شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"ويجز" يخبرني بأنني أصبحت من "الجيل القديم"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الخميس 4 نوفمبر 202111:43 ص

ربما كانت المرة الأولى التي أتجاهل فيها الحقيقة، في ذلك اليوم الذي تحدثت فيه شقيقتي الصغرى (19 عاماً)، عن تطبيق "تيك توك". وقتها، روت لي عمّا عددته أنا "عالماً موازياً"؛ نجوم لا يتخطّون العشرين عاماً، لا أعرف واحداً منهم، لكنهم يحصدون ملايين المشاهدات... وقواعد تعرفها هي عن هذا التطبيق، وأجهلها أنا، كوني من جيل فيسبوك غير المفضّل عند شقيقتي، وأقرانها، على الرغم من أنه بالنسبة إليّ أحدث صيحة تكنولوجية ممكنة!

لكن هذا التجاهل ضعُف حين اطّلعت على مناهج الثانوية العامة، ولم أفقه حرفاً، على الرغم من تفوقي أيام الدراسة، وضعُف مرةً أخرى حين تحدثت مع زميل عن الصحافة قبل المواقع الإلكترونية، وورق "الدشت" الذي كان يُصرف لنا شهرياً للكتابة، وقال لي: "ياااه من زمان أوي".

هل أصبحت جيلاً قديماً، وأنا من مواليد تسعينيات القرن الماضي، وبالكاد تخطيت الثلاثين؟ ظل هذا السؤال معلَّقاً حتى شاهدت الصور المنشورة لحفلة مطرب الراب "ويجز"، ووجدت عشرات الآلاف يتفاعلون مع موسيقاه، ويرددون كلماته، بينما أنا لم أعرفه إلا من خلال حلقة تلفزيونية بُثّت قبل أشهر، وحين سمعت أغانيه لم أفهم شيئاً، وحين فهمت لم أحب ما يقدّمه. على الرغم من ذلك، توقفت أمام جمهور "ويجز" الذي بمعظمه تحت سن العشرين، وتلك المرة لم أتجاهل الحقيقة، وأيقنت أنني أصبحت جيلاً "قديماً" ولم يعد السؤال معلَّقاً.


لكن تلك الحقيقة التي توصلت إليها، لم تصل إلى كثيرين من جيلي، الذين ما إن شاهدوا هذا الكم من الجمهور، حتى تساءل بعضهم: من هذا الـ"ويجز"؟ ومن عرفه منهم، عدّ تلك الشعبية دليل انحدار ثقافي، و"تفاهة"، ناهيك عمن طالبوا بوضع حد للأزمة، لحماية الأجيال المقبلة.

هل أصبحت جيلاً قديماً، وأنا من مواليد تسعينيات القرن الماضي، وبالكاد تخطيت الثلاثين؟

تلك الاتهامات ليست جديدةً، فحين ظهر حميد الشاعري بموسيقاه التي دشّن بها عصراً جديداً للموسيقى، عدّوه مُخرِّباً. وحين ظهر عبد الحليم حافظ، تم وصفه بالانحدار الثقافي، وهكذا، كل جيل نعت الذي يليه بالانحدار والسطحية، لكن سرعان ما يتخذ الجيل الجديد مكانه، ويُصبح هو السائد. وعلى الرغم من أنه لا مانع من وجود أجيال متتالية ناجحة، لكن النظرة الأحادية لدينا، ترفض دوماً أن يكون هناك أكثر من جيل واحد يشار إليه بالبنان.

وبعيداً عن مدى صواب مقارنة "ويجز"، بمن سبقوه، أو مدى إسهامه، فتلك ليست الإشكالية، وأنا شخصياً أنفر من موسيقى الراب كذوق شخصي، لكن الإشكالية في عدم اقتناع مواليد التسعينيات بأنهم أصبحوا "جيلاً قديماً"، وبالطبع لهم مبررات كثيرة تجعلهم كذلك، بل حتى اقتناعي أنا كان مشوباً بالمرارة.

ولعل أولى تلك المبررات، هي أن النجوم الذين ارتبطنا بموسيقاهم، وعبّروا عن جيلنا، مثل عمرو دياب، ومحمد منير، ما زالوا في الساحة، ولهم حفلاتهم التي يحضرها عشرات الآلاف، والأجيال التي تلت مثل تامر حسني، ومحمد حماقي، لم يغيّرا كثيراً في نوعية الموسيقى التي تُقدَّم، ويمكن القياس على مطربين كثر، وتالياً كيف نصبح "جيلاً قديماً"، وما زال نجومنا قادرين على العطاء، ويتصدرون الساحة؟

بعيداً عن مدى صواب مقارنة "ويجز"، بمن سبقوه، أو مدى إسهامه، فتلك ليست الإشكالية، وأنا شخصياً أنفر من موسيقى الراب كذوق شخصي، لكن الإشكالية في عدم اقتناع مواليد التسعينيات بأنهم أصبحوا "جيلاً قديماً"

بالإضافة إلى ذلك، فإن أعمارنا نفسها تلعب دوراً في رفض تلك الحقيقة، إذ معظمنا في نهاية العشرينات، أو أوائل الثلاثينات، أي ما زلنا في مقتبل الشباب، وكثيرون منا لم يتزوجوا، أو ينجبوا بعد، ومع الاعتقاد بأن الجيل القديم يعني "العواجيز"، فإن تقبّل تلك الحقيقة أمر صعب، لأنه يشعرنا بالعجز، ونحن في عز الشباب.

لكن مع ذلك، والسؤال إلى جيلي حتى يتقبلوا مثلي تلك الحقيقة، أي وصف يليق بنا، بعد أن وجدنا أنفسنا أمام جيل أصغر منا، له موسيقاه ومطربوه الذين لا نعرف عنهم شيئاً، وله نجوم بالكاد نعرف أسماءهم، بعد أن توقفت معلوماتنا عند مطلع الألفية الثانية، وله تطبيقات ننفر منها، وله مناهج دراسية لا نفقه فيها حرفاً، حتى صرنا نقول "على أيامنا"؛ ماذا يعني ذلك كله سوى أننا أصبحنا "جيلاً قديماً" فعلاً، وعلينا تغيير وجهة نظرنا، لأن الأجيال القديمة لا تعني بالضرورة "العواجيز"؟

نعم، يخبرنا "ويجز" بأننا أصبحنا جيلاً قديماً، لكن هذا لا يعني أن ننفر منه، ونطلق الاتهامات، لنكرر مآسي الماضي، وكأننا لم نتعلم أبداً. بل علينا تقبّل فكرة أن هذه الموسيقى تعبّر عن جيل جديد، وأن "ويجز" في اعتقادي لا يخاطبنا نحن في الأساس "مواليد التسعينيات"، بل يخاطب الأجيال الجديدة التي تفهمت موسيقاه، وتفاعلت معه.

لنقبل أننا أصبحنا جيلاً قديماً، ولنقبل كل جديد حتى لو كان غير ما ألفنا، ولنجدد أنفسنا دائماً، ولنمنع تكرار أخطاء الماضي، لأن ذلك يوقعنا في فجوة زمنية سندفع نحن أخطاءها، وشخصياً أتمنّى حدوث ذلك من دون أي وصاية، أو حكم، فالحاضر والمستقبل قادران على إدهاشنا دوماً

والأهم، إدراكنا أن هذا التقبل هو أمر يخصّنا نحن "الجيل القديم"، وفوائده ستعود علينا، لأنه ببساطة، رفضنا لن يمنع أن تنتشر موسيقى "ويجز"، أو أي شكلٍ موسيقيٍ آخر سيظهر في المستقبل، ومختلف عما اعتدناه. وإذا كان موقفنا لن يغير شيئاً، فإننا بإعطاء ظهرنا لكل جديد، نمنع أنفسنا من فهم ما يجري حولنا، كما نصنع سياجاً حول تفاعلنا في المجتمع، ولن أبالغ حين أقول: نحكم على أنفسنا "بالموت"، ونحن في مقتبل الشباب.

فلنقبل أننا أصبحنا جيلاً قديماً، ولنقبل كل جديد حتى لو كان غير ما ألفنا، ولنجدد أنفسنا دائماً، ولنمنع تكرار أخطاء الماضي، لأن ذلك يوقعنا في فجوة زمنية سندفع نحن أخطاءها، وشخصياً أتمنّى حدوث ذلك من دون أي وصاية، أو حكم، فالحاضر والمستقبل قادران على إدهاشنا دوماً.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image