شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"لاقيني عالهيرمان"... قلب العرب النابض في برلين ما بين الطعام والمظاهرات

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 6 ديسمبر 202103:33 م

كانت روسيلا، إيطاليّة الجنسيّة، تتّجه نحو بيتها القريب من ساحة هيرمان (Hermannplatz)، الواقعة في العاصمة الألمانيّة، برلين، حين التقت صدفةً بصديقتها اللبنانيّة، وصديقها السوريّ. كان الصديقان يتسوّقان في السوق المؤقت الذي يُقام في الساحة، معظم أيام العمل الأسبوعي.

كثيراً ما تلتقي روسيلا بأصدقائها العرب، أو القادمين من بلاد البحر المتوسط، في هذه الساحة، أو بالقرب منها، خاصةً أنّ ساحة هيرمان، أو هيرمان بلاتز، تُعدّ واحدةً من أكثر الساحات اكتظاظاً في مدينة برلين، وهي بكلّ تأكيد النقطة التي يعرفها العرب كلهم الذين مرّوا، أو عاشوا في المدينة. كيف لا، وهي نقطة اللقاء الأكثر شهرةً بينهم وبينهن؟

رسم خريطة هيرمان بلاتز

تقع ساحة هيرمان في جنوب شرق برلين، عند تقاطع خطَّي قطار الأنفاق U7 وU8، على بعد كيلومترات قليلة غرب خط جدار برلين الشهير، الذي قسم المدينة قسمين، شرقيّ وغربيّ، منذ ستينيات القرن الماضي، وحتى بداية تسعينياته.

تتفرع من الساحة ستة شوارع رئيسيّة، يشكلّ ثلاثة منها، الشوارع الثلاثة الرئيسيّة (شارع هيرمان، وشارع كارل ماركس، وزونين آليه)، في حيّ نويكولن، وهي تتجه جنوباً في اتجاهات مختلفة، فيما يوصلها شارع كوتبوسير دام، بمنطقة كوتبوسير تور في حي كرويتزبيرغ، قلب تركيا النابض، ومعقل اليسار التقليدي في برلين، ويتفرع منها أيضاً شارع أوربان، وشارع هازين هايده اللذان يربطان الساحة بمركز المدينة، عن طريق المرور بحي كرويتزبيرغ.

كثيراً ما تلتقي روسيلا بأصدقائها العرب، في هذه الساحة، خاصةً أنّ ساحة هيرمان، أو هيرمان بلاتز، تُعدّ واحدةً من أكثر الساحات اكتظاظاً في مدينة برلين، وهي بكلّ تأكيد النقطة التي يعرفها العرب كلهم الذين مرّوا، أو عاشوا في المدينة

مركز هيرمان بلاتز عبارة عن ساحةٍ كبيرة يتموضع فيها سوق مؤقت خلال أيام الأسبوع، ومدخلان لقطار الأنفاق. وفي السوق، يُمكن شراء الخضار، والفاكهة، وأحزمة جلديّة، وطعام شوارعٍ سريع، وطعام صيني من الكشك الصيني، وسمك من عربة الأسماك، يشتري كثيرون من إيطالييّ المدينة سمكهم من هناك، تقول روسيلا، لرصيف22، وفلافل من عربةٍ تبيع سندويشات الفلافل، وعربة تبيع القهوة، وتضع أغانٍ لفيروز صباحاً، وعمرو دياب، أو كاظم الساهر، بعد انتهاء الفقرة الصباحية، بصوتٍ عالٍ.

يُمكن للمرء شراء خبز الـ"سميت" التركي (كعك بسمسم)، وقهوة شارعٍ سريعة، وغيرها من أشياء صغيرة تتغيّر باستمرار. وعلى طرف الساحة باتجاه الغرب، يقع مول كارشتات الشهير، وعلى الطرف الشرقي محلات متنوعة، منها مقهى ودكان موبايلات، ومطعم وجبات سريعة، وصيدلية.

في الساحة المكتظة بالمارّة، طوال ساعات النهار والليل، تُسمع لغات عربيّة وكردية وتركيّة وعبريّة وإنكليزيّة وإيطاليّة وألمانيّة وفرنسيّة وألبانيّة وصربيّة وبلغاريّة، وما شئتم من لغات هذا العالم الواسع.

"لاقيني عالهيرمان"

يقول وليد، وهو لاجئ سوري وصل إلى ألمانيا في العام 2015، إنّ تحديد مكان اللقاء في برلين سهل، فالناس كلهم يعرفون هيرمان بلاتز، "يكفي أن تقول لأيّ شخصٍ: ‘لاقيني عالهيرمان’، ليعرف أنّ المقصود ساحة هيرمان، في بداية شارع العرب".

"محطة هيرمان بلاتز تشبه درج باب توما الشهير الواقع بجانب المخفر. كان الدرج نقطة اللقاء الأشهر في دمشق".

شارع العرب، هو الاسم غير الرسمي والشائع بين عرب برلين، لجادّة الشمس، حسب الترجمة الحرفيّة للاسم الألماني، زونن آليه Sonnenallee، وهو الشارع الذي يشكّل قطعةً من وطن ضاع للعرب في برلين، وهو أحد الأسباب الرئيسيّة لشهرة ساحة هيرمان بين العرب.

ففي شارع العرب، وفي شارع كارل ماركس، وشارع هيرمان، شوارع حيّ نويكولن الرئيسيّة، تنتشر المحالّ التي تبيع مختلف أنواع البضائع، والمطاعم التي تقدّم طعاماً عربياً، والتي يقصدها العرب من أنحاء أوروبا كلها، إذ صار الحيّ مقصداً لعرب أوروبا، الذين يأتون إلى برلين، عاصمتهم الأوروبيّة، ليأكلوا حُمّصاً، وشاورما، وحلاوة الجبن، وغيرها من طعامٍ يفتقده المهاجرون واللاجئون والهاربون من بلاد الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا.

كما يعيش في حيّ نويكولن، وفي شوارعها المختلفة، عددٌ كبيرٌ من العرب، لا سيما اللبنانيون والفلسطينيون الذين هربوا من لبنان خلال سنوات الحرب الأهليّة اللبنانيّة، في ثمانينيات وتسعينيات القرن المنصرم، وسوريون وصلوا إلى المدينة في السنوات العشر الأخيرة، هرباً من الحرب المفتوحة الدائرة في بلادهم.

تمثّل الساحة كذلك مركزاً لانطلاق المظاهرات، ومكاناً لتجمّعات احتجاجيّة مختلفة؛ فمن مظاهراتٍ مناصرةٍ لفلسطين، وتجمعات لدعم المعتقلين السوريين لدى النظام السوري، إلى مظاهرات تدعم حزب العمال الكردستاني، وأخرى لمطالب محليّة، كالحدّ من ارتفاع إيجارات السكن، وغيرها من المظاهر الاحتجاجيّة. هكذا تمثّل ساحة هيرمان واحدةً من نقاط الاحتجاج والتظاهر الرئيسيّة في العاصمة الألمانيّة.

تمثّل الساحة مركزاً لانطلاق المظاهرات، ومكاناً لتجمّعات احتجاجيّة مختلفة؛ فمن مظاهراتٍ مناصرةٍ لفلسطين، وتجمعات لدعم المعتقلين السوريين لدى النظام السوري، إلى مظاهرات تدعم حزب العمال الكردستاني، وأخرى لمطالب محليّة، كالحدّ من ارتفاع إيجارات السكن، وغيرها من المظاهر الاحتجاجيّة

يذكّرهم ببلادهم

تتذكّر منال، وهي مصريّة التقى بها رصيف22، صدفةً في ساحة هيرمان بلاتز، القاهرة وشوارعها، عندما تصل إلى محطة ساحة هيرمان، وتمشي من هناك إلى شارع العرب. تقول إنّ غربتها تكاد تختفي في هذا المكان، ففي هذه الساحة، وفي هذا الشارع، كلّ ما في مصر؛ زحام، وكلام عربي، وطعام عربي، وحتى تحرّش عربي.

فيما يتذكّر محمد فيه مواعيد لقائه في دمشق. يقول: "محطة هيرمان بلاتز تشبه درج باب توما الشهير الواقع بجانب المخفر. كان الدرج نقطة اللقاء الأشهر في دمشق".

في ساحة باب توما، يقع مركز للشرطة (مخفر الحيّ)، وبجانبه مدخل يؤدّي إلى شوارع المدينة القديمة الضيّقة، وبداية هذا المدخل درج يمرّ منه المارّة، وينتظر عليه المنتظرون مواعيدهم جالسين. اشتهر الدرج خلال سنوات الألفية العشر الأولى، كمحطة لقاء شهيرة، إذ يكفي أن يقول أحدهم للآخر: "لاقيني عند درج المخفر"، حتى يعرف الجميع ما المقصود، وأين موقع اللقاء.

أما اليوم في برلين، فقد صار درج المخفر ساحةً فيها تمثال صغير في مركزه، يلتقي حوله الباحثون عن طعامٍ يشبه طعام بلادهم، أو الضائعون في مدينةٍ بعيدةٍ، ولا يعرفون إلى أين يذهبون؛ فما لهم في هذا المكان ذي السماء الرماديّة الكئيبة إلّا ساحة هيرمان، ومنها إلى شوارع تذكّرهم بشوارع بلادهم.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image