اختتم المهرجان القومي للمسرح المصري دورته الـ 14 المُهداة إلى "الكاتب المسرحي المصري"، والتي امتدت فعاليتها على مدار 13 يوم، من 27 سبتمبر/أيلول الماضي وحتى التاسع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، بمشاركة 33 عرضاً مسرحياً من مختلف قطاعات وزارة الثقافة، وبعض الجامعات والهيئات والقليل من إنتاج المجتمع المدني.
وكما هي العادة، استقبل المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية حفلتي الافتتاح والختام، وأعلنت وزيرة الثقافة خلال كلمتها عن زيادة القيمة المالية لجوائز المهرجان بنسبة 50%، على أن يتم مضاعفتها في الدورات القادمة "تقديراً لدور المسرحيين البناء في صناعة الوعي وتشجيعاً لهم".
اقتصر الحفل على فقرتي عرض الافتتاح والكلمات الرسمية وتكريم عشر شخصيات، وهو أكبر عدد تم تكريمه خلال أي مهرجان، منهم الراحلان مؤخراً سمير غانم ودلال عبد العزيز.
وكذلك الفنان الراحل عبد الله غيث، كما تم تكريم الفنانين: فاروق فلوكس، سامي مغاوري، أشرف عبد الغفور وإلهام شاهين، ومن خارج نطاق النجوم: المخرج إميل جرجس، الناقدة أمال بكير والمؤلف بهيج إسماعيل؛ وهو الكاتب الوحيد الذي يُدرج اسمه في دورة تحتفي بالكاتب المسرحي المصري. وقد صدرت كتب احتفالية عن كل اسم من المكرمين -عدا سمير غانم ودلال عبد العزيز- بالإضافة إلى دليل المهرجان والنشرة اليومية.
تفاعل الحضور بحرارة مع دموع الفنانة الشابة دنيا سمير غانم على خشبة المسرح وهي تتسلم تكريم والديها، وكذلك مع الفنان الكبير فاروق فلوكس وصعوبة حالته الصحية مع تقدمه في السن، والذي صرّح في كلمته بأن البدلة التي يرتديها من أجل تكريمه اليوم، اشتراها منذ عدة سنوات، وفي كل عام كان يخرجها من الدولاب ويعتذر لها، ثم يعاود الانتظار.
اختتم المهرجان القومي للمسرح المصري دورته الـ 14 المُهداة إلى "الكاتب المسرحي المصري"، والتي امتدت فعاليتها على مدار 13 يوم بمشاركة 33 عرضاً مسرحياً من مختلف قطاعات وزارة الثقافة
قليل من السنوات... كثير من التشابه
بدأت الدورة الأولي للمهرجان القومي منتصف يوليو 2006، بناءً على اللائحة التي تقضي بأن ينظم صندوق التنمية الثقافية مهرجاناً قومياً سنوياً لعروض المسرح المصري بكافة أنواعه، يهدف هذا المهرجان إلى دفع الحركة المسرحية المصرية وتشجيع المبدعين على التنافس الخلاق، ويتم تعيين مدير ورئيس المهرجان بقرار من وزير الثقافة.
ويكفي أن نتذكر أن لجنتي التحكيم والمشاهدة للدورة الأولى ضمت عدد من الأسماء الهامة في تاريخ الحركة المصرية، منهم الكاتبان يسري الجندي ولويس جريس، والموسيقار راجح داود، والفنانة القديرة سميحة أيوب، والفنان محمود ياسين، وكل من الدكتورة هدي وصفي والدكتورة نهاد صليحة، والمخرج سعد أردش الذي أكد خلال توصيات لجنة التحكيم "على أهمية تفعيل هذا المهرجان باعتباره خطوة نوعية على طريق تطوير المسرح المصري والعربي".
مرّ المهرجان بالعديد من الدورات المختلفة وتعاقبت عليه عدة أسماء لوزراء ثقافة عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، وبقراءة عامة لعمر المهرجان الوليد، يتضح اتفاق الإدارات المتعاقبة على تفعيل الشق الثاني من هدفي المهرجان، حيث "يتم تعيين مدير ورئيس المهرجان بقرار من وزير الثقافة"، فيما تم التعامل مع الهدف الأول للمهرجان "دفع الحركة المسرحية وتشجيع المبدعين" بما لا يتناسب وهدف كهذا.
بهيج اسماعيل... "آخر الكُتّاب المصريين"
أكثر ما يلفت الانتباه في هذه الدورة، بل ويثير الدهشة، هو عنوانها "الكاتب المسرحي المصري"، فهو يستدعي مجموعة من أسماء كتاب المسرح تصلح لأن تكون على قائمة التكريم، سيما مع تخصيص مساحات كبيرة من برنامج "الملتقي الفكري" لمناقشة وطرح أحوال الكاتب المسرحي بجانب الشهادات.
تفاعل الحضور بحرارة مع دموع الفنانة الشابة دنيا سمير غانم على خشبة المسرح وهي تتسلم تكريم والديها، وكذلك مع الفنان الكبير فاروق فلوكس وصعوبة حالته الصحية ، والذي صرّح بأن البدلة التي يرتديها اليوم، اشتراها منذ عدة سنوات، وفي كل عام كان يخرجها من الدولاب ويعتذر لها، ويعاود الانتظار
لكن القائمة التي كان يتوقع منها المزيد، اقتصرت على اسم واحد، هو الشاعر والكاتب بهيج اسماعيل الذي تمتد تجربته إلى ما يقرب من نصف قرن، قدم خلالها بعض السيناريوهات للسينما مثل "الأبرياء" و"الطيور المهاجرة"، لكن مسرحيته "الدخول بالملابس الرسمية" تعتبر الأشهر فيما قدم.
وبعيدا عن تقييم تجربة بهيج اسماعيل واستحقاقها التكريم من عدمه، فهناك الكثير من التجارب الأكثر تميزاً غضّ المهرجان الطرف عنها. وهو الأمر الذي لا يتعلق بهذه الدورة تحديداً، بقدر ما هو تصور أو اقتراح للدورات القادمة -مع الإدارة الحالية أو غيرها- حول فلسفة التكريم لا مجرد تطبيقه، فمعظم الأساتذة المكرمين نالوا بالفعل الكثير من التكريمات، سواء في حياتهم أو بعد رحيلهم، ولعلهم أنفسهم وفقاً لتقاليد المسرح العريقة يرشحون أسماء جديدة لم تجرب فرحة التكريم من قبل.
أما الملتقى الفكري فقد اقتصر برنامجه على أربعة أيام من فعاليات المهرجان، ناقش عبر جلساته الـ 13، مجموعة من العناوين المعتادة والمتكررة في كل مهرجان، منها "المسرح الشعري من القصيدة العمودية إلى الشعر الحديث"، الميلودراما من الغنائية إلى مسرح الدم والدموع".
وكان من نصيب الكاتب المصري في محاور الملتقى ثلاثة مواضيع فقط "الكاتب المسرحي المصري من المقاومة إلى ما بعد النكسة، الكاتب المسرحي في التسعينيات، الكتابة المسرحية في الألفية الثالثة" بالإضافة إلى مائدة مستديرة لشهادات ما يقارب العشرين كاتباً.
ما لا يُدرك كله... ورش فنية وسوشيال ميديا
من إيجابيات هذه الدورة تخصيص قسم للسوشيال ميديا تقوم به إحدى شركات الإعلان، قام بمتابعة فعاليات الدورة منذ إرهاصاتها الأولى بشهور على نحو ملائم، وإتاحة أرشيف من خلال الموقع يوثق الدورات الثلاث عشرة السابقة في المهرجان، من حيث البرامج والفعاليات والمتابعات الصحفية، كما يتيح الموقع جميع الإصدارات السابقة للتحميل والاطلاع بجانب نشرة المهرجان اليومية.
يمكن اعتبار أي تظاهرة فنية -مسرح أو سينما- بدون جمهور هي مثابة احتفالية خاصة ليس إلا
تضمنت الدورة كذلك أربع ورش فنية، يأتي في مقدمتها ورشة الإخراج للمخرج الكبير عصام السيد. ولا شك في أن هذه الورش، تتيح متنفساً للشباب السينمائيين الذين لا يزالون يتلمسون طريقهم، رغم قصر مدتها؛ "أربعة أيام فيما عدا ورشة التمثيل، فهي في النهاية تخاطب المتخصصين من شباب المسرح وليس الهواة"، كما كتب عصام السيد على صفحته الشخصية حول الأعداد الكبيرة المتقدمة للورشة "530"...
(كان المستهدف حضور 20 متدرباً فقط، زادتها إدارة المهرجان إلى 30، وهو الحد الأقصى طبقاً للإجراءات الاحترازية، لذا أبلغت إدارة المهرجان أن يتم حذف كل من حضر ورشة مماثلة من قبل، وأن تكون الأولوية لطلاب أقسام المسرح بالمعاهد والكليات، أما المحترفون فالفرصة متاحة لهم بالتقدم لورشة مركز الإبداع، أما زملائي من موظفي وزارة الثقافة فسأحاول ترتيب ورشة خاصة بهم بالاتفاق مع قطاع الإنتاج الثقافي).
قدم عصام السيد العديد من الأعمال المسرحية على مدار أربعة عقود، منها "أهلاً يا دكتور"، "روحية اتخطفت"، "البعبع"، ومسرحيتي "أهلاً يابكوات"، و"وداعاً يا بكوات".
إلى جانب ورشة التأليف من الكاتب بهيج إسماعيل، قدم الفنان أحمد مختار ورشة التمثيل، وإسلام عباس ورشته في المكياج. اشترك في هذه الورش عشرات من الشباب قاربوا المائة، منهم كثيرون يشاركون للمرة الأولى.
العروض... هواجس الشباب وأحلامهم
لا نتوقع أن نعثر بسهولة على ملامح مشتركة بين 33 عرضاً مسرحياً، فالإبداع يرتبط بتنوع الأفكار والأساليب والرؤى، لكن روح الشباب وأحلامهم على مستوى التكنيك والهواجس العمرية، من الممكن اعتبارها الملمح المشترك في العروض كافة، وهو ما أكدت عليه بعض لجان التحكيم والمشاهدة وكذلك النقاد.
فهناك عروض تبنت الجانب الأيديولوجي حول أزمات الإنسان الوجودية، مثل "جنة هنا"، "المسيرة الوهمية"، "سالب واحد"، كما عالجت بعضها قضايا مجتمعية ما بين الإدانة للمجتمع أو صراع التنوير والظلام، مثل "مهاجر بريسبان"، "أحدهم"، "الجانب الآخر"، واشتمل البعض على رؤية كابوسية كما في "وفاة بائع متجول"، "أحداث لا تمت للواقع بصلة"، فيما احتفت بعض العروض بلغة الجسد وتمثلات الصورة والرؤى المغايرة "التجربة الدانماركية"، "مشعلو الحرائق"، "الصندوق الأسود"، "قابل للكسر". ولم يتم إلغاء سوى عرض واحد في حفلتة الثانية وهو "الصندوق الأسود" إخراج صلاح الدالي، من إنتاج بنك مصر، نظراً لظروف طارئة خاصة بفريق العرض.
"كامل العدد" يستبعد تصويت الجمهور
تصدرت جملة "كامل العدد" معظم الأخبار المتابعة لفعاليات برنامج العروض والصادرة عن المركز الصحفي للمهرجان، ومن على أرض الواقع كان هناك بالفعل العديد من العروض كاملة العدد بحضور جماهيري لافت. خلال ذلك وعبر أيام المهرجان بدأ التنبؤ بنجاح الجائزة الجديدة لهذا العام بتصويت الجمهور.
كويس قوي إن الكلام ده كله ببلاش.. دول أحسن من بتوع مسرح مصر والله"
في بداية الفعاليات أعلنت الإدارة عن استحداث جائزة الجمهور لـ"أفضل عرض" من خلال التصويت بموقع المهرجان، وقبل الختام بأيام قرّرت الإدارة تأجيل جائزة التصويت للدورة القادمة، وعلق رئيس المهرجان على أن قرار التأجيل تم اتخاذه من أجل دراسة الشروط اللازمة لإطلاق مثل هذه الجائزة، ومن ثم تحديد قيمتها المادية بما يتناسب مع لائحة المهرجان، بالإضافة إلى وضع ضوابط وقواعد لعملية التصويت.
ما بين القرار والتراجع عنه، ثمة منطقة غائمة لا يمكن تفسيرها وفق تصريح رئيس المهرجان؛ حيث من البديهي أن تكون الإدارة قد قامت بكل الإجراءات السابقة ودراستها قبل الإعلان عن الجائزة الجديدة، وإلا أُعتبر ذلك بمثابة اختبار بتصويت -سري- حول فكرة الجائزة أو دورها، ومن الواضح أن التصويت جاء في صالح التأجيل!
المسرح في انتظار جمهوره
يقول المخرج الإنجليزي بيتر بروك في كتابه "الفضاء الفارغ"، إن وجود شخص يسير عبر أي فضاء فارغ، بينما يراقبه شخص آخر؛ هو كل ما يتطلب من أجل القيام بحدث مسرحي، بينما يُعرّف جيرزي جروتوفسكي -مؤسس ومخرج "المعمل المسرحي" الذي يعتبر أهم تجربة مسرحية في العصر الحديث- المسرح على أنه "كل ما يحدث بين المُشاهد والممثل"، وذلك في كتابه "نحو مسرح فقير".
في حين أكدت كثير من الآراء علي أن "العلاقة مع الجمهور تمنح معنى للحدث المسرحي، لا غنى عن هذه العلاقة"، لاسيما وأن تلك الآراء، بالإضافة إلى تجارب عديدة من المسرحيين خلال القرن العشرين، "أظهرت أن المسرح لا يعتمد على موقعه في مبنى معين أو مؤسسة، وأنه من الممكن التخلص من الحبكة، والشخصيات، والأزياء، والديكور، والصوت، والنص"؛ ولا يمكن أن يتم الاستغناء عن العلاقة السابقة المتبادلة، جوهر العمل المسرحي.
من هنا، يمكن اعتبار أي تظاهرة فنية -مسرح أو سينما- بدون جمهور هي مثابة احتفالية خاصة ليس إلا، والجمهور المعني هنا هو الجمهور العام، المجرد، المتكون من طبقات المواطنين المختلفة، وهو الجمهور الذي لا نراه في مثل هذه الفعاليات سوى بالصدفة ويقتصر الحشد -مهما كبر- على أهل الفن أنفسهم من ممارسين أو هواة وعشاق، وهنا مكمن إشكالية المقاطعة الطويلة بين الجمهور والمسرح، على مدار السنوات الطويلة الماضية.
في أحد مهرجانات الدولة للمسرح، جلست جواري أسرة مكونة من أب وأم وأطفالهما، كان اليوم عطلة رسمية تقريباً، وتفاجأ الأب بالعرض المجاني وهم في طريقهم لمكان ما، فلم نتعوّد المجانية في تقديم الأعمال الفنية، وحين سألني بعد انتهاء العرض عن السبب، أخبرته بأنه مهرجان للدولة، يعرض المسرحيات بشكل مجاني لكافة المواطنين.
أعرب الأب عن سعادته واندهاشه وهو يشير إلى الأطفال وزوجته ويميل على أذني يخبرني أن ذلك من حسن حظه، فأسرته الصغيرة ورطته في مجموعة من الخروجات خلال أيام أجازته المقبله وبدايتها اليوم، وسيكون برنامج المسرحيات المجاني طوق إنقاذ رائع، مؤكداً: "كويس قوي إن الكلام ده كله ببلاش.. دول أحسن من بتوع مسرح مصر والله".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...