شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"لقد كنا جزءاً من منظومة اجتماعية اختفت"... مراهقات وأمهاتهنّ

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 1 نوفمبر 202105:10 م

كل ما كنت أعرفه من وسائل التكنولوجيا هو جهاز تلفزيون أبيض وأسود بثلاث قنوات محلية، وهاتف أرضي، وجهاز تسجيل، و"كاسيت" أستمع فيه لمحطات الإذاعة وشرائط أغاني المطربين قبل أن تتحول لألبومات.

كانت تلك مراهقتي.

تتلخص متعتي في اقتناء المجلات الفنية، والقصص، ودواوين الشعر، ومتابعة برامج التلفزيون، والراديو.

مرت المرحلة بسلام، لم يشبْها سوى بعض الاضطرابات النفسية المصاحبة لتغيرات جسدي، ولم أجد من يحدثني عنها في مجتمع مصري، ريفي مغلق.

وبين تسعينيات مراهقتي من القرن الماضي، وعشرينيات مراهقي في الألفية الثانية اختلف الوضع وتبدلت الحياة.

تعقد الأمهات الآن تلك المقارنات، إذ تبدو مراهقتهن أكثر أماناً، وأقل تمرداً، والأعراف فيها واضحة، وعليها إجماع قلما تجد من تخترقه.

"دماغي ناشفة وقليلة الأدب"

أكثر الملحوظات تكراراً في صفحات خاصة بالأمهات هي أن بناتهن كبرن قبل الأوان، يفعلن أشياء ليس فقط لا تناسب سنهن، بل لا تناسب تصوراتهن عن المراهقة.

الدنيا تغيرت كثيراً.

تشكو منة الله، أصرت على عدم إظهار اسمها الحقيقي، (15 عاماً) تلميذة في مدرسة خاصة بدمياط الجديدة، من تعامل والديها، ترى أن الدنيا تغيرت كثيراً عما ألفاه، وأنهما يفرضان عليها عالماً ليس عالمها، وإن رفضت فالاتهامات الجاهزة "دماغي ناشفة وقليلة الأدب".

بالنسبة لها، تلك القيود على حرية حركتها لم تعد مجدية، وذلك الإصرار على معرفة أصدقائها لم يعد ذا جدوى، فهي تستطيع الاتصال بالإنترنت، والتحدث إلى أي شخص، ويمكن أن ترتكب في غرفتها ما يخشاه أهلها.

على عكس منة، حكت فرح (16 عاماً) من القاهرة، أنها تشعر أن "المراهقة زي أي مرحلة بيعيشها الإنسان".

تحمل فرح لوالدتها مشاعر الخوف والاحترام، وتحدث خلافات أحياناً بينهما.

حتى الأمهات تغيرن

والدة فرح، مروة شريف (42 سنة) أخصائية تربية خاصة، قررت أن تصاحب ابنتها وهي في عمر سبع سنوات، وتأخذ رأيها في زيها وشكلها، وتتناقش معها في مشاكل تمر بها، تقول: "أصبحنا صديقتين تحكي لي عن أمورها الخاصة، فتجنبت معها مسألة الندية التي تشعر بها أي مراهقة نحو أمها".

وتضيف: "قبل أن تدخل فرح مرحلة المراهقة، وضحت لها أن جسدها سوف يمر بتغيرات، وكيف تتعامل مع جسدها إذ ذاك، وشجعتها على السؤال في كل شيء، وأقدم لها إجابات في حدود المعقول".

"لقد كنا جزءاً من منظومة اجتماعية اختفت مع الوقت، وأصبح وعي هذا الجيل (من المراهقات/ين) أكبر من وعينا" 

عرفت من مروة أنها مطلقة، سألتها عن تأثير ذلك على ابنتها الوحيدة، فقالت: "تم الانفصال في بدايات مراهقة فرح، وكانت أصعب مرحلة مررنا بها معاً، فبدأت تفهم خلافاتي مع والدها، وتشعر بجفاف مشاعره نحوها، وإهماله لها، وهذا جعلها غير متزنة، وزاد تعلقها بي".

تزيد مروة بحزن: "بشوف نظرات حزن في عينها، لو شافت أب بياخد بنته في حضنه، خوفها عليا بقى مرضي لأنها شايفة إني أمانها الوحيد".

تتفق مروة مع الرأي الشائع بأن "مراهقات اليومين دول كبروا عن سنهم، تحسي من اللبس والميكب والكوافير الكامل إنهم مش عايشين سنهم، ده غير بقى الارتباط بولاد قدهم ومشاكل وقصص الحب".

حتى الأمهات الأخريات بتن يخترن عريساً لبناتهنّ وهن في عمر صغير، بحسب مروة، "ويا سلام لو مدرسك في الثانوي".

"السوشيال ميديا كذبة"

من ناحية أخرى، ترى الأم أماني القصاص، وهي كاتبة بصحيفة الأهرام، ولها ثلاث بنات لم يصلن بعد إلى المراهقة، بعين القلق لا إلى المجتمع، أو العلاقات، بل إلى السوشيال ميديا. تقول: "السوشال ميديا كذبة كبيرة جداً، ندفع ثمنها جميعاً، فهي تعكس صورة غير حقيقية لما يعيشه الناس في الواقع، وهذا للأسف يؤثر على المراهقة بكل ما تعانيه من اضطرابات نفسية، وتطلعات، وأحلام غير متزنة. فتشعر أن حياتها ناقصة وأنها مضطهدة لا لشيء سوى لأنها تنظر للصورة الأكثر بريقاً بغض النظر عن مضمونها".

وتنظر بقلق أكبر إلى أنشطة افتراضية مثل "تحديات التيك توك" فهي باستمرار تقرأ عن مراهقين/ات دفعوا/ن حياتهم/ن ثمناً لتحد لا معنى له.

تلك القيود على حرية حركتها لم تعد مجدية، وذلك الإصرار على معرفة أصدقائها لم يعد ذا جدوى، فهي تستطيع فعل ما يخشاه أهلها في غرفتها

تعرف القصاص في قرارة نفسها أنها حتى إذا فعلت ما تراه صواباً، كأن تقيد مثلاً نوع المنشورات التي تظهر لابنتها على السوشال ميديا، أو الفيديوهات حتى لا ترى ما لا يناسب عمرها، فستنظر إلى صديقاتها اللاتي يتساهل معهن أهلهن، فينتابها شعور بالاضطهاد، في فترة شديدة الحرج من حياتها، مما قد يدفعها للتفكير في الانتحار، بحسب أماني.

تحاول القصاص عبر تعاملها مع بناتها التمهيد لفترة المراهقة الصعبة، فلا تدخلهن في مقارنات مع أحد، ولا تقسو عليهن في كلامها، فهي كأم عليها أن تعي أن بناتها لم يخلقن ليحققن أحلامها.

وتضيف القصاص: "هذا الجيل صعب، يختلف كثيراً عنا، فقد كنا جزءاً من منظومة اجتماعية اختفت مع الوقت، كما أن وعيهم أصبح أعلى منا بمراحل، نتيجة تعاملهم مع تطور مرعب".

ولكن هل يختلف الآباء مع أبنائهم عن الأمهات وبناتهن؟

الدعم العاطفي لا يخيب

يرى أحمد مصطفى (48 عاماً) أن هناك فروقاً فردية بين الأولاد والبنات في مرحلة المراهقة، فالبنات رد فعلهن السلبي هو أكثر ناحية الأم، فيحاولن الاقتراب من الأب واستدرار عاطفته، وارتباطهن به قد يصل إلى درجة الاستحواذ، ومحاولة أخذ مكانة الأم.

ومن وجهة نظر طارق، فإن أغلب الأمهات لا يلتفتن إلى نقاط كهذه، بل يركزن اهتماماتهن على تعليم بناتهن أمور المنزل ليخففن الأعباء المنزلية عنهن، مما يدفعهن إلى الدخول في مرحلة صدام، وصراع دائم، إذ تتحمل المرأة وحدها عبء المهام المنزلية في أغلب مدن مصر وقراها.

أما عن علاقة المراهق بوالديه، فيقول: "تتسم في الغالب بالندية والمناطحة، وتصبح معركة إرادة بين الطرفين، وربما تصل إلى حد مشاعر كراهية متبادلة".

أهم نصيحة يوجهها طارق للآباء والأمهات لعبور مرحلة المراهقة بسلام مع الأبناء المراهقين والمراهقات، هي استخدام إستراتيجية الدعم العاطفي عبر إغداق الحب وخصوصاً على البنات، بعيداً عن الدلع والإسراف، فهذا الأسلوب له فعل السحر".

وينهي طارق حديثه، وهو مدرب تنمية بشرية وأب لثلاثة أبناء هم أحمد (22 عاماً) حاصل على بكالوريوس تجارة، وجمانة (18 عاماً) في مرحلة الثانوية، ومريم 11 عاماً بالصف الخامس الابتدائي، قائلاً: "إحساسهم بالأمان يبدأ بشعورهم بأنهم محبوبون من آبائهم وأمهاتهم ومقبولون في جميع تقلباتهم".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard