تقف السيدة أسماء محمد (28 عاماً) تتفحص الحفاضات مجهولة المصدر المعروضة على أحد الأرصفة بشارع التوفيقية بمنطقة السلام شمال القاهرة.
تبحث لطفلتها عما يناسب سنها وحجمها الضئيل.
تقول محمد بأن زوجها عامل في أحد المصانع، يتقاضى أجره يومياً فلا تستطيع أن تشتري لطفلتها الحفاضات من الصيدلية لأنها غالية الثمن.
لا تعلم محمد مصدر تلك الحفاضات إلا أنها لا تملك خياراً آخر سوى المجازفة وشرائها لابنتها التي لم يتجاوز عمرها العام.
أُصيبت بحساسية شديدة وطفح جلدي، وعندما توجهت إلى الطبيب أخبرها أنه بسبب الحفاضات التي استعملتها. "لم يتعد الأمر بضع أيام من الحساسية ولكنني استعملت زيت الأطفال حتى زالت"، تقول لرصيف22.
وتكمل: "إلا أن إبنة جارتي التي تستعمل نفس نوع الحفاضات أُصيبت بحساسية حادة والتهابات بالمثانة وسعال وأرجع الطبيب السبب إلى الحفاضات مجهولة المصدر، ولم أكن أعلم قبل ذلك أن الحفاضات قد تسبب مشكلات كتلك".
تنتشر في الأسواق المصرية حفاضات مغشوشة تُباع في الأحياء الفقيرة بالقطعة، وتدخل مصر مع ملابس البالة المستوردة أو يقوم أصحاب بعض المصانع بإعادة استخدام حفاضات مستخدمة: ينظفونها ويعطرونها ويبيعونها بأسعار رخيصة مستغلين حاجة الأهالي الفقراء لها وضيق حالهم.
يقول الدكتور نبيل العشري استشاري طب الأطفال لرصيف22، أن الحفاضات المغشوشة باتت تغزو الأسواق هذه الأيام، إذ يعوده يومياً في عيادته أطفال مصابون بتسلخات والتهابات حادة بسببها.
تدخل المواد الكيميائية والصبغات المصنوعة منها تلك الحفاضات في مسام جلد الطفل وتنتقل بدورها إلى الدم فتؤدي لالتهابات شديدة في المخ والتهابات حادة في الجلد، فضلاً عن مشكلات في مجرى البول والمثانة والكلى وفتحة الشرج.
كيف يتم تمرير الحفاضات الملوثة من الجمارك؟
يقول هاني عبد السميع، صاحب مصنع لتعبئة الحفاضات المستوردة بمنطقة باسوس لرصيف22: "تقوم الجمارك المصرية بتفتيش الحاويات وفرز البضائع عند وصولها وتعرضها على الحجر الصحي للتأكد من مطابقتها للموصفات القياسية، إلا أن الحفاضات تدخل في حاويات البالة المستوردة، وهي الملابس المستعملة، حيث تضعف الرقابة عليها أو تنعدم في أحيان كثيرة، وتباع بأسعار رخيصة". يقول عبد السميع لرصيف22: "تكون هذه البضائع مضغوطة حتى لا تشغل حيزاً كبيراً داخل حاويات النقل، ولا تدخل في حيز الأوزان، و يتم تخليصها في الجمارك بسهولة، ثم نأخذ بضائعنا إلى المخازن حيث التفريغ والتعبئة ثم توزيعها على تجار الجملة والتجزئة". هذا ما أكده حسن فكري، مدير إدارة ملاحقة البضائع المهربة بالأسواق، لرصيف22، مضيفاً أنه من الصعب تفتيش البالة. ويقول إن الهيئة العامة للصادرات والواردات تقوم "بالمعاينة الظاهرية وسحب عينة عشوائية للفحص ومقارنتها بالمواصفات الخاصة للمنتج"."نساعد الفقراء"
يبرر عبد السميع، سبب لجوئه لتلك الحيل فيقول، إنه منذ تعويم الجنيه وأسعار الحفاضات في تزايد مستمر حتى وصلت الزيادة إلى 40 لـ45%، فبلغ سعر العبوة الصغيرة للحفاضات بصيدليات مصر إلى 36 جنيهاً والمتوسطة بـ85 جنيهاً والكبير بـ98 جنيهاً، الأمر الذي لا يستطيع الفقراء في مصر تحمله، بينما تُباع العبوة الكبيرة من الحفاضات المغشوشة بحوالي 30 جنيه. "يستهلك الطفل في اليوم ست حفاضات على الأرجح، فما نفعله هو مساعدة الفقراء على مسايرة الأوضاع الاقتصادية الحالية"، يقول لرصيف22. أما مصطفى عبد الله، تاجر الجملة بشارع شبرا مصر، فقد عمل فترة في مهنة تعبئة حفاضات الأطفال المستوردة من الخارج، لكنه تركها بسبب مخالفاتها. يحكي عبدالله عن ما شاهده من دورة سير الحفاضات المغشوشة، فيقول أنها تدخل عن طريق الجمارك في حاويات البالة، وتتم عملية التخزين في منافذ غير مؤهلة وسط القمامة والفئران، ثم تُفرز الحاويات لاستخراج السليم منها بطريقة غير صحية وبأيدي ملوثة. ثم تُصنف الحفاضات على درجات، فالدرجة الأولى والثانية يتم كيها وغسلها ورشها بالعطور ثم تغليفها وبيعها، أما الدرجة الثالثة فيقومون بغسلها وبيعها على الأرصفة.حفاضات من القمامة بالكيلو
النوع الآخر من الحفاضات المغشوشة محلية الصنع. يعترف صاحب أحد المصانع، والذي الذي تحفظ عن ذكر اسمه، بشراء الحفاضات المستعملة "بالكيلو" من منافذ الزبالين في منطقة المقطم التي تقع في جنوب القاهرة، والذين يحصلون عليها من قمامة المستشفيات. ويقول إن كمية حفاضات الأطفال التي تُصنع في المصانع المصرية الكبرى لا تكفي احتياج السوق، ويتابع قائلاً لرصيف22 "نقوم بسد العجز بطريقتنا الخاصة". يضيف أن مصنعه الصغير يحتوي على خمس عمال مختصين بالنظافة وكي الحفاضات وتطهيرها وتعطيرها، ويتابع قائلاً "لم نسمع أن تضرر أحد من استخدام الحفاضات، وما يتم تداوله عن تلوثها ما هي إلا إشاعات يروجها أصحاب المصانع الكبرى الذين تتضرر مبيعاتهم جراء نشاطنا وخطوط انتاجنا المنتشرة في المحافظات المختلفة والمناطق الفقيرة".عشرات المحاضر يومياً
تُحرر عشرات المحاضر يومياً لوقائع غش تجاري في بيع حفاضات مقلدة تُباع في الأسواق المصرية، وذلك وفقاً لمصدر مسؤول في قطاع التجارة الداخلية في وزارة التموين والتجارة الداخلية رفض ذكر اسمه خلال حديثه مع رصيف22، وقد ضبطت مباحث التموين منذ بداية العام ست قضايا غش تجاري لحفاضات الأطفال. يعلم المسؤول في قطاع التجارة الداخلية، والذي تحدث مع رصيف22، بوجود الكثير من المصانع المخالفة ومنافذ تعبئة الحفاضات بمنطقة باسوس، إلا أن الأزمة الحقيقة تكمن في انعدام وجود عقوبة رادعة للمخالفين، فقانون الغش التجاري رقم 281 لسنة 94 يحتاج إلى تعديل بدلاً من الحبس لعام واحد وغرامة مالية لتصبح حبساً لازماً مؤكداً. كما أن هناك مشكلة أخرى وهي عدم صدور شكاوى من الأحياء الشعبية بشأن هذه الحفاضات، فالمستهلكون يقبلون على شراء الحفاضة المغشوشة، وهم يعلمون بحقيقتها. يقول لرصيف22: "نمتلك بعض المعلومات بأن الحفاضات يتم إحضارها من نفايات قسم الأطفال بالمستشفيات حيث تُلقى في القمامة ويتم إعادة تدويرها وغسلها وبيعها من جديد".تسمم الدم وحساسية مزمنة
يقول الدكتور محمود درويش، أخصائي الأمراض الجلدية في مستشفى الحوض المرصود، وهي واحدة من كبرى المستشفيات المتخصصة في الأمراض الجلدية والتناسلية المزمنة بحي السيدة زينب الشعبي في القاهرة: "تصل كل يوم إلى المشفى ما بين حالتين إلى أربع حالات لأطفال مصابين بالتهابات جلدية نتيجة حفاضات مغشوشة". يصف الحفاضات المقلدة بالكارثة على صحة الأطفال لاسيما أن مناعتهم ضعيفة، وأنهم أكثر تعرضاً للأمراض. فالحفاضات تمتلئ بالبكتريا الضارة التي تخترق الجلد وتسبب التهابات وتسمماً في الدم، كما تتسلل عبر فتحة الشرج إلى الأمعاء ومن ثم تتدهور حالة الطفل الصحية. وتوضح الدكتورة زينب خليل، أخصائية الأمراض الجلدية والتناسلية والعقم، أن الحفاضات المغشوشة قد تؤدي إلى عقم عند الذكور، والتهابات حادة بالجهاز التناسلي عند الإناث.لا خيار مع الفقر...
تعلم نورهان فتحي (36 عاماً)، أن الحفاضات التي تستخدمها لطفلها الرضيع ليست صحية بالشكل الكافي، لاسيما أنها لا تحمل أي بيانات توضح مصدرها، لكنها تضطر لشراء حفاضتين يومياً له. لا تستطيع أن تشتريها من الصيدلية، فضيق ذات اليد يضطرها لشرائها من محل منظفات يبيعها واحدة كل يوم، ورغم تحذيرات الطبيب لها، وحتى بعد إصابة إبنها بمضاعفات في الكلى والتهابات شديدة، إلا أنها لم تجد بديلاً للحفاضات رخيصة الثمن. تشتري بعض الحفاضات المغلفة من الصيدلية حينما يسمح وضعها المادي، لكنها تعود لاحقاً إلى الدكان باحثة عن الأرخص ثمناً.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين