شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
الخوف من أن تكون تحت

الخوف من أن تكون تحت "الميكروسكوب"... أو "القلق الاجتماعي"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 18 نوفمبر 202101:00 م

مما سمعته من مصابين بقلق اجتماعي، أو يعتقدون أنهم مصابون به، إنه اضطراب يؤدي إلى انعدام الرغبة بأي نوع من التفاعل مع من هم خارج الدائرة المقربة، أو المقربة جداً، بسبب الخوف والإرباك الشديدين. الأمر ناتج من عوامل كثيرة. أما المشاعر فهي خليط لونه بين الرمادي والكحلي ربما.

يخشى المصاب من أن يكون تحت "الميكروسكوب" لأي سبب كان. لا يريد أحد أن يطلق عليه أي حكم، وإن كان هذا الحكم متمحوراً حول ملاحظة الغير بأنه "شخص خجول"، أو "سريع التحدّث"، أو أن "وزنه ازداد أو نقص"...، بمعنى أن الملاحظة قد تكون من أي نوع وشكل.

من يعاني "القلق الاجتماعي" يشعر بخوف مبالغ فيه إزاء المناسبات الاجتماعية. قد يدرك أنه خوف غير منطقي، ولكنه يفشل في السيطرة على الكمّ الهائل من المشاعر التي تجتاحه حينذاك.

يخشى المصاب بالقلق الاجتماعي من أن يكون تحت "الميكروسكوب" لأي سبب كان. لا يريد أحد أن يطلق عليه أي حكم، وإن كان هذا الحكم متمحوراً حول ملاحظة الغير بأنه "شخص خجول"، أو "سريع التحدّث"، أو أن "وزنه ازداد أو نقص"...، بمعنى أن الملاحظة قد تكون من أي نوع وشكل

"عجز نفسي"

"هو مثل العجز النفسي الذي يمسّ تعاملك مع المحيط. يمنعك القلق الاجتماعي من القيام بأبسط المهام اليومية التي تحتوي على اتصالٍ مع أشخاص خوفاً من أن هذه المواقف قد لا تمرّ كما هو مخطط لها، أو قد تعرّضنا لإحراج ما". تقول لي هذه الكلمات سامية، وهي طالبة مغربية تدرس الاقتصاد والتجارة، في وصفها للقلق الاجتماعي. وعن المشاعر أو الأفكار التي ترافقها قبل اضطرارها إلى القيام بمهمة ما لا ترغب فيها، تشرح: "أقوم بالمستحيل لتفادي المواقف الاجتماعية، لكن إن لم يكن هناك مفر، فأقوم قبلها بكثير بوضع نموذج مثالي لهذا الحدث، ثم أبدأ بتخيّل أسوأ السيناريوهات الممكنة إذا لم يمش الأمر كما خططت له، وهذا ما يضاعف التوتر والرغبة في التراجع".

"أقوم بالمستحيل لتفادي المواقف الاجتماعية، لكن إن لم يكن هناك مفر، فأقوم قبلها بكثير بوضع نموذج مثالي لهذا الحدث، ثم أبدأ بتخيّل أسوأ السيناريوهات الممكنة إذا لم يمش الأمر كما خططت له، وهذا ما يضاعف التوتر والرغبة في التراجع"... ما قد لا تعرفونه عن القلق الاجتماعي

وتشير إلى أن مشاعر ضعف وعجز تنتابها في الموقف الاجتماعي غير المرغوب فيه، لعدم قدرتها على القيام بالأشياء البديهية في نظر محيطها.  

وتعيش الشابة المغربية هذا النوع من القلق في مواقف عديدة، تذكر منها مقابلة شخص ما لأول مرة، أو عند مقابلة شخص غير مقرّب، وفي "الاختبارات الشفوية".

وتعتقد أن أبرز عامل في الإصابة بالقلق الاجتماعي هو "غياب الثقة بالنفس والهوس بالمثالية، وطريقة التربية، لأن وجود آباء لديهم مشاعر حماية مفرطة تجاه أبنائهم يستولد خوفاً لدى الشخص من العالم الخارجي".

وتضيف أن تهدئة النفس في المواقف الاجتماعية "شبه مستحيلة" لأن الموضوع خارج السيطرة أساساً. "كل ما يمكنني فعله هو محاولة تنظيم التنفّس لأجل إكمال الموقف بأقل الأضرار"، تقول سامية.

"كل ما يمكنني فعله هو محاولة تنظيم التنفّس لأجل إكمال الموقف بأقل الأضرار"

وهل لجأتِ إلى طبيب نفسي؟ تجيب: "لجأت، وكل ما وجدته هو أدوية تقلل من أعراض القلق والتوتر لكن تأثيراتها الجانبية أكثر من منافعها، فقررت إيقاف العلاج". 

"حياتي شبه متوقفة بسبب القلق الاجتماعي. دائرة معارفي تقلصت إلى أن أصبحت شبه منعدمة، وفي الدراسة لمجرد أنك لا تتفاعل شفهياً فأنت مصنف في خانة 'الأغبياء'. باختصار القلق الاجتماعي مقبرة الفرص"، تقول سامية. وتختم: "يصنّف الشخص الذي يعاني القلق الاجتماعي غالباً بأنه Rude (وقح) ولا يحبّ التفاعل مع محيطه بينما هو في الأصل غير قادر على فعل هذا. يرونه هكذا لأن أعراض الاضطراب كثيراً ما يشعر بها المصاب فقط! ولا تكون ظاهرة للأشخاص الآخرين".

"عقدة حياتي"

لروان، شابة فلسطينية تعمل في المجال التطوعي، مشاعر مشابهة أيضاً. تقول إن "القلق الاجتماعي حالة واضحة بالرغم من أنها عقدة حياتي. أعلم ما الذي أخافه ولكنني في الوقت ذاته غير قادرة على التحكّم بالأمر".

تنتابها مشاعر مختلفة. تشعر برهبة وتسارع في دقات القلب تارة، وبالتبلد تارة أخرى. تخشى من كثرة الناس، ولكن الأمر لا يقتصر على حضورها الفيزيائي وسطهم، فمكالمة هاتفية قد تخلق نفس المشاعر لديها. تقول: "أشعر بعدم ارتياح حينما أكون محط أنظار، أشعر أنني أخاف الناس وآرائهم. مثلاً، أخاف أن يحكمون عليّ". 

كيف تتصرّفين في الموقف نفسه؟ ترد: "أتنفس بعمق، وأحاول إقناع نفسي بأن كل شيء طبيعي وعلى ما يرام".

تعتقد روان أنه يمكن لكل شخص أن يكون معالجاً لنفسه، ولكن "القلق الاجتماعي" كان "كثيراً عليها" على حد وصفها، ولهذا لجأت إلى العلاج الدوائي لدى مختص قبل ثلاثة أيام. تقول: "أتمنى أن يفيدني العلاج الدوائي، وأن أدمج معه العلاج السلوكي مع الوقت. على حسب كلام طبيبي، ستعمل الأدوية على تخفيف مشاعر التوتر والخوف، وسأبدأ بالقيام بتحديات بسيطة، حتى أتمكن مع الوقت من التغلّب على القلق الاجتماعي بشكل نهائي".

وتضيف أن الجانب العملي هو أكثر ما تأثر نتيجة القلق الاجتماعي لعدم مقدرتها على إنجاز ما هو بسيط في أحيان كثيرة.

تجنُّب فإحباط...

علمياً، يقول طبيب الأمراض النفسية وعلاج الإدمان علي قرقر إن القلق أو الرهاب الاجتماعي هو من صور القلق المرتكزة تحديداً على ما يخص التفاعلات مع الآخرين، وتظهر فيه الملامح المعتادة للقلق مثل تسارع دقّات القلب أو اضطراب التنفّس أو التعرّق، والأعراض الفكرية التي تؤدي إلى تجنّب مواجهة تلك المخاوف المرتبطة بالتفاعل مع الآخرين، وبالتالي وجود تأثير سلبي على العمل أو الدراسة أو الحياة الاجتماعية.

ويرجع الطبيب قرقر القلق الاجتماعي إلى التنشئة السلطوية الحازمة أو أحداث مأسوية في الطفولة أو النمط السلوكي المائل إلى تجنب المبادرات، إذ يميل هذا النمط إلى إظهار ردود أفعال مبالغة وسلبية على الأغلب تجاه التجارب الجديدة.

ويضيف: "يعاني المتعايش مع القلق الاجتماعي من ترقّب مصحوب بتفكير زائد ومزعج تجاه التفاعل مع الآخرين وإن كان التفاعل هاتفياً، ومن الانتباه الزائد تجاه ملامح ظهور قلقه أمام الآخرين، كتخوفه من رؤية ارتعاش بجسده أو احمرار بوجهه أو ارتعاش بصوته، ثم يدخل في حلقة مفرغة يجلب فيها القلق مزيداً من القلق، وللأسف، فإن تراكم تجارب كتلك يؤثر حتماً على الثقة بالنفس ورؤية الشخص لقدراته على التعامل مع تلك المواقف. ثم يميل العقل لتهويل تجربة التواصل مع الآخرين. واستتباعاً، فالسلوك الذي قد يبدو أكثر أمناً له هو محاولة تجنب الأمر".

ويتابع: "التجنّب والبقاء في العزلة من النادر أن يصلحا الأمر ويخففا المشاعر بل على العكس، سيشعر الشخص نتيجة التجنّب بالمزيد من المشاعر السلبية كالذنب والإحباط والمزيد من القناعات السلبية كعدم القدرة على الإنجاز". 

"التجنّب والبقاء في العزلة من النادر أن يصلحا الأمر ويخففا المشاعر بل على العكس، سيشعر الشخص نتيجة التجنّب بالمزيد من المشاعر السلبية كالذنب والإحباط والمزيد من القناعات السلبية كعدم القدرة على الإنجاز"... عن القلق الاجتماعي

"الأمر، وإن كان مؤلماً، قابل للحل"

وما الفرق بين القلق الاجتماعى والانطوائية؟ يجيب قرقر: "تعتبر الانطوائية ميلاً عادياً بالشخصية إذ يشعر الشخص عند الاختلاء بنفسه بالتجربة المريحة أو الممتعة نفسها التي يحظى بها غير الانطوائي أو الاجتماعي في خروجه من المنزل وتفاعله مع الآخرين، وبالتالي فمن النادر أن يرافق الانطوائيين الخوفُ المصحوب بالتهويل أو التأثيرات السلبية على الحياة العملية أو الدراسية".

ما الذي يمكن فعله لتجنّب الإصابة من الأساس؟ جوابه: "منذ الطفولة، قد تظهر أعراض بعض اضطرابات القلق المرتبطة بالمرحلة العمرية تلك، كالقلق من الغرباء أو القلق من الانفصال كما قد يظهر النمط السلوكي المائل لتجنب التجارب الجديدة، وبالطبع فإن التوعية بطبيعة تلك المشاكل وأثرها الآني والمزمن، والتوعية بأساليب التنشئة ذات الأثر السلبي قد تغير من نمط تطور الاضطراب".

ويشير الطبيب قرقر إلى أن التجارب السلبية المتكررة والمزمنة ستكوّن العديد من القناعات السلبية المترسخة المؤثرة على الثقة بالنفس والاعتقاد بعدم القدرة على الإنجاز، وتالياً تؤثر بشدة على الحياة الأكاديمية والوظيفية وعلى العلاقات الاجتماعية عموماً والعاطفية تحديداً، كما أن بعض الحالات سوف تشهد محاولات للاستشفاء الذاتي باعتماد مواد مخدرة وبعض الحالات قد يصاحبها التفكير الانتحاري.

وينصح بتمارين الاسترخاء وتحديد أهداف وأولويات تساعد في بناء نمط سلوكي يحفظ للشخص قدرته على النظر للحياة على أنها ممتعة وثرية. يقول: "ولعل أهم ما قد يساعد المتعايش مع الرهاب الاجتماعي أو القلق الاجتماعي هو التركيز والتعاطي بنوع من التقدير مع الحالة الشعورية وعدم تجاهلها والتأكيد على أن ما يمر به من مشاعر هي مشاعر مؤقتة، وأن ما تنتجه تلك المشاعر من أفكار هو غير حقيقي وإنما نتاج العقل المتخوف ومحاولاته الفطرية للجوء للأمان، وأن الأمر، وإن كان مؤلماً، قابل للحل".

وهل أثّر وباء كورونا على من كانت لديهم أعراض طفيفة مثلاً؟ يجيب: "ربما قد يكون لحالة العزلة المرتبطة بإجراءات الغلق والتباعد بعض الأثر لدى البعض عند عودتهم للحياة الطبيعية، لكن لا أعتقد أن للأمر أثراً عاماً أو خطيراً أو مستداماً".

وهل تزيد مواقع التواصل من القلق الاجتماعي أم تنقصه؟ وهل تعد مواقع التواصل "حلاً" للأشخاص الذين يعانون القلق الاجتماعي أم أنه يزيد الأمر سوءاً؟ يجيب الطبيب: "الأمر مختلف من شخص إلى آخر، كما أن أهدافنا قد تختلف. هل نركّز على الاضطراب وحلّه أم على تحسين جودة الحياة؟".

ويتابع: "المؤكد أن كثرة لجوء المراهقين لمواقع التواصل الاجتماعي على حساب التفاعل الواقعي قد تنذر بخطر تكوّن أشكال من القلق الاجتماعي".

ويوصي بعدم البقاء في العزلة. ويختم: "اعرفْ المزيد عن الاضطراب وتعلم تقنيات الاسترخاء البسيطة كالتنفس، وتدرجْ في التعامل مع المخاوف، واطلبْ المساعدة المختصة إن استدعى الأمر".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard