شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
تأجير الأرحام بين الشريعة والقانون والعطاء الإنساني

تأجير الأرحام بين الشريعة والقانون والعطاء الإنساني

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

السبت 27 فبراير 202111:53 ص

للزواج عشرة أنواع قبل الإسلام، يفصّلها عبد السلام الترمانيني في كتابه الزواج عند العرب في الجاهلية والإسلام، وهي: الاستبضاع، والمضامدة، والمخادنة، والبغاء، والضيزن، والشغار، والبدل أو تبادل الزوجات، ونكاح المسبيّات أو المخطوفات، والزنا (السفاح)، والزواج المؤقّت أو زواج المتعة.

معظم تلك الأنواع لم تكن تهدف إلى تكوين أسرة وحياة اجتماعية مستقرّة، بل جاء بعضها لأسباب اقتصادية جعلت الفقراء والمحتاجين يهرولون إلى هذا النوع أو ذاك بغية جمع المال وسدّ الرمق والحصول على الحاجات المعيشية. وفي الوقت نفسه كانت هناك أنواع أخرى من الزواج هدفها المتعة أو الحصول على نسب مشرّف أو وجه جميل، أو التمتّع بصفات كالفطنة والشجاعة والنباهة، وجلّ تلك الأنكحة اعتبرت المرأةَ سلعة تُباع وتشترى، خلا استثناءات قليلة.

ولم تكن تلك الأنواع شائعة عند العرب فقط، بل كانت منتشرة في بلاد فارس، وتركيا، واليونان، وأمريكا الشمالية، وجزر هاواي، وغيرها. لكنّ الدين الإسلامي جعل الزواج "ميثاقاً غليظاً"، له شروطه التي تحفظ حقّ الزوجين، وتمهّد الطريق أمامهما للتمتّع بحياة اجتماعية كريمة، تقوم على المودّة والاحترام، ويتطلّب الزواج عقداً ومهراً وشهوداً، وقبل كلّ ذلك شرط القبول والرضا.

لكنّ قد تعترض حياة الزوجين عقبة عدم إنجاب الأولاد، وهذا ما يدفع الكثير من الرجال إلى تعدّد الزوجات، خصوصاً أنّ الإسلام حرّم التبنّي تحريماً قطعياً، إلّا أنّ القراءة المعاصرة للقرآن لها رأي آخر، وهو قبول التبنّي، وعلى رأس هذا التيّار الدكتور محمد شحرور (توفّي عام 2019)، الذي اعتبر أنّ الإسلام رفض حالات التبنّي التي كانت سائدة آنذاك، ولم يرفض التبنّي كمبدأ. ويعتبر شحرور أنّ التبنّي يمثّل حلّاً منطقيّاً لمشكلة العقم عند أحد الزوجين، كما أنّه حلّ لمشكلة الأطفال اللقطاء أو الذين تخلّى عنهم أهلهم لأسباب اقتصادية، بحسب ما جاء في مؤلّفه الكتاب والقرآن.

وبرزت في العقود الأخيرة مسألة قسمت الشارع العربيّ والإسلاميّ إلى مؤيّد ومعارض كما هو الحال في أي قضية أخرى، ولكلّ فريق حججه وأدلّته التي يستند إليها، وهي قضية "تأجير الرحم".

تأجير الرّحِم

هو تلقيح ماء الرجل(النطفة) بماء امرأة (بويضة) تلقيحاً خارجيّاً في وعاء اختبار، ثمّ زرع هذه البويضة المُلقّحة (اللقيحة) في رحم امرأة أخرى تتطوّع بحملها حتّى ولادة الجنين أو مقابل أجر معيّن. هذا التعريف الذي أوردته الباحثة هند الخولي في مجلّة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية في مجلّدها السابع والعشرين، ضمن العدد الثالث لعام 2011، ينطوي على خطوط عريضة، أبرزها مسألة "التطوّع".

هل المرأة التي تتطوّع بحمل البويضة الملقّحة تقوم بهذه المهمّة مقابل أجر مادي؟ وهنا تتحوّل المسألة إلى مهنة! أم أنّها تقدّم خدمة إنسانيّة لشخص يمتّ إليها بصلة قربى أو صداقة؟ وبالتالي فالمرأة التي تحمل تلك البويضة إمّا أن تكون امرأة متزوجة أو عازبة أو أرملة أو مطلّقة، وأيّاً كانت فهي أمام مسؤولية اجتماعية أو دينيّة. ويطلق على هذه العملية تسميات متعدّدة، منها: الرحم الظئر، الرحم المستعار، مؤجّرات البطون، الأم البديلة، المضيفة أو الحاضنة، شتل الجنين، الأمّ بالوكال، إلخ.

الذين أباحوا تأجير الرّحم من المسلمين اشترطوا أن تكون النطفة من الزوج والبويضة من الزوجة، ثمّ توضع اللقيحة في رحم امرأة أخرى، تسلّمهما الجنين بعد الولادة

وبحسب الباحثة هند الخولي فقد ظهرت بعض الجمعيّات التي تعنى بهذه المسألة ومنها جمعية الأمهات البديلات في لوس أنجلوس بالولايات المتّحدة الأمريكية، وشركة Storkes التي أُنشئت لبيع الأرحام في أمريكا أيضاً. وفي الهند تحوّلت هذه العملية إلى مهنة.

وكانت "ريتا باركر" صاحبة أوّل رحم مستعار في لندن، إذ وافقت على حمل البويضة الملقّحة من زوجين بريطانيّين مقابل أجر معيّن، وهذا ما يدخل في اعتبار هذا العمل كمهنة وباب رزق، لكن بعد وضع الطفل رفضت تسليمه للزوجين، ورفعت القضية إلى المحكمة، لكن لا يوجد قانون ينظّم هذه القضية.

إحصائيّات

لا يوجد إحصائيات دقيقة في هذا الخصوص، لا سيّما أنّ الكثير من هذه الحالات تكون سرّية، وقد ذكرت الباحثة هند الخولي في مقالتها آنفة الذكر أنه في إيران هناك 100 عائلة تمكّنت من الإنجاب عبْر طريق تأجير الرحم، وفي لبنان انتشر خبر في العام 1998 عن تبرّع امرأة لبنانيّة بحمل بيضة ملقّحة لصديقتها التي أُصيبت بورم خبيث في الرحم. وفي مصر أعلنت سيّدة مصريّة عن استعدادها لتأجير رحمها مقابل 2500 دولار ونفقة شهرية تقدّر بـ300 جنيه مصريّ.

صور تأجير الرحم

- أن تؤخذ البويضة الملقّحة من زوجين لم يتمكّنا من الإنجاب، ويتمّ التلقيح خارجيّاً، ثمّ تزرع اللقيحة في رحم امرأة أجنبية عنها.

- أن تؤخذ البويضة الملقّحة من زوجين، ويتمّ التلقيح خارجيّاً، ثمّ تزرع اللقيحة في رحم زوجة أخرى للرجل (في حالة تعدّد الزوجات).

- التبرّع، وفي هذه الحالة يتبرّع الرجل (غير الزوج) بالنطفة والمرأة (غير الزوجة) بالبويضة، ويتمّ التلقيح خارجيّاً، ثمّ تزرع البويضة الملقّحة في رحم امرأة أخرى لصالح امرأة ثالثة تدفع المال مقابل أخذ الطفل من دون أن تشارك في تكوينه.

- أن يتمّ تلقيح ماء الزوج ببويضةِ امرأة أجنبية عنه، وعند الولادة يسلّم المولود إلى الزوج وزوجته التي لم تشارك في التكوين والحمل، أو أن تؤخذ بويضة الزوجة وتلقّح بماء رجل أجنبي عنها، ثمّ توضع اللقيحة في رحم امرأة أخرى، وبعد الولادة يُسلّم الطفل إلى الزوجة صاحبة البويضة وزوجها العقيم.

الموقف الديني

منهم من أنكر عملية تأجير الأرحام واعتبرها خروجاً صريحاً على قواعد الدين الإسلاميّ وبالتّالي فهي محرّمة تحريماً قطعيّاً استناداً إلى قوله تعالى في سورة المؤمنون: "والّذين هُم لفروجِهم حافِظون إلّا على أزواجِهِم أو ما ملكت أيمانهم فهم غير ملومين".

للتبنّي مصطلح خاصّ يطلقه القرآنُ وهو "اتخاذ الولد"؛ قال تعالى في سورة يوسف: "وقالَ الّذي اشتراهُ من مِصرَ لامرأتِه أكرِمي مَثواهُ عسى أن يَنفعَنا أو نتّخِذهُ وَلَداً"

أمّا المجوّزون لها فاستندوا إلى مسألة تأجير الثدي (الرضاعة)، استناداً إلى القاعدة الفقهية التي تنصّ على أن الحاجة تنزل منزلة الضرورة، فالضرورات تبيح المحظورات. فالذين أباحوها من المسلمين اشترطوا أن تكون النطفة من الزوج والبويضة من الزوجة، ثمّ توضع اللقيحة في رحم امرأة أخرى، تسلّمهما الجنين بعد الولادة. ومن العلماء الذين تبنّوا هذا الرأي الدكتور عبد المعطي بيومي، عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر وعميد سابق لكلّيّة أصول الدين، بحسب ما جاء في كتاب "المتاجرة بالأمومة" لسمير غويبه.

وأباح المجمع الفقهي الإسلامي في مكّة في دورته السابعة سنة 1984 صورة رحم الضرّة فقط، ثمّ تراجع عنه في الدورة الثامنة سنة 1985، وذلك خوفاً من اختلاط الأنساب، ولاحتمال أن تحمل الضرّة حملا طبيعيّاً من زوجها، على الرغم من أنّ النسب يتبع الرجل لا المرأة في الإسلام.

وجاء في قرار المجمع: "يحرّم استخدام طرف ثالث في عملية الحمل سواء كان الموضوع سائلاً منويّاً أم بويضة أم جنيناً والطرف الثالث سواء عن طريق التأجير أو التبرّع أو التفضّل" وهو رأي الكنيسة الكاثوليكية أيضاً. وهو رأي الأستاذ الدكتور محمّد فيّاض رئيس الجمعية المصرية للخصوبة والعقم، ورئيس الجمعية الإفريقية لصحّة الأمّ والطفل.

وفي العودة إلى رأي الدكتور محمد شحرور الذي رفض إلغاء التبنّي، معتبراً أنّ التبنّي يعالج مشكلات اجتماعية كثيرة، مثل مشكلة عدم الإنجاب، ومشكلة تشرّد الأطفال خصوصاً في الحروب والنزاعات. وفرّق شحرور بين الوالد والأب في الدلالة القرآنية، فالوالد هو صاحب النطفة، والأب هو الذي يتولّى رعاية الجنين والعناية به، فالوالد يمكن أن يصير أباً أيضاً، لكنّ الأب قد يكون أباً فقط، وهذا التقسيم يجعلنا أمام إشكاليات دينية وتشريعية مرتبطة بأحكام المواريث وغيرها. والوالدة هي صاحبة البويضة ويمكن أن تصير أمّاً إذا تولّت الطفل منذ الولادة وقامت على تربيته وتنشئته، لكنّ الأمّ قد لا تكون والدة.

يقول الدكتور محمد شحرور في كتابه "الإيمان والإسلام": "نفهم أنّ أمّ موسى كانت والدة وأمّاً بالولادة، وبقيت أمّاً بالكفالة والرضاعة والتنشئة." ولعلّ خير مثال على الفصل والتفريق بين الوالدين والأبوين هو ما نعرفه اليوم بالتبنّي، وللتبنّي مصطلح خاصّ يطلقه التنزيل الحكيم وهو "اتخاذ الولد"؛ قال تعالى في سورة يوسف: "وقالَ الّذي اشتراهُ من مِصرَ لامرأتِه أكرِمي مَثواهُ عسى أن يَنفعَنا أو نتّخِذهُ وَلَداً". وقال تعالى في سورة القصص: "وقالَت امرأةُ فرعونَ قُرّة عينٍ لي ولَك لا تَقتلُوه عسى أن يَنفعَنا أو نتّخذهُ وَلداً وهُم لا يَشعُرون". ومن المعلوم أنّ الرجل المصري الذي اشترى يوسف لم يكن والده، ولكنّه أراد أبوّة التربية والتنشئة باتّخاذِه وَلَداً، تماماً مثل فرعون وامرأته اللذين لم يكونا والديْ موسى، وأرادا أن يصبحا أبويه باتخاذه ولداً.

ولا يحصل الولد المُتبنّى على الميراث إلّا إذا كانت سنّه أثناء عملية التبنّي أقلّ من عامين، أي قبل أن تتشكّل ذاكرته، وفي هذه الحالة يحقّ للولد أن يرثَ ويدخل في محارم الزينة بالنسبة إلى النساء. فالقراءة المعاصرة للقرآن وعلى رأسها محمد شحرور أعطت حقّ الأمومة والأبوّة لمن يربّي وفق شروط معيّنة وضوابط محدّدة.

والقاعدة الأساسية التي استند إليها شحرور هي مبدأ إلغاء الترادف في اللغة العربية، متّبعاً بذلك رأي علماء اللغة كالمبرّد وابن جنّي وثعلب وابن فارس، فكلّ كلمة في القرآن لها معناها الخاصّ، فالوالد غير الأب، والوالدة غير الأمّ، وبهذا التفصيل نقترب إلى أحقّيّة المرأة (صاحبة البويضة أو صاحبة الرحم المؤجَّرة) بالجنين في عملية تأجير الرحم، في ظلّ غياب قوانين تنظّم هذه العقود، بعد أن تحولت مسألة تأجير الأرحام إلى قضية تجاريّة في كثير من الأحيان.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image