تعيش محافظة صفاقس، في تونس، "عاصمة الجنوب"، اليوم الأربعاء 10 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، على وقع إضراب عام في القطاعَين العام والخاص، بدعوة من الاتحاد العام التونسي للشغل. وقد تم إغلاق كامل مداخل المحافظة من قبل المحتجين، ما أحدث شللاً تاماً في أغلب المرافق.
وتشهد صفاقس منذ يوم الإثنين الماضي، مواجهاتٍ داميةً بين وحدات الأمن، ومحتجين رافضين لفتح مصبّ الفضلات "القنّة"، في مدينة عقارب، غرب المحافظة، وقد استُعمل الغاز المسيل للدموع لتفرقة المتظاهرين الذين عمدوا بدورهم إلى رشق وحدات الأمن بالحجارة. وتزامناً مع هذه المواجهات العنيفة، توفي شاب ثلاثيني يُدعى عبد الرزاق الأشهب، ونفت وزارة الداخلية في بلاغٍ لها أي علاقة للوفاة بالأحداث الأخيرة التي شهدتها المنطقة، رداً على الأخبار المتداولة عن اختناقه بالغاز المسيل للدموع، فيما أكد الناطق الرسمي باسم محاكم صفاقس، القاضي مراد التركي، في تصريح إعلامي، أن نتائج التقرير الأولي لعملية تشريح جثة الأشهب، ترجّح أن تكون الوفاة طبيعيةً.
إرهاب بيئي
عرفت محافظة صفاقس، في الآونة الأخيرة، كارثةً بيئية ألقت بظلالها على جميع مدنها، وتتمثل أساساً في تكدّس أطنان من النفايات طوال أكثر من 40 يوماً في الشوارع، وأمام واجهات المستشفيات، والمعاهد، والمنازل، ما أثار حفيظة مواطني الجهة، والمجتمع المدني، الذين دخلوا في سلسة من التحركات الاحتجاجية، للفت انتباه السلطات الجهوية، ودفعها نحو إيجاد حل جذري وعاجل للحد من نزيف التلوث، وانعكاساته الخطيرة على السكان.
اندلعت مواجهات وينظم إضراب عام في محافظة صفاقس التونسية... وكانت الشرارة سوء تدبير ملف النفايات
وتعود أزمة النفايات في صفاقس، إلى يوم 27 أيلول/ سبتمبر الماضي، حين أُغلق مصب "القنة"، وتوقّف نشاط رفع الفضلات المنزلية نهائياً، ما تسبب بانبعاث روائح كريهة، وسوائل سامة، بالإضافة إلى انتشار البعوض والحشرات والكلاب السائبة في جميع المدن. وكحلٍّ لهذه المعضلة، قررت وزارة البيئة استئناف نشاط المصب المراقب "القنة"، للحد من المخاطر الصحية والبيئية والاقتصادية في المحافظة، كما تم اتخاذ جملة من الإجراءات الأخرى على غرار الانطلاق الفوري في أشغال التهيئة داخل المصب. قرار جوبه بالرفض، وكان بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس، فاندلعت على خلفيته احتجاجات شعبية واسعة تحولت إلى مواجهات، بين المتظاهرين الذين أغلقوا بعض الطرقات، وقوات الأمن.
ويناضل أهالي محافظة صفاقس من أجل حقهم في بيئة نظيفة، منذ سنوات، خاصةً بعد القرار القضائي الصادر في شهر تموز/ يوليو سنة 2019، والذي يقضي بالتوقف الفوري عن استعمال مصب "القنة"، نظراً إلى الأخطار التي يمثّلها على صحة المواطنين، وقد احتجوا بطرق مختلفة؛ ففي سنة 2018، نُظِّمت مسيرة احتجاجية صامتة تحت شعار "خنقتونا"، جابت شوارع المدن، كما نُظِّمت وقفة احتجاجية في آب/ أغسطس سنة 2019، عقب اندلاع حريق في المصب. كما نددت حركة "منيش مصب" في بيانات لها، بخطورة هذا المصب على صحة السكان.
وفي حديث لرصيف22، أكد رئيس بلدية صفاقس، أن قرار فتح المصب يوم الاثنين الماضي، اتُّخذ من قبل وزيرة البيئة، وفضّل عدم الخوض في تصريحات صحافية، بسبب توتر الأوضاع في الجهة.
المجتمع المدني على الخط
بيّن عضو تنسيقية البيئة والتنمية في صفاقس، حازم كمون، أن إشكال مصب "القنة" قديم يعود إلى سنة 2013، حين تم تمديد استغلاله من قبل الوكالة الوطنية للتصرف بالنفايات بصفة أحادية، على الرغم من أنه أستُحدث سنة 2008، وقابل للاستغلال خمس سنوات فقط.
ويضيف في حديثه لرصيف22، أن أهالي منطقة عقارب نفّذوا العديد من التحركات لإغلاق المصب، لأنه لم يكن مراقَباً بالطريقة المثلى. وفي 25 آب/ أغسطس 2020، عُقدت جلسة عمل في مقر الولاية حضرها كل من ممثلي المجتمع المدني، ووزارة البيئة، ووكالة التصرف في النفايات، وتم الاتفاق على إغلاقه بتاريخ 31 كانون الأول/ ديسمبر 2021، لكنّ ما راعهم هو أن الدولة أبرمت عقداً مع الشركة المستغلّة للمصب، يقضي باستكمال استغلاله حتى أيلول/ سبتمبر 2022، مرجّحاً وجود شبهة فساد في هذه الصفقة.
