شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
بين الدولار والليرة...سكن جماعي وحرب بين المستأجرين والملاك

بين الدولار والليرة...سكن جماعي وحرب بين المستأجرين والملاك

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 20 سبتمبر 202106:00 م

انتقلت زينب إلى شقّتها الواقعة في منطقة الحمراء تحديدًا في شارع المقدسي في العام 2019 حين كانت بوادر الانهيار الاقتصادي ظاهرة نوعًا ما. حينها وقّعت زينب عقد إيجار قيمته 400$ شهريًا بهدف السكن في شقّة نصف مفروشة. مع تدهور الأوضاع في لبنان وحين ارتفع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية طالب صاحب المنزل أن يتم دفع بدل الإيجار بحسب سعر الصرف في السوق السوداء أو نقدًا بالدولار التزامًا بالعقد. الطلب الذي لم تستطع زينب أن تلتزم به وبالتالي توجّب عليها ترك الشقّة والانتقال إلى مكان آخر.

المنازل بحسب الملاك

يشرح مروان ر. وهو مالك عدّة شقق في بيروت وجهة نظره فيما يتعلّق بالسجالات القائمة بين مالكي البيوت والمستأجرين منذ بداية الأزمة الاقتصادية. ويقول لرصيف22: “الأطراف كلّها على حق والأطراف كلّها على خطأ. مضحك هذا الواقع. لكن كمالك شقّة في بيروت، أعتمد منذ عقود على بدل الإيجار الشهري الذي يصلني من المستأجرين بهدف إعالة عائلتي، وفي نهاية الأمر ما لا يعلمه المستأجر هو أن ثلثي بدل الإيجار وأحيانًا نصفه هو كل ما يتبقى لي بعد دفع المستحقّات وفي أحيان أخرى عُطل واحد في المنزل يمكنه أن يكلّفني أرباح ثلاثة أشهر من السنة أو السنة كلّها في وقتنا هذا لأن عمليات التصليح والترميم لم تعد تتم إلا بالدولار. طبعًا، لست بصدد نكران الأرباح التي حقّقتها أنا وغيري على مدار السنوات الماضية لكن في ظل الانهيار الاقتصادي لا يوجد ربح”.

حين لم ينجح مالك الشقة بطرد العائلة بدأ بالتعرض لها على الصعيد الشخصي عبر اقتحام الشقة وصولًا إلى ادعائه أن الشقّة تُستخدم لتقديم الخدمات الجنسية.

بحسب “مرصد السكن”: “بات المستأجرون في لبنان الفئة الاجتماعية الأكثر هشاشة من ناحية ضمان السكن واستدامته، لا سيّما بسبب عدم وجود مؤشر رسمي لبدلات الإيجار أو ضرائب على الشقق الشاغرة. كما أن أسعار الإيجارات تعتبر من الأغلى في العالم عند مقارنتها بالحد الأدنى للأجور. وعن أحقيّة المالك بفرض دفع الإيجار بالدولار بشرح المرصد أن حرية التعاقد لا تعني أن الدفع بالدولار إلزامي، حتى وإن لم يذكر العقد القيمة بالليرة اللبنانية. فلا يحق للمالك عدم قبول العملة اللبنانية حسب المادة ١٩٢ من قانون النقد والتسليف، الذي ينص على إلزامية قبول العملة اللبنانية كون الموضوع يمس بسيادة الدولة. وتطبق على من يمتنع عن استلام الأجر بالليرة اللبنانية العقوبات المنصوص عليها بالمادة ٣١٩ من قانون العقوبات: حبس من ٦ أشهر الى ٣ سنوات وغرامة تراوح من ٥٠٠ ألف إلى مليوني ليرة. كما أن مصرف لبنان هو الجهة الرسمية لسعر الصرف، وأي اقتراح لسعر صرف مختلف هو تحميل مخاطر سعر الصرف للمستأجرين. بالإضافة إلى أن جميع الخدمات تحدّد سعرها بالليرة اللبنانية ولا يجوز إلزام المواطن بتسديد أي فرق عملة سوى على البضائع المستوردة. وفي حال امتنع المالك عن قبض الإيجار بالليرة اللبنانية، فمن الممكن إيداع المبلغ عند كاتب العدل وإرفاق إفادة بسعر الصرف الرسمي بتاريخ الدفع لحفظ الحقوق. كما يمكن إرسال بدل الإيجار من خلال برقية ليبان بوست”.

المنزل بحسب المستأجرة

تؤكّد زينب أن كل هذه القوانين ليست سوى أحلام على الورق، وتقول: “حسنًا، سأعارض صاحب الشقّة وأصر على دفع بدل الإيجار بالليرة اللبنانية وسآخذ حقّي بالقانون، كل هذا لا يعني أنني لن أتعرّض لمضايقات أخرى تمسّني على الصعيد الشخصي”. وتضيف: “بدي عيش ببيت إرتاح في، مش أطوش راسي في”.

"بات المستأجرون في لبنان الفئة الاجتماعية الأكثر هشاشة من ناحية ضمان السكن واستدامته، لا سيّما بسبب عدم وجود مؤشر رسمي لبدلات الإيجار أو ضرائب على الشقق الشاغرة"

توافق سولانج ف. وهي مستأجرة مقيمة في عرمون مع عائلتها على الفكرة التي طرحتها زينب، وتؤكّد أن مالك شقّتها السابقة مثّل المعاناة الأكبر في حياتها.

ولدت سولانج في شقة في منطقة مار الياس في بيروت وعاشت فيها حتّى العام 2020 مع والدتها وجدّتها، وبحسب العقد القديم المبرم مع صاحب الشقّة كانت العائلة تدفع شهريًا مبلغاً قيمته 80 ألف ليرة لبنانية. مما دفع صاحب الملك منذ سنوات إلى محاولة إخلاء الشقة عبر اللجوء إلى القضاء أو بطردهم، وحين لم ينجح في الحالتين بدأ بالتعرض لهم على الصعيد الشخصي عبر اقتحام الشقة مؤكّدًا أنها ملكه ومن حقّه أن يدخلها متى شاء وصولًا إلى ادعائه أن الشقّة تُستخدم لتقديم الخدمات الجنسية.

بعد أشهر على هذه الحال، تركت سولانج المنزل وانتقلت إلى منزل آخر في عرمون مع عائلتها في العام 2020، ووقّعت على عقد إيجار بقيمة 200 دولار شهريًا بشرط أن يتم الدفع نقدًا. وعلمت لاحقًا أن مالك الشقة القديمة قام بتأجيرها بعقد جديد وبالدولار.

تعتقد سولانج أن لا مفر من أزمة السكن في لبنان، فهي توافق على أن قانون الإيجار القديم غير عادل، لكن الإخلاء بدون دفع التعويضات للعائلات غير عادل أيضًا. وعن الحال اليوم، تقول: “نخضع ونقبل أن ندفع بالدولار كي لا نعيش في الشارع. في الوقت الحالي نلبّي احتياجاتنا اليومية معتمدين على ما تبقى من تعويض والدتي. أما بدل الإيجار فندفعه من خلال كل ما أجنيه شهريًا فقط كي يكون لنا سقف فوق رؤوسنا”.

بين الدولار والليرة... سكن جماعي

شهدت مواقع التواصل الاجتماعي نقلة نوعية منذ بداية الانهيار الاقتصادي وتحديدًا في الصفحات المعنية بتأجير الشقق في لبنان حيث صار أصحاب الملك يفكّرون مليًا قبل وضع السعر على الصفحة وفي الوقت عينه راح الباحثون عن الشقق يرفضون تسعيرة الدولار ويواجهونها بالسخرية والمعارضة.

على إحدى الصفحات يكتب المالك: “في شي غلط بعقول الناس. صاير كل واحد مفتكر إنو إذا هو مش قادر يستأجر لازم المالك ينزل أسعاره كرمال هو يكون مبسوط. يا جماعة، الإيجارات عرض وطلب. طالما المؤجر قادر يأجر ب ١٠٠ ليرة، ليش بده يأجرها ب ٥٠ ليرة؟ ...روحوا صبّوا غضبكم على نفسكم أولا، وعلى من انتخبتوهم ثانيا..إنتوا المشكل، مش المالك.. المالك أكثر واحد خسران”.

ليأتي الرد عليه بمختلف العبارات القانونية والانسانية والأخلاقية ومنها: “معك حق لو كنت عم تبيع سوشي أو عندك محل فراريج والناس عم تشارعك عالسعر...بس السكن حق مقدس للإنسان، ما بتسري عليه قوانين العرض والطلب والاحتكار”.

بحسب المواثيق الدولية التي تقسّم الدخل الشهري إلى ثلاثة أجزاء، فإن كلفة السكن يجب أن لا تتخطّى 20 بالمئة من الراتب. هذه القاعدة لا تسري في لبنان، فالسكن لم يكن يومًا حقّاً يحظى به الجميع، بل هو قلق ورفاهية وكلفته غالبًا ما تشكّل نصف الراتب الشهري أو أكثر.

منذ بداية أزمة الكهرباء، حُرم الناس أكثر فأكثر من حقّهم بالسكن إذ صاروا يتنقلون من مكان إلى آخر بهدف الحصول على القليل من الكهرباء. بشار الشاب العشريني انتقل قبل مدّة للعيش في منزل خاله بعد أن انقطعت الكهرباء نهائيًا عن منزله في منطقة الجميزة وطالبه صاحب المنزل بدفع بدل الإيجار كاملاً. يقول بشار: “أدفع حرفيًا إيجار منزل لا أستفيد منه، وفوق كل هذا حين أخبرت صاحب الشقة أنني لم أستخدم المياه طوال الشهر السابق وأنني لست مقيمًا بالشقة لأنها غير قابلة للإقامة طالبني بدفع بدل الإيجار بالكامل وبدفع فاتورة الكهرباء أيضًاً على الرغم من انقطاع التيار. ولذلك قرّرت أن أنتقل للعيش مع خالي لكي نستفيد معًا من راتبينا ووضعهما في منزل واحد بدلًا من تقسيمهما”.

كلفة السكن يجب أن لا تتخطّى 20 بالمئة من الراتب. هذه القاعدة لا تسري في لبنان، فالسكن لم يكن يومًا حقًّا يحظى به الجميع، بل هو قلق ورفاهية وكلفته غالبًا ما تشكّل نصف الراتب الشهري أو أكثر

الأسبوع المقبل ستنتقل خالة بشار للعيش معهما أيضًا وذلك لأنها هي أيضًا لم تعد قادرة على تحمّل تكاليف الحياة اليومية، وعن انتقالها هذا، يشرح بشّار: “راتبها الشهري مليون ونصف ليرة، 800 ألف بدل إيجار الغرفة في منزل مشترك في فرن الشباك، وما تبقى من راتبها لا يكفيها للتنقّل. ولذلك رأت أن الحل الأفضل هو الانتقال للعيش مع شقيقها وتقاسم الأعباء عبر توفير دفع الإيجار”.

من ناحية أخرى، يؤكّد بول وهو صاحب شقّة في منطقة الجميزة أنه يرفض تأجير شقّته بالليرة اللبنانية لأنه ابتاعها بالدولار، ولذلك يفضّل عدم تأجيرها بدلًا من خسارة قيمتها وعدم استفادته منها في الوقت الحالي.

وبحسب “مرصد السكن”، لا بد من دخول المشرّع لحماية حقوق السكّان والمالكين معاً وإيجاد الصيغة المناسبة لعدم تكرار سيناريوهات الإيجارات القديمة، النقطة التي يؤكّد عليها بول ويعتبرها أساسية لتحقيق تواصل صحي بين الملاك والمستأجر، تحديدًا ضمن منظومة لم تكن عادلة، بحسب رأيه، مع كل الأطراف.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image