يبدو أنّ "العصر الذهبي" للجمال الذي عاشته نساء لبنان في العقود السابقة بات "حقبة ماضية" ستترحم عليها اللبنانيات. فبعد أن كانت المرأة اللبنانية مثالاً للجمال والتألق، إضافة لاهتماماتها الأخرى التي تصب في دوائر مختلفة منها الثقافة والفن والسياسة وما يدور في العالم من حولها، ها هي اليوم تواجه أزمة اقتصادية حادة جعلت من أبسط احتياجاتها "كماليات" لا تقدر على اقتنائها.
هي أزمة أثرت على النساء بشكل كبير وتركت أكثر من 75% من المقيمات في لبنان خارج دائرة النشاط الاقتصاديّ. أمّا العاملات من اللبنانيات، فتزايدت نسبة البطالة عندهنّ تدريجياً لتصل إلى 25% من إجمالي النساء العاملات.
أخطر ما في هذه الأرقام، أنها فرضت واقعاً جديداً على المرأة وفق قاعدة "ع قد معاشك مد إجريك"، ليصبح السؤال: هل يبقى من هذا "المعاش" ما يمكن تخصيصه لاهتمام المرأة بنفسها؟
ومع فقدان الليرة اللبنانية 90% من قيمتها، ومع حد أدنى للأجور لا يتجاوز الـ 675 ألف ليرة، أي ما يعادل 30 دولاراً وفق دولار السوق السوداء اليوم، ومع تراوح رواتب ما كان يعرف بـ"الطبقة الوسطى" التي باتت بغالبيتها فقيرة في لبنان، بين مليون ومليوني ليرة أيّ 50 إلى 100$، تُصرف على كهرباء المولد والمواصلات والسكن والغذاء والتعليم والطبابة... كيف تغيّر نمط عيش المرأة اللبنانية بعد الأزمة؟ وكيف أثّر هذا التغيير على صورتها تجاه نفسها؟ وما تأثير كلّ ما يجري على صحة النساء النفسية؟
يبدو أنّ "العصر الذهبي" للجمال الذي عاشته نساء لبنان في العقود السابقة وجعلهن على قائمة "أجمل نساء العالم"، بات "حقبة ماضية" ستترحم عليها اللبنانيات
النظافة الشخصية... "مكلفة"!
تضرّرت النساء بشكل خاص من الأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان، حتى أصبح حصول المرأة على "الأساسيات" صعب المنال. فقد أظهرت دراسة نشرتها منظمة في-مايل أن "76.5 في المئة من النساء والفتيات في لبنان عبّرن عن صعوبة الوصول إلى مستلزمات الدورة الشهرية بسبب الزيادة الحادة في الأسعار".
فالفوطة الصحية التي كان سعرها لا يتجاوز الـ 6 آلاف ليرة عندما كان الدولار يساوي 1500 ليرة، باتت تكلف اليوم 30 ألف ليرة، أي 5 أضعاف سعرها، وسط ثبات الأجور وتآكلها بعد رفع الدعم عن جميع المواد.
كما أنّ التسعير وفق دولار السوق السوداء، جَعَلَ أسعار مستحضرات العناية بالجمال والنظافة الشخصية "خيالية". نستعرض فيما يلي أسعار بعض الأسعار "التقريبية" لتلك المنتجات، بما أنها أسعارها تتغير يومياً!
فغسول الوجه يكلف حوالي الـ50 ألف ليرة، فيما عبوة الشامبو محلية الصنع تباع بحوالي 40 ألف ليرة، والمستوردة بـ 100 ألف ليرة وأكثر، وذلك بحسب النوعية.
وأرخص مزيل للعرق، يبدأ سعره بـ 50 ألف ليرة. أما طلاء الأظافر فقد يصل سعره إلى 200 ألف ليرة خسب علامته التجارية. والفرق شاسع بالأسعار بين مستحضرات التجميل لبنانية الصنع وتلك المستوردة، ما شجّع استهلاك الصناعة المحلية.
أثرت الأزمة الاقتصادية على النساء بشكل كبير وتركت أكثر من 75% من المقيمات في لبنان خارج دائرة النشاط الاقتصاديّ. أمّا العاملات من اللبنانيات، فتزايدت نسبة البطالة عندهنّ تدريجياً لتصل إلى 25% من إجمالي النساء العاملات
فقناع تنظيف الوجه المصنع محلياً قد يباع بـ 30 ألف ليرة، بينما يباع ذو العلامة التجارية العالمية بما فوق الـ150 ألفاً. أما مزيل المكياج المحلي فيباع بـ 40 ألفاً، والمستورد بـ 200 ألفاً، فيما أرخص كريم لليدين يباع بـ 30 ألفاً.
وعالم المكياج ليس أفضل حالاً، فكريم الأساس "الفاونديشن" يبدأ سعره بـ 100 ألف ليرة ويصل إلى ما فوق الـ400 ألفاً، فيما علبة ظلال العيون تبدأ بالـ100 ألف ليرة، وأحمر الشفاه الذي كان يباع سابقاً بـ 30 ألف ليرة، يباع اليوم بـ400 مئة ألفاً!
كلفة القص والصبغة وصلت إلى الـ4 ملايين و800 ألف ليرة
ومَن من اللبنانيات لا تعتني بشعرها ومظهرها عموماً، وهنّ المعروفات بتميّز إطلالتهن. لكن مع الأزمة الاقتصادية الخانقة، باتت أسعار خدمات التجميل باهظة، ولم يعد ممكناً لأغلب اللبنانيات اليوم الاهتمام بأنفسهن كما اعتدن في السابق.
في هذا السياق، يؤكد مصفف الشعر سامر خليل أنّ النساء حالياً يطلبن الخدمات الأساسية فقط، وأنّ معدل زيارة النساء لصالونات التجميل انخفض بنسبة أقلها 50 أو 60%. وهو ما دفع قرابة 65% من صالونات التجميل في لبنان إلى الإقفال، بحسب ما أكّد رئيس نقابة أصحاب صالونات التزيين النسائي أكرم رضوان.
هذا ويؤكد خليل أنه قبل الأزمة كانت كلفة قصّ الشعر مثلاً تتراوح بين الـ30 والـ40 ألف ليرة لبنانية وهي اليوم بحدود 150 إلى 200 ألف ليرة على أقل تقدير، فيما ارتفع سعر صبغة الشعر من قرابة 80 ألف إلى حدود 250 ألف. أمّا الـLow light والـHigh light اليوم فأصبحت تكلفتهما تتراوح بين المليون والمليوني ليرة.
كما عمدت بعض صالونات منطقة ضبيّة لتسعير خدماتها بالدولار، لتصل خدمات القص التي تقدمها إلى 600 ألف ليرة، وخدمة الـLow light والـHigh light إلى 4 ملايين و500 ألف ليرة، أي 200 دولار. فالمرأة التي تقصد هذه الصالونات عليها أن تتوقع دفع ما يوازي 7 أضعاف الحد الأدنى للأجور في لبنان إذا أرادت قصّ شعرها وصبغه!
الأزمة تفرض التغيير
مع أن زوجها يتقاضى راتبه بالدولار من الخارج، ويرسل لها مبلغاً مالياً أول كل شهر، تشعر دانيا عزام (40 عاماً)، كأنها ترتكب "خطيئة" في كل مرة تشتري فيها أموراً تصرفها على الاهتمام بمظهرها الخارجي، لأن عائلتها وأولادها "أحق بتلك الأموال"، كما أن الوضع العام في البلاد يشعرها أنها تصرف المال "ببطرٍ"، فيما بعض العائلات "قد لا تجد عشاء لأطفالها".
مع أن زوجها يتقاضى راتبه بالدولار من الخارج، ويرسل لها مبلغاً مالياً أول كل شهر، تشعر دانيا عزام كأنها ترتكب "خطيئة" في كل مرة تشتري فيها أموراً تصرفها على جمالها الخارجي، لأن عائلتها وأولادها "أحق بتلك الأموال"
ولا تنكر عزام أنها من المهتمات بجمالهنّ، لكنها لم تكن لتعالج وجهها عند طبيب تجميل "بكلفة باهظة الثمن"، لو لم تكن هذه إرادة زوجها، فرضى شريكها العاطفي على شكلها الخارجي، أمر أساسي بالنسبة لها.
بدورها، خسرت ريان (30عاماً)، عملها كمعلمة في إحدى المدارس بسبب الأزمة، وباتت تعطي دروساً خصوصية، وهي التي اعتادت ألاّ تخرج من المنزل إلا "على آخر طرز"، وأن تخضع دورياً لحقن إبر البوتوكس والفيلر، اضطرت -قسرياً- لإلغائها من قاموسها وفق تعبيرها، وهي لا تتصالح مع هذا التغيير البتّة، سيما وأنها مخطوبة، ولذلك تتمنى أن تجد وزوجها المستقبلي فرصة عمل في الخارج، كيلا تُحرم من نمط عيشها السابق.
أما ريم مهنا (اسم مستعار)، وهي امرأة عشرينية تحتم عليها مهنتها وعلاقاتها الاجتماعية الإطلالة بمعايير جمالية محددة، مع أن راتبها لا يتعدى 3 ملايين ليرة أي ما يعادل الـ150$ اليوم، تصف كيف تغيرت حياتها رأساً على عقب بعد الأزمة، "فأنا التي كنت شهرياً أشتري قطعتيْ ملابس على الأقل، بتّ اليوم لا أشتري إطلاقاً وأقوم برتي ثيابي القديمة، وأستعير ملابس أمي وأضيّقها".
وما تطبقه ريم على اللباس باتت تطبقه كذلك على الأحذية، فهي تصلحها عوض شراء أحذية جديدة. وهذا الواقع إذ يفرض عليها تكرار إطلالاتها، تحاول التحايل عليه عبر تنسيق تلك الإطلالات بشكل مختلف، كأن ترتدي القميص نفسه على بنطالين مختلفين.
وأمّا عن ترددها إلى الصالونات، فبات ذهابها محصوراً فقط بتمليس شعرها مرة في الأسبوع، وتدفع حوالي 200 ألف ليرة كلفة التمليس في الشهر، وهي لم تكن لتملّس شعرها في الصالون لو لا اضطرارها لإلغاء اشتراكها بمولد الكهرباء نظراً لارتفاع كلفة الفاتورة. أما المانيكور والبيديكور وتنظيف الحواجب، فكلها باتت أموراً تفعلها بنفسها.
وعن الأثر النفسي لكل هذه التغييرات على حياتها، تشير إلى أنها مضغوطة كل الوقت، والموضوع يتسبب لها بتعاسة، فالمرأة "تحتاج الشعور بأنوثتها وإبراز جمالها، وهي تفاصيل صغيرة لكنها تؤثر على نظرتي لنفسي كثيراً وعدم قيامي بها يقلل من ثقتي بنفسي، لكن لا مفرّ من التأقلم مع الواقع".
عيادات التجميل... إقبال كثيف رغم الأزمة!
أما عيادات التجميل، فيبدو أنها "خارج الأزمة"، لا بل تصف إحدى السيدات في حديثها لرصيف22، كيف اضطرت في أوج أزمة كورونا والتباعد الاجتماعي "للانتظار في الطابور" ليحين دورها!
تؤكد المعالجة النفسية نور حافي أن التغيير في نمط حياة المرأة اللبنانية، الذي لم يأتِ بشكل تدريجي وفُرض عليها فرضاً، من شأنه أن يؤثر بشكل حتميّ على صحتها النفسية
وفي هذا الإطار، تواصلنا مع أكثر من 6 عيادات تجميل في بيروت وخارجها، ليأتينا جواب واحد: "الإقبال زاد ولم تتأثر عياداتنا بالأزمة".
وفي محاولة لفهم إقبال النساء على عيادات التجميل رغم الأزمة التي طالت 80% من السكان في لبنان على الأقل، يرى طبيب التجميل الدكتور إيلي مهنّا، بأن شريحة واسعة من النساء اللبنانيات، لا زال الاهتمام بالجمال ضمن أولوياتهن، على الرغم من الأوضاع الاقتصادية.
وعن المرأة التي تمنعها قدرتها الشرائية اليوم من إجراء عمليات التجميل، يخشى أن يؤثر هذا سلباً على نفسيتها، ويشكل إحباطاً لديها، فعمليات التجميل "تعزز ثقة المرأة بنفسها وتمدها بالطاقة الإيجابية".
من جهته، يربط طبيب التجميل بول عودة زيادة إقبال النساء على عيادات التجميل، بالعامل النفسي الذي يترافق مع الأزمات العالمية عادة، فالأزمة الاقتصادية في لبنان "جعلت بعض النساء تلجأن لعمليات التجميل كطريقة لرفع معنوياتهن وتخفيف المعاناة النفسية التي أرستها الأزمة".
كيف تحافظ النساء على صحتهن النفسية؟ نصائح أخصائية نفسية
تؤكد المعالجة النفسية نور حافي من جهتها، أن التغيير في نمط حياة المرأة اللبنانية، الذي لم يأتِ بشكل تدريجي وفُرض عليها فرضاً، من شأنه أن يؤثر بشكل حتميّ على صحتها النفسية، ذلك لأنّ أي تغيير في حياة الإنسان يرافقه ضغط نفسي كبير وقلق عالي، فكيف إذا كان هذا التغيير مفروضاً على النساء ولم يخترنه؟
وتضيف حافي أن رضا المرأة عن شكلها الخارجي يؤثر بشكل كبير على ثقتها بنفسها ورضاها عن نفسها، وهو ما له انعكاسات مباشرة على صحتها النفسية.
وتُرجّح المعالجة النفسية نور حافي أن تؤدي الضغوط الكبيرة التي تعاني منها اللبنانيات اليوم إمّا إلى الوقوع بإهمال النفس التام واللامبالاة الشديدة، أو إلى ردة فعل عكسية تدفع المرأة إلى الإفراط في البحث عن طرق الاهتمام بجمالها، لأنّ الحرمان من الشيء عادة ما يولد رغبة أقوى في الحصول عليه.
ومن هنا تنصح نور حافي بالتالي:
المطلوب من كل إمرأة شعرت بتغييرات كبيرة فُرضت عليها بسبب الأزمة الاقتصادية، ألا تكبت مشاعرها وأن تتكلم عن هذه المشاعر لأشخاص تثق أنّهم لن يحكموا عليها وتعرف أنّهم سيتفهموّنها.
والمطلوب منها أيضاً أن تفهم مشاعرها وتدرك أنّ التغيير اليوم مفروض على الجميع وأنّها ليست لوحدها.
كما تنصح النساء بأن لا يهملن أنفسهن ويحافظن على روتين العناية الذاتية الخاص بهنّ، وأن يكنّ خلّاقات في البحث عن بدائل. فقد تستغل النساء هذه الأزمة لتطوير مهاراتها في تقليم أظافرها أو تضفيف شعرها أو صبغه مثلاً، المهم أن لا يهملن أنفسهن.
وقد تكون الاستعانة بالجارات والأصدقاء المتمرسات في عالم الاهتمام بالنفس مفيدة، في حال تعذّر الذهاب إلى صالونات التجميل، كما أنّ دعم الشريك والعائلة وتفهمهم ضروري في مراحل ضاغطة كالتي نمر بها اليوم.
وفي حال شعرت المرأة أنّ الضغوطات والتغييرات المفاجئة في نمط حياتها بدأت تؤثر عليها بشكل سلبي، وأنها بحاجة لمتخصص لتتعامل مع حالتها، يجب أن لا تتردد في اللجوء إلى جلسات العلاج النفسي التي باتت تقدمها العديد من الجمعيات اليوم بشكل مجانيّ.
هذا الموضوع تم إنتاجه بدعم من برنامج النساء في الأخبار التابع للمنظمة العالمية للصحف وناشري الأنباء "وان-ايفر".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...