شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
إهانة تنتهي إلى الموت... كرامة العامل رفاهةٌ غير معترف بها في الأردن

إهانة تنتهي إلى الموت... كرامة العامل رفاهةٌ غير معترف بها في الأردن

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 8 نوفمبر 202105:17 م

حين يكون الخيار بين كرامتك ورزقك، فأمامك مساران: إما الخضوع وابتلاع الإهانات، أو ترك العمل حفاظاً على كرامتك، وحمايةً لصحتك النفسية.

لكن البعض منّا،للأسف، لا يمتلكون رفاهة الاختيار، فحين تُعلَّق  برقبتك أسرةٌ تريد الطعام، والتزامات تستوجب السداد، يصبح ابتلاع الإهانة مساراً حتمياً فُرض عليك قسراً.

حمدة الخياطة، الأردنية، كانت إحدى الذين اختاروا الصبر على التنمّر، والإساءة الدائمة من قبل صاحب العمل، حفاظاً على عملها الذي نجحت بالفعل في الحفاظ عليه، لكنها خسرت في المقابل حياتها، إثر انفجار في المخ من فرط الغضب والقهر، لتفتح بوفاتها ملف العمالة الأردنية، وكرامتها المهدورة.

وقعت القصة المؤلمة في أحد مصانع مدينة الأزرق في الأردن، وانتقلت منها إلى فضاء مواقع التواصل الاجتماعي، ليفتح وسم #حمده_الخياطة (الذي تصدّر التراند الأردني)، باب الحديث عن ظروف العمل المهينة للكرامة، والتي تحيط بالعُمال في الأردن.

حين يكون الخيار بين كرامتك ورزقك، فأمامك مساران: إما الخضوع وابتلاع الإهانات، أو ترك العمل حفاظاً على كرامتك، وحمايةً لصحتك النفسية

وتراوحت غضبة المغرّدين بين توجيه أصابع الاتهام إلى القصر الملكي، والحكومة، ومجلس النواب، وإن اتّفق الجميع على أن حياة الأردني، وكرامته، ليستا أولويةً في أجندة المسؤولين في الأردن.

بيئة العمل الآمنة نفسياً

ما حدث مع الخيّاطة، يفتح الباب على مصراعيه على ما يتعلق بمدى توفر الأمان النفسي، وبيئة العمل المؤهلة نفسياً للعاملين في الأردن، حيث يتعرّضون للكثير من ضغوط العمل الناتجة عن انتهاك حقوقهم الأساسية؛ بدءاً من منعهم من الإجازات، انتهاءً بإساءة المُعاملة، والإهانة من قِبل المسؤولين.

حمدة، الخيّاطة الأردنية، كانت إحدى الذين اختاروا الصبر على التنمّر، والإساءة الدائمة، من قبل صاحب العمل، حفاظاً على عملها الذي نجحت بالفعل في الحفاظ عليه، لكنها خسرت في المقابل حياتها، إثر انفجار في المخ، من فرط الغضب والقهر

مديرة برنامج السلامة العقلية في منظمة الصحة العالمية، ديفورا كيستل، تشير إلى أنه ثمة عوامل كثيرة تؤثر على الصحة النفسية للموظفين. وتشمل رداءة التواصل والممارسات الإدارية، وطول ساعات العمل، أو عدم مرونتها، وتلفت كيستل النظر إلى خطورة التنمّر الذي يُعدّ من أبرز الأسباب التي تقود إلى مشكلات نفسية ذات عواقب وخيمة على العاملين.

المفارقة في قصة وفاة حمدة الخياطة، أن تقرير الطب الشرعي الأردني أتى مناقضاً تماماً لتحذيرات منظمه الصحة العالمية من خطورة التنمر، وقهر العاملين، على صحتهم النفسية والعضوية، إذ نفى أن يكون سبب الوفاة ناتجاً عن الضغط، أو التوتر النفسي الشديدين، إذ صرّح مدير قسم الطب الشرعي، الدكتور حسن الهواري، بأنَّ  سبب الوفاة جاء نتيجةً لعيب خلقي تسبب بانفجار في شريان دماغي.

هذا التصريح أثار ردود أفعال متباينة، بين اتهامات للطب الشرعي الأردني بالتواطؤ، وتأكيدات على نزاهة المؤسسة، وأمانة مديرها.

الضغط يولد الانفجار

رصيف22 التقى بخمسة عشر عاملاً وعاملةً تركوا العمل نتيجة ضغط العمل، وإساءة تعامل المدراء معهم، مفضّلين المخاطرة بالبطالة، على إساءة المعاملة، والتعرّض للإهانات.

منى (طلبت عدم الكشف عن اسمها)، كانت واحدةً من هؤلاء العمال؛ إذ عملت على تغطية جلسات مجلس النواب صحافياً، وسط توبيخ مديرتها، وإهانتها الدائمة لها أمام زملائها.

فكرت منى مراراً وتكراراً، في ترك عملها، إلا أنَّ لوم الناس، واتهامها بعدم تحمل ضغوط العمل، وارتفاع معدلات البطالة، كانت أموراً تثير قلقها، موضحةً: "خفت من أن يتحدث الناس عني بأن الخلل مني. كنت أسمع كلمة ‘إنتِ مدلّعة’، و’مش مدعوكة في الحياة’".

المدهش أنه، وفق سردية الصحافية منى، في المرة الوحيدة التي انفجرت فيها، وخرجت عن طورها، وجدت نفسها مهددةً بقضية رفعتها مديرتها عليها، بغية سجنها، نتيجة ردة فعلها على رسالتها!

تختم منى حديثها لرصيف22، قائلةً: "الرزق على الله، أي نعم فقدت مصدر دخلي الوحيد، لكني كسبت كرامتي".

"أكثر من نصف القوى العاملة في الأردن، غير مُنظَّمين، ومنتهَكو الحماية الاجتماعيّة، أما أصحاب العمل فيتعاملون مع الراحة النفسيّة على أنها رفاهة. وحين تُنقل معاناة العمال إلى النقابة، يرد عليك العاملون فيها: ‘هذول عمّال كذَابين ما تصدقهم’"

أمَّا مرام، فقد كانت أُماً لطفلٍ يبلغ من العمر أربعة أشهر، حين تركت عملها نتيجة تعرضها لسوء المعاملة، وشعورها بالضغط من قِبل المسؤولة عنها.

تروي تجربتها لرصيف22، بقولها: "منسقة المشروع من جيلي، ولطالما حاولت حرمان المتدربين من بدل المواصلات، ومن وجبة الغداء، وتشاجرت معها من أجل ذَلك، أحبني المتدربون، وكانت تتعمّد الإساءة إلي، والسخرية مني أمامهم، فضلاً عن تكليفي مهاماً إضافيّة، من دون إعطاء أسباب.

حاول زملاء مرام ثنيها عن ترك العمل، وطلبوا منها أن تتحمل وتتابع، موضحةً: "كانوا يضلّوا يحكولي تحمّلي، وطنّشي زي ما بنطنش، ما هي بهدلة خمس دقايق، وخلص". لكنها في النهاية فقدت القدرة على الاستمرار.

التشريعات والنقابات على مرمى حجر

وعلى الرغم من ثبوت تأثير الضغط النفسي على سلامة العاملين النفسية، وعلى الرغم من تكرار الشكاوى من العاملين في الأردن، بسبب القهر، والتنمّر الدائم عليهم من قبل أصحاب العمل، إلا أن قانون العمل الأردني لا يتضمن تشريعاتٍ تتعلق بالعنف النفسي، أو المعنوي، إذ إن هناك ثغرة في ما يتعلق بهذا الموضوع، حسب ما يوضح الباحث القانوني حمادة أبو نجمة، ويستطرد في حديثه مع رصيف22، شارحاً: طلبنا من الحكومة أن تصادق على اتفاقية رقم 190 في ما يتعلق بالقضاء على العنف والتحرّش في عالم العمل، لكنها لم تستجِب حتى الآن.

من جانبه، يشير مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، أحمد عوض، خلال حديثه مع رصيف22، إلى غياب دور النقابات العمالية، بالإضافة إلى ضعف التشريعات ووزارة العمل، ما أدى إلى أنَّ "أكثر من نصف القوى العاملة في الأردن، غير مُنظَّمين، ومنتهَكو الحماية الاجتماعية، أما أصحاب العمل فيتعاملون مع الراحة النفسيّة على أنها رفاهة. وحين تنقل معاناة العمال إلى النقابة، يرد عليك العاملون فيها: 'هذول عمّال كذَابين ما تصدّقهم'".

ويضيف عوض أن منظومة العمل في الأردن، سيئة، بدءاً بالحرمان من الأجور، انتهاءً بالصحة النفسيّة". وينوّه بالتقارير العمالية التي يصدرها المركز، والتي زادت من وعي العمال، إلا أنَّها لم تلمس أي تحسّن على أداء وزارة العمل، مشيراً إلى أن "العمال الذين يتقدمون بالشكاوى، يتم فصلهم، والمؤلم أن وزارة العمل مقتنعة بأن هناك عملاً جيّداً، والعمال لا يجيدون القيام به".

"مؤسسات المجتمع المدني الأردني لا تحصل على تمويلٍ لدعم قضايا العنف النفسي في بيئة العمل، وهو ما يوضح سبب عدم وجود برامج مختصة بذلك"

أما الناشط العمالي حاتم قطيش، فيطرح نقطة التمويل لرصيف22، ويقول: مؤسسات المجتمع المدني الأردني لا تحصل على تمويلٍ لدعم قضايا العنف النفسي في بيئة العمل، وهو ما يوضح سبب عدم وجود برامج مختصة بذلك، إذ تعمل المؤسسات وفقاً للتراند العالمي، فالبعض لا يؤمنون بالقضايا العمالية بقدر ما يرونها عملاً وتجارة".

الأمور طيبة ولا داعي للقلق

رئيس اتحاد نقابات عمال الأردن، مازن المعايطة، يرفض تماماً عدّها ظاهرةً، ويقول لرصيف22، إنَّ العمال الأردنيين لا يعيشون المعاناة، فهي ليست ظاهرة، وإنما حالات فردية للمدراء ذوي الشخصيّةات السيئة. لكن كرامة العامل الأردني مُصانة.

ويوضح المعايطة أنّ النقابات تقوم بدورها في حماية العُمال، وهناك قرابة ألف اتفاقية عملٍ في الأردن، بينما يتمتع العديد من العاملين بالميّزات، وبظروف العمل المريحة، إلا أن الظروف الاستثنائية، والبطالة، والوضع الاقتصادي العالمي، أثّرت على أُجور بعض العاملين.

يتفق مع ذلك الطرح، الناطق باسم وزارة العمل، محمد الزيود، الذي صرّح لرصيف22، بعدم تلقّي الوزارة أي شكاوى تتعلق بالعنف النفسي، لافتاً إلى وجود مديريةٍ معنيّةٍ بالتفتيش على الصحة، والسلامة المهنيّة، والتأكد من بيئة العمل، وسلامة العاملين، على الرغم من أن الإساءة النفسيّة لا تشملها.

هذا وكشفت عضوة لجنة العمل والتنمية الاجتماعية والسكان النيابيّة، أسماء رواجنة، لرصيف22، أنَّ الأولويّة ستُعطى لمناقشة قضايا العنف النفسيّ في بيئة العمل، في الدورة المقبلة لمجلس النواب.

البهدلة هي الحل

"بشتغلوش إلا إذا اتبهدلوا"؛ بهذه الكلمات يُعبّر معاذ، منظّم حفلات زواج، عن حال العمال الذين يعملون تحت رئاسته، إذ يقول لرصيف22، إنَّ "أغلب العمال في الأردن، هذه الأيام، لا يقومون بتأدية عملهم إلا إذا تمت الإساءة إليهم، ومن الصعب إيجاد عُمالٍ يعملون من دون توبيخ". لا يرى أن في هذا إساءةً لهم، "بل على العكس تماماً، بهذه الطريقة يسير العمل"، خاصةً مع الذين لا يتعلمون من محاولة توجيههم، مرةً ومرّتَين، وثلاثة، "هؤلاء الذين من الواجب توبيخهم حتى يقوموا بأعمالهم"، حسب قوله.

ويشير معاذ إلى أنه يقوم بترفيه العاملين معه، وإعطائهم المكافآت بعد انتهائهم من العمل، لافتاً إلى أن البعض منهم "لا يتحملون، وينزعجون من التوبيخ، فيتركون العمل، ولا ينتظرون المكافأة". "بدّو يكون مدير من راسه، هيك الموظفين عنّا"، يقولها الرجل ساخراً.

في ظل تضارب التصريحات، وانتشار الشكاوى، يظل سؤال إمكانيّة توفير بيئة عملٍ آمنةٍ نفسياً للعاملين في الأردن، حائراً.

فهل ستجد الجهات المعنيّة سُبلاً لحماية العمال بكافة الطرق والجوانب، أم أن الإهانة ستظل قائمةً، وعلى المتضرر أن يرحل بعيداً؟

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image