في 8 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، يبدأ القضاء الفرنسي محاكمة الكاهن اللبناني الأب منصور لبكي (81 عاماً) غيابياً في تهم الاستغلال الجنسي التي لطّخت اسمه قبل سنوات، بما في ذلك اغتصاب قاصرات دون الـ15 من العمر والاعتداء عليهن جنسياً.
وأفادت صحيفة "لاكروا" الفرنسية الكاثوليكية بأن الأب الذي دانه "مجمع عقيدة الإيمان" -قضاء الفاتيكان- في العام 2012 بارتكاب "جرائم جنسية بحق قاصرين"، ستبدأ محاكمته غيابياً في محكمة جنايات كالفادوس بعد أكثر من ثماني سنوات من التأخير القضائي، مبرزةً أن المحاكمة تستند إلى شهادات نحو 20 من ضحاياه.
تعود وقائع القضية إلى الفترة الممتدة بين عامي 1989 و1997، ويعتقد أنها ارتكبت في العاصمة الفرنسية باريس وضاحية دوفر لا دليفراند القريبة من مدينة كان، حيث أدار الأب لبكي مركزاً لاستقبال المراهقين من ضحايا الحرب في لبنان، وغالبيتهم من الأيتام، أُغلق لاحقاً عام 1998.
سنوات من العراقيل القضائية
من الضحايا اللواتي تستند المحكمة إلى شهاداتهن، فتاة فرنسية كانت في عمر الـ13 عاماً حين أودعت المركز عقب مرور عائلتها بحالة صعبة، وفتاتان لبنانيتان يتيمتان أُرسلتا إلى فرنسا حين كانتا في سن الـ7 والـ11 عاماً.
"متوحش دمّر حياة عشرات الضحايا، لكن معظمهن لبنانيات ولا يجرؤن على التحدث علناً خوفاً من الانتقام"... الكاهن اللبناني منصور لبكي يواجه محاكمة غيابية في فرنسا في تهم اغتصاب واعتداء جنسي على عشرات القاصرات في مركز أيتام أداره هناك
قال الفتيات الثلاث إن الكاهن كان يستدعيهن إلى مكتبه المطلّ على غرفته، بذريعة الاستماع إلى اعترافاتهن وإلى معاناتهن، على سبيل المثال، قبل أن يجلسهن على ركبتيه ويعانقهن بصفته "حاميهن"، ومن ثمّ يغتصبهن.
تفيد وثائق المحكمة أيضاً بأنه جرى الاستماع إلى نحو 20 ضحية محتملة أخرى للكاهن، بينهن عدة فرنسيات.
وتصف محامية الضحايا الثلاثة اللواتي أخذن صفة الادعاء الشخصي في القضية، سولانج دوميك، الأب لبكي بأنه "شخص متوحش دمّر حياة عشرات الضحايا، لكن معظمهن لبنانيات ولا يجرؤن على التحدث علناً خوفاً من الانتقام".
وأردفت: "أنا نفسي ادّعت عليّ محكمة جنايات لبنانية بتهمة التشهير، وأواجه السجن عشر سنوات إذا ذهبت إلى لبنان. ما بالكم بالضحايا!".
ومنذ عام 2016، هناك مذكرتا توقيف، دولية وأوروبية، أصدرهما القضاء الفرنسي بحق الكاهن اللبناني الذي رفض الامتثال متذرعاً باحتمال مواجهته "محاكمة غير عادلة". ورفض لبنان رسمياً تسليم الكاهن إلى فرنسا عام 2017.
ثلاث ضحايا للأب لبكي قلن إن الكاهن كان يستدعيهن إلى مكتبه المطلّ على غرفته، بذريعة الاستماع إلى اعترافاتهن وإلى معاناتهن، مثلاً، قبل أن يجلسهن على ركبتيه ويعانقهن بصفته "حاميهن"، ومن ثمّ يغتصبهن
حملات "تلميع" و"تبرئة" في لبنان
رغم ما سبق، لا يزال الأب لبكي يحظى بشعبية وبالتقدير في لبنان ويُعتبر بطلاً قومياً بعدما اشتهر بدوره خلال الحرب في لبنان (بين عامي 1975 و1990) وعمله لصالح الأيتام وتأليفه التراتيل الكنسية.
وبرغم أن الفاتيكان ثبّت عام 2013 إدانته سلوك الكاهن "المنتظم الذي لم يقتصر على ضحية واحدة"، وحرمه من الخدمة وجميع الاحتفالات المتعلقة بالأسرار المقدسة، إلا أن الكاهن ظل يمارس مهامه الكنسية في لبنان بأريحية تامة، فأحيا القداديس علناً والتقى الشباب والمراهقين، وحظي بدعم مستمر من الكنيسة المارونية هناك.
فور تداول الاتهامات الموجهة للكاهن علناً، شنّت شخصيات كنسية، على رأسها البطريرك بشارة الراعي، ووسائل إعلام لبنانية، حملات دفاع عن الأب لبكي، بلغت ذروتها عامي 2015 و2016. في حين اعتبر هو أن التهم ضده "مؤامرة من البشر وظلم من الكهنوت"، في إشارة إلى الفاتيكان.
ولم تقتصر حملات "دعم" لبكي في لبنان على اعتبار ما يتهم به "محض افتراء" فقط، بل تحوّل الأمر مراراً إلى حملات ذم وطعن في ضحاياه وتشكيك في نواياهن كذلك.
برغم كل التهم التي لطّخت اسمه، لا يزال الأب #منصور_لبكي يحظى بشعبية وبالتقدير في لبنان وبدعم مستمر من الكنيسة المارونية، ويسأل لبنانيون متى يتجرأ قضاؤهم على فتح ملفات الاعتداءات الجنسية من رجال دين في كل الطوائف؟
وبثت "تيلي لوميار"، وهي أول محطة تلفزيونية مسيحية في لبنان والعالم العربي، وقد تأسست عام 1991 وتحول اسمها لاحقاً إلى "نور سات"، ما وصفته بـ"الوثائقي" لـ"تلميع" صورة الأب. تمثل ذلك في 13 حلقة بعنوان "نور الحقيقة" عن حياة لبكي و"إنجازاته".
وكلما تجددت الأخبار حول جهود محاسبة الأب لبكي، تكرر ظهور مقالات تدافع عنه. في العام الماضي، نُشر مقال بعنوان: "أنا أيضاً أريد رأس منصور لبكي" في جريدة "النهار" اللبنانية، ورد فيه أن "منصور لبكي مذنب لأنه جمع آلاف الأطفال المشردين وكان لهم بمثابة الأب الصالح الذي فقدوه في أحداث مجزرة الدامور. هو أيضاً مذنب لأنه فتح أمامهم آفاقاً واسعة ووفّر لهم سبل النجاح وسار معهم الدرب إلى أن أسسوا عائلاتهم وأصبحوا آباء وأمهات صالحين".
وتابع المقال الذي كتبه أنطونيو الزعني: "إنه حقاً مذنب لأنه علّم أجيالاً على مر السنين من دون مقابل، وقد عرفت منهم الكثير شخصياً! وهو مذنب أيضاً لأنه كان الأذن الصاغية لمآسي المتعبين وحتى المضطربين منهم! كيف لا يكون مذنباً وهو الذي علّم أجيالاً وأجيالاً حين كان مدرساً من دون أن ننسى ثقافته المتواضعة التي سمحت له بأن يتبوأ مركز مدير مجلة "الفصول الثقافية"! ومن أبرز ذنوبه أنه أسس "بيت سيدة الفرح" وجوقة "منشدي لبنان الصغار" للعناية بيتامى الحرب بهدف تعزيز التسامح والمحبة والسلام! كما أنه أسس جمعية "لوتدحال" (أي لا تخف) لتعزيز ثقافة الإيمان والشجاعة لدى من قست عليهم الحياة ولتكريس البعض لخدمة الرب!".
مع اقتراب محاكمة لبكي في فرنسا، تساءل لبنانيون: متى يتجرأ القضاء اللبناني ويفتح ملف الاعتداءات الجنسية من رجال دين؟ لكن الإجابة هي ليس قريباً على الأرجح إذ يفرض النظام الطائفي في لبنان عدم تدخل الدولة في شؤون الطوائف.
في غضون ذلك، تُصر السيدة اللبنانية المقيمة في إيطاليا، مارلين غانم، التي تتهم لبكي بالاعتداء عليها في ثمانينيات القرن الماضي عندما كان عمرها يراوح بين 14 و16 عاماً، على أن "الكنيسة المارونية متواطئة مع الأب لبكي بصمتها"، وهي تطالبها برفع الحماية عنه كما تطالب الفاتيكان بالتحقيق مع القيادات الكنسية التي تقوم بحمايته إلى الآن.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...