شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
عن حرية موجودة في موسيقى

عن حرية موجودة في موسيقى "التكنو"… موسيقيون سوريون في برلين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأربعاء 6 أكتوبر 202112:41 م

"أحبُّ أن أُخرج آلة القانون، من الصندوق الذي فُرض عليها، كآلة تعزف أغنيات شرقية كلاسيكية، كأغنيات أم كلثوم، وموسيقى التخت الشرقي. أحبُّ أن أكون خارج هذا الشيء، وأن تكون آلتي الموسيقية متحرّرة"، يقول حسن النور، لرصيف22. والنور، طبيب وموسيقي سوري، يعزف بشكل رئيسي على آلة القانون، وهو أحد مؤسسي فرقة نكريز، وقد عزف مع العديد من الفرق الموسيقية، لعلّ أشهرها فرقة "شكون" الذائعة الصيت بين محبي الموسيقى الإلكترونية العربية.


إذا ما كان للمدن صوت، فصوت مدينة برلين هو موسيقى "التكنو"، إذ تنتشر البارات، والنوادي الليلية، والمسارح، والصالات التي تقدّم هذا النوع الموسيقي، في أرجاء المدينة كلها. بدأ تاريخ الحركات الموسيقية التجريبية البرلينية في ستينيات القرن الماضي. حينها، كانت ألمانيا مقسّمةً إلى دولتين، اشتراكية شيوعية شرقية، ورأسمالية غربية، ومثلها كانت برلين مقسمة بين شرق وغرب، يفصل بينهما جدارها الشهير.

في تلك السنوات، تحوّلت المدينة إلى ملاذ لحركات موسيقية تجريبية جديدة، وصارت تُعرف بتلك الموسيقى؛ "الموسيقى الإلكترونية القائمة على التسلسل، والتي تستعين بوحدات مزج، وبمعزوفات فردية مطوّلة"، لتتحول المدينة بشكل عام، خلال السنوات التالية، وحتى اليوم، إلى مركز "للثقافة المضّادة"، ولثقافة "الأندرغراوند".


جزء من المشهد العام

وصل/ ت السوريون/ ات إلى برلين، قبل سنوات طويلة، لكن الموجة الكبرى وصلت في العام 2015، ليصبح/ لتصبح بعدها السوريون/ ات، جزءاً من المجتمع البرليني، وصار/ ت الموسيقيون/ ات جزءاً من المشهد الموسيقي العام للمدينة، في علاقة تأثرية متبادلة.

"هناك تعطشاً كبيراً لاكتشاف الذات التي قُمعت سنواتٍ طويلة"

في هذا السياق، يقول علي حسن، لرصيف22، إنّ الموسيقى التي يصنعها، تأخذ تأثيرها من محيطها البرليني الذي يشكّل أكبر داعم للعمل على إنتاج موسيقى معاصرة تناسب الزمن الذي نعيش فيه. فالأصوات التي تُسمع في برلين؛ الأصوات الإلكترونية الصادرة عن أجهزة إلكترونية، كبيرة وكثيفة، لم يكن/ تكن الموسيقيون/ ات يعرفونها في سوريا، من قبل. هذا المحيط، والذي يتضمن أكبر مهرجانات الموسيقى التجريبية في العالم، دفع بالموسيقيين/ ات السوريين/ ات ليقوموا بخلق حالات الصوت الخاصة بهم.

علي حسن، هو عازف إيقاع، ومؤلف موسيقي سوري، وفنان مقيم في منتدى هومبولت في العاصمة برلين، يضيف، خلال حديثه مع رصيف22، أنّ "الانفتاح الهائل، وأماكن الموسيقى الكثيرة، وأنماط الموسيقى المختلفة التي تأتي من العالم كله، إلى برلين، والتي بدورها تقدم ملاذاً آمناً، ومساحة ملهمة كبيرة للموسيقيين/ ات، كي يختبروا/ ن الموسيقى، تسمح لي بإنتاج موسيقى تشبهني".

وصل/ ت السوريون/ات إلى برلين، قبل سنوات طويلة، لكن الموجة الكبرى وصلت في العام 2015، ليصبح/لتصبح بعدها السوريون/ات، جزءاً من المجتمع البرليني، وصار/ت الموسيقيون/ات جزءاً من المشهد الموسيقي العام للمدينة، في علاقة تأثرية متبادلة

يلعب المنفى البرليني دوراً كبيراً، من حيث الظروف المحيطة بالأشخاص التي تركت بلادها، أو من حيث المعاناة التي يخلقها، تقول الباحثة في تاريخ الموسيقى العربية، ديانا عباّني، لرصيف22، وتضيف أنّ الموسيقى الإلكترونية هي موسيقى راقصة، وعصرية، وسهلة الدمج مع أنواع موسيقية مختلفة"، لذلك جذبت الكثيرين من اللاجئين/ ات والمنفيين/ ات السوريين/ ات، والعرب عموماً.

ولأنّ هذا النوع الموسيقي، حسب عبّاني، شكّل طريقة سهلة، ومنتشرة، وفي الوقت نفسه جميلة، وعصرية، ويمكن دمجها مع الموسيقى الشرقية، والتعبير من خلالها عن واقع المنفى، وما يترتب عليه من مشاعر جديدة، وواقع جديد، سمحت بخلق مساحة متشابكة بين "المكان الجديد"، و"المكان المتروك"، فصار موسيقيو/ ات المنفى قادرين/ ات على خلق موسيقاهم/ ن الشرقية، بلغة عصرية، وسهلة، تنسجم مع محيط غربتهم.

لهذه الأسباب مجتمعة، نجد اليوم في برلين، منتجين/ ات موسيقيين/ ات من المنطقة العربية، يقدّمون أنواعاً مختلفة من الموسيقى الإلكترونية، فتظهر موسيقى التكنو التي تعتمد على أصوات إلكترونية صرفة، وموسيقى أخرى إلكترونية تُدمج مع أغنيات تراثية، مثلما تفعل فرقة شكون، أو موسيقى إلكترونية ممزوجة مع عزف آلات حية، وغيرها من الأنماط الموسيقية.

في هذه المقطوعة، يدمج علي حسن بين صوت العزف الحي، بالصوت الإلكتروني، في نوع من "التجريب الموسيقي"، حسب تعبيره، محاولاً الوصول إلى حالة من التوازن الحسي، والتوازن الصوتي، بين صوت الآلة الموسيقية، والصوت الإلكتروني.

لماذا الموسيقى الإلكترونية؟

حبّ التجريب، والاطلاع على أشكال الموسيقى الجديدة، دفع عازف الكلارينيت، والمنتج الموسيقي السوري، يزن الصبّاغ، إلى الموسيقى الإلكترونية. يقول الصبّاغ، لرصيف22، وهو أحد مؤسسي فرقة نكريز، إنّ الموسيقى الإلكترونية هي من أكثر الأنماط الموسيقية شهرةً، في مدينة برلين. وبحكم وجوده فيها، قادته الموسيقى إلى هذا المكان.

منذ اللحظة الأولى التي سمع فيها الصبّاغ الموسيقى الإلكترونية، أحسّ بشيء مختلف في داخله، لذلك توجّه نحو هذا النمط الموسيقي، لأنّه من أكثر الأنواع الموسيقية قابلية للتغيير، والتجريب، ويُمكن ربطه بأي نوع آخر من الموسيقى، وذلك لأنّه يعتمد على عناصر صغيرة تُركَّب فوق بعضها البعض، لتصنع المقطوعة الكبيرة، لذلك فهي تعطي حرية صناعة أشكال موسيقية لا نهائية. "هذه الحرية غير موجودة، بهذا الشكل الكبير، في الأنماط الموسيقية الأخرى"، يقول الصبّاغ.

"هذه الحرية غير موجودة، بهذا الشكل الكبير، في الأنماط الموسيقية الأخرى"

بالإضافة إلى هذه الحرية، فإنّ هذا النمط الموسيقي أعطى يزن الصبّاغ الخيار في أن يشبه نفسه، لا سواه، وأن يحافظ على فردانيته وسط الجموع، وأن يعمل على الأشياء الخاصة به. وهذا بالنسبة إليه أمر بالغ الأهمية. كذا الأمر مع علي حسن، الذي قدّمت له الموسيقى الإلكترونية مكاناً آمناً، "بعيداً عن العوائق الاجتماعية كلها التي كنّا نعاني منها في بلادنا"، حسب قوله.

يضيف حسن لرصيف22، أنّ الموسيقى التي ينتجها هي موسيقى تشبهه، و"هي خليط من الموسيقى الشرق أوسطية (كلاسيك وبوب)، والموسيقى الأوروبية المعاصرة، لذلك أقوم كعازف إيقاع باستعمال الإيقاعات الشرقية في الموسيقى الإلكترونية التي أصنعها، ممّا سمح لي لاحقاً بخلق إيقاعات جديدة خاصة بموسيقاي".

يوافق الموسيقي حسن النور، على ما سبق، ويضيف أنّ الموسيقى الإلكترونية أعطت آلته الموسيقية الحرية كي تخرج خارج الإطار الذي رُسم لها، وفُرض عليها، وعليه.

تقول الباحثة الموسيقية ديانا عبّاني، في هذا الصدد، إنّ انفتاح العالم الموسيقي السوري على الخارج، وبالتحديد على قارة أوروبا، كان محدوداً، ومؤطّراً، إلى حدّ ما، لذلك كان التعطش لسماع الأنواع الموسيقية المختلفة واكتشافها، بعد بدء الثورة السورية ونزوح عدد كبير من السوريين/ ات، ولجوئهم إلى دول العالم المختلفة. أدى هذا، حسب عبّاني، إلى الانفتاح السريع على العوالم الجديدة والمختلفة، والتي أثّرت بطبيعة الحال على الذائقة الموسيقية للسوريين/ ات، وإنتاجهم/ ن الموسيقي.


بين سوريا وبرلين عوالم متشابكة

يجد اللاجئون واللاجئات أنفسهم/ ن، بعد الوصول إلى ألمانيا، وسط مشكلات في اللجوء والاندماج، ومشكلات في الأوراق القانونية، وفي البيروقراطية الألمانية المُتعبة، وعليهم/ ن تعلّم لغة جديدة، والدخول إلى سوق عمل جديد، وثقافة جديدة. هذه الأشياء كلها تنعكس أيضاً على الموسيقى التي يقدّمها السوريون/ ات المقيمون/ ات في ألمانيا، "لأنّ الموسيقى أولاً وآخراً، هي طريقة ليحكي المرء حكايته، ووجعه، وفرحه، لذلك يجب أن يعثر المرء على صيغته الخاصة في الموسيقى، في هذا العالم، يقول حسن النور، لرصيف22.

ويضيف النور، الذي وُلد وعاش في سوريا، حتى أصبح في السابعة والعشرين من عمره، أنّ نشأته في سوريا، جعلت "الموسيقى الشرقية تمشي في دمي، فالمقامات الشرقية، والربع نوتة، هي أشياء كبرتُ عليها، وأحسّ بها، وتحسّ بي، ولا يمكنني التخلي عنها"، لذلك يستعمل هذه "الربع نوتة"، والمقامات، في الموسيقى الإلكترونية التي ينتجها.

"إنّ انفتاح العالم الموسيقي السوري على الخارج، وبالتحديد على أوروبا، كان محدوداً، ومؤطّراً، إلى حدّ ما، لذلك كان التعطش لسماع الأنواع الموسيقية المختلفة واكتشافها، بعد بدء الثورة السورية ونزوح عدد كبير من السوريين/ ات، ولجوئهم إلى دول العالم المختلفة"

أسّس النور، مع زميليه يزن الصبّاغ وصالح كاتبة، فرقة نكريز، والاسم مأخوذ من المقام الشرقي الذي يحمل الاسم نفسه، وهو مقام معروف في أنحاء الشرق الأوسط كلها، وقد اختاروا الاسم لأنّه يدل على المقامات الشرقية، والموسيقى الشرقية.

يؤكد يزن الصبّاغ في هذا السياق، أنّ تأثره بالموسيقى السورية (الشرقية)، كبير جداً، فالموسيقى التي يصنعها، كلها مرتبطة بشكل مباشر بهذا النوع الموسيقي، لكن بأنماط جديدة، "لأنّني لا أريد أن أعيد، وأكرّر الأنماط القديمة نفسها، لذلك أحاول أن أصنع أشياء جديدة، وأوصلها بطريقة جميلة مدروسة ومفهومة للجمهور العربي والأوروبي".

"الموسيقى أولاً وآخراً، هي طريقة ليحكي المرء حكايته، ووجعه، وفرحه"

هذه الرغبة في إعادة كتابة الماضي، لكن من وجهة نظر جديدة، هي طريقة لاستعادة الكلام، بعد سنوات طويلة من "الإسكات". هذه الكتابة التي تتم من خلال أنواع موسيقية جديدة، تستعيد الماضي بطريقة متحرّرة، عبر وسائل جديدة تحاكي الواقع الجديد لسوريي/ ات المنفى، وتعبر عن وجودهم/ ن بين عالمين، تقول الباحثة عبّاني، لرصيف22، شارحةً عن علاقة الوطن (سوريا)، مع التوجّه نحو الموسيقى الإلكترونية، وعن تأثيرات الثورة، ومن ثمّ الحرب على هذا التوجّه.

وتضيف عبّاني أنّ هناك تعطشاً كبيراً لاكتشاف الذات التي قُمعت سنواتٍ طويلة، بهدف إعادة تشكيلها، وتشكيل الحاضر الذي أصبح مختلفاً عن المكان الذي كبر/ ت فيه الموسيقيون/ ات، وتشكّل وعيهم/ ن فيه.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image