أهالي مدينة عقارب في محافظة صفاقس انتفضوا ضد سوء تدبير قطاع النفايات
ويتابع كمون: "في تاريخ 27 كانون الأول/ ديسمبر 2021، أعلمت الشركة المستغلة للمصب، وكالة التصرف في النفايات، بأنها لن تتمكن من رفع الفضلات، وتالياً أعلنت الوكالة عن إغلاقه نهائياً، فأصبحت أزمة 640 طنّاً من الفضلات ملقاةً في كل شبر من معتمديات صفاقس، ما خلّف استياء واحتقاناً لدى أهالي المحافظة". كما رأى كمون، أن السبب الرئيسي لكل ما حدث، هو عجز الدولة عن طريق مؤسساتها عن تطويق الأزمة واحتوائها، زيادةً على غياب رؤية استشرافية خاصةً، وأن ما حدث متوقع منذ سنة 2018.
وأكد حازم كمون، أن التنسيقية قدّمت لوزارة البيئة جملةً من الاقتراحات، وخيارها كان رفض استعمال العنف في إعادة استغلال المصب، وهو المنحى الذي اتخذته الدولة، مشدداً على أن ما يجب العمل عليه، هو فرز النفايات وتثمينها، لكنه حسب تعبيره لا يحل الإشكال القائم الذي يتطلب حلولاً عاجلة. كما شدد على أن أهم نقطة، هي عدم ردم المدن والمعتمديات بالنفايات.
وكانت إحدى التنسيقيات قد وجّهت في 5 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، رسالةً مفتوحةً إلى رئيس الجمهورية، دعته فيها إلى التدخل العاجل لإنقاذ المنطقة من كارثة بيئية وصحية. ومع تصاعد وتيرة الاحتجاجات، مثّل الوضع البيئي في محافظة صفاقس محور لقاء جمع رئيس الجمهورية قيس سعيّد بكلٍ من رئيسة الحكومة نجلاء بودن، ووزير الداخلية رضا شرف الدين، وشدد سعيّد، وفقاً لبلاغ رئاسة الجمهورية، على أنه لا مجال للمس بصحة المواطن في كل مكان، كما كلّف وزير الداخلية بالتدخل الفوري لوضع حد للأوضاع السائدة في صفاقس.
رفض واسع للاستعمال المفرط للقوة
تواصلت، ليل الإثنين والثلاثاء، المواجهات بين قوات الأمن والمحتجين في صفاقس، وقد تم التنديد بالاستعمال المفرط للقوة ضد مدنيين عزل، فيما تعمّد المتظاهرون حرق مركز الحرس الوطني في مدينة "عقارب"، وسط عمليات كرّ وفرّ بين الطرفين.
وتعقيباً على هذه التطورات، حمّلت أحزاب التيار الديمقراطي، والتكتل من أجل العمل والحريات والجمهورية، "المسؤولية السياسية عن هذه الفاجعة، وعن تعفّن الوضع البيئي، وتصاعد الاحتقان الاجتماعي، لرئيس الجمهورية المنفرد بالسلطة، والذي كلّف وزير داخليته باعتماد الحل الأمني، في غياب حلول عاجلة لأزمة الفضلات المتراكمة في جهة صفاقس، منذ أربعين يوماً"، وفق نص البيان، كما طالب الأحزاب بفتح تحقيق جدي ومستقل، لتحديد المسؤوليات، وإحالة الملف إلى القضاء.
بدورها، نددت رئيسة الحزب الدستوري الحر، عبير موسي، في ندوة صحافية، باعتماد الحل الأمني الذي لم يحل الإشكال، متسائلةً عن أسباب تغييب وزيرة البيئة عن الجلسة التي عقدها رئيس الجمهورية بخصوص الوضع في صفاقس. كما رأت أن ما يجري اليوم، "جريمة دولة"، وأن الدولة فشلت في سياسة النفايات، ولم تصارح الشعب التونسي بذلك.
وقد ندد الاتحاد العام التونسي للشغل، في بيان له، بما وصفه بالتدخل الأمني الوحشي في مدينة عقارب، محمّلاً وزارة الداخلية مسؤولية "الاعتداءات والبلاغات التضليلية"، كما دعا إلى تفعيل القرار القضائي بغلق المصب.
وقرر الاتحاد الإضراب العام في القطاعين العام والخاص، في محافظة صفاقس، اليوم، الأربعاء 10 تشرين الثاني/ نوفمبر، معلناً يوم الإضراب هذا، يوم حداد على شهيد عقارب، عبد الرزاق الأشهب.
بدوره، استنكر الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل، سامي الطاهري، في تصريح إعلامي، الحل الأمني الذي اعتُمد لمواجهة الاحتجاجات السلمية، عادّاً أن قرار إعادة فتح مصب "القنة"، فيه ليّ ذراع لأهالي المنطقة، وللقانون.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع