رُفع في الأيام الأخيرة، النقاب عن إعلان فيلم "الجدران الأربعة "The Four Walls" من إخراج الكُردي الإيراني بهمن قُبادي، وإنتاج مغني الروك البريطاني الشهير ومؤسس فرقة "بينك فلويد"، روجر ووترز، وبطولة الممثل الإيراني أمير آقایي، وعدد من الممثلين الأتراك، بالتزامن مع أول حضور عالمي له في القسم التنافسي لمهرجان "طوكيو" السينمائي الدولي الرابع والثلاثين في اليابان، وعرضه، ونیله استحسان النقاد.
وبعد العرض الأول للفيلم في مهرجان طوكيو، قارن أحد نقاد السينما في برنامج بث مباشر، الممثل الإيراني أمير آقایي بـروبرت دي نيرو، الممثل السينمائي الشهير، وفاز أمير آقايي بجائزة أفضل ممثل عن دوره في فيلم "الجدران الأربعة" في مهرجان طوكيو مع 3 ممثلين أتراك في هذا الفيلم: فاتح آل، وباريش ييلديز، وأونو بودلدو.
قصة معاناة الإنسان في العالم الحديث الصعب
يعد هذا الفيلم الذي تمّ تصويره في إسطنبول، وتم إنتاجه باللغة التركية، الفيلمَ السابع والأحدث للمخرج الإيراني بهمن قُبادي، ويروي بلغة شاعرية، قصة "بوران"، الموسيقار الكُردي الإيراني الذي يقيم في إسطنبول. يعمل بوران لسنوات عديدة لشراء بيت يطلّ على البحر كما وعد زوجته به، ويصطحب زوجته وطفله إلى هناك حتى يتمكنوا من العيش معاً. وبعد مرور الوقت، وفي أحد الأيام، عندما يعود بعد أشهر إلى منزله برفقة زوجته وطفله يرى بوران أنه تم بناء مبنى كبير أمام منزله، مما يمنع رؤيته للبحر تماماً. ومن هذه اللحظة يبدأ كفاح بوران لإعادة منظر منزله المواجه للبحر، وخلال كفاحه تجري له أحداث مأساوية.
يحاول المخرج الذي أنتج فيلمه باللغة التركية بشجاعة لا يقوم بها أي مخرج، رواية ومعاناة "بوران" في العالم الحزين الصعب المحيط به وقضايا هذا العالم التي تبدو لا حلّ لها.
روجر ووترز: "أصبحتُ من أشد المعجبين ببَهمن منذ عرض فيلمه (زمن الخيول السكرى)"
وربما، يعود سبب تعاون روجر ووترز مع بهمن قبادي، إلى إعجابه به وبأفلامه، وهو ما عبر عنه ووترز على صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي، بمناسبة عرض فيلم "الجدران الأربعة"، حيث قال: "أصبحتُ من أشد المعجبين ببَهمن منذ عرض فيلمه (زمن الخيول السكرى)"، وعبر عن أنه فخور بالعمل معه.
كما يعود هذا التعاون إلى صداقة حميمة بين قبادي وووترز، والتي هكذا تحدث عنها قبادي: "من أوائل الأفلام التي شاهدتها كان فيلم Alan Parker's The Wall، والذي كان مبنياً على موسيقى فرقة بينك فلويد. منذ تلك اللحظة، وقعت في حبّ بينك فلويد والطريقة التي عبروا بها عن آرائهم من خلال الموسيقى. هذه الموسيقى كانت دائماً في خيالي رغم أنني لم أكن أعرف روجر ووترز، ولم أكن أحلم أبداً أن تأخذني تطورات الحياة ذات يوم من بانِه وسَنَنْدَج إلى مكان يتقاطع فيه طريقي مع روجر ووترز".
"ذات يوم، أثناء الاستماع إلى اذاعة بي بي سي، سمعت روجر يتحدث عن أفلامي ويعرب عن وجهات نظره المتناغمة حول وضع الأكراد ومحنة النازحين. بعد ذلك، وجدت طريقة لإرسال رسالة إلى روجر أعربت فيها عن أنني تعلّمتُ منه الكثير، وأنني أقدّر آراءه حولي وحول الأكراد. كانت هذه التجربة شرفاً عظيماً بالنسبة لي".
ويضيف قبادي: "منذ ذلك الحين، حافظنا على صداقة كبيرة، وقمنا برحلة إلى المنطقة الكردية في شمال العراق. خلال رحلاتنا، شاهدت التصرف الإنساني لروجر واحترامه للإنسانية والمحرومين. كان مهتماً بشكل خاص بحقوق النساء والأطفال. طلب مني مرافقته من زيورخ إلى أربيل، حيث كان في مهمة لتحرير طفلين أسيرين من أيدي داعش. كانت هذه هي المرة الأولى التي تمكنت فيها من رؤية الرجل الكامل لروجر ووترز".
"خلال ذلك الوقت، تمكنت من إدراك عمق المعرفة والفهم اللذين كانا لدى روجر بشأن كردستان. وتمكنت أيضاً من فهم نظرته إلى الفن والسينما الكردية. أقول كل هذا للتعبير عن أنه واحد من أكثر البشر اكتمالاً بين الذين قابلتهم على الإطلاق. واليوم، أشعر بفخر كبير لأنني أحظى بدعمه الكامل في إخراج وإنتاج فيلم عن فنان كردي في إسطنبول. شكراً لك على إنسانيتك يا روجر ووترز!.".
لقطة من فيلم "الجدران الأربعة"
من هو بهمن قُبادي؟
ولد بهمن قُبادي، أحد أهم المخرجين الأكراد، عام 1969 في مدينة بانِه الكُردية الواقعة في محافظة كردستان غرب إيران، على بعد 20 كم من الحدود الإيرانية العراقية. وبعد قصف مدينة بانه خلال الحرب العراقية الإيرانية، نزحت عائلته عام 1983 إلى مدينة سنَنْدج مركز المحافظة. عندما كان طالباً انضم إلى نادي السينما للشباب في سنندج، وقام بإخراج أفلام قصيرة. أخرج عشرة أفلام قصيرة بين عامي 1995 – 1999، والتي فازت بالعديد من الجوائز المحلية والدولية في عدة مهرجانات، ومن بين الجوائز كانت جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان كليرمونت فيراند عن فيلمه "الحياة في الضباب" (Life In The Fog).
انتقل في ما بعد إلى طهران لمتابعة دراسة السينما في الجامعة، ولكنه ترك الدراسة الجامعية قبل التخرج. وتعرف على المخرج الإيراني الشهير عباس كيارستمي خلال مساعدته له في إخراجه فيلم "ستحملنا الريح" في كُردستان إيران.
ولاحقاً، التقى بهمن بمُحسن مَخمَلباف، السينمائي الإيراني البارز الذي كان والد صديقته سميرا، وعمل معه كمستشار تقنيّ، وتابع مشواره مع عائلة مخْملباف، وقام بدور إحدى الشخصيتين الرئيسيتين في فيلم سَميرا مخْملْباف "السبورة السوداء” (The Black Board).
أعمالي السينمائية ترصد قضايا الانسان في إيران، وكل ما أعمله، أنني أفتح كاميرتي على الهموم والآلم بلا زيف وبلا كذب
التعرف على كيارستمي ومخملباف كانت فرصة كبيرة وثمينة لبَهمن، حيث قام بعد ذلك بإخراج فيلمه الطويل الأول "زمن الخيول السكرى" (A Time For Drunken Horses) الذي اعتُبر ولا يزال من الأعمال السينمائية الإيرانية المرموقة، كما يعتبر تحفة قبادي الفنية، والذي حصل على جائزة الكاميرا الذهبية في مهرجان كان عام 2000. يروي الفيلم قصة شباب أكراد يكسبون معيشتهم من التهريب عبر الحدود العراقية الإيرانية، رغم المخاطر الكبيرة التي تهدّد حياتهم.
في فيلمه الثاني، "أغاني وطني الأمّ" (The Songs of My Mother’s Country) يروي قبادي قصة مغنٍّ عجوزٍ واثنين من أولاده، وهُم في رحلة بحث عن زوجته العجوز الأولى، فتمضي بهم الرحلة إلى كُردستان العراق التي دمرتها الحرب، وغادرها سكانها. قال قُبادي عن الفيلم: "أردت أن أقول إن الكُرد ليسوا مستقرين، بل هم في حالة دائمة من عدم الاستقرار والانتقال".
لقطة من فيلم "الجدران الأربعة"
في فيلمه "السّلاحف أيضاً تستطيع الطيران" يحكي بهمن قصة مجموعة من الأطفال الأكراد في شمال العراق بالقرب من الحدود الإيرانية العراقية أثناء سقوط نظام صدّام في العراق في 2003. وهو الفيلم الأول الذي تمّ تصويره في العراق بعد سقوط صدام حسين.
فيلمه "نصف القمر" فاز بجائزة سان سباستيان الكبرى عام 2006، وحجب عن العرض في ايران، وحظرت السلطات الإإيرانية عليه إخراج الأفلام. واعتبرت السلطات الإيرانية أن الفيلم يدعو إلى "الانفصال" أي انفصال الأكراد عن إيران.
وبعد إخراج فيلمه "لا احد يعرف شيئاً عن القطط الإيرانية" الذي افتتح به مهرجان كان عام 2009، والذي صوّر العديد من فرق الروك الإيرانية الممنوعة وواقع الشباب الإيراني ومحاولات تمرّده على منع الموسيقى في إيران، دخل بهمن السجن، ومن ثمّ قرر الخروج من إيران، والعيش في المنفى.
في فيلمه "موسم وحيد القرن" ببطولة الممثل الإيراني المخضرم والمطرود من قبل النظام، بِهروز وُثوقي، والنجمة الإيطالية مونيكا بلوتشي، حاز على عدة جوائز عالمية، وهو "فيلم شاعري عن حياة فنان انقطع عن الحياة لمدة 30 عاماً، بسبب شخص اتهمه وزوجته بتهمة سياسية باطلة، ليودعهما في السجن لثأرٍ شخصي"، كما يقول مخرجه.
أهدى قُبادي هذا الفيلم إلى صانع جاله، الطالب الإيراني الذي فقد حياته خلال احتجاجات 2009، وفَرزاد کَمانگَر، السجین الکردي الذى أعدم في إيران عام 2010 بتهمة الإخلال بالأمن القومي، وإلى كل المعتقلين السياسيين في السجون الإيرانية.
فاز فيلم "السّلاحف تستطيع الطيران" (Turtles Can Fly) بجائزة أفضل فيلم في مهرجان سان سباستيان السينمائي في إسبانيا عام 2004، كما فاز بجائزة السلام في مهرجان برلين السينمائي الدولي لعام 2005. وفيلم "موسم الكركدن" حاز عدة جوائز عالمية، منها أفضل تصوير بمهرجان سان سيباستيان السادس بإسبانيا، وأفضل تصوير أيضاً بمهرجان آسيا باسيفيك (APSA)، إلى جانب جائزة الضفدع البرونزي بالدورة العشرين لمهرجان CAMERIMAGE البولندي الدولي. ووضع فيلم "السلاحف تطير أيضاً"، ضمن قائمة أفضل 100 فيلم بلغة غير إنكليزية في تاريخ السينما العالمية.
لم يتوان قبادي في إظهار مواقفه السياسية في أفلامه، يقول: "أعمالي السينمائية ترصد قضايا الإنسان في إيران، وكل ما أعمله، أنني أفتح كاميرتي على الهموم والآلام بلا زيف وبلا كذب". ويقول أيضاً أنه "لا يريد أن يصنع الأفلام بل يريد أن يصور الحياة".
وتتميزأفلام بهمن بالقدرة على التعبير عن قضية الوطن واللغة والهوية، وقسوة الواقع في العالم، لا سيما القسوة والمعاناة التي يعيشها الأكراد، ويركز على ذلك بصورة بصرية مليئة بالتفاصيل وبشاعرية خاصة، برفقة الموسيقى التي لا تترك أعماله.
أريد جواز سفر كُردي. أريد جواز سفر كُردي لأتنفس، لستُ شيء بجواز سفري الإيراني. بصفتي فنان، أريد مشاركة أفلامي في المهرجانات ككُردي
ولم يخف بهمن مواقفه السياسية والانتقادية، حيث في عام 2017، أعلن عن دعمه لاستفتاء استقلال كردستان العراق، وقال: "يجب أن يكون للأكراد منزل، إذا لم نعمل على بناء منزل، فقد نخون أنفسنا. يجب أن نقاوم. يجب أن يكون لنا صوت واحد. أريد جواز سفر كُردي. أريد جواز سفر كُردي لأتنفس، لستُ شيئاً بجواز سفري الإيراني. بصفتي فناناً، أريد مشاركة أفلامي في المهرجانات ككُردي، لكن لا يقبلني أي من المهرجانات بأنني كردستان... إنهم يعلنون عن اسمي بأنني مخرج كُردي إيراني".
وفي سبتمبر 2021، بعث بهمن قبادي رسالة إلى الأكاديمية الأمريكية للفنون، انتقد فيها قواعد الأكاديمية التي تسمح فقط لصانعي الأفلام بالتنافس على جوائز الأوسكار التي تمت الموافقة عليها رسمياً من قبل الحكومات. وفي إشارة إلى وجود فريق من اللاجئين في أولمبياد طوكيو 2020، دعا قبادي الأكاديمية إلى إنشاء قسم خاص بـصانعي الأفلام اللاجئين والمنفيين، "الذين يعملون ويعيشون في المنفى لأن الحكومات الاستبدادية طردتهم من وطنهم لأسباب كاذبة تماماً".
وقال مخاطباً أصغر فرهادي، المخرج الإيراني الحائز على جائزتي أوسكار "أننا المخرجين جنودٌ سلاحهم الكاميرا". وانتقد عدم توقيع أصغر فرهادي على بيان الفنانين الإيرانيين الداعم للمصارع الذي اعتقل وأعدم بسبب المشاركة في الاحتجاجات، نويد أفكاري، وعدم تعليق فرهادي على احتجاجات أزمة المياه في خوزستان في المحافل الدولية.
يعيش بَهمن منذ سنوات في أوروبا، ويواصل نشاطه الفني في المنفى كعديد من الفنانين الإيرانيين. وفي رسالة بالفيديو بمناسبة الحفل الختامي لمهرجان طوكيو، تمنى أمير آقایی بطل فيلم بهمن الأخير "الجدران الأربعة"، أن "يعود بهمن إلى وطنه قريباً، وأن ینتج الأفلام التي يرغب بها".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون