للمرة الأولى في تاريخه، احتضن الفاتيكان، مقر القيادة الروحية للكاثوليك، جلسة محاكمة لاثنين من القساوسة الكاثوليك في قضية اعتداءات جنسية على أحد الأطفال، خدام المذبح، والمثارة منذ عام 2012.
الجلسة القصيرة التي عقدت في 14 تشرين الأول/ أكتوبر أمام محكمة الجنايات في الفاتيكان، وُجّه فيها الاتهام لقس بالاعتداء الجنسي على صبي مذبح في مدرسة لاهوتية بارزة قريبة من سكن البابا، ولقسٍّ ثانٍ بالتستر على ذلك، في أول محاكمة من نوعها في المدينة بشأن حوادث الاعتداء الجنسي التي قيل إنها وقعت داخل أسوارها.
وقعت الاعتداءات التي تم التحقيق فيها بين عامي 2007 و2012، داخل مدرسة "بيوس العاشر" اللاهوتية للفتيان، وهي مدرسة داخلية تتضمن سكناً للأولاد الذين تراوح أعمارهم بين 12 و 18 عاماً، تمهيداً لأن يصبحوا قساوسة. غالباً، يعمل طلاب هذه المدرسة خدام مذبح.
"عنف وتهديد واغتصاب"
خلال فترة الاعتداءات، كان القس غابرييل مارتينيلي (28 عاماً الآن)، المتهم بارتكاب الاعتداءات، في الـ17 من عمره، الضحية في الـ16 (13 عاماً في رواية أخرى). عام 2017، رُسم الأب مارتينيلي كاهناً في كومو (شمال إيطاليا).
في سابقة تاريخية… الفاتيكان يحتضن محاكمة قس شاب بـ"إجبار صبي مذبح على الخضوع للعلاقات الجسدية وأعمال اللواط والاستمناء" ومحاكمة آخر مسنّ بـ"التستر والمساعدة وعرقلة التحقيقات"
الأب مارتينيلي متهم بإجبار الضحية -التي عُرّف عنها بالحرف الأول من اسمه وكنيته لاعتبارات قانونية- على "الخضوع للعلاقات الجسدية وأعمال اللواط والاستمناء" في عدة مناسبات في مدينة الفاتيكان، بحسب لائحة الاتهام التي تلاها كاتب المحكمة.
أما القس إنريكو راديس (72 عاماً)، الذي كان مديراً للمدرسة في ذلك الوقت، فمتهم بـ"المساعدة والتستر على الإساءة" إذ كذب على محققي الفاتيكان، وقال لهم عام 2018 إنه ليس لديه علم بالانتهاكات التي جرت في المدرسة، وهذا ما عرقل التحقيق.
لم يرد على التهم أيٌ من المتهمين، اللذين حضرا جلسة الاستماع الإجرائية، التي استمرت ثماني دقائق قبل إعلان تأجيل المحاكمة إلى وقت لاحق من هذا الشهر، إذ يُتوقع الاستماع إلى دفاع المتهمين.
وكانت وسائل الإعلام الإيطالية قد كتبت عن هذه الاعتداءات للمرة الأولى عام 2017. لكن الاتهام لم يُوجّه إلى الكاهنين حتى عام 2019.
كانت التقارير تعتمد بشكل أساسي على روايات رفيق الغرفة للضحية كميل جرزمبوسكي، الذي قال إنه شهد الانتهاكات وطُرد بعد ذلك من المدرسة اللاهوتية، مؤكداً أنه أبلغ سلطات الكنيسة عنها لأول مرة عام 2012.
وفق لائحة الاتهام، يمكن استنباط أنه عرف بأمر الانتهاكات الجنسية منذ 2013 على الأقل، عندما كتب الأب راديس رسالة إلى أحد الأساقفة يدحض اتهامات الضحية ضد الأب مارتينيلي.
"مهزلة"؟
تدار المدرسة من قبل جمعية دينية تتخذ من كومو مقراً. بعد فترة وجيزة من توجيه الاتهام للكاهنين عام 2019، أصدرت أبرشية كومو بياناً قالت فيه إن الاتهامات الموجهة للأب مارتينيلي تم لفت انتباه المسؤولين إليها عام 2013، لكن السلطات الدينية المكلفة التحقيق في الادعاءات وجدت أنها لا أساس لها من الصحة.
"هذه مهزلة"... برغم أهمية إجراء الفاتيكان -مقر القيادة الروحية للكاثوليك- محاكمة رجال دين في شبهات اعتداء جنسي على أطفال داخل أسواره، فإن البعض يستنكر انتظار ثماني سنوات لتحقيق العدالة بعد فضح الانتهاكات عام 2012
وكان الفاتيكان قد طلب من الأبرشية التحقيق في المزاعم عقب تقارير عام 2017. لكن الأبرشية لم تعلن النتائج التي توصلت إليها، واكتفت بإرسال تقرير إلى الفاتيكان.
وزعم بيان الأبرشية لعام 2019 أن الأب مارتينيلي والأب راديس كانا "مقيدين في ممارسة الخدمة وتم إيقافهما عن القيام بأنشطة رعوية تشمل القُصر والبالغين المستضعفين".
مع انعقاد محاكمة جنائية للمتهمين أخيراً، لم يعرب المدافعون عن حقوق الضحايا عن رضاهم بل اتهموا الفاتيكان بالتصرف بعد فضح التقارير الإعلامية مزاعم الإساءة.
فرانشيسكو زاناردي، رئيس أول مجموعة دعم لضحايا الاعتداء الجنسي في إيطاليا، علق على المحاكمة: "المحاكمة تبدأ الآن، ولكن تم توجيه الاتهامات الأولى عام 2012… إنها مهزلة".
منذ عقود طويلة، أثير الجدل بشأن حوادث الاعتداء الجنسي في الكنيسة الكاثوليكية الرومانية. وظهرت لاحقاً آلاف الحالات من الاعتداءات والتستر عليها في جميع أنحاء العالم. لكن البابا فرانسيس أرسى مبدأ عدم التسامح مطلقاً مع المعتدين أو التستر عليهم، وأصدر تعليمات وقوانين عدة، بما في ذلك قانون لمحاسبة الجناة في مدينة الفاتيكان على وجه التحديد، يقول منتقدون إنها لا تفي بالغرض.
وبينما تعد هذه أول محاكمة داخل الفاتيكان بتهم الاعتداء الجنسي، فقد حوكم أساقفة جنائياً بالتهمة نفسها في أماكن أخرى.
وعام 2014، وضع الفاتيكان رئيس الأساقفة جوزيف ويسولوفسكي، الذي اتهم بالاعتداء الجنسي على الأولاد الذين التقاهم في الشارع أثناء عمله سفيراً للفاتيكان لدى جمهورية الدومينيكان، قيد الإقامة الجبرية. لكنه توفي عام 2015 بعد فترة قصيرة من بدء محاكمته.
وعام 2018، حكمت محكمة في الفاتيكان على دبلوماسي سابق بالسجن خمس سنوات وغرامة قدرها 5800 دولار أمريكي لحيازته موادَّ إباحية وتوزيعها على الأطفال.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...