شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
لبنان يحترق... الدولة غائبة وغابات الجنوب تحت رحمة

لبنان يحترق... الدولة غائبة وغابات الجنوب تحت رحمة "أمن" حزب الله

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 16 نوفمبر 202105:00 م

يشهد لبنان موجةً جديدة من الحرائق التي أصبحت أمراً سنوياً اعتيادياً مع اشتداد عوامل التغيّر المناخي، وغياب السياسات البيئية اللازمة، فضلاً عن المصالح الشخصية. هذه المرة كان لمنطقة الجنوب الحصة الأكبر من الكارثة، مع إمكان تكرارها، سواء أكانت مفتعَلةً أم طبيعيةً، في ظل غياب أي خطة من الدولة للحدّ من آثار الكوارث على الثروة الخضراء في الجنوب تحديداً، ولبنان عموماً.

واندلعت حرائق عدّة في جنوب لبنان، في كل من بلدات القصيبة، ومحيط باريش في قضاء صور، والمنطقة الحرجية بين الزرارية وصير الغربية، وفي وادي العزّية والحنّية، وخراج مجدل زون وجبّ سويد، وجبال البطم، وطيرفلسيه، وبرج الشمالي، والخرايب، وأرزون، وزبقين، وياطر، ودير قانون النهر، والعزّية، وسلعا، وشحور.

ويتكرر الأمر سنوياً، ففي العام الماضي اندلعت حرائق في خراج قانا، ودير قانون رأس العين، وبلدات جويا، ودبعال، ومعروب، وباريش، وجناتا، ودير قانون النهر، ومعركة، وبلدات دير سريان، وخراج العديسة، ومركبا، وحولا، وهونين، في قضاء مرجعيون. ولا ينسى اللبناني الحرائق المئة التي اندلعت قبل بضعة أيام من احتجاجات 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، والتي كانت للجنوب أيضاً حصة منها، وتحديداً في وادي سلوقي ومحيطه، والذي يتعرض سنوياً وبشكل متقطّع للحرائق، جرّاء الإهمال.

في الجنوب تحديداً يُضاف تغليب مصالح الشركات ورجال الأعمال على مصلحة البيئة، كالكسارات في الريحان والعيشية، وبناء السدود في بسري، والمصانع التي تلوّث الليطاني وتسمم مياهه، فضلاً عن الأمن الحزبي  

أحد أبرز الحلول وأكثرها فعالية هي التحريج، وهي عملية إعادة تشجير الغابات، لامتصاص التلوث والغبار من الجو، وإعادة بناء المصادر الطبيعية والنظم البيئية، والتخفيف من ظاهرة الاحتباس الحراري إذ إن الغابات تسهّل التخلص من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. ولكن هذه العملية تواجه عوائق عدة في لبنان، وهي توعوية وإدارية، كعدم إعطاء البلديات الأولوية للمسائل البيئية، "لعدم أهميتها" مقارنةً بالأوضاع المعيشية الآنية والسابقة. وفي الجنوب تحديداً يضاف تغليب مصالح الشركات ورجال الأعمال على مصلحة البيئة، كالكسارات في الريحان والعيشية مثلاً، وبناء السدود في بسري، والمصانع التي تلوّث نهر الليطاني منذ عقود، وتسمم مياهه، فضلاً عن الأمن الحزبي بسبب "خصوصية" المنطقة في الصراع الإقليمي، كما يقول ويردد المعنيون في تلك المناطق.

ففي خرائط عمل "مشروع التحريج في لبنان"، تظهر بضع بلدات فقط من أصل عشرات تتعرض سنوياً لخطر الحرائق، تم العمل فيها، ويعود السبب إلى وجود طابع أمني عسكري في الأحراج والغابات

وتعاني مبادرات تحريج الغابات في الجنوب من معوّقات أمنية، بسبب تلك الخصوصية، ففي خرائط عمل "مشروع التحريج في لبنان"، تظهر بضع بلدات فقط من أصل عشرات تتعرض سنوياً لخطر الحرائق، تم العمل فيها، وهي كوكبة، والخيام، وعيناتا، والرمادية، والقليعة، وجباع. ويعود السبب إلى وجود طابع أمني عسكري في الأحراج والغابات في جزء كبير من القرى الجنوبية ذات الأغلبية الشيعية، يحدّ من عمليات التحريج، وإعادة التشجير، أو حتى يمنعها بطريقة غير مباشرة، عبر البيروقراطية الإدارية، واحترام "خصوصية" الجنوب، حفاظاً على الأمن الذاتي لأحزاب تلك البلدات.

