"أول مرة صارحت أهلي فيها إني بنت مش ولد اتضربت بالحزام بدون ما أتسأل ليه حاسس إنك بنت مش ولد"، تقول ملك الكاشف، الناشطة المصرية البارزة في الدفاع عن حقوق العابرين جنسياً، عن رد فعل أفراد أسرتها عند إبلاغهم بهويتها الجنسية للمرة الأولى.
ملك، ومثلها غالبية العابرين والعابرات جنسياً، الذين يعانون من مشكلات كبرى عند الإعلان عن هويتهم الجنسية، في ظل تزايد الضغوط خاصة بالنسبة للعابرين، بينما تلاقي العابرات إلى مجتمع الذكور رفضاً مجتمعياً أقل.
تضيف ملك أنها خلال العامين التاليين لذلك اليوم الذي أبلغت فيه أسرتها، تعرضت للكثير من الضغوط، بدأت بالتدقيق في تصرفاتها، وحبسها في المنزل، والاعتداء عليها بالضرب، وانتهت بوضعها في مصحة نفسية، وعند خروجها منها قررت ترك منزل عائلتها.
ثم حاولت أن تجد متنفساً آخر، وأن تواصل الإعلان عن هويتها، فكتبت على حسابها بموقع فيسبوك أنها فتاة عابرة جنسياً، لتفاجأ بست صحف مصرية تنشر خبراً مرفقاً بصورتها واسمها، وقد جاء فيه أن فتاة عابرة جنسياً تثير الجدل. تقول: "من يومها بتشتم ليل نهار عالأكونت ده".
لم تتوقف تجربة ملك مع الاعتداء بالضرب بسبب هويتها الجنسية على أسرتها فقط، فعقب ظهورها في برنامج تلفزيوني للحديث عن قضيتها، وقضية العبور الجنسي في مصر، تعرضت للضرب في مترو الأنفاق أثناء عودتها للمنزل بعد بث الحلقة.
وضعتها والدتها في غرفة مغلقة بمفتاح لا تفتح إلا لإدخال الطعام أو الذهاب للحمام، وأحضرت شيخاً يقرأ عليها القرآن، وينظر إن كانت "ملبوسة أو مسها الجن"
وهي تؤكد أن إعلان العابرين /ات جنسياً عن هويتهم محفوف دوماً بالخطر، حتى إن اختاروا إبلاغ المقربين منهم، وتتابع: "عندي أصدقاء لما صارحوا أصحابهم إنهم مثليين أو ترانس تم ابتزازهم بمبالغ مالية، ولما صارحوا أهلهم اتضربوا واتحبسوا في بيوتهم، و لما صارحوا المجتمع مبقوش عارفين يعيشوا فيه".
بعد مرور سبع سنوات على ذلك اليوم الذي أعلنت فيه هويتها لعائلتها، لم تزل تتلقى ملك علاجاً نفسياً لمساعدتها على التعافي، تقول: "بتعالج بسبب اللي أهلي والمجتمع عملوه فيا، وفي ناس بتعيش عمرها كله تتعالج من اللي حصلهم وقت إعلان إنهم ترانس أو مثليين، وفي ناس اتقتلت".
ضياء ورحلة العبور لمجتمع الذكور
ضياء، اسم مستعار، ولد كابنة رابعة لأب ثري من صعيد مصر، يعتز الوالد بالذكور، ولكنه لم ينجب سوى الإناث، ترك البيت غاضباً بعد إنجابه، وحين اضطر لتسجيله بالأوراق الرسمية أسماه اسماً محايداً يليق بالذكور والإناث.
ورث الصغير سمرة والده وملامحه وشعره المجعد مع طوله وكتفيه العريضتين، والأب من جانبه يقص شعره كالصبيان، ويلبسه ملابسهم، ولكنه انسحب مضطراً مع مراهقته وتركه في حيرة من هويته.
يقول ضياء لرصيف22: "مكنتش عارف أنا مين وعايز إيه، مش قادر أحس إني بنت وأهتم باهتمامات البنات، إخواتي البنات كانوا دايماً يتريقوا على شكلي ولبسي واهتماماتي، كنت ولد محبوس في جسم بنت".
تعثر ضياء في دراسته الثانوية، وأصيب بأزمته الأكبر بعد أن شعر بالميل الجنسي لصديقته المقربة، يشرح ضياء: "ده أكتر علامة أكدت لي إني مش بنت، عمري ما اهتميت بولد، وفجأة حسيت إني باحب بنت زيي وقتها، خفت وانهرت وكنت حاسس إني باعمل حاجة حرام وفكرت في الانتحار".
صمت وبكى طويلاً، قبل أن يقول بتردد: "أنا ولد مش بنت يا بابا"، احتضنه الأب مؤكداً أنه سيساعده في كل الحالات سواءً كان ابنته أو ابنه
كان ضياء عندما كان يعامل باعتباره فتاة، مقرباً من والده، ولكنه ظل خائفاً من إعلان هويته لأكثر من عامين، وحسم أمره برهان على حياته، فإن تقبله والده وحاول مساعدته لفهم ما يحدث له، فسيبدأ في خطوات لمعرفة جسده وهويته الجنسية، أما إن نهره كما توقع فسينهي حياته.
طرق ضياء باب والده، ليخبره بما يشعر به، ولكنه صمت وبكى طويلاً، قبل أن يقول بتردد: "أنا ولد مش بنت يا بابا"، احتضنه الأب مؤكداً أنه سيساعده في كل الحالات سواءً كان ابنته أو ابنه.
بسلاسة بدأ ضياء رحلة عبوره الجنسي بدعم من والده الذي تصدى لكل النقاشات التي دارت في عائلته، ويخطو حالياً خطواته في العلاج الهرموني.
يعتقد ضياء أن شغف والده بالحصول على ابن ذكر ووضعه المادي الجيد لعبا دوراً في تقبله لحالته، فبعد تعرفه على آخرين في مجتمع العابرين جنسياً، عايش قصصاً مأسوية لأسر تضرب أبناءها وتحبسهم بسبب هوياتهم الجنسية، ولكنه يؤكد أن الذكور الراغبين في العبور لإناث كانوا الأسوأ حظاً، والأكثر تعرضاً للمضايقات، بخلاف الإناث العابرات إلى الذكورة.
"فتاة بالإكراه"
كانت شيماء، اسم مستعار، في المرحلة الإعدادية حينما لاحظت أن ميولها واهتماماتها تختلف عن قريناتها، فكل ما يشغلها هو اللعب مع جيرانها وأقاربها من الذكور في كرة القدم، أو الحديث معهم، أو حتى الشجار، وهو ما حرمت منه بعد أن قررت والدتها منعها من الاختلاط بهم، بدعوى أنها "بقت دكر زيهم".
شيماء، هي ابنة أحد الأحياء الشعبية الفقيرة بمدينة طنطا، وتمت خطبتها في عمر الـ15 عاماً تقريباً، وتأكدت حين دق بابها أحد الخاطبين أنها ليست أنثى، تقول لرصيف22: "حسيت إن في حاجة غلط، مش شايفة نفسي بنت ولا شايفة نفسي بفستان أبيض، ولا شايفة إن الدور ده بتاعي".
ظلت شيماء تتهرب من الخاطبين حتى بلغت 18 عاماً، وقرأت عن العبور الجنسي، بعد أن أثيرت هذه المسألة في أحد البرامج التلفزيونية، تقول: "مكنتش فاهمة فيا إيه وأنا مالي، لحد ما شفت بنت في التليفزيون بتتكلم عن العبور الجنسي، وإنه خلل نفسي وهرموني ممكن يتصلح، وإن الدكاترة والأزهر بيحددوا اللي عنده الموضوع ده وبيتحول لجنسه الحقيقي".
اعتقدت أنها تخبرها أنها "ليست بكراً".
راود الأمل شيماء في العبور لذاك الذكر الذي تشعر به داخلها، ولكنها اضطرت لإخبار والدتها "أنا مش بنت" بعد أن أصرت الأخيرة على تزويجها. لم تفهم الأم التي لم تحصل على قدر يسير من التعليم ما تقوله ابنتها، واعتقدت أنها تخبرها أنها "ليست بكراً".
انهالت الأم على شيماء ضرباً وركلاً قبل أن تنهارا تعباً وبكاءً. انتهزت الفتاة فرصة الاستراحة الإجبارية لتشرح لها أنها تحدثها عن هويتها الجنسية، وأنها تشعر أنها ذكر في كل شيء ما عدا في الجسد الذي يحتويها، ولم يخفف ذلك من انهيار الأم ولطماتها.
قررت الأم حرمان شيماء الخروج من المنزل أو الحديث مع أي شخص، وضعتها في غرفة مغلقة بمفتاح لا تفتح إلا لإدخال الطعام أو الذهاب للحمام، وأحضرت شيخاً يقرأ عليها القرآن، وينظر إن كانت "ملبوسة أو مسها الجن"، ولم تخبره عن السبب الحقيقي لإحضاره.
حاولت شيماء الهرب من محبسها، فاعتدت عليها والدتها مجدداً، وشارك شقيقها الأصغر باستدعاء من الأم في الاعتداء عليها دون أن تخبره الأم أيضاً بالسبب.
خلال أسابيع قليلة رتبت الأم زواجاً لشيماء، وزُوجت لرجل يكبرها بعشرين عاماً، لتبقى حبيسة ذاك الجسد الذي لا تعترف به، وينضم زوجها بالإكراه لقائمة المعتدين عليها ليجبرها على علاقة لم تر نفسها فيها.
دعم غير مشروط
يقدم موقع "مايو كلينيك" الطبي مجموعة من النصائح للآباء لدعم طفل عابر جنسياً أو غير متوافق مع جنس ولادته، وفي مقدمتها الاستماع وطرح الأسئلة دون إصدار أحكام، وعدم افتراض أن تعبير الطفل الجنسي هو شكل من أشكال التمرد أو التحدي، وعدم لومه على تعرضه للتمييز.
يشدد خبراء "مايو كلينيك" على عدم منع الطفل من التعبير عن جنسه في الأماكن العامة أو في الأنشطة العائلية لتجنب شعور الأسرة أو أي شخص آخر بعدم الارتياح، وكذلك عدم التقليل من تعبيره عن جنسه أو السخرية منه أو السماح للآخرين بفعل ذلك.
وينصح الموقع الطبي المتخصص الآباء بالتحدث بشكل إيجابي عن طفلهم مع الطفل نفسه والآخرين، وإظهار الإعجاب بهوية الطفل/ ة والتعبير عنها من خلال السماح له/ ا بإظهار التفضيلات ومشاركتها، لتشجيع الإحساس الإيجابي بالذات والحفاظ على خطوط الاتصال بينهم مفتوحة.
وفي النهاية ينصح الخبراء الآباء بالتوقف عن القلق حول مستقبل الطفل، والتركيز بدلاً من ذلك على ما يجلب الفرح والأمان له، فغالباً ما يكون الطفل الذي يعيش مع والدين داعمَين، طفلاً أكثر سعادة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون