شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"زواج البارت تايم"... متعة جنسية للرجال على حساب النساء وللبعض "هذا يجوز شرعاً"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الثلاثاء 14 سبتمبر 202109:33 ص

ما هذا الهُراء! هذه الجملة الساخرة أول ما نطق بها لساني، حين قرأت عما يُسمّى "زواج البارت تايم"، أو "سلفيني جوزك يوم في الأسبوع".

تلك الحملة التي نادى بها المحامي أحمد مهران، والتي تدعو إلى زواج الرجال من النساء المطلقات، والأرامل، شرط أن توافق المرأة، على أن تلتقي بزوجها مدة يوم واحد فقط في الأسبوع. وفي حقيقة الأمر، لم تنتبني حالة الذهول التي انتابت البعض، إذ فسّرتُ الأمر، منذ الوهلة الأولى، بأن صاحب تلك الدعوى، يسعى إلى إثارة الجدل، والرأي العام، لتحقيق شهرة، أو بلغة العصر "تفجير تراند"، الأمر الذي دفعه إلى إلصاق كلمات غريبة، وغير مقبولة مجتمعياً، بكلمة الزواج. فتارةً نادى بزواج التجربة، وتارةً ألحقها بـ"سلفيني جوزك"، أو "زواج البارت تايم".

ولكن ما أثار ذهولي أكثر، هو الجدل الإعلامي الذي دار حول تلك الدعوة، بعد موافقة عدد من رجال الدين على زواج "البارت تايم"، إذ وافق بعضهم عليه، طالما أنه يستوفي الشرط الأساسي، ألا وهو الرضا والقبول من الطرفين، حتى مع تنازل الزوجة عن حقوقها، وهو الرأي الذي نادى به أستاذ الفقه المقارن في جامعة الأزهر الدكتور أحمد كريمة، مؤكداً أن زواج "البارت تايم" يجوز شرعاً، حتى مع تخلي الزوجة عن حقها في مبيت الزوج، أو توفير مسكن لها، وهو ما أصابني بالدهشة الشديدة؛ إذ كيف يعلن رجل دين بحجم كريمة، عن موافقته على ذلك الزواج!

هذا الأمر، جعل صاحب تلك الدعوى يتمسك برأي كريمة، وراح يستشهد بموقفه، في اللقاءات التلفزيونية التي يطل من خلالها علينا، جميعها، وعبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، وضرب بالآراء الأخرى جميعها، عرض الحائط، خاصةً بعد أن دعم ذلك الرأي، الإمام والخطيب في وزارة الأوقاف عبد الله رشدي، مؤكداً أنه زواج صحيح، طالما يلقى الرضا من الطرفين.

ومن هنا، قامت دار الإفتاء المصرية بحسم تلك البلبلة، من خلال بيان أصدرته مؤخراً، ترفض من خلاله زواج "البارت تايم"، مشددةً على ضرورة عدم الانسياق خلف تلك الدعوات التي تهدم مفهوم الزواج الحقيقي، وتحمل تلاعباً بالمعاني، للتحايل على الشرع، والدين، ومفهوم الزواج كما شرعه الله.

وما يثير الاستفزاز، هو رد صاحب الدعوى على بيان دار الإفتاء، إذ أعلن، من خلال تصريحات صحافية، أنه يحمل تسجيلاً لدار الإفتاء، تؤكد من خلاله موافقتها على زواج "البارت تايم" من قبل، مؤكداً أن هذا الزواج موجود، وقائم بالفعل، والهدف منه إنقاذ 2.5 مليون سيدة مطلقة، في مصر.

بالنظر إلى الشروط الأساسية لإتمام زواج "البارت تايم"، سوف نجد أنه ليس إلا عقداً توقع عليه المرأة بكامل إرادتها، للتنازل عن حقوقها، وكرامتها، وإنسانيتها أيضاً، لمجرد أنها تحمل لقب مطلقة، أو أرملة

وبالنظر إلى الشروط الأساسية لإتمام زواج "البارت تايم"، سوف نجد أنه ليس إلا عقداً توقع عليه المرأة بكامل إرادتها، للتنازل عن حقوقها، وكرامتها، وإنسانيتها أيضاً، لمجرد أنها تحمل لقب مطلقة، أو أرملة. فشروط ذلك العقد، ليست دعوة إلى الزواج، كما يدّعي مهران، ولكنها دعوة لإهانة المرأة التي سبق لها الزواج من قبل، إذ تتمثل أولى شروطه في موافقة الزوجة الثانية على أن تتنازل عن حقها في الاستقرار، والحياة الطبيعية، وتقبل أن تلتقي بزوجها يوماً واحداً فقط، أسبوعياً، وتتنازل عن حقها في مبيت الزوج، وحقها في توفير مسكن للزوجية مستقر، وهو شرط أساسي لإتمام ما يسمى بزواج "البارت تايم"، أو تلك الدعوة المهينة التي ترسّخ النظرة المتدنية التي ما زالت تلاحق السيدات المطلقات والأرامل. فعلى الرغم من زي التحضر الذي بات أبناء المجتمعات العربية يرتدونه، إلا أن بعض العقول ما زالت تتمتع بعدم التنوير، بل بالتمييز، وكره النساء، ووضعهن في قوالب أحكام مسبقة، والتفرقة بين من لم تتزوج (أي الفتاة العذراء)، التي تلقى استحساناً مادياً، ومعنوياً، في عقد الزواج، وبين من سبق لها أن تزوجت من قبل، أو من تأخرت في الزواج، ويجب أن تتنازل عن حقوقها وآدميتها، وكأن المرأة سلعة، وثمنها يُقدّره ويتحكم به غشاء بكارتها، وعمرها.

وإذا بحثنا عن الأسباب التي تجعل المرأة توافق على ذلك الوضع المهين، فيجب علينا أن نعود إلى أول الخيط، وهو التراث المصري والعربي الذي وضع المرأة المطلقة، أو الأرملة، أو من تأخرت في الزواج أيضاً، في قالب مهين، من خلال الأمثلة والموروثات المجتمعية.

ومن أبرز تلك الأمثلة التي ما زال يتم ترديدها حتى الآن: "اللي يطول شره مع مراته، يتركها ويأمن حياته"، و"تنسى خالقها، ولا تنسى مطلقها"، و"طلق الخايبة، ولا تاخد الشايبة"، و"إذا تزوجت الشايبة، ما هي صايبة"، و"خد الوحشة وعوزها، ولا تاخد اللي رماها جوزها"، و"الست المنحوسة، لا هي مطلقة، ولا هي عروسة"، و"بعد الصبر، وطول العزوبة، راح أتجوز كركوبة"، و"اللي مات جوزها يا غلبها وعوزها"، وغيرها من الأمثلة التي تقلل من قيمة المرأة، وتضعها فريسة للضغوط المجتمعية، وتقودها إلى الموافقة على نصف زواج، أو على نصف رجل.

وكما تضع تلك الموروثات المرأة، في قالب أضعف، تضع الرجل أيضاً في قالب أقوى، إذ يرى في نفسه الملاذ، والمنقذ للمرأة، من ذلك الشبح الذي يطاردها دوماً، وهو كلمة "مطلقة"، أو "أرملة"، أو "عانس".

أين المجالس والمراكز الحقوقية التي دورها التحدث بلسان المرأة، والدفاع عن حقوقها، من تلك الدعوات العبثية التي لا تهدف إلا إلى تحقيق متعة للرجل، لمدة يوم واحد أسبوعياً، وتبخس حق المرأة، تحت مسمى الحفاظ على المطلقات، والأرامل، وتحقيق التوازن المجتمعي؟

هذا ما روته العديدات من السيدات اللواتي استسلمن للموروثات المجتمعية المسيئة، ووقعن فريسة تلك الزيجات، وتنازلن عن حقوقهن في الزواج، لكونهن يحملن لقب مطلقات، أو أرامل، وتزوجن بدافع ممارسة الجنس ضمن إطار شرعي، أو نظراً لضيق حالتهن المادية، ورأين أن الزواج سوف يحقق لهن الاستقرار المادي، أو المعنوي، وقبلن الزواج من رجال متزوجين اشترطوا عليهن، في عقد الزواج، قضاء ليلة واحدة اسبوعياً معهن، ثم العودة إلى الاستقرار مع زوجاتهم الأساسيات. والمحزن أنني، للأسف، قد وجدت الكثيرات منهن، وخصوصاً اللواتي وصفن الأمر بأنه ليس زواجاً، بقدر ما هو يوم في الأسبوع يحصل به الرجل على متعته، ويكسر روتينه الجنسي مع زوجته الأولى، من دون تحمّله أي مسؤوليات، وكأنه يقضي ليلة ساخنة مع "عاهرة"، ولكن ضمن إطار شرعي.

والسؤال الآن: أين المجالس والمراكز الحقوقية التي دورها التحدث بلسان المرأة، والدفاع عن حقوقها، من تلك الدعوات العبثية التي لا تهدف إلا إلى تحقيق متعة للرجل، لمدة يوم واحد أسبوعياً، وتبخس حق المرأة، تحت مسمى الحفاظ على المطلقات، والأرامل، وتحقيق التوازن المجتمعي؟

أعتقد أن الأمر ليس في حاجة إلى التخبّط، بين مؤيد معارض من الجانب الديني، ولكنه في حاجة إلى التحدث بلسان كرامة المرأة وآدميتها، ورفض أمور تضعها في وضع مهين، مثل تلك الدعوات المشينة، وغير المقبولة لكلمة زواج، أو رباط مقدس، كما وصفه الله في الأديان السماوية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image