في هذا السياق، يقول جوزيف بشارة، الخبير في إدارة الغابات وحرائقها، لرصيف22، إن "عمليات التشجير بشكل عام في الجنوب، أصعب على المستوى ‘الإداري’، وتلك المبادرات تأخذ وقتاً طويلاً لإعطاء الأذونات لها، لأن الجنوب لديه خصائص كثيرة غير المناطق الأخرى التي تقوم فيها مبادرات التحريج والتشجير، كتنورين وبشري وعجلتون وعنجر ومقنة وغيرها من البلدات البقاعية والجبلية التي عمل فيها ‘مشروع التحريج في لبنان’، وهو أبرز المبادرات الجماعية التي تقوم بتحريج المساحات الخضراء".

ويذكر موقع المشروع أن هناك بلدتين فقط في جنوب لبنان، في الآونة الأخيرة تتعاونان في مشاريع التحريج، وهي القليعة في النبطية، والرمادية في قضاء صور، مع غياب شبه تام للمناطق الجنوبية الداخلية التي تشهد بشكل شبه سنوي حرائق من صنع البشر، أو الطقس الحار.

هناك بلدتان تتعاونان في مشاريع التحريج، وهي القليعة في النبطية، والرمادية في قضاء صور، مع غياب شبه تام للمناطق الجنوبية الداخلية التي تشهد حرائق بشكل شبه سنوي 

وفي هذا الصدد، يقول أحد الناشطين البيئيين من قضاء النبطية، والذي طلب عدم ذكر اسمه، إن "عمليات التحريج في البلدات التي تشهد حرائق، شبه معدومة، بسبب فرض أمن حزب الله، بالتعاون مع ‘بلدياته’، قيوداً على أي مبادرات قد تصل إلى الدخول إلى الأحراج والغابات التي يقيم فيها معسكراته التدريبية، وبالأخص تلك التي تُطلّ على متفرعات نهر الليطاني". وذكر الناشط أن "هذا الأمر أيضاً خطير على المساحات الخضراء التي تتعرض للحرائق، ويَصعب على الدفاع المدني التدخل لإطفائها، كما على المبادرات البيئية في إدارة الغابات والأحراج للحدّ من اتّساعها وأضرارها".

ويوضح بشارة أن "العمل في البلدات الجنوبية اقتصر على تنظيف جوانب الطرقات فحسب، لمنع امتداد الحرائق إلى داخل البلدات، من دون الدخول إلى داخل الأحراج والغابات الجنوبية للعمل بشكل فعّال أكثر على الحدّ من أخطار الحرائق وانتشارها".

"عمليات التحريج في البلدات التي تشهد حرائق، شبه معدومة، بسبب فرض أمن حزب الله، بالتعاون مع ‘بلدياته’، قيوداً على أي مبادرات قد تصل إلى الدخول إلى الأحراج والغابات التي يقيم فيها معسكراته التدريبية"

الحرائق المنتشرة في بلدات الجنوب تحديداً، وعدم القدرة على مكافحتها بالشكل المطلوب، أثارت ردود فعل سلبية على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ لام الجمهور المؤيد لحزب الله غياب الدولة الدائم عن الجنوب، وإهمالها إياه، مع تصاعد سردية المظلومية والحرمان في منشورات المؤيدين على فيسبوك وتويتر، متوجهين بالشكر حصراً إلى عناصر الهيئة الصحية الإسلامية التابعة لحزب الله، وجمعية الرسالة للإسعاف التابعة لحركة أمل.

وفي المقابل، طرح المعارضون للثنائي الشيعي، وحتى بعض الصحافيين، منشوراتٍ تحاكي واقعاً في الجنوب يحدّ من عمل الدولة لصالح حزب الله وحركة أمل، إذ انتشر منشور منسوب إلى محمد شويّخ يتحدث عن توقف عمليات الجرف في وادي زبقين، وسحب الرخص في انتظار إعلان الوادي محميةً طبيعيةً (تحت ضغوط من مجموعات بيئية لهذا الإعلان منذ عام 2015)، نظراً للتنوع البيئي والحيواني الذي فيه، متّهماً حركة أمل باللجوء الى حرق المنطقة لأسباب مالية بحتة. كما اتهم غيره من مستخدمي موقع تويتر، نواب الجنوب بعدم الاكتراث بالمحميات الطبيعية والمناطق الخضراء، على حساب جني الأموال، والمشاريع الخاصة، وانتشار المناطق الأمنية المحظورة على العامة.

انتشر منشور منسوب إلى محمد شويّخ يتحدث عن توقف عمليات الجرف في وادي زبقين، وسحب الرخص في انتظار إعلان الوادي محميةً طبيعيةً، نظراً للتنوع البيئي والحيواني الذي فيه، متّهماً حركة أمل باللجوء الى حرق المنطقة لأسباب مالية 

وحسب القانون اللبناني، تتوزع ملكية الغابات والأراضي الحرجية بالتساوي بين القطاعات الخاصة والعامة والأوقاف الدينية، وتمثّل نسبة مساحة الغابات المملوكة من الدولة، نحو ثلث المساحة الكلية. ومنذ تحرير لبنان في العام 2000، أصبحت حصة من تلك الملكية بيد حزب الله. فعلى الأرض، لا تُقام أي مشاريع استثمارية أو سياحية، كالمطاعم والمنتزهات أو حتى نزهات عائلية في الأحراج التي تُقام فيها معسكرات الحزب، كما أن أهالي الجنوب أنفسهم أصبحوا يعرفون أي مناطق يجب أن يتفادوها، إن أرادوا الخروج إلى الأحراج والغابات لقضاء نهاية عطلة الأسبوع.

على الرغم من وجود قوانين "عتيقة" تحمي الثروة الحرجية والأحراج (كالقانون 85 الصادر عام 1991)، ووضع خطط لتوسيع نطاق الغابات إلى 20% من مساحة لبنان (حالياً هي 13% حسب تعريف منظمة الغذاء والزراعة الأممية)، مثل قانون الغابات الصادر عام 1949، بيد أن العمل على الأرض شبه معدوم من قبل الدولة، بسبب عدم توفر التمويل اللازم لعمليات التحريج، مع تحويل الأموال المرصودة إلى مشاريع أخرى تعدّها أكثر أهمية، كالسدود، وأخرى اجتماعية، كالبطاقة التمويلية الغائبة في ظل استمرار الأزمة الاقتصادية، كما أن الحكومات المتعاقبة في العقد الأخير لم تحدّث الإستراتيجية الوطنية لإدارة حرائق الغابات التي أقرّتها الدولة عام 2009، وساعدت في وضع الأطر القانونية لإدارة الحرائق، ولكنها لم تطبّق بشكل كامل بسبب معوّقات إدارية عدة، وتعارضها مع مصالح رجال السياسية والأعمال.

لام الجمهور المؤيد لحزب الله غياب الدولة الدائم عن الجنوب، وإهمالها إياه، مع تصاعد سردية المظلومية والحرمان

أيضاً، من إحدى وسائل الحماية التي تتقاطع مع التجاذبات السياسية، وعُرف الـ"6 و6 مكرر"، هي ملف تثبيت مأموري الأحراج الذي يحدّ بشكل كبير النيران المفتعلة من البشر. ولكن الموضوع لا يزال عالقاً عند رئاسة الجمهورية، بسبب عدم وجود العدد الكافي من المسيحيين الذين قدّموا على الوظيفة، وذلك كي تحافظ الرئاسة الأولى على "التوازن الطائفي" في التعيينات الوظيفية، بغضّ النظر عن اندلاع العديد من الحرائق قبل شهرين، في جرود عكار والهرمل والشوف، والأسبوع الماضي في مناطق جنوبية عدة، وبيت مري، والمونتي فيردي، وبرمانا، وغيرها، وليس هناك سبب طبيعي منطقي أدى إلى حرائق الأسبوع الماضي، بسبب انخفاض درجات الحرارة.

ويقوم عمل مأموري الأحراج على المراقبة الدائمة للأحراج والغابات، ومن يدخل إليها ويخرج منها، كما يدققون بأوضاع الشجر والنباتات، والتواصل مع الجهات المعنية بشكل مباشر، في حال حدوث أي خلل، أو لتجنّب الحرائق. وهذا الأمر يأتي بالتوازي مع عمليات التحريج، وإعادة التشجير، لتقليص نسب حدوث الحرائق، أو أضرارها، في حال حدوثها وخروجها عن السيطرة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image