوء وذويهم، ومتابعة دقيقة لسلوك الأجهزة الليبية المختلفة تجاه المهاجرين وطالبي اللجوء، وفي مقدمتها خفر السواحل، وإدارات السجون، وقوات الأمن. ويقع في 28 صفحة تحت عنوان: "اضطهاد مركّب... منظومة قمع واستغلال متكاملة ضد المهاجرين وطالبي اللجوء في ليبيا".
تسببت سياسات الاتحاد الأوروبي المتشددة إزاء المهاجرين وتقييد الوصول إلى أوروبا بشكل قانوني في تعقيد أوضاعهم في السنوات الماضية. في المقابل، قدّم الاتحاد الأوروبي نحو 525 مليون دولار إلى ليبيا منذ عام 2015 لضمان حماية حدود أوروبا الجنوبية والحدّ من وصول المهاجرين وطالبي اللجوء إليها. علماً أن النصيب الأكبر من هذا الدعم خُصص لتعزيز قدرات خفر السواحل الليبي وتحديث معداته وتدريب كوادره من دون الالتفات إلى الممارسات العنيفة وغير القانونية التي تورط فيها.
"وجبة طعام كل 20 ساعة - رغيف خبز مع قطعة جبن صغيرة وقليل من المياه المالحة"... "أشهر من التوثيق الميداني" تكشف ضلوع سلطات شرق ليبيا وغربها في "اضطهاد مركّب" لحقوق المهاجرين وطالبي اللجوء
انتهاكات تفضي إلى الوفاة
يُذكر أن بعض الشهادات لفتت إلى ارتكاب أعمال، خلال عمليات صد وإرجاع المهاجرين وطالبي اللجوء، من شأنها أن تُفضي إلى وفاة المهاجرين أو فقدانهم.
"عام 2020، حاولت الهجرة إلى أوروبا، عبر مدينة الخُمس الساحلية (شمال غربي البلاد). تحرّك القارب الساعة 2:00 صباحاً، وأبحرنا نحو 10 ساعات. في اليوم التالي، تعطّل محرّك القارب وعلقنا في المياه، ولم يكن أمامنا خيار سوى التواصل مع خفر السواحل الليبي لإنقاذنا. وصلت قوارب خفر السواحل وأجلتنا من القارب، لكنّها تركت ستة أشخاص في القارب من دون أسباب واضحة، ومن دون وسائل معيشة. على الأرجح، فارق هؤلاء الستة الحياة ببطء لأننا لم نسمع أي أخبار عنهم منذ ذلك الوقت"، قال حسن زكريا عمر (29 عاماً)، لاجئ سوداني.
وقال مهاجر مغربي يُدعى حمزة بلعموري، عقب انتهاء محنة احتجازه في ليبيا: "عدت الآن إلى المغرب، ولكني أحمـل ذكريات لا يمكنني تجاوزها. واجهـت المــوت، وفقــدت أعــز أصدقائي أمــام عينــي. ومررت بتجربة احتجاز قاسية، تعرضت فيها للضرب والإهانة والتهديد بالقتل".
وأشار المهاجر السوداني إلى أشكال أخرى من سوء المعاملة. قال: "بعد أسبوع من الاحتجاز في سجن السكة بطرابلس، جاء أحد الضباط إلى السجن وبحث عن سودانيين بين المحتجزين واختارني مع سبعة آخرين. أبلغنا بأنه يريد منا تنظيف بيته، وبالفعل نقلنا من السجن إلى بيته ونظفناه، ليعرض علينا بعد ذلك إما أخذ نقود مقابل تنظيف البيت والعودة إلى السجن أو عدم أخذ نقود وعدم العودة إلى السجن. اخترنا جميعاً عدم العودة إلى السجن".
منذ 2015، قدّم الاتحاد الأوروبي 525 مليون دولار أمريكي إلى ليبيا لضمان حماية حدود أوروبا الجنوبية وعدم وصول المهاجرين إليها. غالبية هذه المساعدات تذهب لخفر السواحل الليبي، مع غض الطرف عن الانتهاكات التي يرتكبها
سلطات "شرق وغرب" مُدانة
ونقل المرصد عن مسؤول حكومي ليبي، لم يسمه، أن عدد المحتجزين من المهاجرين وطالبي اللجوء في السجون ومراكز الاحتجاز الليبية قد يصل إلى 13 ألفاً من جنسيات مختلفة، أغلبها أفريقية، من إثيوبيا ونيجيريا وتشاد والنيجر والسودان ومصر ودول المغرب العربي. يقصد هؤلاء ليبيا كمحطة نحو السواحل الأوروبية المُبتغاة في عمليات هجرة غير نظامية.
وبحسب أنس جرجاوي، مسؤول العمليات في المرصد الأورومتوسطي، فإن "السلطات الحاكمة في شرق البلاد وغربها تشترك في السياسات التمييزية وغير الإنسانية ضد المهاجرين وطالبي اللجوء، إذ تتشابه إجراءات الملاحقة، والاحتجاز والإهانة في سجون ومراكز احتجاز المهاجرين وطالبي اللجوء شرق ليبيا وغربها".
وهو يؤكد أنّ "المهاجرين وطالبي اللجوء في ليبيا يخضعون لمنظومة متكاملة من الاستغلال والاضطهاد من قبل عصابات التهريب أو السلطات الليبية التي تحتجزهم في ظروف غير إنسانية، ويمارس أفرادها جميع أشكال الانتهاكات بحقهم، بما في ذلك مقايضة حريّتهم بمبالغ مالية أو أعمال خدمية".
"وصلت قوارب خفر السواحل وأجلتنا من القارب، لكنّها تركت ستة أشخاص في القارب من دون أسباب واضحة، ومن دون وسائل معيشة. على الأرجح، فارق هؤلاء الستة الحياة ببطء"
انطلاقاً من هذا، حث المرصد الحكومة الليبية في طرابلس وقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر على إطلاق سراح جميع المهاجرين وطالبي اللجوء المحتجزين تعسفياً، فوراً، ووقف الممارسات العنيفة لخفر السواحل الليبي، وعمليات الترحيل القسرية إلى بلدانهم، ومراعاة الاتفاقيات الدولية ونصوص القانون الدولي في إجلاء المهاجرين والتعامل معهم.
وأوصى الاتحاد الأوروبي باستحداث آليات رقابية للتثبت من أنّ الدعم المالي واللوجستي الذي يقدمه لخفر السواحل الليبي لن يسهم في تمكينه من انتهاك حقوق المهاجرين وطالبي اللجوء.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...