لم أمل يوماً إلى الرجل الذي تبدو عليه المظاهر الخشنة، أجش الصوت، مُشعر (باستثناء الشارب واللحية)، ذي عضلات ضخمة...
كل هذه الملامح لا تثيرني، ولا تعني لي أنه رجل "زائد"، أكثر من أي رجل آخر، بل على العكس أفضل الذي لا تبدو عليه تلك العلامات.
"أنا أقرف من الرجل المُشعر، وحبذا لو أزال زوجي المستقبلي شعر جسده، وقتها قد أذوب فيه عشقاً"، أقول لصديقاتي، فيسخرن مني.
صديقاتي يتخيّلن الرجل المشعر بـ"تستوستيرون عالٍ"، أي "رجل ونصف"، ويقلن إني أريد الزواج من امرأة، أو أن ما أطلبه هو رجل "مِنَسون"، أي رجل تبدو عليه ملامح نسائية.
"منسون" هو وصف مهين للرجل، يستخدم للتحقير وللتقليل من شأن الأفعال الأنثوية، التي يقوم بها الرجال، والعطف الذي يظهرونه حيال النساء.
عبثاً بحثت في القواميس عن مفردة "منسون"، ربما القاموس العربي الفصيح لا يعترف به، فقط يقر بـ"المخنث"، المفردة التي نعرفها بالشخص الذي يحمل ما للذكر والأنثى، وهي شبيهة في المعنى، ومثيلة في الوصم لكلمة "منسون".
مُغرٍ ومغوٍ
أرى أن من يقوم بالطبخ والكنس والتنظيف مغرياً، ومغوياً جنسياً، بغض النظر عن أن هذه أدوار لا ترتبط بالنوع، ذكراً كان أو أنثى، وإنما هي مهام منزلية يفترض أن نقوم بها جميعاً، لكن العديد من النساء يروجن أن نجاح المرأة يكمن في أن يبتعد زوجها عن المطبخ ومهام التنظيف، ويبررن ذلك بأنها من أدوار المرأة فـ"بيتها مملكتها" كما يزعمن.
لم تشغل بالي كثيراً تفسيراتهن، وإنما شغلني تفضيلاتي في الرجل، وما يمكن أن تمثله تلك التفضيلات كدلالات نفسية وعاطفية داخلي.
لماذا أشذّ عن القاعدة وأغترب عن المألوف؟
ماذا يعني لي الرجل الأنثوي؟
شيء ما غامض
قبل سنوات تعرفت إلى صديق، جريء وغير تقليدي وخفيف الظل إلى حد كبير، ناجح في عمله، ولديه كاريزما قوية، يستطيع أن يكسب ود أي شخص في الدقائق الخمس الأولى، لكن ما لفتني أكثر في شخصيته هو تصالحه مع الجانب الأنثوي منه، وهو غيري الميول، إذ كان صديقي -فلندعوه علي- يتحدث كما تتحدث الجدات، ولا يتحرج أن يتمايل، ويحرك يديه بأمومة عند الحديث، ولديه روتين خاص للعناية بالبشرة والشعر.
تشعر كأنك أمام امرأة في جسد رجل أو رجل في جسد امرأة، من لا يستطيع أن يحب علي؟ حتى من الأصوليين والمحافظين.
كنت أحب من آن لآخر أن أسعد بجلسته، والاستماع له، شيء ما غامض كان يجذبني إليه، ليس عاطفياً وإنما نفسياً، لماذا أحببت ذلك الجانب في الرجل مؤخراً، لماذا أصبح ذلك تفضيلاً لي أعلنه لنفسي بوضوح؟
وكأننا مجتمع صغير نتوارى عن الناس، نتحدث سراً، ونؤثر السير عكس التيارات السائدة، تخبرني صديقتي ثريا (اسم مستعار) بحكاية تشبه حكايتي.
عقب ممارسة الحب مع حبيبها السابق، وبعد أن نزع عنها فستانها الأسود، ارتداه هو، وطلب منها أن تضع له "مانيكير" وأحمر شفاه.
تقول ثريا: "ضحكت كما لم أضحك من قبل".
قبّلت صاحبها كثيراً، كما لو كانت تقبل نسخة منها، وامتزجت حمرة شفتي حبيبها بحمرة شفتيها، ومارست الحب مرة أخرى، باستمتاع أعلى.
لا تزال ذكراها تلك نضرة برغم اكتشافها أنه "سيكوباتي"، كما تصف، خدعها واستغلها باسم "التحرّر".
مهارات "المنسون"
أقول أنا وصديقتي، التي هي نسوية أيضاً، أننا ربما نفضل الجانب الأنثوي من ذلك الرجل الذي يتصالح معه، لكوننا نعشق الجوانب الذكرية منا، فنتصالح معها، ولا عجب من القول إن داخل كل منا جانباً أنثوياً وجانباً ذكرياً منذ بدء الخليقة.
لا أنكر أنني ساءلت نوازعي الجنسية، خشيت أن أكون مثلية، فهي "تهمة" في بلادنا، رغم أن ذلك "الاتهام" لا يعني لي شيئاً، ولن يضيرني أن "أُتهم" بالانجذاب إلى الفتيات.
أمازح صديقاتي وأقول: "ليته يحدث"، وقتها قد تُحل نصف مشاكلي، فالنساء كما عرفتهن أفضل من الرجال في الإحساس، والعاطفة، والحب، والتقدير، والدعم.
بعد أن نزع عنها فستانها الأسود، ارتداه هو، وطلب منها أن تضع له "مانيكير" وأحمر شفاه، تقول ثريا: "ضحكت كما لم أضحك من قبل"
لذلك يكون الرجل الذي لديه هذه الخصائص مفضلاً جداً بالنسبة لي، ولا عجب إذا حدث وأعجبت بفتاة، إذ سأخشى وقتها من المجتمع "الذي لا يرحم المختلفين"، وإذا حدث فلا أعرف كيف سأتصرف. هذا الخوف ليس لدي وحدي، وإنما لدى العشرات لكنهن لا يعلنّ عنه.
هل قلتُ كلاماً ينقض بعضه بعضاً؟ ربما.
أنا straight أو غيرية الميول الجنسة أفضّل الرجال فقط، وأحب أن أرتبط عاطفياً برجل لا يخشى إبراز جانبه الأنثوي، ويتحد معه، ولا يضخم من مظهره الرجولي، ويقضي ساعات في "الجيم" يقوي عضلاته، عوضاً عن تقوية روحه ومشاعره.
قد أقبل شفتيه بحرارة إذا كان يضع أحمر شفاه. أحب أن لا يبرز جانبه الرجولي بخشونة وفظاظة واستعلاء وغرور وتجبر، كما لو كان سيد الأرض، وإنما يُظهر العطف والحنان والحب والدعم.
نحن في مجتمع إذا أظهر الرجل تعاطفه لامرأة وصم بأنه "سيمب"، وقيلت له ألفاظاً نابية من قبيل "إنشف ياض" و"إخشّن" و"استرجل ما تبقاش مرة".
إذا كانت هذه الفضائل مقتصرة على النساء، إذ ذاك أفضله رجلاً "مِنَسوناً".
لماذا؟
ربما بسبب نزعتي النسوية، التي تجعلني أفضل الأنثى وأرفع قيمتها في كل شيء، حتى أنني أريد أن أرى الأنثى كياناً واضحاً في الرجل الذي أحبه أو أرتبط معه عاطفياً، وربما لقناعتي أن الجانب الأنثوي داخل الرجل يجعله أكثر ذكاءً وحكمة وعاطفة إذا تصالح معه وأعلنه بوضوح.
لماذا هم الأفضل؟
أذهب إلى "الإله" غوغل، أعثر في إحدى نتائجه على جنيفر لي، تسرد 12 سبباً حول سبب تفضيلها مواعدة الرجال "الأنثويين"، أكثر من الرجال "الذكريين".
تقول "لي": "إنهم لطفاء، وواثقون جداً من أنفسهم، وحساسون، ويحترمون المرأة، ويستمعون إليها جيداً عند الحديث، وهم الأفضل في المواعدة، وبسبب ذكائهم فهم جيدون في إسداء النصائح عن العلاقات، وحل المشكلات عموماً، والعلاقة معهم مُرضية، وبعضهم مؤيد للنسوية".
وهم الأفضل في ممارسة الحب.
"الأنثويون" لا يحبون إبراز جانبهم "الرجولي"، وجرح الآخرين في سبيل إرضاء غرورهم مثل الرجال الذكريين أو الرجوليي المظهر والتصرفات، ولا يصرفون وقتهم في الرياضة، وبناء العضلات، وإنما في القراءة والكتابة والفن، وإذا ظهرت مشكلة في العلاقة لا يهربون منها أو يتضايقون بل يحلونها، بحسب "لي".
قد أقبل شفتيه بحرارة إذا كان يضع أحمر شفاه. أحب أن لا يبرز جانبه الرجولي بخشونة وفظاظة واستعلاء وغرور وتجبر، كما لو كان سيد الأرض، وإنما يُظهر العطف والحنان والحب والدعم
في موقع "كورا quora" طُرح سؤال: "هل تفضلون الرجال الرجوليين أم الأنثويين؟". وكانت إحدى الإجابات لسارجانا شاترجي، التي ذكرت أسباب مختلفة عن الأسباب التي استندت جنيفر إليها. قالت: "هناك زيادة في أعداد النساء اللاتي يفضلن الرجال "الأنثويين"، وخير مثال على ذلك موسيقى الكي بوب، إذ يوجد العديد من الرجال ذوي المظهر الأنثوي، وبعض الرجال يكرهون "كي بوب" بسبب المظهر الأنثوي لرجالهم".
وتضيف أن المرأة تريد أن تحس بالأمان مع الشريك، وذلك يحدث مع الرجال "الأنثويين".
أما آرسين سيل فتكتب: "أعتقد أن ما قد يعتبره بعض الناس أنثوياً هو مجرد سمات أعتبرها لياقة إنسانية، بالنسبة لشريك محتمل. بالطبع أحب أن يُظهر التعاطف، ومهارات الاستماع، والذكاء العاطفي، واحترام الحدود، ومهارات الاتصال، والحب، والوداعة، والانفتاح، ىالتعاون".
تصنف سيل هذه المهارات بخانة "الأنثوية"، ولن تضر الرجل متى رغب في التطبع بها.
وتساءل مارك إيمرسون، الذي حظيت إجابته بأكثر من مليون و800 ألف مشاهدة على موقع "كورا"، عن معنى الرجل "الأنثوي"، ثم أضيف إنه في طفولته كان يعتبر الرجل الذي يقوم بكنس السجاد أو تنظيف المطبخ أو الطبخ أو غسيل الملابس، مشكوكاً في كونه "مثلي الجنس"، لأن هذه الوظائف مرتبطة بالنساء، وكانت البلدة كلها تحكي عنه.
وقال: "اليوم أصبح الأمر أكثر تقبلاً لقيام الرجال بهذه المهام، وإظهار اهتمامهم بالأنشطة النسائية من دون أن يعتبروا مثليين، رجال اليوم "مؤنثين" مقارنة بذكور 1950.
ما تعلمته هو أنه إذا أحبت المرأة الرجل الأكثر أنوثة، فهذا تفضيلها وليس اضطراباً عقلياً، وبالمثل إذا أحب الرجل امرأة "ذكرية" فهذا اختياره.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 12 ساعةالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت