شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
لماذا تبكي نساء في أثناء الجنس؟

لماذا تبكي نساء في أثناء الجنس؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة

الاثنين 29 نوفمبر 202109:20 ص


صديقتي التي انفصلت بعد عامين من الزواج، لم تخبرني في البداية سبب الطلاق الرئيسي. دائماً ما كانت تحكي لي عن شجارات متفرقة بينها وبين زوجها، وفي كل مرة تخبرني سبباً مختلفاً؛ حتى جاءت اللحظة التي استطاعت فيها أن تفتح لي قلبها، وتخبرني عن السبب وراء فشل علاقتها بزوجها، وهي أنها تبكي كلّما مارسا الجنس، وذاك أوقاتٍ بعد وصولها إلى الأورغازم مباشرةً، وأحياناً قبل أن تصل، وكأنها تخشى الوصول إليه؛ فتبكي في رهبةٍ وخوف من أن يحدث هذا.

وهذا كان يقتل متعة زوجها في أوجها، وما كان منه سوى الغضب والامتناع عن ممارسة الجنس معها كردّ فعل، من دون أن يحاول معرفة السبب وراء ذلك، وهي ظلّت حبيسة الشعور بالخجل. شعور بالخجل قادم من ممارسة الجنس مع زوجها.

متعتك، وخاصةً الجنسية، حق لا يجب أن تتنازلي عنه، وفي الوقت نفسه لا تشعري بعده بأي ذنب، بل أشعري بتحرر جسدك، وامتلاكك إياه.

سلسلة محكَمة ومغلقة من الشعور بالذنب، وعدم الاستحقاق، طوّقت رقبتها، ولم تمنحها القوة لتناقش زوجها في ما تشعر به من ذنبٍ، بسبب ممارستها للجنس، وذلك بسبب ما تعرّضت له وهي صغيرة من تحرّش جنسي استمتعت به من دون أن تدري ما الذي يحدث لها، ومن وقتها وهي تنظر إلى هزّة الجماع على أنها خطيئة تخشى أن تصل لها، وانتهت العلاقة بالطلاق.

قد تظن أن ما مرّت به صديقتي، حالة فريدة وغريبة، ولكن دعني أقول لكِ، عزيزتي القارئة، إن ما مرّت به صديقتي ليس سوى صورة واحدة من صور ارتباط الندم بالمتعة، وارتباط العار بالجنس، في أذهان كثيرات من النساء في عالمنا العربي.

هذا الموقف بالذات، يذكّرني بقصةٍ كانت تحكيها أمي لصديقتها، وأنا صغيرة عندما كانت تخبرها بدهشةٍ عارمةٍ عن صديقة لهما تطلب الجنس من زوجها، وتبدأ هي بالمداعبة، وعلامات الخجل والرفض والاستنكار تعتلي وجه أمي، وترسّخ في ذهني من وقتها أن طلب المرأة للجنس مرفوض ومستنكر، وتالياً شعورها بالرغبة من الأساس هو أمر ليس من حقّها، وتكفّل المجتمع ببقية الصورة الذهنية عن ارتباط المتعة بالذنب، في ذهني.

وأنا صغيرة، كانت تحكي أمي قصة لصديقتها،وهي بدهشةٍ عارمةٍ عن صديقة لهما تطلب الجنس من زوجها، وتبدأ هي بالمداعبة، وعلامات الخجل والرفض والاستنكار تعتلي وجه أمي، وترسّخ في ذهني من وقتها أن طلب المرأة للجنس مرفوض ومستنكر

الإحساس بالذنب، بالنسبة إليّ كمرأة عربية، هو إحساس مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمتعة، بدءاً من أبسط المتع، مثل شعري الذي زيّنته بدقة، وتأني قبل أن أنزل من المنزل لشراء بعض الاحتياجات. وقتها كنت في المرحلة الإعدادية، وملامح الأنوثة بدأت تشقّ طريقها إلى جسدي على استحياء. تلك كانت المرة الأولى التي أنظر فيها في المرآة، وأنا راضية عن كوني أنثى، ودخلت على إلى غرفة أبي وأمي لآخذ قائمة الطلبات، لينفجر أبي في وجهي معنِّفاً إياي؛ لأنني أبدو "جميلةً"، ولأنني أبدو "أنثى"، وقال لي كلمةً ما زلت أذكرها حتى الآن: "هو إنتِ عايزة الرجّالة تبصّ عليكي؟!".

في كل مرةٍ كنت أنظر فيها في المرآة، وأتجمّل من أجل رجلٍ أريد الحصول على إعجابه، يجتاحني شعور بالعار والذنب، وتدمع عيني لأنني "فاسقة".

ولم يكن هذا في ذهني وقتها. كنت أريد أن أسير في الطرقات مزهوةً بنفسي، كأنثى تشقّ طريقها نحو الحياة، ولكن الطريقة التي قال بها أبي تلك الجملة، جعلتني أشعر بعارٍ وندمٍ وإحساسٍ بالذنب، أستطيع أن أتذكّرهم جيداً حتى هذه اللحظة، وأنا أكتب هذه الكلمات، لأنهم عاشوا معي سنوات طويلة بعد ذلك. في كل مرةٍ كنت أنظر فيها في المرآة، وأتجمّل من أجل رجلٍ أريد الحصول على إعجابه، يجتاحني شعور بالعار والذنب، وتدمع عيني لأنني "فاسقة"، أريد أن "يبصّ عليّ الرجّالة"، وهذا لم يمنعني من مواصلة تلك المتعة، ولكن منعني من الشعور بأنها من حقي، وعادةً ما كنت أبكي وحدي بعد كل متعة مسروقة.

حتى لو كانت تلك المتعة سهرةً لطيفةً مع صديقاتي تأخرت بسببها عن المنزل، فعنّفتني أسرتي إلى أن نمت باكيةً نادمةً على أني خرجت من الأساس، شاعرةً أن متعتي التي قضيتها منذ ساعات قليلة لها ثمن، مروراً بالمتع الأكبر قليلاً، مثل هذا الشاب الذي انتظرني عند باب المدرسة لنسير في شارع بجوار المدرسة، ونخطف لمسة يد سريعة، وما فعلته أمي بعد أن عرفت ما حدث، من تعنيفي، ولهذا الشاب الذي كان جاري في الأساس، وأمي تعرفه جيداً، وكلما تذكّرت لمسة اليد والقشعريرة الممتعة التي تصحابها، تذكّرت التعنيف والبكاء والشعور بالعار الذي صدّرته أسرتي لي، على تلك اللمسة السريعة البريئة.

وصولاً إلى مرحلة الاستمناء، وكل ما صاحبها من شعور بالذنب، والعار، والندم، وكأنني أعبث بجسدٍ غير جسدي، وكأن هذا الجسد ملك للآخرين، وما أفعله وحدي في فراشي ليلاً؛ تُعلَّق بسببه مشانق الذنب والعار في مخيّلتي من كل فردٍ أراه في الصباح، وكأنه رآني، وشاهد ما فعلته ليلاً. هو شعور دائم بالندم والذنب يجعلني أبكي طالبةً التوبة، وكأني أقتل نفساً بغير حق.

الإحساس بالذنب، بالنسبة إليّ كمرأة عربية، هو إحساس مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمتعة، بدءاً من أبسط المتع، مثل شعري الذي زيّنته بدقة، وتأني قبل أن أنزل من المنزل لشراء بعض الاحتياجات

تلك المشاعر السلبية تجاه المتعة كلها بجميع أنواعها، ترسّخت داخلي، وأنا لم أصل حتى إلى عمر السابعة عشر. قضيت مراهقتي بين سلسلة متواصلة من مصارعة هرمونات جسدي، ومطالبتها بنداء الطبيعة بين الحب والرومانسية والجنس والأورغازم، وبين الخوف والندم والشعور بالعار الذي ينتظرني إذا استسلمت لتلك المتع التي تلوح لي من بعيد.

لم أستطع التخلص من تلك المشاعر السلبية المرتبطة بالمتعة والجنس، بمفردي، فقد كانت رحلةً طويلةً من العلاج النفسي مع طبيب، والعلاج الروحي مع مدرّب تأمّل جنت ثمارها بعد أن تعدّيت الثلاثين عاماً. وتلك الأعوام الماضية من عمري كلها، والتي كانت يجب أن تكون الفترة الأكثر اختباراً للمتعة واكتشافها، لم تكن سوى سلسلة من الهروب والتعب والخوف والندم والبكاء بعد كل متعة.

تلك الرحلة التي أريد اختصارها على الكثير من النساء اللواتي يقرأن هذا المقال، وأقول لهن شيئاً واحداً: جسدك ملكك وحدك، فلتفعلي به ما تشائين، طالما لم تؤذي شخصاً آخر. المتعة يا عزيزتي جزء من حياتنا، وإن لم نشعر بها، فما فائدة حياة مليئة بالمسؤوليات والألم والفقد والمعافرة من أجل تحقيق الأحلام. متعتك، وخاصةً الجنسية، حق لا يجب أن تتنازلي عنه، وفي الوقت نفسه لا تشعري بعده بأي ذنب، بل أشعري بتحرر جسدك، وامتلاكك إياه.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard