"تشبهنا شيرين".
قرأت هذه العبارة ثلاث مرّات على الأقل منذ ليلة أمس، إذ ظهرت شيرين بشعر قصير بحفلتها في أبو ظبي، وهي الأولى عقب انفصالها عن زوجها حسام حبيب.
نعم تشبهنا شيرين بحبنا الهائل وبانكساراتنا. تمرّ بها أيام تكون فيها فوق السحب، مالكةً الدنيا، وفي أيام أخرى تبقى منعزلةً، نسمع عنها وعن أخبارها في الصحف المهتمة بالشأن الفنّي، آملات أن تخرج وتقول أي شيء. فنحن نعلم أنها ليست بخير.
بالفعل خرجت شيرين أمس، ولاقت "حضناً" جماعياً يكاد يكون الأكبر على الإطلاق. ظهرت بخفة دمها المعتادة، وهي تطلب من الجمهور أن يتقبلها بهذا الشكل، وأنها بحلق شعرها تُعلن أنها "فاقت". وفور ظهورها، نُشرت "ادعاءات" على أن من قص شعرها هو حبيب عقب ضربه لها، وهذا ما دفعها لتوضح عبر تويتر: "ليه ميكونش لوك جديد؟ ليه ميكونش تغيير؟ ليه ميكونش أنا اللي عملت كده حتى لو عندي اكتئاب؟ ليه فرضتوا السيىء والأسوأ وظلمتوا شخص بريء وظلمتوني... أنا قوية بيكوا، بس محبش حبكوا ليا يخليكوا متشوفوش الحقائق أو تكونوا ظالمين".
لم يخلُ الأمر من "اعتراضات" على مظهرها، وكأن أياً كان له الحق في إبداء رأيه في الآخر خاصةً حينما يكون على علم بسياق هذا "الفعل". ظهرت شيرين بشعرٍ قصيرٍ لتعلن ربما فصلاً جديداً من حياتها أو وداع فصل لم تتوقع أن ينتهي أو لتقول إنني لست على ما يرام ولكنني أحاول، وإن الحياة هكذا، فيها الحب والمتعة والوجع والفراق والفقدان.
أستهجن حقاً من اعترض على قرار شيرين بظهورها على النحو الذي أرادت الظهور فيه، ومن الذي يستهين بتجربة الفقدان، ولو كان الشخص المفقود هو الأذى بعينه، ومن الذي يجهل أن للحزن مراحل: الإنكار والغضب والمساومة والاكتئاب والتقبّل (في مرحلة المساومة، يبدي الشخص استعداداً لتقديم تنازلات لإعادة ما فُقد)، وذلك بحسب نموذج كيوبلر روس الذي يعتبر أن هناك خمس مراحل يتعامل بها الإنسان مع الحزن الناتج من المصائب.
"أستهجن حقاً من اعترض على قرار شيرين بظهورها على النحو الذي أرادت الظهور فيه، ومن الذي يستهين بتجربة الفقدان، ولو كان الشخص المفقود هو الأذى بعينه"
يحلل الدكتور محمد طه، وهو أستاذ مساعد في الطب النفسي: "حلاقة الشعر ليست بالضرورة غضباً أو اكتئاباً أو انتقاماً، بل ربما عملية تحول نفسي وصلت لأعمق طبقات وجودها، أو انتقالاً حقيقياً من موقف في الحياة إلى موقف آخر، أو إعلاماً صادماً عن الحق في الوجود وصرخة تمرد ضد من أذى صاحبته أو شوّهها أو حاول أن يكسرها يوماً"، مضيفاً: "لذلك، يمكن اعتبار حلاقة الشعر ولادة جديدة تحدث مع كل شعرة تنبت لتكون أقوى وأصلب، ورمزاً نفسياً لانتهاء عهد وبداية عهد آخر هو بمنزلة إعلان التحكم من جديد في مقاليد الأمور".
ما أدركته خلال هذا الموقف هو أن النساء للنساء، بعكس النظرية التي تقول إن المرأة عدوة المرأة. شيرين لاقت هجوماً هائلاً من جمهورها النسوي في أكثر من تصريح سابق. وللمصادفة، ارتبطت تصريحاتها بوجود حبيب. ولكن هؤلاء الذين هاجموها هم أنفسهم الذين "طبطبوا" عليها بالعديد من المنشورات التي لم تتوقف منذ ظهورها بشعر قصير، وهم أنفسهم الذين رأوا ذواتهم بها، فهي تشبهنا بكل تقلباتنا.
لاقت شيرين هجوماً هائلاً من جمهورها النسوي في أكثر من تصريح سابق. وللمصادفة، ارتبطت تصريحاتها بوجود حسام حبيب. ولكن هؤلاء الذين هاجموها هم أنفسهم الذين "طبطبوا" عليها، وهم أنفسهم الذين رأوا ذواتهم بها، فهي تشبهنا بكل تقلباتنا
في أيلول/سبتمبر 2019، في حفلة لها في السعودية (بمناسبة اليوم الوطني السعودي)، استدعت شيرين زوجها آنذاك حسام حبيب إلى المسرح وقبّلت يده وطلبت منه التحدث عنها بدعوى أنها "لا تجيد صياغة الكلام"، واصفةً إياه بالرجل "المثقف" الذي "يجيد التحدّث".
قالت حينذاك: "أنا مش بعرف أتكلم أوي وأخذت عهد على نفسي إني متكلمش ومقولش رأيي، مقولش أي حاجة أنا بحس بيها... لكن إحنا في وضع دلوقت لازم نقول فيه كلمة حق، وأنا نفسي حسام جوزي يساعدني فيها، هو هنا وأنا أحبه يشاركني الكلمة دي عشان دي رسالة وهو شخص مثقف وواعي".
شيرين أيضاً أغضبت جمهورها حين قالت في حفلة أخرى: "طالما منقدرش نستغني عن الراجل في حياتنا يبقى نسمع كلامه أحسن، ولا انتوا شايفين إيه؟ ليه بتدوخوهم وتطلعوا عينيهم، خلاص رفعنا الراية البيضا...".
وحين هوجمت بسبب تصريحاتها، علّقت: "المرة اللي فاتت زعلوا، وعملوا هاشتاغ عشان قلت للستات تسمع كلام الرجالة. الرجالة دول عسل وسكر… مش عارفة إيه اللي مزعلهم في كدة. أكيد دول شوية عوانس".
"نحتاج كلنا إلى أن نحلق شعرنا مرة واحدة على الأقل في حياتنا"
وكان هذا أحد أكثر أقوالها استفزازاً ربما، أولاً لوصفها غير المتزوجات بـ"العوانس"، هذه الصفة التي تحاول الكثير من النسويات محاربتها، وثانياً لاعتقادها أن اللواتي يدافعن عن حقوق المرأة هنّ حتماً "سيدات غير متزوجات" ولديهنّ عقدة نقص. لكن هذا كله تناساه الجمهور ولو مؤقتاً، على أمل أن يرى قوة شيرين مجدداً، فهي مثلنا، تخطئ، وربما لا تعترف بالخطأ وقتاً طويلاً، وربما لا تعترف به على الإطلاق.
ختاماً، كما كُتب على فضاء مواقع التواصل الاجتماعي، "نحتاج كلنا إلى أن نحلق شعرنا مرة واحدة على الأقل في حياتنا"، لما في ذلك من دروس منّا ولأجلنا.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...