عقاباً له على "السخرية" من كلبه، أمر طبيب مصري ممرضاً مسناً لديه بالسجود لكلبه سجدتين وتقديم التحية العسكرية والاعتذار له، مجبراً إياه على "نط الحبل" ومهدداً بصعقه بالكهرباء أو "تحزيمه (لف حزام حول خصره) ليرقص".
الواقعة التي وثّقها مقطع فيديو مدته نحو أربع دقائق، أثارت سخطاً واسعاً في المجتمع المصري، لا سيّما مع محاولات أطباء تبرير هذا الفعل بأنه "هزار عادي ومتكرر" في المستشفيات الحكومية.
هال الممرض (55 عاماً) -الذي يتحفظ رصيف22 عن ذكر اسمه لما سببته الواقعة من تشهير به وإهانة له- حين علم أن كلب الطبيب أتى لاصطحابه إلى المنزل وصاحبه ينتظره في المقعد الخلفي للسيارة، كما تعجب حين عرف أن سعر الكلب يناهز 30 ألف جنيه مصري (نحو ألفي دولار أمريكي)، فقال "ليه دا كلب". أغضبت عبارته الطبيب وقرر "تأديبه ومعاقبته"، كما ظهر في الفيديو.
في البداية، قرر الطبيب أن يقفز الممرض الحبل خمس مرات، وهو يردد "بقى أنت تتريق على كلبي أنا". لكنه لم يكتف بذلك، وطلب منه أن يصلي للكلب سجدتين وهو يردد "الله أكبر"، فرفض الممرض بشدة، واقترح أن يقدم التحية العسكرية للكلب و"يضرب له تعظيم سلام" ويعتذر للكلب، ففعل.
وعاود الطبيب مطالبة الممرض بالسجود للكلب، قائلاً إنه سيتحمل ذنب الممرض، لكن الممرض كرر رفضه قائلاً إنه يفضّل صعقه بالكهرباء -كما هدده الطبيب- على تحمل هذا "الذنب".
وكان رفقة الطبيب، الذي اتضح لاحقاً أنه عمرو خيري أستاذ ورئيس قسم العظام في كلية الطب جامعة عين شمس، شابان يرتديان ملابس أمن إداري بالمستشفى. وظل الطبيب ينهر الممرض مراراً بعبارات مثل "مش عاجبك إنه بجلالة قدره جاي ياخدني" و"قاعد (يقصد الكلب) زي الباشا ورا مغلطش ف حد تغلط فيه ليه؟" و"أنت أهنت كلبي تالت مرة والتالتة تابتة".
السجود للكلب وتقديم التحية العسكرية والاعتذار له والقفز عن الحبل والتهديد بالصعق بالكهربائي، هذه كلها كانت "عقوبات تأديبية" لممرض مسن اعتبر طبيب مصري أنه "سخر" من كلبه
كان الطبيب يمسك عصا يخوّف بها الممرض ويضربه بها أحياناً وسط ضحكات مرافقيْه.
"شعور بالعار" ومعاناة عقب النشر
في مداخلة هاتفية مع موقع "القاهرة 24" المحلي، قال الممرض باكياً: "الموضوع ارتجالي. معرفش أنه بيتصور. معرفش أنه هيطلع للإعلام ويدمرني ويدمر أولادي. المنظر مهين. أنا مش عايز حاجة. أنا كل اللي بدور عليه أني بحافظ على أكل عيشي عايز مكاني. كل دا عشان أحافظ على مكاني وأكل عيشي وتربية ولادي".
وفي مداخلة أخرى مع الإعلامي عمرو أديب عبر برنامج الحكاية على قناة إم بي سي مصر، قال الممرض إنه يشعر بالذل ويعتقد أنه تسبب لأبنائه بالعار، مقدماً اعتذاره لهم ولمهنة التمريض "التي أساء إليها" بخضوعه لأوامر الطبيب ومرافقيه، مناشداً الجميع حذف المقطع وعدم تداوله بغية وقف معاناته لعدم قدرته على النظر في وجه أبنائه أو أهله.
تعاطف عشرات المحامين المصريين مع الممرض وعرضوا تمثيله قانونياً في دعوى ضد الطبيب، لكن الممرض كان مسالماً وقال إنه لا يرغب في الإضرار بأحد. ليس واضحاً إذا كان خائفاً من انتقام الطبيب أو زملاء له إن فعل ذلك.
في الأثناء، تقدّم المحامي سمير صبري ببلاغ طالب فيه منع الطبيب من السفر والتحقيق في الواقعة وإحالتها إلى محكمة الجنايات حال ثبوتها، وفق المادة 126 من قانون العقوبات والتي تحدد عقوبة كل موظف عمومي يكره شخصاً، على الاعتراف بالتعذيب والتهديد بالسجن المؤبد.
بعد رواج الفيديو، قال الممرض إنه يشعر بالذل وبأنه جلب لأبنائه وأهله العار بخضوعه لأوامر الطبيب، مبرراً أنه فعل ذلك فقط "عشان أحافظ على مكاني (وظيفتي) وأكل عيشي وتربية ولادي"
تحركات رسمية
وعقب الاستماع إلى أقوال الممرض الضحية، أمرت النيابة العامة، السبت 11 أيلول/ سبتمبر، بإحضار الطبيب خيري وجميع المشاركين في الواقعة ومضاهاة أصواتهم مع الأصوات الظاهرة في الفيديو.
لكن الطبيب اعتذر عن حضور التحقيق، وذكرت مصادر لوسائل إعلام محلية أنه قد يحضر جلسة أخرى مقررة الاثنين 13 أيلول/ سبتمبر.
قبل ذلك، قررت نقابة الأطباء إحالة الطبيب إلى لجنة آداب المهنة التابعة لها، للتحقيق معه في ما بدر منه، معربةً عن استيائها الشديد من محتوى الفيديو المتداول.
وأعلنت جامعة عين شمس وقف الطبيب خيري عن العمل حتى الانتهاء من التحقيقات، مشددةً على أن الواقعة حدثت في إحدى المستشفيات الخاصة وليس في مستشفياتها. وقالت وزارة التعليم العالي إنها تتابع التحقيقات في الواقعة التي تخالف أعراف مهنة الطب وهيئة التدريس وتنتظر نتائجها.
وطالب يوسف عامر، رئيس لجنة الشؤون الدينية والأوقاف بمجلس الشيوخ المصري، بإجراءات عاجلة ضد الطبيب وكل من عاونه في هذه الواقعة بما في ذلك المستشفى الذي سمح بانتهاك حقوق الممرض وإذلاله والاستخفاف بالشرع.
"بقى أنت تتريق على كلبي أنا"... عقب تداول الفيديو، ادعى الطبيب أن ما حدث "هزار"، وحاول زملاء له الدفاع عنه بالقول إن مثل هذه "المقالب عادية ومكررة" في المستشفيات المصرية
قال عامر إن الواقعة تستوجب "شطب" الطبيب.
وفي تعليقات للصحافة المحلية عن الواقعة، قال الطبيب المتهم إن جزءاً مما ظهر في الفيديو "مفبرك"، وإن هاتفه تعرض للقرصنة قبل فترة وهو يتعرض للابتزاز منذ ذلك الحين، معتبراً نشر المقطع ضمن محاولات ابتزازه. وقدم اعتذاراً باهتاً قائلاً إن ما حدث كان "هزار" وليس إهانة.
وقالت هيئة الدفاع عن الطبيب إنها ستطالب بمحاكمة أول من نشر الفيديو، عوضاً عن الطبيب، بتهمة "انتهاك الخصوصية" وارتكاب جريمة نشر إلكترونية لما سببه تداول الفيديو من "إساءة للطبيب".
ومما زاد الاستياء الشعبي من الواقعة محاولات بعض زملاء الطبيب المتهم الدفاع عنه بالقول إن ما ظهر في المقطع "مقالب عادية ومتكررة الحدوث" في مستشفيات مصر وتكون الضحية عادةً من أطقم التمريض أو الأطباء الشباب حديثي التعيين، وهو ما يرسم صورة قاتمة لاستغلال السلطة الأدبية والوظيفية في القطاع الصحي بالبلاد إن صح.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...