بدأت تجربة موسيقى الراب في العالم العربي تأخذ شكلاً جديداً أقرب إلى الثقافة العربية المنتجة لها مع بداية الحركات الشعبية في البلدان العربية. علماً أنه حتى ما قبل استشهاد البوعزيزي كان هنالك تجارب عديدة ومهمة، في فلسطين على سبيل المثال، وتجربة فريق "دام" المستمرة من مدينة اللد، مثال على ذلك.
نجح "الرابرز" بخلق معادلة تربط موسيقى الراب مع هوية المكان، من خلال إدخال مقاطع موسيقية شرقية أو عربية إلى إيقاع الراب، أو عبر مواضيع تحدثوا عنها في أغانيهم، سواء من خلال اللغة العربية الفصحى، أو اللهجة العامية لكلّ بلد. الرابر الفلسطيني تامر النفّار، من فرقة (دام)، يرى أن اللغة هي التي ربطت الراب مع هوية المكان: "إنها اللهجة العامية، لغة جيل اليوم. نجحت لغة الراب بتوثيق قاموسها الخاص الذي يتداول بين جيل الشباب، فيه من الاستعارات والتشبيه والسخرية الحديثة التي تختلف عن أي نوع من الشعر في العالم".
الرابر السوري "السيد درويش"، هاني السواح، يعتبر الراب موسيقى غاضبة، وفرت له مساحة كمراهق. ومن ثم تعمق فيها بفترة لاحقة مستمتعاً بالناحية الشعرية والصور الكلامية فيها، التي يصفها بـ: "طريقة شارع حقيقي... لا علاقة لها بالنخبة ولا بأي تصنيف آخر. هي تماماً شارع".
لا يرى السيد درويش أنّ الراب العربي هو نتاج موسيقي أمريكي، إنما ينظر إليه بناء على قيمته الشعرية والفكرية التي يستمدها من التاريخ: "يعني صحيح أنّ "البيت" هو راب، والكلام موزون ومقفى بطريقة ليتم غناؤه على إيقاع راب، لكن تاريخنا الثقافي غنّى الشعر والإيقاع، كالزجل مثلاً أو الشعر الموزون أو السجع... بالتالي اعتماد الراب العربي فكرياً هو اعتماد على الثقافة العربية الموجودة، أما موسيقياً فيأخذ شكل موسيقى الراب التي تتحول لتناسب الكلام.
لا تبتعد وجهة نظر "الرابر" اللبناني ناصر دين الطفار عن فكرة ارتباط "الراب" مع هوية المكان الثقافية من خلال الشعر بأنواعه، معتبراً أنّ للـ(عتابا) دوراً أساسياً بجعله يغنّي الراب: "المكان الذي أتيت منه، كان أهله يوصلون سبع ليال وأيام بالارتجال؛ كلام مقفّى حول موضوع معين. كان أغلب الأحيان من صلب الوجع الذي يعيشه المُزراع كلّ يوم، ففي الليل يشرب السجائر ويغنّي... سمعت كلّ شيء، وقمت بتركيب خلطة الراب من كلّ هذا".
إنّ الرفض هو من حَمَل العديد للتوجه نحو الراب، مازن السيد، الرابر اللبناني المعروف باسم "الراس"، بدأ بكتابة الشعر بالفصحى حين كان عمره 11 عاماً، من ثم اكتشف فرقتين جزائريتين في التسعينات قدمتا الراب بالعربية؛ INTIKو MBS ،مما شجعه وأصدقاءه في المدرسة في طرابلس على استخدام الإيقاعات والكتابة بالعامية عن فلسطين بداية، كونها تشكل رمزاً للثورة على واقع مرفوض في ظلّ صعوبة الحديث ضد أنظمة قمعية لم يكن لديها مشكلة الحديث عن فلسطين مقابل ملاحقة كلّ من ينتقدها، حتى بالموسيقى.
"الراس" لا ينظر إلى انتشار "الراب" وثقافته في العالم العربي على أنها "مسألة دخول الراب أو الهيب هوب إلى المنطقة"، ويقول: "أرى أنّ فكرة ربط الكلام المتراوح بين الشعر والنقد السياسي الاجتماعي مع الإيقاع والنغمات، سمة عالمية تخوض تجارب مختلفة في أماكن مختلفة، تصبح بدورها إرثاً عالمياً يؤثر على التجارب الجديدة التي تأتي في هذا السياق".
يعتبر "الراس" أن مسألة نجاح الراب في العالم العربي تكمن في "صدق المقاربة وارتباطها بالمحيط"، ويضيف: "لا أريد أن أعرّب نوعاً موسيقياً ما، وقضيتي ليست قضية الانتصار لثقافة الـ هيب هوب، قضيتي هي سلسلة القضايا الفردية والجماعية التي أنتمي إليها على كلّ مستويات هويتي، والشكل الفنّي هو أداة التعبير. إضافة إلى أنّ هذا الربط بثقافة المكان يقوم على معرفة هذه الثقافة بعمقها، فعلى من يريد أنّ يمسك المايكروفون ويتوجه إلى الناس أنّ يتحمل المسؤولية المعرفية التي يتطلبها المنبر الذي يحمله، وأن يغذّي نفسه بالأفكار والتجارب، وألا يخشى النقد".
لم يكن "الراب" وثقافة "الهيب هوب" عموماً بمثابة استقطاب من "الغرب"، كما تحدث عنها الكثير. لربما ارتبطت بهوية المكان الثقافية أكثر مما نعتقد، دون أن تكون دخيلة أو غريبة عليه. كالجرافيتي أيضاً، فالاسم ليس عربياً، وقبل أن يعتبر فنّاً، استخدمت جدران البلاد العربية كمساحة لكتابة أسماء الشهداء والدعوة للمظاهرات وشعارات حزبية، وحتى للإعلان عن بيت للإيجار. في مصر، استخدم الفراعنة الجدران لتوثيق حياتهم والكتابة والرسم عن الحروب. فالشعر والإيقاع والزجل والغضب والاحتجاج، لا يقتصر على "الهيب هوب" دون غيره. إنها فنون من نبض المكان المشحون برغبة التغيير من خلال كلّ الوسائل الفنية الممكنة ، تلك التي تصنع إرث الشعوب.
دام
فرقة الدام، أول فرقة راب فلسطينية، تأسست في مدينة اللّد (في الأراضي المحتلة عام 1948) على يد كلّ من تامر النفّار، سهيل النفّار ومحمود جريري. جاء اسم الفرقة من فعل "دامَ" وكذلك اختصاراً للإنجليزية Da Arabian MCs. غنّت الفرقة بداية لمدينتها اللّد، وللواقع الصعب الذي تعيشه بسبب تهميشها السياسي والاجتماعي، خاصة ما تعانيه من انتشار للمخدرات. كانت أولى أغاني "دام" التي لاقت انتشاراً واسعاً هي أغنية "مين إرهابي". أمّا ألبوم الفرقة الأول، فصدر العام 2007 بعنوان "إهداء"، ولاقى نجاحاً باهراً في فلسطين والخارج،
واستخدمت بعض أغانيه في أفلام سينمائية عديدة، مثل"فورد ترانزيت" للمخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد، "ملح هذا البحر" للمخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر. الفيلم الوثائقي "Slingshot Hip Hop"، للمخرجة جاكي ريم سلوم، عرضَ تأثير "دام" على مشهد الهيب هوب في فلسطين. العام 2012، أصدرت "دام" ألبومها "ندبك عالقمر"، بعد مرور 5 سنوات على "إهداء"، والذي يتحدث من خلال 11 أغنية عن واقع حياة الفلسطينيين: احتلال، أسرى، الحالة الاجتماعية ومعاناة المرأة الفلسطينية على خلفية ما يُسمّى بـ "شرف العائلة".
السيد درويش (هاني السوّاح)
ولد في حمص، وبدأ عمله كصحفي، إلا أنه قرر صناعة الموسيقى الخاصة به، فسجّل أول أغنية في العام 2006، دون أن يعرف بأنّها ستكون بداية احترافه الموسيقي. أثناء الحرب على غزة، نهاية العام 2008، أطلق أغنية "غزة" والتي سجلها مع الرابر "Kay Lead". في العام 2009، التقى بالموسيقي "شام أمسيز" في أول ألبوم للراب السوري، يحمل اسم "كلمات متقاطعة"، وبعد نجاحه، عمل السيد درويش مع شام أمسيز كعضو في الفرقة. إضافة إلى ذلك، شارك "هاني" في ألبوم "خط ثالث" مع عدة فنانين، ويعمل حالياً مع فرقة "لتلتة" على ألبوم، ومع المنتج الموسيقي وعازف الجيتار رائد الخازن على ألبوم خاص.
ناصردين الطفّار
يعرّف عن نفسه كمواطن من بعلبك- الهرمل. بدأت انطلاقته مع فرقة "الطفّار" في العام 2009، والتي أسّسها بمشاركة صديقه "جعفر" من الهرمل. أنتج الثنائي أول أغنية لهما، "مدينة الشهدا"، في العام 2009، بلهجتها البعلبكية التي لم يتركها ناصردين الطفّار في أغانيه حتى يومنا هذا، فكانت اللهجة هي الشرط الأساسي لأغاني "الطفار".
أنتج الثنائي ألبومهما الأول والأخير، بعنوان "صحاب الأرض"، ومن ثم انفصلا لأسباب تتعلق بأهداف وطريقة العمل. منذ ذلك الحين، يقوم ناصردين الطفار بغناء أغانٍ فردية؛ مثل أغنية "جورج" التي أهداها للأسير اللبناني جورج عبدالله، أو من خلال تعاون مع فنانين آخرين، كما أغنية "بيروت خيبتنا" مع الرابر "الراس" مازن السيّد، أغنية "رحيل" مع الرابر بو كلثوم. وكان قد أصدر فيلماً قصيراً بعنوان "جمهورية الطفار".
"الراس" (مازن السيّد)
بدأ بكتابة الشعر بالفصحى حين كان عمره 11 عاماً، وبعد اكتشافه لفرقتين جزائرتين قدمتا الراب في سنوات التسعينيات، قرر وإثنين من أصدقاء المدرسة في العام 1998 كتابة أغانٍ بالعامية وتقديمها مع إيقاعات، ضمن إطار موسيقى "الراب". في العام 2008، عاد إلى لبنان من فرنسا، وكان قد درس موسيقى المقامات الشرقية وآلات الإيقاع بالإضافة إلى موسيقى الجاز والموسيقى الإلكترونية.
في لبنان، أسس فرقة "أهل الهوى"، ولحّن قصائده من خلالها وقدمها بقالب موسيقى شرقية كلاسيكية مع عازف عود، عازف بزق، وصوت نسرين حميدان. إلا أنه في نفس الوقت، لم يتوقف عن تقديم الهيب هوب وكتابة القصائد. عاد لكتابة نصوص للراب ولغنائه بقوة مع بداية الثورات، وأطلق أول أغنية بعنوان "أغلبية صامتة"، التي لاقت نجاحاً فتح له أبواب التعاون مع فنانين آخرين. ومن ثم أطلق ألبومه الأول "كشف المحجوب" بالتعاون مع "مونما" (جواد نوفل). بالإضافة إلى أنّ إنتاجه الموسيقي الفردي أو بالتعاون مع موسيقيين ورابرز آخرين ما زال مستمراً، من خلال إطلاق أغانٍ ونشرها عبر الإنترنت مجاناً للوصول إلى الناس بأسرع طريقة ممكنة.
" أنا عاشق في الصلاة وخاشع في المضاجعة " - عنوان المقال مأخوذ من أغنية " أنا مش انا " للراس
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 19 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 5 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين